|
عيد ميلاد جورج سيدهم
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 6257 - 2019 / 6 / 11 - 16:35
المحور:
الادب والفن
===============
انتشرت شائعةُ رحيل الفنان الجميل "جورج سيدهم". والطريف أن الشائعةُ اشتعلت يوم احتفالنا بعيد ميلاده في أحد الفنادق الكبرى مع زوجته د. ليندا مكرم، وعدد من الأصدقاء من الفنانين والإعلاميين المقرّبين. وكان عيد الميلاد دافئًا بفيوض المحبة والفرح. بدا جورج في كامل أناقته، يشرقُ بابتسامته الوادعة التي عشقناها. صحتُه الجسدية والنفسية في تقدّم بفضل الله ورعاية الزوجة الاستثنائية التي تصنعُ معجزةً كل يوم، منذ اثنين وعشرين عامًا، حين أقعده المرضُ عن الحركة. الصيدلانية الجميلة تركت عملَها وتفرّغت لرفقة زوجها، كما ترافقُ أمٌّ وليدَها الذي لا يعرفُ في العالم سواها، ولا يقوى على الحياة دون الاعتماد الكامل عليها. جابت به العالم للعلاج، راقدًا على سريره، وحدها دون معين إلا الله الذي لا يُطلَبُ معه آخر. لم تطلب مساعدة الدولة في علاج زوجها، ولم تلجأ إلى نقابة، ولا صديق. بل حملت جبلَ المحنة وحدها، وكانت أهلا لها. منحها اللهُ صبرًا جميلا وبأس جيوش باسلة. واللهُ لا يُضيعُ أجرَ من أحسن عملا. نهض جورج سيدهم من سريره بعد سنوات من رقاده، واستطاع بفضل إصرارها وجهدها الأسطوري أن يجلس ويتكلم ويحرّك أطرافه التي فقدت وظائفها لسنوات. عادت للجميل ابتسامتُه التي اجتمعنا على شرفها في عيد ميلاده الذي أقامه رجل الأعمال المحترم "هاني قسيس"، وحضره الفنان الجميل "لطفي لبيب"، والإعلاميان "أسامة منير" و"مفيد فوزي"، والمستشار الوطني "أمير رمزي" صاحب مؤسسة "راعي مصر" التي تساعدُ المعدمين والمرضى في جميع أنحاء مصر، والدكتور "إيهاب رمزي"، وزوجاتهم، وأنا. وانتبه الساهرون في الفندق إلى وجود "جورج سيدهم"، فكانت مظاهرةُ حبٍّ تجلّى فيها افتقاد الناس لنجمهم المحبوب الذي نثر الابتسام والفرح في قلوبهم سنوات طوالا. فالحقيقيون لا يُنسون مهما مرَّ الزمان. وتأكد ذلك في عاصفة الحب التي انطلقت على صفحات التواصل الاجتماعي حين نشرت الصحفُ صورًا من الحفل. كأن الناس كانوا ينتظرون خبرًا جميلا عن فنانهم المحبوب حتى تنطلق شموسُ المحبة الغزيرة من كل صوب من مصر والعالم العربي. عشرات الآلالف من التعليقات لو قرأها جورج لعرف بأن التاريخَ العظيم لا يُمحى ولا يُنسى. في الحفل أهديتُ جورج قصيدةً عنوانها: “يفوق اللآلئ"، حتى يُهديها بدوره إلى زوجته الجميلة التي لم تفارقها ابتسامتُها الملائكيةُ يومًا رغم الصعاب والمحن التي تحملتها ربعَ قرن وحيدةً. فمن أيّ قبسةِ نورٍ قُدّت تلك السيدة؟" عنوان القصيدة شطرٌ من كلمة الملك سليمان: “امرأةٌ فاضلة، مَن يجدها؟ ثمنُها يفوقُ اللآلئ.” وكتبتُها على لسان جورج سيدهم، وكأنه يخاطبُ زوجته.
يفوق اللآلئ ========
أيتها الطيبةُ تعاليْ والمسيْ قلبيَ مازالَ يَخفقُ قادرًا على الحبِّ ودفقِ الهوى.
انظري: في مُقلتي شعاعُ نورٍ وبريقٌ يضيءُ الركنَ المعتمَ الذي أرقدُ فيه منذ سنين.
بعينيَّ أُلاحقُ الفراشاتِ من وراءِ الزجاج وألمحُكِ وأنتِ تسقينَ زهورَ الشرفة لكي ترفعَ صلواتِها من أجلي وأراقبُ الظلالَ التي تطلبين من الشمسِ كلَّ صباحٍ أن ترسمَها فوق سريري.
