أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - راتب شعبو - كابوس دانيال














المزيد.....

كابوس دانيال


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6254 - 2019 / 6 / 8 - 01:47
المحور: كتابات ساخرة
    


صحيح أن غسان رجل طيب، لكن في النقاشات السياسية تتحول طيبته إلى ما يشبه الوسادة الناعمة التي تستعمل للخنق بطريقة كتم الأنفاس. لديه طاقة على الكلام لا تترك لخصمه مهرب. مجادل مواظب، لا يتعب، يتقن التكرار والثبات على رأيه وعلى نبرة صوته الهادئة التي تحسبها صوت الشيف وهو يشرح وصفاته بهدوء وثقة وسعادة. لا يقبل أن تنتهي أي جولة نقاش بالتعادل، فهو يرى أنه لا بد في النقاش من غالب ومغلوب. وهو يرى إن انتهاء النقاش بالقول "لا بأس، لكل طرف قناعاته"، ليس إلا تقليداً بورجوازياً غايته التعمية على الحقيقة ونشر الضلال. ورغم إعجاب غسان الشديد بشعر محمود درويش ولاسيما حين يقول "حاصر حصارك لا مفر"، إلا أنه يرفض بقوة قوله: "للحقيقة وجهان"، فهو لا يرى للحقيقة سوى وجه واحد، وما عداه زيف وضلال وانحراف. كما أنه لا يرى مبرراً لتأجيل النقاش إلى جولة لاحقة، فهو يشتمّ من أي تأجيل رائحة هروب من جانب الطرف الآخر. طالما أن الزمن في السجن بضاعة وافرة، وبما أن للحقيقة وجه واحد، إذاً يجب أن تستمر الجولة حتى سقوط، أقصد اقتناع، الطرف الآخر.
لكن بصرف النظر عن كل شيء، فإن دانيال يحب غسان ويسعى إلى عدم التورط معه في أي نقاش. كل رأي يقوله غسان، يوافق عليه دانيال ويدعمه فوق ذلك بحجج من عنده، حتى بات غسان يرى في دانيال نموذج المثقف والمناضل والصديق. كانا صديقين متلازمين، متجاورين في المهجع، وشريكين في الطعام وفي باحة التنفس وفي الآراء طبعاً.
مع ذلك كان دانيال في أحلامه يتمرد على غسان ويشتمه ويقول له إن النقاش معه أصعب من الدولاب. وفي أحد المنامات غضب دانيال من غسان الذي كان يحاول بشتى السبل "إقناعه" بأن كارثة تشيرنوبل ليست سوى كذبة إعلامية، فقال له: "أنت يا غسان لست أكثر من حشرة، حتى إنني أتمنى أحياناً أن يفرجوا عنك فأرتاح من جيرتك". غير أن ما حدث يوم الأربعاء لم يكن حلماً عادياً، كان كابوساً. كما لو أن غسان امتص كل الإهانات التي تعرض لها في الأحلام السابقة، لكي ينتقم لنفسه في هذا الكابوس.
بدأ كابوس دانيال بداية عادية بتصريح رماه غسان كما يرمي تصريحاته عادة أمام دانيال وهو مطمئن إلى موافقته. لكن دانيال اعترض هذه المرة، وقال عن رأي غسان بأنه "سخيف"، ووصف غسان بأنه "عديم الفهم". فما كان من غسان إلا أن سلط نظرته على دانيال الذي شلَّ تحت "صليات عينيه"، ثم راح غسان يلكزه باصبعه وكأنه يقيس مدى طراوة لحمه وهو يقول: أنا غسان، هل نسيت يا دانيال؟ أنا غسان صديقك. تصل طعنات أصابع غسان إلى رقبة دانيال ويوشك أن يختنق لكنه مشلول عن الحركة، ويحاول الصراخ فلا يستطيع، حتى راح جسده ينتفض كحيوان مقيد.
ينتبه غسان الذي كان يقرأ على فراشه بجانب دانيال النائم، فينهض على الفور ويبدأ بإيقاظ دانيال بنكزه باصبعه بلطف وهو يقول: دانيال، دانيال! وإذ يفلح دانيال في فتح عينيه قليلاً، فإنه يرى وجه غسان فوقه ويظن أنه لا يزال في الكابوس نفسه. يحاول أن يصرخ فيخرج من بين شفتيه حرفان منطفئان: لا! يتألم غسان لحال صديقه المكوبس فيلكزه باصبعه أكثر ويقول له بثقة وقوة: أنا غسان، غسان صديقك. فيزداد عذاب دانيال ويخال إن هذا يومه الأخير وإن حياته ستنتهي بأغرب طريقة ممكنه، وهي الموت لكزاً بإصبع صديق.
اذار 2015



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية
- السترات الصفراء، بين الشعب والمؤسسة
- أفعال مشينة
- مراجعة في الثورة
- الحرب في إدلب، لا عزاء للسوريين
- الطائفية و-الرماد الثقيل-
- اللجوء بوصفه تهمة
- متحف للدم الحار
- أخرج من سوريا كي أعود إليها
- مواطنون وأعداء
- فلاحو سوريا، التاريخ ما وراء حجاب السياسة 2
- فلاحو سوريا، التاريخ ما وراء حجاب السياسة 1
- أسئلة عن الثورة السورية
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 4


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - راتب شعبو - كابوس دانيال