|
حضارة العرب من منظور التوسع الاستعماري (2)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 6257 - 2019 / 6 / 11 - 22:47
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
عرفنا في مقال الأمس أن الصحابة الكرام ذهبوا إلى العراق لاحتلالها بحجة نشر الدين، وعرفنا أنه لا يمكن استخدام الجيوش الحربية في نشر الأديان لأن الأديان دعوة خير وسلام للبشرية، لكن الصحابة الكرام سلطوا سيوفهم على رقاب الناس الأبرياء في العراق وفارس لأن بلادهم كانت حضارية وخيراتها كثيرة، بينما الصحابة العرب كانوا جائعين جداً لدرجة أنهم تزمروا حينما أمر الله بمنع طواف المشركين حول البيت لأنهم كانوا يطوفون عرايا، لكن العرب المسلمين كانوا يسترزقون من بيع خدماتهم لهؤلاء الفسقة... المهم أننا أثبتنا أن علامات الجوع كانت لها حسابات في عقل كل عربي ، حتى أنهم فسروا قول الله تعالى "سيرزقكم من حيث لا تعلمون" بأنها تشير إلى الغنائم والجزيرة التي يفرضونها على الشعوب المجاورة لهم، وهذا ما قال به المفسرون، وهذا ما يعبر عن التربة الخام للعقلية العربية أنها تقوم حياته على الإغارة والغصب ولا تأكل من عمل يدها ولا تعرف الكد والتعب والعرق إنما فقط تعيش على الكر والفر والغصب كما الكائنات البرية.
... نعود إلى شبه جزيرة العرب، ففي موقعة حُنين، عمل مالك عوف النصري كميناً للمسلمين، ووضع جنده في رؤوس الجبال وتظاهر جيشه بالانسحاب وترك الغنائم والمتاع طعمة ظاهرة للمسلمين.. فاغتر المسلمون بهذا المشهد.. لم يتريثوا وتدافع كثير منهم لحصد الغنائم، فانهالت عليهم السهام من قمم الجبال، حيث أمطرهم جيش مالك عوف بوابل من السهام، ففروا هاربين وتركوا كل شيء، ولم يصمد حول رسول الله منهم سوى عشرة فقط أو أحد عشر صحابي.. لم يكن الدين قد ترسخ في قلوبهم بالكامل وما زالت عادات السطو والنهب والسلب تغازل نفوسهم حتى أنهم تركوا الرسول وتركوا الجيش والنظام المأمورين به في الصفوف وانفرطوا عشوائياً لحصد الغنائم وكأنهم إنما جاؤا من أجلها.. سبحان الله.. هذه طبيعة نفسية غريزية في المجتمع العربي، وبرغم نزول الوحي كالفيضان المنهمر يوماً بعد يوم إلا أنه لم يتملك من قلوبهم المادية..
وحتى بعد انتصارهم في خيبر، يسرع أحدهم ليسرق عباءة ويخفيها.. يروي عُمَرُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فُلاَنٌ شَهِيدٌ. حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ عليه السلام: «كَلاَّ. إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ. فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا. أَوْ عَبَاءَةٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ عليه السلام: «يا ابْنَ الْخَطَّابِ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ» رواه مسلم؛ أي الذين جاؤا للجهاد والتضحية بأموالهم وأنفسهم وليس من أجل المال.
وهذا لا يعني أن من شغلوا أنفسهم بالغنائم ليسوا مؤمنين، وأن من فسروا كلام الله بأن الرزق هو الجزية والغنائم ليسوا مؤمنين أيضاً، لكن هذه السلوكيات الرديئة كانت مترسخة في عقلية العرب، وكان من الصعب تخليصهم منها، فهم قد اعتادوا الهجوم والإغارة على بعضهم البعض للسلب والنهب والخطف، وهذه كانت طبيعة المجتمع العربي في الغالب الأعم.. لكن الجهاد في سبيل الله، قام على فلسفة عكسية، وهي التضحية في سبيله " بالمال والنفس" فيبدأ بالمال والنفس لا طمعاً في المال، فيقول تعالي: إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )
فالجهاد في سبيل الله كان ثقيلاً في عهد النبي، ولذلك نزلت سورة التوبة مخاطبة المؤمنين أنفسهم قبل المنافقين منهم بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ورضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل* إلا تنفروا...) هنا يخاطب الله الصحابة بلفظ المؤمنين الذين كان أغلبهم يتهرب من القتال في جيش العسرة، لأن القتال " كُرهٌ للناس " هذا في عصر النبي، أما بعد رحيل النبي انطلقت الفتوحات مثل الشرارة تجوب الأرض شرقاً وغرباً، بل إن بعض المسلمين كانوا يتحايلون على الخليفة ليسمح لهم بالانضمام إلى الجيش، وكان يرفض بالسماح لمن يحتاجهم معه في المدينة.. ألا يعد ذلك الوضع غريباً ؟ وإذا قلنا أنهم تثاقلوا في الحركة وتعبئة جيش العسرة بسبب ظروف الحر والجدب واقتراب الحصاد، وعدم القدرة على السيرة مسافة طويلة، فإننا سنجدهم بصحبة خالد الوليد يجوبون الأرض شرقاً وغرباً ويذهبون لمقاتلة الروم على الحدود الشمالية للعراق والشام وليس فقط في ظروف الحر والجوع، بل طوال العام لدرجة أن خالد الوليد كان يفطر رمضان ويقاتل في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال، ما يعني استمرار الحرب على مدار العام كما كان نهج العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وهذا ما يؤكد أن الحرب كانت مصدر دخل لهم وأمل وطموح في رغد العيش والغنى والسيادة، وليست أبداً جهاد في سبيل الله وتضحية بالمال والنفس.
