أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أيوب الوكيلي - كيف يساهم الأدب في تنمية إنسانيتنا؟















المزيد.....

كيف يساهم الأدب في تنمية إنسانيتنا؟


أيوب الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 6243 - 2019 / 5 / 28 - 18:59
المحور: الادب والفن
    


يعد الأدب والفن من الدلالات الفارقة في الحضارة الإنسانية، لأنها تغدي الروح الإنسانية، وتدفعنا إلى النظر في الحياة من زوايا مختلفة، لا توجد قيمة للحياة فقط في تحقيق الرغبات والملذات الحسية، بل توجد لدى كل واحد منا رغبة في قراءة الأدب والاطلاع على المعاني العميقة، التي تحتاج إلى قوة الحكي والسرد من أجل كشف عمق التجربة الإنسانية، لأن الرؤية المادية للعالم عاجزة عن كشف أسرار وحقائق النفس الإنسانية، لهذا تسحرنا روعة القصاص والحكاية لا نمل من تكرارها وإعادتها، إنه سحر التعالي عن البعد المادي لصالح بعد العقلي والروحي داخل النفس الإنسانية، وقد اعتبر ارسطو منذ القدم أن التراجيديا والكوميديا والفنون بشكل عام تغدي الروح و تنمي الحس الإنساني في شخصية الإنسانية.
من خلال هذا التقديم يمكن طرح التساؤلات التالية: ماهي القيمة المضافة التي يقدمها الفن و الأدب في تعزيز عملية الوعي بالذات؟ هل يساهم الفن والأدب عموما في الرقي والسمو بأرواحنا وأنفسنا؟ كيف استطاع الكتاب العالميين أن يلامسوا عمق الروح الإنسانية؟ إلى أي حد يستطيع المجاز والمعنى أن يرتقي بالإنسان؟

بدايات يمكن القول أن المجاز والخيال يلذنا، يشوقنا، يطرِبنا، ويبكينا ويخرج كل ما هو إنساني في نفوسنا، فالإنسان يرى نفسه مركز هذا الوجود وأشرف ما في الوجود وأعلى ما في الوجود، فالإبداع نفسه يتجلى في خلق مناظير مختلفة عن السائد في المجتمع و رصد أهم التحديات التي نعيشها اليوم، ورؤيتها بشكل مختلف عن المعتاد، والقدرة على الخلق وعدم تقليد ما يقدمه الأخرون على المستوى المعرفي والثقافي إنما تقديم صورة مختلفة عن النمط السائد.

هذا المعنى الذي يجعل الواحد منا يتأثر عندما يقرأ رواية أو يشاهد فلما أو مسلسلا دراميا، في هذا الأمر نوع من الفعالية التي تأخذ الإنسان من طبقة المعنى المباشر والمادي إلى أن يغوص في معاني عميقة، ولهذا يكره المستبدون والسياسيون أصحاب المخيلات الكبرى من الكتاب والمفكرين، لأنها تلهم الجماهير وتحفزهم على العطاء والتغيير والسعي نحو الأفضل والأحسن.

إذا رغبت أن تقيس عمق إنسانيتك تخيل نفسك تقرأ دوستيوفسكي الكتاب الذي ألهم العالم في الكشف عن حقائق وخفايا النفس الإنسانية، فمن أراد أن يعرف نفسه جيدا ويغوص في أبعادها، يحتاج قراءة الأدب خاصة الأدب الروسي مع الكتاب العظام الذين كشفوا سر وأغوار النفس البشرية، مثل دوستويفسكي وتشيخوف وتولستوي، هم بمثابة بناة يستطيع الواحد منهم أن ينسج عالما من الأحداث والمعاني التي تلامس كل واحد فينا إنها تقترب من المشترك الإنساني، وهذا ما يجعلها خالدة، فكل رواية أو عمل فني كيفما كان إذا استطاع ملامسة العمق الإنساني فإنه يخلد ولا يموت.
يتبين من خلال ما سبق أن الفن والأدب الذي ينمي حس التأمل والتقمص الوجداني، يساعد في نمو شخصياتنا وفهمها بشكل عميق وجدير بالقراءة والتعلم، هذا هو الإنسان في جوهره، وليس ذلك الكائن السطحي الذي يهتم بإشباع الغرائز والملذات فقط إنه الكائن الذي يتجاوز ذاته باستمرار كما يقول الفلاسفة الوجودين، حيث تساعدنا المخيلة في صقل وتنمية إنسانيتنا بموجبها نستطيع تخيل مجموعة من الاحتمالات والافتراضات على المستوى الذهني وهذا هو الدور المنوط بالأدب والفن.

فهم هذه القضية يتطلب تقديم مثال توضيحي، فمثلا نعلم أن القضايا العلمية معقدة وصعبة مثل فهمنا لعمل آلة مركبة من مئات القطع، لكن سرعان ما نفهم الغاية والمبدأ الذي يحكم هذه العملية الميكانيكية، لا نجد متعة في إعادة قراءتها أو دراستها، لكننا على النقيض من ذلك في مجال الفنون والمعاني والجمال نجد متعة في إعادة قراءة الشعر والأدب و مشاهدة الأفلام لأنها تتجه في مسار أخر داخل النفس تخاطب الجانب الوجداني والوجودي في النفس البشرية، لأنها جزء من الهوية النفسية والمعرفية لدى الإنسان عموما فالواحد منا لديه القدرة على تخيل ما لا يحصى من المشاهد والمناظر الجميلة على المستوى الذهني، هذه القدرة تمكنه من الإبداع والخروج عن المألوف.

