أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - لن أخجل فقد بللت فراشي














المزيد.....

لن أخجل فقد بللت فراشي


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6255 - 2019 / 6 / 9 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


===============
أخذني النوم ، وكنت علي وشك كتابة قصة للأطفال عن ذلك الولد الذي حصل علي صفر في مادة الحساب ، وفي طريق عودته من المدرسة إلي الدار حاول محو الصفر من كراسته تجنبا لتعنيف أمه له وامتناع أبيه عن منحه المصروف اليومي الأمر الذي سيحرمه من شراء العسلية التي يحبها كثيرا.
رحت في النوم وأنا أفكر في طريقة تساعد الولد علي محو الصفر دون ظهور أي أثر له في الكراسة ، خصوصا وأن المعلم وضع الصفر بالقلم الأحمر الجاف وبحجم كبير ملأ الصفحة من أولها إلي آخرها.
حين غطست في النوم عميقا رأيتني أنا شخصيا أدخل إلي الفصل الذي يوجد به الولد أثناء حصة الحساب ، كان الولد ينظر في كراسته ممتقع الوجه ، يكاد ينفجر من الحزن ، بينما يكسو وجوه بقية التلاميذ في الفصل اصفرار كأنهم جميعهم مرضي بالسل ، كان الرعب يسيطر عليهم إذ كان المعلم الواقف عند السبورة يرفع عصا غليظة وهو يتوعدهم بكسر جماجمهم واحدا تلو الآخر إذا سمع هسيس أحدهم أثناء شرحه للدرس .
بمجرد دخولي إلي الفصل أمرهم المدرس بالوقوف تحية لي فأنا كما كان واضحا في منامي مفتش مادة الحساب ، عندما جلس الأولاد ، توجهت فورا إلي التلميذ الذي حصل علي الصفر ، حاول إخفاء الكراسة عني في حقيبته خجلا لكنني تناولتها برفق ورحت أتفحص الصفر لعلني أجد طريقه تمكن الولد من إزالته بحيث لا تتسخ الصفحة وتصبح مشكلته أكبر من حصوله علي صفر .
أنا أعرف أن الصفر درجة ، درجة في التقييم يسجلها المعلم كي ينتبه التلميذ في المرة القادمة ، لكن هذا الصفر لم يكن درجة ، ولم يكن تقييما ، وإنما كان أشبه بصفعة ، كان مليئا بالغل ، لونه أحمر بلون الدم ، مكتوب بطريقة تنم عن الحقد والكراهية ، تتشكل خطوطه وحروفه علي هيئة مشنقة ، كأن المعلم لحظة وضع الصفر في الكراسة كأنه كان يريد شنق الولد .
المفاجأة التي كادت أن تعصف بي هي اكتشافي أن الولد لم يخطيء في حل المسألة التي نال عليها هذا الصفر ، بل وضع لها حلا صحيحا مائة في المائة واستخرج الناتج النهائي بطريقة بارعة ، حين واجهت المعلم بهذه الحقيقة بدا في ردوده كمن يعتبرني مفتشا تنقصه الخبرة ، كان يعتبرني بالفعل مفتشا جاهلا بأصول المادة ، إذ راح يشرح لي أنا المفتش علي السبورة كيفية حل المسألة وهو يقول لي : هذه هي الطريقة التي تعلمناها في حل مثل هذه المسألة ، ثم سألني بصلف عما إذا كنت متخرجا مثله من قسم الرياضيات أم أنني خريج معهد الخدمة الاجتماعية وتم تعييني في الوزارة ثم ترقيتي إلي درجة مفتش بالكوسة ، هكذا قال لي بكل غرور ، ثم أردف قائلا : هذا التلميذ الحمار الذي يستحق الدهس بالحذاء يحاول في كل مرة استخدام عقله ضاربا عرض الحائط بطرق الحل التي يبح صوتي كل يوم وأنا ألقنه إياها .