غير أننا نستعجب كثيراً مما قاله الشيخ العلامة ابن باز بشأن القتال الذي حرمه الله في الأشهر الحرم في نص قرآني واضح وصريح، لكن ابن باز جعله نسياً منسياً منسوخاً ورجح عليه أقوال الجمهور!، يقول ابن باز؛ الأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب؛ أربعة قال الله جل وعلا): إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) 36/التوبة ، هذه الأربعة؛ ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم عاشوراء، والرابع فرد وهو رجب بين جمادى وشعبان، هذه الأربعة الحرم، كان القتال فيها محرم، وكانت الجاهلية تحذر ذلك أيضًا، ثم نسخ عند الجمهور القتال فيها وصار القتال فيها جائزًا، والصحابة قاتلوا الروم وغير الروم ولم يحفظ عنهم أنهم تركوا القتال في الأشهر الحرم لعلمهم بأنه نسخ.." ! برغم أن الله كرر الحديث في القرآن حول تحريم القتال في الأشهر الحرم وذكر ذلك في معرض حديثه عن تلاعب العرب في الجاهلية قبل الإسلام بالمخالفة للشرائع السماوية السابقة، وذلك بتحريك صفة التحريم زمنياً عن مواعيدها فيما يطلق عليه "النسيء" حيث كانت الأشهر الحرم معظمة في شريعة إبراهيم، واستمر ذلك باقيًا، فكان العرب قبل الإسلام يعظمونها ويحرمون القتال فيها، وهي مواعيد دورية موسمية محددة ومعرفة في كل سنة، ثم بدأ العرب باستخدام النسيء في تقويمهم، بهدف تأجيل الأشهر الحرام في بعض السنوات أو تعجيلها حسب ما يناسب حاجاتهم لأن حياتهم كانت قائمة على الحرب والإغارة، وهي مصدر دخلهم. وقد ذُكر هذا التلاعب في القرآن بصيغة الاستنكار والتحريم، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ�/ التوبة... ألا يعتبر ذلك عودة من العرب إلى ما هو أسوأ مما كان قبل الإسلام؟ فالله تعالى وصف النسيء بأنه زيادة في الكفر، وكان النسيء هو تأجيل أو تعجيل الأشهر الحرم الموقوف فيها القتال، وجاء الإسلام وحكم بالكفر على مجرد التلاعب بهذه المواعيد، فهل هناك منطق يقول بأن الله رجع في كلامه ونسخ ما قاله وأحل للعرب كل الشهور وألغى فكرة الأشهر الحرم ؟ إذ كان النص القرآني جاء لتأكيد تحريمها وتجريم مخالفة هذا التحريم ! هل لمجرد أن الصحابة لم يلتزموا بهذا التحريم فيصبح كلام الله لاغياً ؟ !!
فالعرب جعلوا مهمتهم هي الإغارة كما كانت قبل الإسلام، جعلوها جهاد، وإذا كان كفار قريش قد خالفوا الأشهر الحرم بالنسيء فقد جاء الصحابة الكبار بنسيءٍ جيد هو نسخ كتاب الله بآرائهم الشخصية، فأزالوا الحدود الزمنية للقتال وجعلوه مفتوحاً مطلقاً، وأزالوا الحدود الشرعية للحرب وجعلوها دورهم في الحياة لنهب الشعوب والسطو عليها.. لم يشغلهم من لقاء ربهم شيء بقدر انشغالهم بالنهب والسلب والعدوان.. بينما كان أجدادنا المصريين قبل أن يصلهم الدين يتفكرون دائماً في "كيف سنقابل الرب؟ وكيف سيكون حسابنا؟ .. فها هو الملك «خيتي» يقدم لابنه «مري كا رع» نصائح ثمينة؛ يدعوه فيها بأن يعمل لآخرته ولا يغتر بدنياه، فيقول: لا تجعل عقيدتك في طول الحياة الدنيا ولا تغتر بها؛ فإن وقت الحياة الدنيا قصير كساعة واحدة على الأرض، ولا يبقَ للإنسان في آخرته إلا عمله فهو كالكنز الثمين. ويحذره من طول الأمل ونسيان الآخرة؛ فيقول: لا تثق بطول السنين، فإن الحياة كأنها ساعة، وإن الإنسان ليبقى بعد الموت وستكون أعماله إلى جانبه، وأما من يأتِ إلى قضاة الموتى مبرأً من كل ذنب فسيكن مثل الرب، ويسير حرًا طليقًا سيدًا في الدار الآخرة.
وقالوا: ومن يك على وجه الأرض خيرًا يجد في العالم السفلي خيرًا، ومن يك شريرًا يلق شرًا... أما الحكيم «آني» فيُذكر ابنه بالموت ووجوب الاستعداد له؛ فيقول: أقم لنفسك قبرًا يرقد فيه جسمانك، فذاك أمر هام، لأن رسول الموت سيأتيك، وإذا أتاك؛ فإنك لن تستطيع أن تقول له: أنا ما زلت صغيرًا، فإنك لا تدري متى تحين ساعة رحيلك عن هذه الدنيا، فالموت يأتي على حين غفلة، وهو يختطف الطفل الذى يرقد بين ذراعي أمه، كما يختطف الرجل الذي بلغ من العمر عتيًّا... ويتخيل الحكيم «آني» ما سوف يقوله أمام رب العدالة في الدار الآخرة، فيقول: لقد أحسنت عملي في بلدي، ولم أسئ في حق الرب، وما صدر أمر مسيء إزائي من ملك زمانه..(1). هذا كان سلوك وفكر المصريين قبل أن ينزل الإسلام، فماذا فعل العرب في إسلامهم؟
بالطبع ما فعله العرب غريباً على الإسلام لكنه ليس غريباً على العرب بل من طبعهم.. وسنتبين سبب هذا الاغتراب إذا عرفنا أن الحرب في عهد الرسول كانت لها قواعد محددة، بينما بعد رحيله وضعت لها قواعدها الجديدة من ثقافة العرب وجلبت محفزات كانت موجودة في قلب المجتمع العربي بالفطرة قبل ظهور الإسلام. فالحرب في الإسلام (كما طبقها رسول الله) دفاعية فقط ومكلفة جداً، مكلفة من المال والنفس، أما في عهد الصحابة كانت الحرب مربحة جداً، وكانت هجومية، بينما الحرب في الإسلام دفاعية، أي لا يسمح الله لأي أحد بالهجوم على قومٍ آمنين أياً كان السبب، ولذلك نجد أن جميع المعارك التي خاضها الرسول كانت حروب دفاعية، ولم تقع بينها حرب هجومية واحدة، أما الشرط الثاني، فأن تكون الحرب في الصحارى الخالية بعيداً عن السكان والمدن المأهولة حتى لا يحدث تخريب للعمار وتشريد للأهالي، وقد أوصى رسول الله أصحابه عند التحرك للحرب، فمن هذه القواعد الأخلاقيَّة العظيمة قاعدة: "عدم قتال مَن لم يُقاتِل"، وهي تابعةٌ في الأساس لقاعدةٍ عُظمى؛ وهي قاعدة تحريم الاعتداء على الآخرين بغير حقٍّ، أو التَّعدِّي على الأبرياء بغير ذنب اقترفوه.
إنَّ شريعة الإسلام هي شريعةُ الرَّحمة للعالَمين، وهي شِرعة العدل والسَّماحة في كلِّ الميادين؛ من أجل ذلك لم يكن عجيبًا أن تجدَ هذه الشريعةَ تأتي في مسائل القتال والجهاد بقواعدَ أخلاقيَّة، ومبادئَ أدبيَّة لا يملك أيُّ مُنصِف إلَّا أن يعبِّر عن شدة احترامه وإجلاله لهذه الشريعة. من أجل ذلك قرَّرت الشريعةُ الإسلاميَّة: أنَّ قتال الذين لا يشتركون في القِتال ولا يَقدرون عليه هو نوعٌ من العدوان الذي نهى الإسلام عنه، وذَمَّه وحرَّمه، وعدَّه من الجرائم الحربيَّة. ومن الأدلة على ذلك: قوله الله تعالى :﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 190/البقرة. روى النسائي: قال رسول الله: ((لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رِقابَ بعض، ولا يُؤخذ الرَّجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه)). وحتى في الحرب إذا قامت، فلا يُقتل أحدٌ بذنب غيره، ولا يُؤخذ ابنٌ بجريرة أبيه، أو امرأة بجريرة زوجها، ولا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى، وهذا أسمى معاني العدالة والرَّحمة.. وعلى هذه الأسس قام النبي بصد الحملات العسكرية التي شنها العرب ضد مجتمعه، ولم يقم هو بحربٍ هجومية أبداً.
