|
كوميديا سياسية سوداء
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 6260 - 2019 / 6 / 14 - 09:20
المحور:
كتابات ساخرة
أحدث أخبار الكوميديا السياسية السوداء التي قرأتها كانت إحالت زعيمة حزب "التجمع الوطني" الفرنسي مارين لوبان، إلى المحكمة التصحيحية على خلفية نشرها سنة 2015 على حسابها على تويتر صور إعدام نفذها تنظيم داعش الإرهابي ومنها حرق الطيار الأردني حياً تنفيذاً لحكم الله فيهم، بعدما تم رفع الحصانة النيابية عنها في مارس/ آذار سنة 2018. المحكمة التصحيحية الفرنسية تشبه إلى حد كبير محاكمة الراقصات في الدول العربية بتهمة خدش الحياء العام، رغم أنهن يحيين كل الافراح بما فيها أعراس المتأسلمين الاثرياء في القصور واليخوت في أعالي البحار. أحيلت لوبان أولا إلى التحقيق بتهمة "نشر صور عنف لمنظمة إرهابية قد تؤثر على حساسية القاصرين". وكان النائب جيلبير كولار عضو كتلتها النيابية قد أُحيل أمام المحكمة التصحيحية في شهر آذار الماضي بالاتهامات نفسها، وفي حال تمت إدانتهما، فقد تطالهما عقوبة ثلاث سنوات سجن وغرامة قدرها 75000 يورو. لوبان، حسب المحللين السياسيين المدافعين عن حق الطبقة المخملية في الحكم والحق في التعامل مع الوطن على انه صفقة، من أبرز سياسيي اليمين المتطرف في فرنسا المناهضين للهجرة، ولا أدري حقيقة إذا كان المحللون أنفسهم يعتبرون أبو بكر البغدادي من أبرز الوسطيين والمؤيدين لحقوق المهاجرين ودس عناصره بينهم إلى دار الحرب الاوروبية، ومن ثمة لا إدانة له ولا غرامة ولو بيورو واحد، ولا حتى استصدار مذكرة اعتقال بحقه بسبب جرائمه ضد الانسانية وحضارتها من أي دولة هدم جزءا يسيرا من أثارها أمام الكاميرات من أجل تنقية الاسلام من الوثنية، وباع الأكثر خلف الكواليس من أجل رواتب مجاهديه. الحمار والبردعة هناك مثل في مصر يقول "اللي ما يقدرش عالحمار يقدر عالبردعة" والبردعة بالفصحى هي السرج الذي يوضع على ظهر أي دابة لركوبها. الطبقة الحاكمة المخملية التي ترتاح جدا بتصنيف الوطنيين بالشعبويين أو اليمين المتطرف لم تستطع شيئاً للحمار لأنه محمي كما يبدو بمؤسسات حقوق الانسان لكنها تستطيع بالنسبة للبردعة التي لا تتمتع بالحقوق نفسها. لا إدانة ولا غرامة ولا حتى مذكرة اعتقال أممية لمن حرق واغتصب وسرق وأعدم وبتر أيادي أطفال لصوص بدون محاكمات، ولم يبتر يد سارق بالغ من عناصره لأنه مجاهد يبذل أمواله المسروقة من أجل نشر حُكم الله، كما باع الايزيديات كعبيد في العشرية الثانية من هذا القرن ليذّكر الناس بحقوق الاسرى الحقيقية في عصور الدواب عندما كانت وسيلة مواصلات، لكن هناك اتهامات وغرامات بالنسبة لمن ينشرون صور هذه الاعمال لأنها وياللهول (كما كان يقول يوسف وهبي) قد تؤثر على حساسية القاصرين. لا أدري والمرجح أن يوسف وهبي أيضا لو كان على قيد الحياد لن يدري لماذا طاردت حكومة الرئيس الأنيق ماكرون النائب لوبان ولم تطارد بالتهمة نفسها وكالات الانباء أصحاب الصور الحقيقية، أو المساكين الذي أرسلوها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إبان حكم الناطق بإسم الله، فمارين لوبان وضعت على صفحتها ما تداولته وسائل الاعلام ووسائل الاتصالات الاجتماعية، ولم تكن هي من إلتقط الصور أو أعدم الناس. ناقل الكفر ليس بكافر. أجزاء الصورة واضح أن الاتهامات التي وُجهت لمارين لوبان هذه المرة رد على حملتها لانتخابات البرلمان الأوروبي، التي وجهّت فيها نداءً لحركة الاحتجاج الواسعة "السترات الصفراء" التي تؤرق الحكومة المخملية، حثت لوبان فيه عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين ينظمون احتجاجات أسبوعية ضد الرئيس إيمانويل ماكرون منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على جعل انتخابات البرلمان الأوروبي استفتاءً على سياساته، إذ قالت لوبان