أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العفيف الأخضر - لماذا يرفع سيزيف العربي الحجر الثقيل ليقع على قدميه؟















المزيد.....

لماذا يرفع سيزيف العربي الحجر الثقيل ليقع على قدميه؟


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 441 - 2003 / 3 / 31 - 03:21
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


السبت 29 مارس 2003 18:01 

 
في تاريخ الأمم أيام بيضٌ وسود. البيضاء من أيامها هي تلك التي أسعفتها بأساطيرها المؤسسة أي الأحداث التاريخية أو الرمزية التي هيكلت مخيالها الجمعي كالثورة الفرنسية أو هيكلت مخيال الإنسانية الجمعي كالاعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذه الأساطير المؤسسة لا بديل لها لإلهام الخيال وتحريك الطاقات الخلاقة. أما السود من أيامها فهي تلك التي حلت بها فيها الهزائم التي عجزت عن هضمها نفسيا وذهنيا بأخذ الدروس الحقيقية منها. في هذه الحالة تنطوي على نفسها كحلزون خائف لتجتر أفكارها السوداء أي نكباتها وهوسها الجماعي بأخذ الثأر محولة له الى قرارات سياسية وعسكرية انتحارية بدلا من التسامي به في مآثر جماعية خلاقة تسترد بها ثقتها في نفسها وتسمو بها الى مستوى المنتصرين عليها.
افتقر المخيال الجمعي العربي في تاريخه الحديث الى أسطورة مؤسسة بريئة وملهمة. بل كابد الهزائم التي كذبت أوهام العرب عن أنفسهم كخير أمة أخْرِجَت للناس وإصابتهم بجنون الثأر المستحيل لهزائمهم المتواصلة منذ هزيمة المماليك أمام نابليون في نهاية القرن الثامن عشر الى هزيمة عرفات وحماس أمام شارون في بداية القرن الحادي والعشرين فضلا عن هزائم قرنين من الاستعمار تركت جروحا لا تني تتعفٍّن.
ثقافة الثأر العشائري الراسخة في الوعي الجمعي عامل أساسي جعل هذا الوعي يحول نكباته الى اجترار ذهني ثأري بدلا من تحويلها الى تفكير بعيد النظر في نقد الذات يهديها الى وعي ضرورة التماهي بالعدو أي التشبه به في حداثته العلمية والفكرية والقانونية والسياسية لإعادة صياغة الشخصية التقليدية لتكييفها مع متطلبات عصرها كما فعلت اليابان غداة نكبتها في سنة 1945 التي لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيلا. ثقافة الثأر العشائري لا تلاحقنا كلعنة الفراعنة في علاقتنا مع الآخر وحسب بل أيضا في علاقتنا مع أنفسنا بين البلدان العربية وداخل كل بلد منها من جرائم الشرف الى التوترات والحروب القبلية والطائفية. عن صواب أطلق محمد حسنين هيكل على حرب العشرين عاما بين الجماعة الاسلامية والجهاد الاسلامي من جهة والدولة المصرية من جهة اخرى، "حرب الثأر الصعيدي بين قبيلة البوليس وقبيلة الاسلاميين".
كان لهيستيريا الثأر من الغرب و"ربيبته إسرائيل" نتائج كارثية ليس أقلها رهاب النخبة التقليدية من الحداثة الغربية التي ما تلتها بالاستعمار الغربي وعجزها عن ممارسة العقلانية السياسية بما هي اقتراحات بنّاءة، مراهنة على أهداف واقعية مدروسة، تنظيم عقلاني لقواعد اللعبة السياسية، قراءة واقعية لموازين القوى والتقيّد بها في إتخاذ القرار، إدارة ذكية للصراعات لإنضاج شروط حلها سلميا. وأخيرا صناعة متطورة للقرار.
السياسة الثأرية السائدة اليوم خاصة لدى النخب النافذة في فلسطين وسورية والعراق طردت كل سياسة عقلانية من صناعة القرار الداخلي: في سياستها الداخلية ترفض الحوار وفي سياستها الخارجية ترفض التفاوض. وهكذا تزيد من احتمالات الانفجارات الداخلية والحروب الخارجية. وهذا ما يفسر انتقالها من انفجار داخلي الى آخر  ومن حرب الى أخرى أشد ضراوة.
حدث لهذه القيادات ذات الثقافة التقليدية المشبعة بالنرجسية الجمعية ما يحدث عادة لبعض المصابين بالاكتئاب عندما يدفعهم شعورهم الساحق بالذنب الى سلوكيات عقابية ذاتية قد تصل في منتهاها الى الانتحار.
يتجلّى هذا العقاب الذاتي الجماعي في أعراض عديدة اقتصر منها على عرضين: سياسة كل شيء أو لاشيء وعبادة التسلح والعنف لرد الاعتبار للنرجسية الجمعية الجريحة بانتصار عسكري حصرا تغسل به عار هزائمها العسكرية.
سياسة كل شيء أو لاشيء كانت وراء رفض الحاج أمين الحسيني لقرار لجنة بيل Peel اعطاء الفلسطينيين  80% من فلسطين في 1939 وكذلك رفض قرار التقسيم الأممي الذي أعطاهم 45% منها في 1947. كما كانت أيضا وراء رفض حافظ الأسد سنة 2000، في اخر قمة مع بيل كلينتون، استرداد الجولان باستثناء 200 متر على ضفاف طبرية مبررا ذلك بانه غطّس رجليه في مائها وأكل من سمكها عندما كان في الجيش! فماذا كانت النتيجة: صعوبة استرداد خليفته لمتر واحد من الجولان في المستقبل المنظور الا بثمن تنازلات لم يكن قادة إسرائيل يحلمون بها.