لكن العرب بعد رحيل الرسول عنهم، وبما فيهم أقرب الصحابة، انقلبوا عن المسار كما ينفلت القطار عن القضيب فيخرق الأرض ويهدم البناء ويعدم الأخضر واليابس، وانحرفت أخلاقهم وفهمهم للدين واختلفوا وتصارعوا واقتتلوا وقتلوا بعضهم في نهاية الأمر.. بدؤوا بقتل المخالفين لهم في السياسة، كما حال السعودية اليوم، ثم قتل المخالفين لهم في الدين (كما حال الرومان في عصرهم)، ثم انتقلوا إلى قتل كل من اختلف عن دينهم في البلاد المجاورة، لم يفكروا في بناء نهضة حضارية علمية، لم يستصلحوا أراضي جديدة ويزرعوها، لم ينشئوا السدود لحجز مياه الأمطار، لم ينشئوا مزارع، لم ينشئوا مصانع ولا عمارة ولا هندسة كما فعل الرومان قبلهم بألفي عام.. تفرغوا تماماً للقتل وكأن مهمة المؤمن في الحياة هي أن يتقرب إلى الله بقتل من لا يعبد الله.. لكن هذه المهنة (قتل من لا يعبد الله) لن توفر لهم رغد العيش ولا المال الوفير، غير أنها عرضة للهلاك.. ولهذا أضافوا ما يجعلها محببةً لنفوسهم، فإذا كانت الحرب حملاً ثقيلاً في عهد النبي لأنه لا مال حولها ولا غنيمة تجزي، لأن الجهاد في عهد الرسول كان (يا أيها اللذين آمنوا جاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) أما بعد رحيله، فكان الجهاد من أجل توفير مصدر دخل ثري وغزير، ولذلك ظهرت من جديد عادات العرب في سبي النساء من المدن وخطف الأطفال والبنات، وراجت معارض وأسواق النخاسة أكثر من معارض السيارات في عصرنا. ثم يقولون للناس أن تجارة الخمر حرام !
وقد ظهرت بوادر ذلك الانحراف في الخطاب الحربي الذي وجهه خالد إلى أمراء فارس أيضاً يساومهم على الإسلام أو الجزية أو القتل، فقد نقل ابن كثير رسالته التي يقول فيها:" من خالد ابن الوليد إلى مرازبة أهل فارس، سلامٌ على من اتبع الهدى أما بعد، فالحمد لله الذي فَضّ خَدَمَتَكم وسَلَب مُلككم، ووهّن كيدكم، وإنه من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا، أما بعد، فإذا جاءكم كتابي فابعثوا إليّ بالرُّهُنِ، واعتقدوا مني الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوماً يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة " (ابن كثير – كتاب البداية والنهاية ص 514/9) بالطبع إذا وصل هذا الخطاب من قائد الأسطول السادس الأمريكي إلى خادم الحرمين الشريفين، يطالبه بدفع الجزية، فلن يفهم خادم الحرمين أبداً أن قائد الأسطول هذا جاء لينشر دين السلام ويعلم الناس عبادة الله.. سيفهم تلقائياً أنه إعلان لحالة الحرب.. وبالفعل، ولم تمر أيام حتى هاجم خالد وجيشه بلاد فارس وبعث إلى الصديق بالبشري والخُمس من الغنائم.
يقول ابن كثير: "ثم كانت وقعة أُلَّيْس في صفر أيضاً، وذلك أن خالدًا كان قد قتل يوم الولجة طائفة من بكر وائل، من نصارى العرب ممن كان مع الفرس، فاجتمع عشائرهم، وأشدهم حنقا عبد الأسود العجلي، وكان قد قتل له ابن بالأمس، فكاتبوا الأعاجم فأرسل إليهم أردشير جيشا مددا، فاجتمعوا بمكان يقال له : أُلّيْس، فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله، إذ غافلهم خالد بجيشه، فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد، وقال أمير كسرى، واسمه جابان: بل ننهض إليه، فلم يسمعوا منه، فلما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك الأعراب: أين فلان، أين فلان؟ فكلهم نكلوا عنه إلا رجلا يقال له : مالك بن قيس، من بني جذرة، فإنه برز إليه، فقال له خالد: يا ابن الخبيثة، ما جرأك عليّ من بينهم وليس فيك وفاء ؟ ! فضربه فقتله، ونفرت الأعاجم عن الطعام، وقاموا إلى السلاح، فاقتتلوا قتالا شديدا جداً، والمشركون يرقبون قدوم مددا من جهة الملك إليهم، فهم في قوة وشدة وكلب في القتال، وصبر المسلمون صبرا بليغا، وقال خالد: اللهم لك عليّ إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم." (ص520/9)
وهنا يحضرنا التساؤل، لماذا هجم خالد على هؤلاء الناس بهذه الطريقة، هل كان ذلك ليعلمهم دينه؟ هذه الأحداث تؤكد أن الأمور كانت تسير من أجل الحرب، ولا وجود فيها لفكرة الدين، بل إن خالد الذي أوصاه الخليفة بأن يتآلف الناس، بدأ خطابه مع أحدهم الذي خرج له: (قال له خالد: يا ابن الخبيثة، ما جرأك عليّ من بينهم وليس فيك وفاء ؟ ! ثم ضربه خالد فقتله، فنفر الناس عن طعامهم) ونتساءل ما علاقة الدين الإسلامي بهذه الطريقة البشعة، ولماذا يهجم على الناس في بيوتهم ويبدأ بالسب والشتم والقتل؟ غير أن خالد الوليد كانت فلسفته في الحياة غريبة جداً، كان يرى أن قتله الناس غير المسلمين يتقرب به إلى الله، ولذلك نجده يقسم بالله نذراً على نفسه ويقول: اللهم لك عليّ إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم" ! فقد عقد نذراً على نفسه إن انتصر عليهم أن يقتل ما تبقى منهم جميعاً ثم يصب دماءهم في النهر ! لينتشر في البلاد .. فهل هكذا ينتشر الدين في البلاد؟