أنا لم أنفعل وإنما حاولت بهدوء إقناعه بأنني أقدر مجهوده لكن التلميذ من حقه أن يستخدم عقله في استحداث طرق بديلة للوصول إلي الحل ، وأنه غير مُلزم باتباع طريقتك التي تعلمتها في زمن غير زمنه وفي ظروف تعليمية غير ظروفه ، وقلت له : أنت تلقي عليهم الدرس لا لكي يصبحوا نسخا منك ولا لكي نحرمهم من إنتاج طرق حديثه لحل ما يواجههم من مسائل أو معضلات ، وقلت له أيضا : إلق عليهم ما تعرفه أنت لكن دعهم ينتجون معارفهم هم لأن حياتهم غير حياتك وظروفهم بالتأكيد تختلف تماما عن ظروف حياة من لقنوك ما تعرفه أنت ، حينئذ صرخ المعلم في وجهي وهو يقول لي : يجب أن ينصاعوا إلي ما نأمرهم به ، وقال : سوف تنقلب الدنيا إلي فوضي إذا تركنا كل تلميذ يحل بطريقته ، ثم اقترب من وجهي جدا كأنه يريد أن يحشركلامه في حلقي وهو يقول لي : هل تريد أن نصبح بلا قيمة و؟! ، هل تريد أن تلغي ماضينا كله؟! ، هل تريد أن تضع كل ما تعلمناه في مهب الريح ؟؟!!
انتهي المعلم من كلامه وهو يلهث ، وبدت نظراته لي تشي بأنه قهرني وجعلني أمام التلاميذ مجرد أضحوكة يستحق الشفقة ، غير أنني فاجأته بأنه هو من يستحق الصفر ، وبالفعل فتحت كشكول التحضير الخاص به وكتبت فيه ( هذا المعلم لا يصلح للتدريس ، ونوصي نحن مفتش مادة الحساب بنقله وأمثاله إلي سوق العبور حيث تشتد الحاجة هناك إلي تفريغ عربات البطيخ بسرعة منعا لتكدس العربات القادمة بالبطيخ من الأقاليم )، وقعت علي التأشيرة باسمي الثلاثي ، ثم تناولت كراسة التلميذ ورحت أبلل أصابع بلعابي وأكشط الصفر بكل قوة كي أمحوه تماما كي يتمكن في الغد من استلام مصروفه من أبيه ويشتري العسلية التي يحبها ، كان المعلم في هذه الأثناء قد اندفع خارجا من الفصل وهو يسبني ويلعن أمي وأبي ، فجأة عاد المعلم وبصحبته كافة معلمي المدرسة بمن فيهم الناظر والسكرتيرة وعمال النظافة ، وبلا أي مقدمات إنهالوا عليّ ضربا وركلا وصفعا وعضا ، ولم يكتفوا بذلك بل جردوني من ملابسي بالكامل وخيل لي وهم يقلبونني في باحة الفصل أنهم قد عقدوا العزم علي بتر شيء لا أستطيع ذكره الآن ، من شدة رعبي تبولت ، غرقت في بولي من هول ما سيفعلونه بي ، حيئذ بالضبط صحوت من نومي وأنا أزعق ، وكنت قد بللت في فراشي بطريقة مشينة.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جميعنا شركاء في الجريمة
- مشروع إرهابية
- التنوير بخرافات حداثية
- ملاحظات في شأن من شئون حبيبتي
- البذرة التي تنمو فينا كل يوم
- أُنظر من بعيد لكي تري نفسك بوضوح
- بعض الغبار الذي يهب من الجنوب
- بدون عنوان
- الوهم المقدس
- آل كابوني والاخوان
- ورقة عثرت عليها بين علب الدواء
- أوهام
- أنا أحب النساء
- بين دخول الاسلام إلي مصر ودخول العرب إليها
- الصحيح والعقلاني
- أيها الكهنة هذه ليست لغتنا
- المرجعية واحدة
- كتاب الشعب وكتاب الدولة
- الحصار من كل الجهات
- المال والرأسمال


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - لن أخجل فقد بللت فراشي