عبادة التسلح بأسلحة الدمار الشامل دفعت صدام الى قرارات داخلية وخارجية هاذية: ضرب الأكراد بالأسلحة الكيماوية وضرب المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع المصنوع من مادة الافلاتوكسي التي تؤدي الى الاصابة بسرطان الكبد بعد خمس سنوات كما كشف ذلك لاسبوعية فرنسية مستشاره العالمي السابق د. حسين الشهرستاني، الى شن الحرب على إيران وضربها بالأسلحة الكيماوية وشن حرب على الكويت والتسبب، بعدم استقالته، في الحرب الطاحنة الدائرة اليوم في العراق والمفتوحة على مجاهيل كثيرة قد تكون كارثية على العراق والشرق الأوسط. وفضلا عن ذلك فقد أهدر طوال 35 عاما موارد بلاده المادية والبشرية على مذبح جنونه الثأري وهوسه بالانتصار العسكري. والحال ان موارد العراق المحتوى على الاحتياطي النفطي الثاني في العالم ترشحه ليكون اقتصاديا وعلميا يابان العالم العالم العربي لا أن يغدو من أكثر بلدان العالم فقرا واستبدادا دمويا.
التشبث العصابي بكل شيء أو لاشيء وبالانتصار العسكري كانا دون شك وراء مشروع حماس "تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب واعادتها وقفا على جميع المسلمين في العالم" ورفضها الجنوني لدولة فلسطينية في الضفة والقطاع والقدس الشرقية. فماذا كانت النتيجة بعد فشل العمليات الانتحارية في تحقيق هذا الهدف المستحيل؟ توجيه زعيم حماس الروحي الشيخ احمد ياسين، الشهر الماضي، نداء لشارون يستجديه هدنة لمدة 10 سنوات وبعدها لكل حادث حديث.
هذه السياسة الانتحارية كانت أيضا وراء انتقال عرفات المفاجئ من خيار التفاوض الواعد الى خيار الكفاح المسلح العقيم والانتفاضة التي لا تقل عنه عقما. لماذا؟ لأنه غار من "اخراج" حزب الله الجيش الإسرائيلي من الشريط الحدودي، فقرر بين عشية وضحاها تغيير الاتجاه من المفاوضات الى طرد جيش الاحتلال واعلان الدولة الفلسطينية كاملة السيادة من طرف واحد أي بلا ثمن الاعتراف بإسرائيل على غرار مصر والأردن. فماذا كانت نتيجة هذا القرار الثأري الانتحاري؟ عقابا للذات غير مسبوق: عودة جيش الاحتلال الى الـ 42% من الارض الفلسطينية التي حُررت بالمفاوضات. بالمنطق ذاته رفض عرفات مقترحات كلينتون التي عرضت عليه 97% من الأراض  المحتلة مع وعد بـ 40 مليار دولار لتوطين اللاجئين في الدولة الفلسطينية الموعودة. فماذا كانت نتائج هذا القرار الذي لم يقر أي حساب للمصلحة الوطنية الفلسطينية في وطن ودولة قابلة للحياة؟ أن يجد عرفات نفسه وشعبه اليوم على كف عفريت.
أراد آخر أبطال "الأمة العربية والاسلامية" الوهابي بن لادن بـ"غزوتي" نيويورك وواشنطن أخذ ثأر أمتيه "الصليبيين". صدّقه العرب والمسلمون جمهورا ونخبة وصفقوا له. فماذا كانت النتيجة؟ عكسية تماما: غزت أميركا افغانستان طاردة بن لادن وحماته، طالبان" منها وعاقدة العزم على استئصالهم. فضلا عن ذلك قدم "بطلنا" للمحافظين الجدد في الادارة الامريكية الفرصة التي كانوا في انتظارها لوضع رؤاهم الجيوسياسية موضع التطبيق: اعادة تعريف وترتيب أولوياتهم باستقلال عن حلفائهم الاوروبيين، الاستغناء عن شكليات القانون الدولي التي طالما احتمى بها "المستضعفون" الذين نصّب بن لادن نفسه ناطقا بإسمهم، وضع نهاية لإمكانية ظهور أوروبا موحدة سياسيا وعسكريا كقطب عالمي طالما حلم به العرب يقظة ومناما، وأخيرا ساعدهم من حيث لا يدري على اعادة صياغة العلاقات الدولية وفق موازين القوى الدولية التي جعلت من الولايات المتحدة أقوى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم مصرّة على الانفراد بسلطة القرار الدولي في محاولة لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل والقضاء على الارهاب الاسلاموي بمطاردته وبالتحكم الفعال في الدول المنتجة له بالتعليم الديني الجهادي وهي-   باستثناء تونس – باقي الدول العربية الاخرى وبتغيير الانظمة التي قد تسلحه أو تأويه.
هذه هي العواقب الوخيمة التي صنعها العرب، بجنونهم الثأري، لأنفسهم بأنفسهم. منطقي: لأن الثأر لا يصنع سياسة بل مغامرات انتحارية حقيقة ومجازا أغرت قادة "القاعدة" وسورية وفلسطين والعراق برفع حجر ثقيل ليسقط في النهاية على أقدامهم وشعوبهم التي طال ليلها وعذابها.
إيلاف خاص

