الميدان هو أساس كل بحث سوسيولوجي

العياشي الدغمي

الحوار المتمدن-العدد: 6244 - 2019 / 5 / 29 - 03:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الفرق بين العالم "التجريبي" في العلوم الطبيعية .. والعالم/الباحث في العلوم الإنسانية هو : كون الأول يأخذ معه الظاهرة الملاحظة للمختبر على شكل عينة للتجريب والاختبار .. بينما الثاني هو من ينتقل عند الظاهرة للميدان، أي للمجتمع المدروس، فيُعايش أفراده كفاعلين وكمنتجين للظاهرة المدروسة في وسط عيشهم الفعلي، آخذا بعين الاعتبار دور هذا الوسط le milieu وقدرته على التأثير في تمثلات وسلوكات المدروسين/المبحوثين (العينة) .. وهو ما يزكيه قول أحد أهم مؤسسي مدرسة شيكاغو روبرت بارك في مقالته : "المدينة كمختبر اجتماعي" إن العلم الطبيعي قد نشأ من مجهود إنساني بغاية السيطرة على العالم الفيزيائي. والعلم الاجتماعي يسعى اليوم من خلال نفس مناهج الملاحظة والبحث المجردة إلى تمكين الإنسان من ضبط ومراقبة الانسان. وبما أن المشكلة السياسية، أي مشكلة الضبط الاجتماعي، قد نشأت في المدينة، ففي المدينة ينبغي أن ندرسها" انتهى القول"*
ويمكن أن نفهم من ذلك أن عزل المبحوث عن وسطه الإيكولوجي (milieu écologique) يفقد البحث قيمته ويفقد النتائج أهميتها العلمية، فتمثلات الإنسان وتصوراته وأفكاره التي يشكلها عن سلوكاته وتصرفاته وردود أفعاله إنما هي نابعة و-بالضرورة- من سيرورة التفاعل المستمرة مع وسطه المعيش وفي إطار علاقته بهذا الوسط وبمعطياته الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والسياسية وغيرها .. وهو ما يفسر تغير سلوكات الأفراد وتصورهم لوضعياتهم بتغير أوساط عيشهم وعلاقاتهم .. إن سلوك شاب "مراهق" في بيأته الخاصة وفي وسطه المعيشي وبين "أحضان" العائلة سيتغير حتما ما إن ينتقل نفس الشاب، إما للعمل أو الدراسة، إلى مدينة أخرى/وسط آخر كمُكتري أو "زوفري".. فالوسط الجديد سيحرره -نوعا ما- من الرقابة المجتمعية وسيشعره بنوع من الاستقلالية والفردانية وما ينتج عنها من جرأة واندفاع لفعل ما لم يكن يجرؤ على فعله سابقا في الوسط "الأم" ..
وختاما إن عمل الباحث الاجتماعي/ عالم الإنسانيات (السوسيولوجي/الأنتروبولوجي) بالخصوص هو عمل ميداني بالأساس .. وقيمة النتائج من تلك القيمة التي يوليها للعلاقة الجدلية/التفاعلية الرمزية بين الفرد/المبحوث كرمز للذاتية وللقيم الخاصة وللمنظور الرغائبي (من الرغبة) من جهة وبين الوسط الإيكولوجي السوسيوثقافي كرمز للضبط والتضبيط من جهة ثانية ...
*R.Park : la ville comme laboratoire social.
ترجمة ع.الرحمان المالكي.

#العياشي_الدغمي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات