|
ثلاثون يوما في سجن المطلاع
مزهر بن مدلول
الحوار المتمدن-العدد: 1542 - 2006 / 5 / 6 - 09:19
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
في السجنِ ، أعيدُ حياكة الذكريات ، فيبدو نسيجها ، باهر الشكل ، عميق المعاني ، كأني لم أكن هناك . ليس في غرف الحبس زاوية ، فالمكان وجسدي ، لاقيمة في اتصالهما ، وكنت دائما ، ابحث عن وشائج مع زمن سيأتي . الساعة ، منتصف النهار .. شمس اب ، تنشر حرائقها على الحدود الحرام .. فتهرب دوريات الحراسة ، من شدة التهابها .. تلك ، بعض نصائح ، من احد معارفي ، يسكن في صفوان ، أومأ لي بيده .. هذا هو الاتجاه .. فمشيتُ . ساعةٌ بعد اخرى .. لاأحملُ ، إلاّ زمزمية معدنية ..مائها كان يغلي . إبتعدتُ ، وابتعدتُ .. حتى خرجتُ ، أو هكذا بدى لي ، بأني خرجتُ من ايِّ مكان . أنا والسراب ، كرسوم اشباح . هنا ،لا سعفة ، ولا ظلال ، وليس في فمي شيئ امضغه . تضاعف زمن المسافات ، فايقنت ، بأني قد سلكت طريقا خطأ، لكني كنت عازما على المشي . هكذا ، حتى وصلت عند الغروب الى مزرعة عراقية ، يفصلها عن الحدود ، طريق اسفلتي فقط . انبطحت في ساقية جافة لبعض الوقت ، وكانت دوريات الحراسة ، بدأت تتحرك من كلا الجانبين . بعد ذلك ، طرقت الباب ودخلت . كان في المزرعة ثلاثة من العمال ، قدموا لي الماء والطعام ، ونصائحا عن كيفية العبور ، وبأي اتجاه اسير . قالوا لي .. إنّ ساعة واحدة ، سوف تصلني الى مزرعة كويتية ، يعمل فيها مجموعة من المزارعيين العراقيين . وحين بدأت الظلمة ، تعم المكان ، تسللتُ بهدوء اول الامر ، وبعد ذلك ركضت مسرعا ، وفعلا وصلت بعد ساعة او اقل منها الى تلك المزرعة . استقبلوني اهلها بترحاب وضيفوني مالديهم . امضيتُ هناك مايزيد على الستة شهور ، متخفيا بين الاحراش نهارا ، ومع العمال ليلا ، وكنت انتظر ، لكي تتسنى لي فرصة العبور الى الكويت . بين المزارع ، واول مدينة كويتية ، التي هي الجهراء ، تمتد صحراء واسعة ومخيفة ، ولايمكن لاي احد ان يتحرك فيها بسهولة . فأن استطاع ان يفلت من حرس الحدود ، فلن يفلت من الذئاب الجائعة ابدا. وقد سمعت قصصا كثيرة عن ذلك ، منها ماهو حقيقي ومنها ماهو من نسج الخيال ، لكنه لاينفصل عن الواقع كثيرا . وكيل المزرعة ، تعاون معي كثيرا ، وأخذ يسأل في المزارع الاخرى ، عن امكانية تهريبي ، حتى جاء في احد الايام مسرورا ، واخبرني ، بأنه اتفق مع احد على ذلك . في فترة وجودي في المزرعة ، جاء ثلاثة رجال من العراق ، يريدون العبور ايضا . وفي احد الايام ، جاء المهرب بسيارته ،وطلب مائة وخمسين دينار لكل واحد منا ، وإتفقنا . الرجال الثلاثة ، كلهم من منطقة الفهود ، في الناصرية، وهم من المتطوعين في الجيش والهاربين منه ،وكانت هياكلهم كبيرة الحجم بالمقارنة معي . تحركت السيارة قبل الغروب بقليل ، بعد ان حشرنا المهرب في الشنطة الخلفية ، وكنت اتوسطهم ، اجلسُ القرفصاء ، فالمكان كان ضيقا ، لايسع لنا ، حتى اني في الربع الاول من الساعة الاولى ، بتُّ لااشعر بوجود بعض انحاء جسدي ، بسبب ثقل الجثامين ، التي حاصرتني . الهواء ، الذي يتسرب الينا ، عبر ثقوب ضيقة ، كان قليل ، وكلما انخفضت سرعة السيارة ، كلما قلت كمية الهواء . ومع كل هذا الموت ، الذي يجاورني ، كنت احلم بالوصول ، الذي سيُركبُني السفينة . بعد ساعتين تقريبا ، توقفت السيارة في المطلاع لغرض التفتيش . كنا نسمع الشرطي ، الذي انهال على المهرب بالاسئلة .. من اين انت ؟ والى اين ذاهب ؟ وماهو غرضك ؟ ... الخ . لكنه ، فجأة طلب من المهرب ، ان يصطحبه الى داخل المركز. تأخرمهربنا زمنا لايزيد عن العشرة دقائق ، وكنت اشعر، بأن مياه جسدي ، قد تبخرت ، والثقوب ، التي يدخل منها بعض الهواء ، قد أُغلقت ، وبدأنا نتنفس بصعوبة كبيرة ، ثم اتفقنا ، بالاشارة والهمس ، باننا لانستطيع ان نقاوم اكثر من دقيقتين. فانْ لم يأت ِ، سوف نصرخ ، لنقول نحن هنا ، وبينما نحن في هذه الحال ، واذا بنا نسمع خرخشة مفاتيح ، في محاولة لفتح الشنطة .. الشرطي فتحها .. نظر الينا بدهشة واضحة ، ثم اطبق الباب بسرعة ، لكننا حصلنا على كمية من الهواء جيدة ، ثم راح يصرخ ، وكأنه جُنّ .. [فلان ، فلان .. تعالوا .. إكعيبر بالسيارة ] . جاء عدد من الحرس ، يهرولون ويلوحون بعصيهم ، انزلونا من السيارة ، وكنت في غيبوبة في ذلك الحين ، لكني سمعت شيخا من الحرس قال .. [ تعالوا اولادي لاتخافون ] . السجن كبير ، غرفه كثيرة ، يزدحم الموقوفون فيه ، وكلهم من جنسيات عربية مختلفة ، جاءوا من العراق ، بطريقة غير شرعية للبحث عن عمل . كل شئ في ذلك السجن سيئا ، عدا الطعام . استدعانا الضابط في اليوم التالي للتحقيق ، وقبلها ليلا ، اتفقنا نحن الاربعة ، على ان ندعي باننا سوريون وليس عراقيون . التحقيق معنا كلا ً على انفراد ، وهواجراء عادي وخالي من اي شكل من اشكال الاهانة او التعذيب . عاد اول واحد من التحقيق ، وعرفنا منه الطريقة التي يحققون فيها ، والاسئلة المهمة التي واجهته ، ولكن عندما سالناه ،هل قلت بانك من سورية ؟.. قال .. نعم قلت ذلك .. لكنهم [ سووني كركزان ] ، يعني ضحكوا وسخروا منه بشدة ، وسجلوه عراقيا ، وهكذا تعاملوا معنا ايضا. بعد ان مضى علينا شهر كامل في سجن المطلاع ، نقلونا الى سجن التسفيرات العامة في العاصمة ، وكان العدد يتجاوز الخمسين ، وعدد العراقيين بينهم كان عشرة فقط . سبق لي وان تعرفت في السجن على شاب من سورية ، يبدو انه حاول العبور لمرات عديدة ، ولم ينجح . ذلك الشاب ، ادرك خطورة قضيتي، فزودني بكثير من المعلومات المهمة . في الصباح كنا نستعد للترحيل ، الجميع يجب اعادتهم من حيث جاءوا .. الى العراق . اصطففنا واخذوا ينادون بالاسماء ، كل من يسمع اسمه عليه ان يدلف الى المركبة [ السجن ]، حتى كنا نحن العراقيين اخر الاسماء . جلبوا [ الكلبجات ] ، ووثقوا ايدينا ، كل اثنين بكلبجة واحدة . العراقيون فقط ، يجب ان تو ضع [ الكلبجات] بايديهم ، ووحدهم فقط ، ان تدون اسمائهم لكي يتم استلامهم من قبل شرطة صفوان ، حيث يتم التوقيع بالاستلام ، اما الاخرون ، فانهم يدخلون الى العراق دون ان يسالهم احد من شرطة مركز صفوان الحدودي ، هكذا تقضي الاتفاقية الامنية بين البلدين. جاء الشرطي ليضع الكلبجة في معصمي ، فرفضت ، مدعيا باني سوري الجنسية ، لم يقل شيئا ، لكنه نادى على الرقيب ، الذي قال لي .. اقسم بالله العظيم .. انت عراقي .. وانت من الناصرية ، واضاف .. ان صدام حسين اشرف منكم جميعا !!! . ولاادري ، اذا كان ذلك الشرطي قد ارتاب في حالتي . ثم جاء رجل مخابرات ، يلبس دشداشة بيضاء وعقال ، قال لي هو الاخر .. سوف اريك ، عندما نصل الى صفوان .. انت تخفي شيئا . صعدت الى الباص السجن ، وكان جسدي ، يرتعد من تهديد رجل المخابرات . حين تحركت المركبة ، جاء ناحيتي صديقي السوري ، واخبرني ، بان لديه مفتاح ، يمَكنه من فتح الكلبجة ، وقال ايضا .. عندما نصل الى العبدلي ، سيتوقف الباص وينزل منه الجميع عدا العراقيين ، وعليك ان تسرع بالنزول ، ثم نركض باتجاه صفوان . شكرته على ذلك ، فتح لي الكلبجة . ولسوء حظي ، عندما وصلنا الى العبدلي ، لم يطلبوا من غير العراقيين ان ينزلوا ، بل قالوا على العراقيين ان ينزلوا اولا . دبَّ اليأس في نفسي ، نزل العراقيين التسعة ولم انزل ، فسالهم الشرطي .. اين عاشركم ؟ . فرد الرجل الذي يقاسمني الكلبجة .. انه ليس عراقي . فجاء لي الشرطي وبكل ادب طلب مني ان اذهب معه ، وقال لااستطيع ان افعل شيئا الان ، لانك لم تحسم الامر من دائرة التسفيرات . نزلت معه . ثم طلبوا من الاخرين ترك المكان والعودة الى العراق. اعادونا الى الباص مرة اخرى ، بعد ان فكوا اغلالنا . لااستطيع ان اوصف الرعب ، الذي اصابني في ذلك الوقت ، من الرجل ، الذي هددني. تحرك الباص من العبدلي بأتجاه صفوان . كنت افكر ..كيف لي ان ابتدع حيلة ، لكي اتخلص من هذا الجحيم الذي اخذ يزحف نحوي . توقف الباص في باب المركز . صعد إليه شاب ، جنوبي الملامح ، وجهه خاليا من اية قسوة ، رتبته العسكرية [عريف] . قال .. السلام عليكم .. وعليكم السلام . كلكم عراقيين .. رفعتُ يدي .. نعم اتفضل .. انا سوري .. لكنهم خبطوني مع العراقيين . ولاادري من اين جائتني هذه الخبطوني .. مااسمك .. فلان الفلاني .. اخذ قلمه وشطب اسمي ودون اي شئ اخر . . قال .. انت خليك مكانك . وانتم ، خاطب الاخرين .. تعالوا معي . اغلقوا باب الباص ، وتركوني . كل دقيقة تمر ، كان خوفي يزداد ، الشرطة الكويتيون ورجل المخابرات دخلوا ايضا الى داخل المركز . مالذي سيقوله ذلك الرجل . ربما ضميره سيمنعه من ان يقول شيئا . وكنتُ ... [ حسبة اجيبني وحسبة توديني ].لكن ذلك لم يدم طويلا ، فقد جاء الجميع الى الباص ، الذي عاد بي الى العبدلي . انزلوني ، وكانت على وجوهم مظاهر الارتياح ، بعضهم اخذني في حضنه بسعاده ،قائلين .. هسة انت سوري بشكل رسمي . اشتروا لي بعض السندويج وزجاجة من شراب البيبسي . وفي اليوم التالي ، سفروني على اساس ،انا سوري الجنسية ، ودخلت الى العراق بسلام . فأية مفارقة وأية مأسات .
#مزهر_بن_مدلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العودة
-
سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد
-
سيدي الحاكم .. إسأل المتهم
-
كل الحب الى الحزب الشيوعي العراقي
-
قُبَّرةٌ
-
تعالي معي ...!
-
لكنه سيأتي
-
اللوحة السومرية..... الى الشهيدة الشيوعية المنى ليزا - انسام
المزيد.....
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|