أمام تجمع انتخابي للجبهة الوطنية "في إطار الثورة الشعبية الصحّية للسترات الصفراء تتيح هذه الانتخابات فرصة لإنهاء الأزمة الناجمة عن التعنت والازدراء من قبل رئيس غير كفء يشكل سلوكه إزعاجا". كما قالت : "إذا لم يكن ماكرون يتحلى بالحكمة للعودة إلى الشعب من خلال حل البرلمان فلنجعل الحكم السياسي يأتي من الانتخابات الأوروبية"، وأبدت لوبان والزعيم اليساري "المتطرف" جان لوك ميلونشون تعاطفهما علانية مع حركة السترات الصفراء وطلبا وياللهول تأييدهم في بلد ديموقراطي هو فرنسا. حساسية القاصرين المؤكد أن لوبان كانت على حق، فحِراك "السترات الصفراء" بدأ كرد على قرار الحكومة الفرنسية ورئيسها الأنيق زيادة الضرائب على الوقود، وبعد ضغط "السترات الصفراء" قررت الفريق المذكور التراجع عن قراره بزيادة الضرائب على أسعار الوقود، وإلغاء الضرائب على معاشات المتقاعدين ورفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء الضرائب على ساعات العمل الإضافية، ورغم هذه الإجراءات مازال المحتجون يصرون على متابعة الحِراك معتبرين الإجراءات التي اتُخذت "غير كافية وبمثابة مناورة" من الحكومة لتجنب غضب الشارع، والحق معهم فرفع الضرائب هو وسيلة الحكومات الفاشلة لحل مشاكل الدولة الاقتصادية، وتراجع الحكومات الفاشلة مناورة حتى تحين لحظة مناسبة. هل آن الاوان ليغضب الشارع أو الاعلام احتجاجاً على التهمة الهزيلة الموجهة للوبان وهي التأثير على حساسية القاصرين، أو يستمر التغاضي عن الذين يتعاملون مع الوطن على انه صفقة، وبالتالي يزعزعون أساسات العلمانية والحداثة والقانون تمهيدا لعودة عصر البيعة والحدود والجماعة ودار الحرب؟ هذه الايديولوجية مرفوضة في بلاد المسلمين رغم إيمانهم وياللهول بها. ألم ينتفض الشارع المصري والتونسي والجزائري ضد حكم الاخوان كما انتفض حفتر ضد حكم ميليشيا الناطق بإسم الله؟ ألم تجرّم السعودية والامارات ومصر الاخوان؟ فماذا عن دار الحرب؟ هذه مشكلة من يعيشون في دار الحرب اليوم بغض النظر عن اسم الدولة المُشركة، وما تبقى ديكور وتفاصيل كوميديا سياسية سوداء ستلهمني كما يبدو بكتابة أول مسرحية في حياتي "حساسية القاصرين وعِهر البالغين"، وستكون محاورها تجريم كل من يدافع عن العلمانية والديموقراطية والدولة والقانون أو ينشر صور"حضاريات داعش" و"بوكو حرام"، علاوة على استعمال "حساسية القاصرين" كسلاح ضد الخصوم السياسيين، وعدم استعمالها عند شرعنة "زواج المثليين". قالت قريبة لي تعيش في فرنسا أن ابنة جيرانها الطفلة سألت أمها المُطلقة والتي تعاشرها إمرأة أخرى: لماذا كل الاسر في هذه البناية تتكون من رجل وإمرأة بينما أسرتنا تتكون من إمرأتين؟ أين "حساسية القاصرين" هنا التي تتحدث عنها الحكومة الفرنسية؟ ومن ستُحاكم بسببها؟ هل ستُحاكم مشّرعين؟ الحمار والبردعة مرة ثانية. أماه! ياللهول. بالفرنسية: Maman, quelle horreur
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقيدة مكة وإيديولوجية يثرب
-
الرئيس ماكرون اكتشف النفتالين
-
لبنانيون في المنسى
-
-التنوير- هو المُبشر وليس الوافدين
-
فرمان الخليفة أردوغان الأول
-
رسالة سفاح نيوزيلند إلى العلمانيين والمتزمتين (2)
-
رسالة سفاح نيوزيلند إلى العلمانيين والمتزمتين (1)
-
لماذا لا يطلق السيسي وبوتفليقة لحيتيهما؟
-
مطلوب سحب صفة الانسانية مع الجنسية
-
رواية -عواصم السماء-
-
كل سنة وأبطال العلمانية بخير
-
القتيل الأغلى سنة 2018
-
قتلنا الفرعون.. اهرب بارك الله فيك!
-
التستر على القاتل نفاقاً
-
حرب نصف الألفية الاولى
-
رسالة إلى حامد عبد الصمد
-
ما المانع أن يكون مسلماً كاهنا؟!
-
الملاك الذي طار من البلكون
-
كتاب -امام العرش مرة أخرى-
-
الخطر ليس في تآكل الديموقراطية بل زوال التنوير
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|