|
عن الموقف البريطاني من قرار التقسيم وتفاصيل اجتماع توفيق ابو الهدى مع إيرنست بيڤن في شباط من العام ١٩٤٨ – الحلقة الرّابعة
عبد الرحمن البيطار
الحوار المتمدن-العدد: 6255 - 2019 / 6 / 9 - 21:08
المحور:
القضية الفلسطينية
الحلقة الرّابعة : محاولة تَبَيُّن مَعالِم الموقف البريطاني من قرار التقسيم في سياق قراءة تفاصيل الموقف الأمريكي من قرار التقسيم رقم ١٨١ الصادر عن الجمعية العامة للأُمم المتحدة في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧- مقدمة: في الحلقة الثالثة، بَيَّنتُ كيف أن السلوك الرسمي لإدارة الإنتداب البريطاني على فلسطين فيما يتعلق بالعمل على توفير شروط تطبيق قرار تقسيم فلسطين كان سلبياً ، وأن مسؤولين في إدارة الانتداب كانوا بالفعل يضعون العثرات أمام عمل “لجنة الامم المتحدة” المُشَكَّلة بموجب أحكام القرار والمُفَوَّضة من الأُمم المتحدة بتسلم المهام والمسؤوليات -تدريجياً خلال الفترة الإنتقالية ما قبل الإنسحاب البريطاني من فلسطين- من سلطات الإنتداب البريطاني في فلسطين في سياق عملية وضع قرار التقسيم مَوْضع التطبيق. ورأينا أيضا أن سلوك إدارة الإنتداب في فلسطين وموظفيها على أرض الواقع كان يَشي بوجود إنقسام في أوساط المسؤولين البريطانيين هناك بين مُتعاطفين مع القضية الصهيونية ويؤيدون التقسيم ، وبين غير متعاطفين مع القضية الصهيونية ويعارضونه، وأن هذا الإنقسام جعل هؤلاء المسؤولين يتعاطون مع الأمور في تلك الفترة بشكل مختلف، وفي أحيان كثيرة بشكل لا يعبر عن الموقف الرسمي للحكومة البريطانية. لنَستأنف الآن رحلة الإبحار في تفاصيل الموقف البريطاني من قرار التقسيم في ذلك الوقت ، أي خلال الفترة الممتدة من تاريخ صدور الفرار في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧ وحتى ١٥ أيار ١٩٤٨، وذلك كما يعرضها دان كيرزمان في كتابه المعنون “جِينِيسس ١٩٤٨”، أي ” التكوين ١٩٤٨”. يقول كيرزمان ، أن أعضاء اللجنة الخاصة بتطبيق قرار التقسيم والمُشَكَّلة من قبل الأُمم المتحدة بموجب أحكام القرار نفسه ، قَدَّموا تقارير لمجلس الأمن يتهمون فيها بريطانيا بالإحجام عن التعاون مع اللجنة ، وأنها لا تَمتثل لقرار الأُمم المتحدة المذكور ، وأعلمت اللجنة مجلس الأمن أنه ما لم يقم المجلس بتوفير قوة مسلحة لتطبيق القرار ، فإن اللجنة سوف لا تستطيع القيام بمسؤولياتها عند إنقضاء مدة الإنتداب البريطاني على فلسطين،… وفي سياق ذلك ، ذكرت اللجنة بأن ذلك سيؤسس لتشكيل سابقة خطيرة وكارثية ( في تاريخ الأُمم المتحدة ) وذلك في حال أنَّ القوة ، أو التهديد باستعمالها لفرض إرادة الأمم المتحدة لم ( تنجح في أن ) تُشكل رادعاً كافياً ( للمعنيين بالأمر لتطبيق القرار وعدم وضع عثرات في طريق تطبيقه). وبالرغم من ذلك، يقول كيرزمان ، فإنَّ البريطانيين كانوا ما زالوا يأملون في أن يفوز اليهود بدولة أصغر بكثير من تلك التي رَسَمها قرار التقسيم لهم ، أي دولة ، إفترض البريطانيون أن اليهود سيقبلوها كثمن لقاء توفير حماية لهم من مَذْبحة (كان يبدو أنها ستحيق بهم ) . ويُضيف كيرزمان ، أن وزير الخارجية البريطاني تباحث حول هذا الأمر في أواخر شباط ١٩٤٨ في مكاتب وزارة الخارجية البريطانية في لندن مع رئيس وزراء شرق الاْردن (ترانس جوردان كما أسماها كيرزمان في كتابه في ذلك الوقت ) “توفيق