في الواقع فإن خالد الوليد خرق كل القواعد الإنسانية حتى المتعارف عليها في عصره، والغريب من خالد أنه حتى تجاوز أعراف العرب بعدما تجاوز حدود الدين، كان خالد يفطر رمضان ويحارب في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال (ابن كثير). والعرب كانت تكره الزواج خلال فترة الحروب، لكن خالد تزوج من فتاة كان يحارب أهلها.. وبعدما استسلموا وضع شرطاً في عقد الصلح والاستسلام هو أن يتزوج ابنتهم ! حدث ذلك خلال الحرب الردة، بل إن خالد كلما أعطي أحد الأمان غدر به وقتله، ولم يثبت تاريخه أنه صان وعده ولو مرة واحدة، وهذا ليس من شيم العرب في الجاهلية، فكيف يكون من شيم الإسلام؟ والإسلام وجميع الشعوب بالفطرة لا تميل لفكرة قتل الأسرى، أما خالد فقد قتل أسراه المدنيين غير المقاتلين فقط من أجل إشباع غريزة القتل والشعور بنشوة الانتصار، والفقهاء يعتبرونه بطل قومي لمجرد أنه انتصر في 17 معركة متواصلة، وكأن الله نصره لأنه مؤمن حقاً ! بينما النصر ليس له علاقة بالإيمان لأن خالد نفسه انتصر علي المسلمين أيما كان كافراً في معركة أُحد، فهل كان وقتها مؤمن متخفي؟ فتحقيق النصر يرجع للأسباب القوة والظروف ومدي الإتقان في الحرب أيا كان دين المحارب.. غير أننا اعتدنا أن نحتفل بخالد باعتباره بطل قومي حقق انتصارات على كثير من الشعوب، ولا ننظر في الجانب الإيماني تماماً، فهل كان خالد مؤمناً حقاً ؟ هل قرأ آية من كتاب الله؟ هل روى حديثاً عن رسول الله؟ لا أحد يعرف، فقط جميعنا يعرف أنه قتل الأعداء وانتصر في الحروب، وطالما انتصر في الحروب فهو جزء من التاريخ وليس من الدين، بغض النظر عن شرعية هذه الحروب، لأن الجيوش بوجه عام لا تحترم إلا الانتصارات أياً كانت مشروعية هذه الانتصارات، وبوجهٍ عام نحن نحتفل بكل نصر حتى ولو كان المنتصر مجرماً.. فخالد الوليد انتصر في 17 معركة ولم يُهزم في أي معركة دخلها، لكنه ليس لديه أي رصيد معرفي من الدين ولا أي رصيد من الإنسانية أو الرحمة، ومع ذلك بقي هو فخر الفقهاء !
فهناك بطولات كثيرة في التاريخ، لكنها لا تدعي كونها بطولات دينية.. فقط هي انتصارات عسكرية.. لكنها مع ذلك كانت أكثر نزاهة وإنسانية من مذابح خالد الوليد.. دعونا نتعرف على قصة هذا الملك المصري القديم، جدنا العظيم تحتمس الثالث الذي حارب في ذات المنطقة التي حارب فيها خالد الوليد، وخاض 17 معركة حربية كبرى أكبر من المعارك التي خاضها خالد، لم يهزم في أي معركة دخلها.. ويعتبر هو مؤسس الإمبراطورية المصرية القديمة التي امتدت أطرافها من جنوب تركيا الحالية لثلث الجزيرة العربية، وشرقاً ضمت العراق وجنوباً ضمت السودان وغرباً وشمال ليبيا.. فقد أسس تحتمس الثالث أول إمبراطورية في تاريخ البشر.. وما زالت خططه الحربية تدرس في أكبر الكليات العسكرية في العالم المتحضر.. نابليون ومونتجمري وحتى الإسكندر الأكبر قلدوا خططه واستنسخوها لينتصروا علي أعدائهم..
تُحتمس باشا هو أول قائد حربي ينشئ مخابرات حربية تتقدم القوات وتستطلع الطريق بل مخابرات داخل مدن الأعداء نفسها.. وأول قائد حربي في تاريخ البشر يشن هجوم متزامن من البحر والبر معاً في حربه علي ملوك سوريا. وقلده الإسكندر الأكبر وكل قادة الجيوش الحديثة .. وكان أول من اختار الطريق المنحدر الصعب الوعر بدل من الطريق الواسع المنبسط لمفاجأة أعدائه، فعلها في معركة مجدو شمال فلسطين وهي أعظم انتصاراته، وفتحت أمامه سوريا والعراق.. قلده فيها نابليون في معركة اوسترليتز علي النمسا، وقلده فيها الجنرال البريطاني اللنبي في الحرب العالمية الأولى، فاللنبي سلك نفس الطريق الضيق الذي اختاره تحتمس في معركة مجدو وفاجأ الجيش التركي وانتصر عليه انتصاراً ساحقاً في شمال فلسطين في نفس مكان معركة مجدو القديمة، وقال بالنص في مذكراته :" لقد قرأت ودرست معركة مجدو وقلدتها بالحرف.. وعندما سبب الأعداء لتحتمس المتاعب في غرب العراق الآن وظنوا أنه لن يطولهم وهم معسكرون خلف نهر الفرات وليس معه سفن ليعبر بها صحراء الشام ونهر الفرات..