لأنني حين أُريد أن أفهم الإنسان الآخر وهو أخي الإنسان أنطلق من ذاتي، فأنا لدي ذاتي ولدي كل مقوِمات التجربة ومن ثم أُحاول أولاً أن أفهم نفسي، فإذا فهمت نفسي سأبدأ في فهم الآخرين، علماً بأنه ليس شرطا أن يكون فهمي للآخرين انعكاسا لنفسي، وهنا يأتي دور الأدب، مثلا الرواية حين تحدثنا عن شخصية ما فإنها بطريقة غير مباشر تحدثنا عن أنفسنا وحقيقة المشاعر والانفعالات التي توجد داخل كل واحد منا.

فكم هو جميل الإنسان يفهم نفسه عبر محاكة الأخرين، فالمبدعون في مجال الرواية مثلا يخلقون قصصا جميلة تحفز المحتوى الإيجابي في المجتمع عموما، فاستعمال المجاز فيه إحساس وقوة معبرة عن ما يخوضه الإنسان من تجارب في العطاء وبناء العلاقات والتواصل الحضاري والعمراني فالروايات الرائعة فيها تخليد للقيم الكونية، وليس مجرد تركيز على السطح الذي يزيف شخصياتنا، فالإنسان يمتلك القدرة على إسقاط المشاعر على كل شيء في هذا الكون لا يوجد شيء بلا قيمة بل إن الجمال البشري يكمن في تقمص مشاعر الغير.

لذلك فإن تقدم المجتمع رهين بتعزيز المشترك الإنساني بين الشعوب والثقافات لا يمكن أن نتقدم بعقلية الذي يرى نفسه مختلف عن الناس بأنه لا يخطئ، أننا نمتلك الماضي وهو الذي سوف يقودنا للنجاح في المستقبل هذا الكلام ينم عن تخلف فكري وحضاري لذا نحن في حاجة إلى مراجعة التصورات التي ننظر بها للعالم من حولنا.
إننا نعيش في ثقافة مسطَّحة وشعوب مسطحة وخطاب مسطح، لا يحبون العمق ولا يحبون التأمل و الفهم العميق و يكرهون الناصحين ويلعنون المثقفين، الذين يكشفون صورتهم في المرآة الكاشفة لحقيقتهم، نعيش في زمن لم يعد يسمع فيه صوت النقد والمراجعة إنما نبحث عن ما يرضي الغرائز و نعمل على تعزيزه في النفس.

كما أن الروح البشرية تعبر عن نفسها من خلال الخيال والمجاز، حيث نلتقط وحدتنا مع الوجود عبر المشترك الإنساني على مستوى التجارب والمعاناة والقيم الكونية، خصوصا قضية التضحية في سبيل بعض الأفكار الكونية وليست التي تخدم بعض المصالح الضيقة والمحدودة، لهذا نحن في حاجة إلى خطاب إنساني يعتبر الجميع من نفس النوع ويقوي ثقافة الإنسانية، ينقل المجتمع من حالة الكراهية والخمول والحقد الذي نراه سائدا داخل مجتمعنا، إلى حالة الحب والوئام والتوافق مع الناس باعتبارهم إخوان لنا في الإنسانية.

يمكن الإشارة إلى الكلمة الشهيرة للفيلسوف الفرنسي ألبير كامو Albert Camus الذي كان عميقا حين عرف الإنسان قائلاً أنه ذلك الحيوان الذي يسعى إلى تجاوز حيوانيته ، بالضبط لأننا نحن حيوانات في نهاية المطاف ولكننا أصبحنا بلا شك أناسي وبشرا لأننا رفضنا أن نكون حيوانات، وعلامة الرفض تتجلى في بناء الثقافة والقيم الإنسانية التي تضبط الغريزي الطبيعي فينا فتحوله إلى شيء مبدع على المستوى الحضاري والعمراني.

حاصل القول أن الأدب والفن لعبا دورا مهما في تعزيز عملية الوعي لدى البشر على مر العصور والأزمنة، لكونها تخاطب البعد الإنساني المشترك بين الجميع رغم الاختلاف الحاصلة بين الناس على المستوى العادات والتقالد، لهذا أردت أن أشارككم بعض الروايات التي قرأت، وساهمت في نمو شخصيتي وتغيرها ونموها إنسانيا وعاطفيا و وجدنيا.

1- الخميائي: باولو كويلو.
2- العجوز والبحر: إرنست همنجواي.
3- الجريمة والعقاب: دوستيوفسكي
4- 1984: جورج أرويل
5- قواعد العشق الأربعين: ألف شفق.
6- شيكاغو: علاء أسوان.



#أيوب_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب
- كيف اللعب وسيلة للتعلم والإبداع؟
- نماذج الألعاب النفسية
- نظرية الألعاب النفسية-علم تحليل المعاملات-
- قوة الكلمة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أيوب الوكيلي - كيف يساهم الأدب في تنمية إنسانيتنا؟