باشا أبو الهدى” ، وأن “چلوب باشا” عمل في ذلك الإجتماع مُترجماً ما بين الرجلين. وحول وقائع هذا الإجتماع التاريخي ، يورد كيرزمان ما يلي: قال توفيق ؛ “إن اليهود (في فلسطين) قد أنهوا ترتيبات تشكيل حكومة لهم، وا’أن تلك الحكومة ستكون جاهزة لممارسة أعمالها فور إنقضاء الإنتداب ( البريطاني على فلسطين ، اَي في ١٥ أيار ١٩٤٨ ). وأنهم أيضا يَمتلكون قوة بوليس فَعّالة تم تدريبها من قبل ( هيئة) “بوليس فلسطين ” ، وأنَّ الأهم من هذا كله ، هو أن لديهم جيشاً( مُحْتَرِفاً ) من قوات الهاچاناه”. وقال ؛ “وبالمُقابل ، فإن العرب ( الفلسطينيين) لم يقوموا بعمل أي تحضيرات لحكم أنفسهم بأنفسهم (عند إنقضاء الإنتداب البريطاني على فلسطين ) وهم لا يملكون قوات مُسَلَّحة ولا أيضا أية وسائل لإنشاء جيش لهم” . ولذلك ،شَدَّدَ أبو الهدى على أنه ) “وفِي حال عدم معالجة الأوضاع في فلسطين ، فإن فلسطين ستقع إما؛ ⁃ في يد اليهود الذين سيحاولوا أخذها كلها، أو ⁃ في يد المفتي ، الذي سيعود ، وسيحاول أن يحكم الجزء العربي من فلسطين”. ويقول كيرزمان ، أن توفيق أبو الهدى أردف قائلاً في الإجتماع المذكور بأنّهما أي المَلِك عبدالله ( الأول) ، وهو ، قد تَسَلَّما في الأسابيع الأخيرة إلتماسات وطلبات من وجهاء فلسطينيين عرب طلبوا فيها المُساعدة، وأن يقوم “الجيش العربي” بحمايتهم فور اٌنسحاب البريطانيين من فلسطين. ويُضيف كيرزمان ، بأنه ، ولكل ذلك ، فقد اٌقترح توفيق ابو الهدى في الإجتماع المذكور ، أن يتم إرسال ” الجيش العربي” عبر نهر الأُردن إلى فلسطين عند اٌنتهاء الإنتداب البريطاني عليها ، وأن يستولي ( الجيش العربي) على الجزء من فلسطين الممنوح للعرب ( في قرار التقسيم) والمحاذي للحدود مع شرق الاْردن ( ترانس جوردان). جاء رد إيرنست بيڤن ، كما يقول كيرزمان ، على ذلك بقوله: “يبدو أن ذلك أن هذا هو بوضوح ما يَتعين القيام به. ولكن لا تَذهب أبعد من ذلك وتَستولي على مناطق خصصها قرار التقسيم لليهود”. أما أبو الهدى فقد أجاب على ذلك بقوله: “إننا لا نملك القوة اللازمة لتحقيق ذلك حتى ولو كُنّا نرغب بذلك” ويُضيف كيرزمان أن چلوب باشا قد لَفَتَ إنتباه توفيق باشا ابو الهدى هلال الإجتماع ، الى أن ” الجيش العربي” سوف لا يكون باٌستطاعته إحتلال “منطقة غزة” أو “الجليل العلوي” ، وهاتان منطقتان خَصصهما قرار التقسيم الصادر عن الأُمم المتحدة للعرب ( أي لعرب فلسطين) ، ويقول ، بأن أبو الهدى قد وافقه على ملاحظته. ويُنهي كيرزمان هذا الجزء من كتابه بقوله أن ” بيڤن ” ، وبينما كان مُحجماً بوضوح على إبداء مُعارضة علنية لقرار الأُمم المتحدة ( رقم ١٨١)، الا أنه لم يكن لديه النية في أن تقع أراضي صحراء النَّقب الواسعة في أيد اليهود ، وهي مناطق كان يرغب في تخصيصها للقواعد البريطانية لخدمة مصالح بريطانيا في المنطقة. وفِي هذا السياق ، يقدم كيرزمان في كتابه المعلومات التالية : ⁃ أن بريطانيا عندما قَرَّرت إحالة ملف القضية الفلسطينية إلى الأُمم المتحدة في مطلع عام ١٩٤٧، فإن تعليمات قد صدرت الى الجنرال البريطاني “ماكميلان” للبدء ببناء قاعدتين بريطانيتين في صحراء النَّقب لملىء الفراغ الذي سينتج عن إنسحاب القوات البريطانية المتوقع من منطقة قناة السويس. ويُضيف ⁃ بأنَّ بيڤن كان على ثقة في ذلك الوقت ( أي في مطلع ١٩٤٧) ، بأن الأمم