أسمعُ همسَكِ تُخبرينَ الجاراتِ والشاشاتِ: زوجي بألفِ خيرٍ فاطمئنوا رفيقُ عمري جميلٌ فاستريحوا؛ . . . ثم تُناجين اللهَ سِرًّا: هل سيكونُ بخير؟ يا ربّ!
نعم يا حبيبتي أنا الجميلُ بكِ أنا المرْضِيُّ عنه بوجودكِ إلى جواري تحوّمين في أرجاءِ البيتْ مثل عصفورةٍ تطيرُ من غُصنٍ إلى أيكةٍ تجمعُ القمحَ والشعيرَ لتُطعمَ صِغارَها الضِعافَ وتعلّمُهم الطيرانَ والشدوَ.
أنا الآن صغيرُكِ يا صغيرتي فكيف لا أكونُ بألفِ خير!
لا يعوزُني شيءٌ مادمتِ حولي لكنْ؛ ساقايَ خائرتانْ وعموديَّ الفقريُّ يابِسٌ مثل شجرةٍ جَفَّ نُسْغُها وكسَتِ الصُّفرةُ أوراقَها فلا أقدرُ أن أقفَ أو أنحني، وعندي يا حبيبتي مَهَمَةٌ لابد أُنجِزُها قبل أن ينتصفَ النهارْ.
فاصعدي عني إلى خشبةِ المسرحْ الذي وقفتُ فوقه فارسًا قويًّا قبل أن يكسرَني المرضُ، اِنحنِي هناك يا جميلتي والتقطي وجهيَ الذي سقطَ مني تحت حائطِ الديكورْ ثم عرّجي على الكواليسْ ومقاعدِ الجمهورْ ولملمي ابتساماتي التي تناثرتْ هنا وهناكَ حين شبَّ الحريقُ قبل عشرين عامًا فقتل أحلامي وأحلامَكِ.
ضعي وجهيَ على الطاولة الفِضّيةِ تحت صورةِ زفافِنا جوارَ أوسمتي ودروعي فذاكَ الوجهُ هو درعُ السماءِ الذي أحبّني من أجله سكانُ الأرضِ المحزونون فتعلّموا أن يختلسوا ابتسامةً إن اختلستُ أنا ابتسامةً والقلبُ يبكي.
هاتي قواريرَ الكيمياءِ من معملِكْ أيتها الطبيبةُ وأكاسيرَ الفارما وحاولي أن تذيبي ابتساماتي التي جمعتِها من أطلالِ المسرحِ المتهدِّمِ واصنعي منها مليونَ ابتسامةٍ ثم وزعيَها بالعدل على الفقراءِ في بلادي والحزانَى.
خُذي يدي الخامدةَ على مِسندِ المقعدْ وشُدّي أصابعيَ الواهنةَ لتلامسَ أصابعَ العذراءِ تلك الممدودةَ صوبَ قلبي تشيرُ إلى وجعي وتسألُ ابنَها القدسيَّ أن يُبرأَني كما أبرأ الأكمهَ والأبرصَ والأعمى.
لا تعاتبي الرفاقَ الذين ينسون فالناسُ يا حبيبتي تنسى الصامتين، ولا تعاتبي صمتي فصمتي صلاةٌ ولا تغاضبي لسانيَ الساكتَ فلم تعدْ بي رغبةٌ في كلامِ اللسان لهذا استبدلتُ به همسَ القلبِ الذي لا تسمعين.
في مَخدعي كلَّ ليلةٍ قبل صلاةِ النومْ أهمسُ: أيها الملكُ سليمانْ ها أنا وجدتُها وجدتُها تلك المرأةَ التي ثمنُها يفوقُ اللآلئ. ***
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
****
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!
-
1 يونيو … عيدًا مصريًّا
-
محمد عبده يُشرقُ في سماء الأوبرا القاهرية
-
كتابٌ … يبحثُ عن مؤلف!
-
أنا أفريقية وأفتخر!
-
أطفالُ السجينات ... فوق كفِّ السيدة الجميلة
-
محمد ممدوح … صمتُه كلامٌ!
-
الصحوةُ من الصحوة … وارتزاقُ الأصفار!
-
محمد عبده وطلال … يراقصان صِبانا
-
شافت الصليب قالت: والمصحف مانا واخدة تمنه!
-
الطريدة
-
كونوا طيبين … حتى تطيرَ بالوناتكم!
-
دموعي … بين يدي الأبنودي
-
القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي
-
مصرُ التي … على صفحة العائم
-
حوار مع متطرّف: نعم … أنا متطرّفة!
-
مَن يقرعُ الأجراسَ في باريس؟
-
الملك لير … سرُّ عظمة مصرَ
-
روچر … البودي جارد الذي خاصمني!
-
مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|