 



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا قالت لي الصواريخ المتساقطة عل عاصمة الرشيد؟
- لماذا كنت أول من طالب صدام بالاستقالة – الإقالة ؟
- راشد الغنوشي وأفكاره الثابتة
- الثقافة الغربية مطلوبة
- هل ينقلب صدام على نفسه ؟
- أميركا : هل حوّلتها سياستها الخارجية ضحيةً آثمة ؟
- متى سنقيم الحداد على ما فات ومات؟
- وعد الحرب على العراق ووعيدها؟
- المثقفون والعمليات الانتحارية : هذيان جماعي !
- بشائر انقلاب في الفكر الإستراتيجي الفلسطيني
- لماذا نحن جبناء فكرياً وسياسيا؟
- رسالة لـ-حماس-: متى تنقضون حلفكم غير المكتوب مع شارون ؟
- كي لا تكون مقترحات بوش ( المؤجلة ) فرصة أخري ضائعة
- مراهنة علي ضبط تلاقح الثقافات والحضارات
- العمليات الإنتحارية مجازفة بمستقبل الشعب الفلسطيني
- ما العمل بعد الزلزال ؟


المزيد.....




- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
- عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط ...
- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العفيف الأخضر - لماذا يرفع سيزيف العربي الحجر الثقيل ليقع على قدميه؟