المتحدة سَتُعيد تكليف بريطانيا بإبقاء فلسطين تحت سيطرتها ، أو أنها كانت ستسمح للملك عبد الله ( الأول) – وكان حليفا لبريطانيا ويعتمد عليها – مَدَّ سلطته لتشمل منطقة النَّقب. ويُضيف كيرزمان ⁃ بأن ماكميلان أخبره أنه تسلم أوامر بعد صدور قرار التقسيم الذي وضع صحراء النَّقب في نطاق الأراضي المخصصة للدولة اليهودية ، بوقف العمل في انشاء القاعدتين. وبالرغم من ذلك ، يقول كيرزمان ، ⁃ فإن ” بيڤن” لم يفقد الأمل في أن ينجح في اقتطاعها من حصة الدولة اليهودية. ويقول ، بأن جون كيمشي ، قد نقل إليه على لسان أحد كبار مستشاري بيڤن ⁃ بأنَّ لا تعليمات صريحة قد صدرت للعرب أو للقوات البريطانية في فلسطين بأن تستولي القوات العربية فقط على الأراضي التي خصصها قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لدولة فلسطين العربية ، ويقول بأنه فهم من هذا المستشار أيضاً ، – وأن المَلِك عبد الله ( الأول) ربما يكون قد فهم كذلك- ، بأن بعض الأراضي المخصصة للدولة اليهودية كان يتعين الإستيلاء عليها. أما توفيق أبو الهدى، الذي أورد دان كيرزمان تفاصيل مباحثاته مع الحكومة البريطانية في شباط من العام ١٩٤٨ ، فهذه الشخصية سجلت رقماً قياسياً في عدد الحكومات التي شكلها في حياة إمارة شرق الاْردن وكذلك في حياة العقد الاول من تأسيس المملكة ، وقد بلغ عددها إثنا عشر حكومة حتى العام ١٩٥٤. إنتهت حياة أبو الهدى بالإنتحار شنقاً في حَمَّام بيته في الأول من تموز من العام ١٩٦١ ولَم يكن قد تجاوز من العمر (٦١) عاماً. لعب أبو الهدى أدواراً سياسة هامة في فترات معقدة من تاريخ الأردن والمنطقة، فحكومته هي التي اتخذت قرار خوض حرب ١٩٤٨، وبعد النكبة أشرف على عملية منح الفلسطينيين الجنسية الأردنية تمهيداً لاشتراكهم في الانتخابات التي أقرت وحدة الضفتين. وُلِدَ أبو الهدى في عكا عام ١٨٩٥ ،وهو ينتمي إلى أسرة التاجي الفاروقي المعروفة في الرملة في فلسطين، وقد تلقى دراسته الإبتدائية في الرملة والثانوية في بيروت، والتحق بالمكتب السلطاني في أسطنبول. وأخذ يدرس الحقوق لمدة ثلاث سنوات عام 1915. والتحق بحكومة شرق الأردن عند تأسيسها في العام ١٩٢١، وشغل عدة مناصب مهمة قبل أن يتولى رئاسة الحكومة. امتازت فترات حكمه بالإفراط في استعمال أساليب القهر والإضطهاد ضد معارضيه وخصومه السياسيين. كتب مذكراته ، ولَم يتمكن من نشرها خلال حياته واختفت بعد ذلك بصورة غامضة، ولَم تنشر أبداً . سأكتفي في هذه اليومية بهذا القدر من المعلومات المُستقاة أغلبها من كتاب دان كيرزمان الذي أشرنا اليه. وللحديث بقية.
#عبد_الرحمن_البيطار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المطلوب بخصوص قضية اللجوء الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين
-
الحلقة الثانية : قراءة في تفاصيل الموقف الامريكي من قرار الت
...
-
- كَلَّات - مَلِك البلاد ، و -الغد- وصفقة القرن ....!؟ هكذا
...
-
قراءة في تفاصيل الموقف الأمريكي من قرار التقسيم رقم ١&
...
-
رسالة الى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
-
وقائع استجواب -بومبيو-: لا حل دولتين.. وضم الضفة الغربية -لإ
...
-
الحل الديمقراطي في فلسطين
-
في الهمِّ الوطني والقومي الراهن : رسالة الى والدي( وهيب البي
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|