صمم تحتمس باشا مراكب يمكن تفكيكها وتركيبها ثانية مثل الميكانو وعبر بها جدودنا الصحراء وأجزاء المراكب علي ظهورهم وظهور الثيران ثم أعادوا تركيبها علي ضفاف نهر الفرات و عبروا بها و فاجأ تحتمس غرماءه وهزمهم وضم العراق لمصر.. وفي العصر الحديث قلّد المارشال مونتجمري خطة تحتمس الثالث حرفياً ليعبر نهر الراين بمراكب مفككة أجزاء ثم تجميعها علي ضفاف نهر الراين ليهزم ألمانيا النازية، وكتب في مذكراته:" لقد أتبعت خطة الملك تحتمس التي درستها في الكلية الحربية بالنص.." ولأول مرة في تاريخ البشرية لم يقتل ملوك أعدائه المهزومين بل أحضر أولادهم لمصر ورباهم وعلمهم بعلوم وحكمة وإنسانية مصر، ثم أعادهم لبلادهم ليحكموها تحت النفوذ المصري، واستمر ملوك سوريا والشام كله لقرون طويلة يرسلون أولادهم للتعليم في المدارس المصرية، يتعلموا العلم والحكمة والحضارة من جدودنا ويرجعوا لبلادهم فيحكموها باسم مصر بعد أن أحبوها وعرفوا قيمتها وحضارتها وعظمتها، فحل السلام والرفاهية في منطقة الشرق الأوسط لحوالي ألف عام بعد وفاة هذا الرجل العظيم لأول، ولم يكن سفاحاً في القتل والذبح والسبي كما يفعل العرب.. بل إن الكارثة أن الصحابة العرب ارتكبوا أبشع الجرائم غير الإنسانية بحق الأبرياء الفارسيين والعراقيين وسبوا نسائهم وبناتهم وأطفالهم وباعوهم في أسواق النخاسة، ثم أصبح هذا التاريخ النجس ديناً للشعوب يمكنك أن تتعلمه من صحيح البخاري على اعتبار أنه سُنة نبوية !!
نعود إلى هولاكو العرب.. حيث يقول ابن كثير: ثم إن الله، منح المسلمين أكتافهم، فنادى منادي خالد : الأسر ، الأسر ، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر. فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم خالد يوما وليلة، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر، فقال له بعض الأمراء: إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه، فتبر يمينك (قتل الأسرى من أجل بر اليمين!!) . فأرسله فسال النهر دما عبيطا ، فلذلك سمي نهر الدم إلى اليوم ، فدارت الطواحين بذلك الماء المختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكماله ثلاثة أيام ، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا". !
بينما في عام 1859م وقف الشاب السويسري "هنري دونان"، مُتأثراً بما خلفته معركة سولفرينو الدامية في إيطاليا بين جيش بلاده النمساوي والاتحاد الفرنسي. حيث خلفت المعركة ما يقارب من 40 ألف ضحية في ميدان المعركة، بين قتيل وجريح، وعانى فيها الجرحى من نقص الرعاية الطبية. حاول هنري إسعاف الجرحى وتضميد جراحهم وآلامهم.. وقف عاجزاً بين صرخات الجنود وآلامهم.. حاول هنري الاستعانة بالسكان المحليين لتضميد جراح الجنود، وإطعامهم، والعمل على راحتهم. لكنه عجز عن توفير الرعاية الصحية لهم.. فصرخ في العالم صرخته.. أن أغيثوا جرحى ومصابي الحروب.. نادى بإنشاء جمعية وطنية للإغاثة تهدف لمساعدة جرحى الحروب.. كان هذا النداء هو البذرة التي بنيت على أساسها معاهدة جنيف لإغاثة جرحى الحروب، بعدما انضم مجموعة من رجال الأعمال إلى اللجنة واتفقت 12حكومة على معاهدة جنيف الأولى؛ والتي تشكل علامة فارقة في تاريخ الإنسانية.. وتحولت لجنة الإغاثة الدولية هذه فيما بعد إلى منظمة الصليب الأحمر، ونشأ نظيراً لها في الوطن العربي منظمة الهلال الأحمر..
رحل هنري وترك للإنسانية إرثاً عظيماً من الرحمة ساهم في الكثير من المواثيق الدولية لحفظ حقوق الإنسان، بينما ترك خالد الوليد للمسلمين إرثاً غير إنساني بالمرة.. وما الفارق بين خالد وهنري إلا أن خالد نشأ في المجتمع العربي القرشي وتدرب على الفروسية والقتل والإغارة، بينما هنري علمته والدته قيم الإنسانية، حيث كانت تعمل ووالده في خدمة المرضى والأيتام.
ونحن نتساءل هنا حول ما فعله خالد الوليد وما زال المسلمون يتفاخرون به باعتباره بطلاً قومياً أعز الإسلام والمسلمين، هل يكون بر اليمين بقتل سبعين ألف إنسان وصب دمائهم في النهر بهذه الطريقة البشعة؟ فأين كانت الإنسانية وأين كان الدين الذي أباح لخالد أن يفعل بالناس هكذا؟ ولماذا يقتل الأسري أصلاً؟ لماذا لم يجلس إليهم ويخطب فيهم أو يعلمهم شؤون دينه إذا كان قد ذهب لنشر دين أصلاً، فأين هو الدين الذي يقوم بنشره؟.. إذا كان الله يقول في كتابه: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ... (4)/محمد. بما يعني أن أمر الله جاء مباشراً، في حال قيام حرب، بأن يضرب المسلمون على الكفار حتى إذا تمكنوا منهم يقومون بتقييد الأسرى، وبعد ذلك يتم العفو عنهم منّا وفضلاً ، أو أن يأخذ منهم فدية لإطلاق صراحهم.. لكن خالد لم ينتبه إلى كتاب الله وتعامل مع شعوب الأرض كما لو كانوا جميعاً أعداء لمجرد اختلافهم عنه في الدين، حتى لم يحترم تعاليم الدين بشأن معاملة الأسرى، بل أمر بذبحهم واحداً تلو الآخر وصب دمائهم في النهر كي تختلط بالمياه وتدور الطواحين وينتشر الرعب بين سكان المدن والقرى لمنظر النهر بلون الدماء فيدفعهم ذلك لاعتناق الدين !.
من حق هؤلاء الدواعش أن يعيدوا تجسيد مشاهد التاريخ العربي مرة أخرى عملياً ليسترجعوا أيام المجد الإسلامي القرشي، ويستعيدوا مجد جدهم الداعشي الأكبر خالد ابن الوليد، ومن حق الفقهاء أن ينظّروا لذلك ويبحثوا في الأدلة، حتى أننا نقرأ للسيد أبي البراء النجدي-أحد جنود داعش- رسالة سماها "إسعاد الأخيار في إحياء سنة نحر الكفار" حاول فيها أن يثبت مشروعية ذبح الإنسان. ! والغريب أنهم يحتجون بحديث روي عن عمرو العاص أن النبي (ص) قال لقريش: " والذي نفس محمّدٍ بيده، جئتكم بالذبح ". فهل نفهم أن النبي قال لهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء" ؟ استناداً بقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ).؟ أو إلى ما قيل له ص : يا رسول الله، ادع على المشركين، فقال: إنّي لم أبعث لعّاناً، وإنّما بعثت رحمةً" ؟ أو إلى دعاءه الدائم لهم " اللهم اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون." ؟. أم نفهم من العرب أن النبي قال لهم : " والذي نفس محمّدٍ بيده، جئتكم بالذبح ". والمشكلة كلها أمامه في هذه الرسالة العلمية، ليست في مشروعية القتل من عدمه، وإنما هل يكون القتل فقط كافٍ، أم فيها حزّ الرأس؟
أذكر واقعة تفسر لنا معنى الإنسانية والإسلام بمفهوم المصريين لا العرب، حيث كان لاعب الجودو المصري محمد رشوان يلعب في أولمبياد لوس أنجلوس 1984وفاز باكتساح في الأدوار التمهيدية وفوجئ الجميع وفرحوا أن ابن مصر سيلعب المباراة النهائية، وكانت مصر لأول مرة في التاريخ تتأهل للحصول على ميدالية أوليمبية، إما ذهباً أو فضة وبدأت الصحف تكتب والإذاعات تتحدث والتليفزيون يهلل باسم البطل، وبسرعة البرق عرفه كل المصريين وتم نقل المباراة على الهواء مباشرة وسهر الشعب المصري يتابع ويدعى للبطل، أن يكسب الذهب، برغم أنه كان يلاعب بطل أبطال العالم الياباني الرهيب ياماشتا.
لكن مع بداية المباراة لوحظ شيئاً غريبة جداً.. فمحمد رشوان كان أثناء الالتحام مع خصمه الياباني يمتنع عن ضرب خصمه في القدم، وهذا شيء عجيب في الجودو.. خسر أكثر من نقطة، وهنا سمع العالم كله صراخ مدرب رشوان وهو يقول له:" اضربه في رجله الشمال وهات الذهب لمصر".. لكن رفض رشوان أن يضربه ولم يحاول حتى تسجيل نقطة واحدة بهذه الطريقة، وفازت اليابان بالميدالية الذهبية، في هذا العام.. بالطبع كان الجمهور المصري حزيناً جداً على ضياع الذهب، ويتعجبون أكثر لماذا لم يلعب رشوان بقوته المعتادة، وكان متراخيًا ورفض تنفيذ تعليمات مدربه.. لكن سرعان ما أقيم المؤتمر الصحفي لتسليم الميداليات ووقف صحفي أجنبي يسأل محمد: لماذا لم تنفذ تعليمات مدربك كي تفوز بالذهبية؟
فرد رشوان قائلاً: "وصلتني معلومة مؤكدة بأن البطل الياباني مصابًا بقطع في الرباط الداخلي للركبة اليسرى، وأن أي ركلة قوية فيها يمكن أن تدمرها تمامًا، ولكنه أخفى الخبر، وقرر اللعب والتضحية لأنه يمثل وطنه..". فسأله الصحفي: لكن هذه كانت فرصة عظيمة، وكان أولى أن تستغلها وتحقق الفوز بالذهبية.. لماذا لم تستغل هذه الفرصة وتحصل الميدالية ؟ وهنا كان الرد التاريخي لمحمد رشوان عندما قال: ديني يمنعني أن أضرب مصابًا وأهدد مستقبله من أجل ميدالية! لكن خالد ابن شبه الجزيرة العربية لم يمنعه دينه من قتل سبعين ألف إنسان وصب دمائهم في النهر ليرهب به الباقين فيجعلهم يدخلون في دينه أفواجا !
وفى هذه اللحظة وقف الجميع يصفقون طويلًا للبطل المصري المسلم، وكرمته اليونسكو على تلك الأخلاق العظيمة، واختير كصاحب أفضل أخلاق رياضية بالعالم، ومنحته اللجنة المنظمة ذهبية فخرية لكونه يستحقها فعلًا، وذاع صيته في العالم كله، وكرمه «اليابانيين» بشكل خاص واستقبلوه كملك متوج.. لأنه عرف معنى الإنسانية، رفع دينه وأخلاقه فوق اعتبارات النصر الزائفة.. فحقق شهرة عالمية لدينه وأخلاقه، وصار الإسلام حديث الدنيا.. ظل اسمه موسوماً بوسام الشرف في سجلات الأمم المتحدة، بينما خالد ابن الوليد تصفه ذات المنظمة ومواثيق حقوق الإنسان بأنه "مجرم حرب".. برغم أننا نعتبره صحابي جليل، سعى لنشر دينه بالسيوف والدم برغم أنه عاش في عهد النبي محمد عليه السلام، لكن ذات السجلات بالأمم المتحدة تصف النبي محمد بأنه أعظم الشخصيات في التاريخ ! بينما تضع خالد ابن الوليد وهتلر في خانة "مجرمي الحرب" فنحن نجعل من خالد صحابي قرين رفيق للنبي محمد، بينما خالد قتل نصف مليون إنسان في سنة أي ضعف ضحايا القنبلة النووية في هيروشيما اليابان، بينما النبي لم يقتل ولم يؤذ إنسان حتى في مشاعره !! فكيف يقترن هذا بذاك !! إلا إذا كان هناك خلل جمعي فقهي عقلي ما ... (بتصرف من كتابنا ؛ غُبار الاحتلال العربي)
الهوامش: 1- د. حسين دقيل – أستاذ الآثار وكاتب وباحث في الأدب – مقال بعنوان " من أخلاق المصريين القدماء (1) الصدق – منشور على موقع ساسة بوست بتاريخ 1 فبراير 2018 على الرابط التالي : https://www.sasapost.com/opinion/pharaohs/ 2- ابن كثير - كتاب البداية والنهاية - الجزء التاسع من ص 400 إلى 600
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حضارة العرب من منظور التوسع الاستعماري (1)
-
كيف أصبح تاريخ العرب ديناً للشعوب ! (3)
-
كيف أصبح تاريخ العرب ديناً للشعوب ! (2)
-
كيف أصبح تاريخ العرب ديناً للشعوب ! (1)
-
بيت المال الحرام... يؤسس دولة المؤمنين (6)
-
بيت المال الحرام... يؤسس دولة المؤمنين (5)
-
بيت المال الحرام... يؤسس دولة المؤمنين (4)
-
بيت المال الحرام... يؤسس دولة المؤمنين (2)
-
بيت المال الحرام... يؤسس دولة المؤمنين (1)
-
الخليفة الذي زحف على بطنه داخل الهرم
-
جلالة الملك المظلوم
-
كيف حكمت سلالة قريش أرض الفراعنة (2)
-
كيف حكمت سلالة قريش أرض الفراعنة (3)
-
كيف حكمت سلالة قريش أرض الفراعنة (4)
-
كيف حكمت سلالة قريش أرض الفراعنة (1)
-
غبار الاحتلال العربي (7)
-
غبار الاحتلال العربي (6)
-
غبار الاحتلال العربي (5)
-
غبار الاحتلال العربي (4)
-
غبار الاحتلال العربي (3)
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرارات الاضراب العام الوحد
...
-
ألمانيا: آلاف المتظاهرين في برلين احتجاجا على -التقارب- بين
...
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE تدعو للمشاركة في الإضراب العام
...
-
قبل 3 أسابيع من التشريعيات.. مظاهرة حاشدة في ألمانيا ضد التق
...
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|