|
الدكتور عبد الإله الصائغ في بحثه الشاهق -الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام-
شكيب كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 6239 - 2019 / 5 / 24 - 16:51
المحور:
الادب والفن
هذا كتاب تابعت أمره، منذ أن كان بحثا كتبه الباحث الضليع عبد الإله ( علي حمود) الصائغ، بوصفه جزءا من متطلبات الحصول على درجة الماجستير من قسم الدراسات العليا بكلية الآداب، جامعة بغداد، وحضرت جلسة المناقشة، التي عقدت في، أو على قاعة الإدريسي بالكلية عصر يوم الثلاثاء الموافق للثاني والعشرين من شهر ذي الحجة عام ١٤٠١ ٢٠/ تشرين الأول سنة ١٩٨١، وترأسها أستاذي الدكتور جلال الخياط ( ت٢٠٠٥)،الذي أشاد بجهود الباحث، وقال إنه أصيب بالدوار والإعياء عند قراءته لهذه الرسالة، وتذكر كيف أصاب الإعياء الكاتب وهو يبحث ويكتب. هذا البحث الرصين الذي وسمه الباحث عبد الإله الصائغ ( الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام)،الذي أعيا الدكتور الخياط، وأصابه بالدوار عند قراءته، يعيد لذاكرتي التعب والنصب اللذين ألما بالأستاذ النحوي الجليل الدكتور مهدي المخزومي ( ت١٩٩٣) الذي كان مشرفا على البحث الرصين الدقيق، الذي تقدم به الباحث والشاعر الرقيق السيد مصطفى جمال الدين عن ( البحث النحوي عند الأصوليين)،للحصول على درجة الدكتوراه، الذي كان يشفق عليه وعلى قرائه من هذا الغوص المضني في يم الدراسات النحوية واللغوية والدينية والفقهية وللمذاهب كلها، لكنه مصطفى جمال الدين، الذي ما كان يرضى إلا بحثا يرضيه ويرضي الصفوة من الباحثين ويسره في القيامة أن يراه! تنظر مقالتي ( طفولة ملغاة. مصطفى جمال الدين نحويا أصوليا) من كتابي (هوامش ومتون. في الأدب والنقد والفكر) دار فضاءات. الأردن ٢٠١٥. بحث يعيي القارىء لتشعبه وكما أصيب أستاذي جلال الخياط بالإعياء، وهو يقرأ هذا البحث الذي تولى مناقشته الراحل الأستاذ الدكتور محمود عبد الله الجادر، والراحل الأستاذ الدكتور نوري حمودي علي القيسي؛ عضواً ومشرفا ( ١٩٣٢ ١٩٩٤)فقد أعيتني قراءة هذا البحث الرصين، بعد أن صير كتابا حمل الإسم ذاته ( الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام) بطبعته الأولى التي أصدرتها وزارة الثقافة والإعلام العراقية سنة ١٩٨٢، في ضمن سلسلة ( دراسات) وطبع ثانية وثالثة، وانا هنا اقرأ الطبعة الأولى، واحتجت إلى الرجوع للمعجم مرات عدة، لاستجلاء ما غمض علي من تعابير، ولقد عجبت لهذا الغوص في المصنفات والمظان والمصادر القديمة، يستنطقها الباحث عبد الإله الصائغ، الذي كان يذهب إلى تدوين الحواشي والهوامش، حتى كانت هذه الحواشي تزيد على المتن في العديد من صفحات هذا البحث الرصين، أشفاقا على القارئ لا على نفسه، من أن تمتد صفحات الكتاب، إلى الحد الذي لا يكون بمستطاع القارئ الإبحار في يمه وعبابه، فهو يكبح نفسه أن لا تلج أماكن أوسع، قد تودي بمصير البحث، فثمة محاور مهمة كانت تجتذبه وتغويه وتغريه بخوضها مثل محاور: التاريخ والفلسفة والدين والفلك والمكان وعلم النفس. إن الدخول في هذه المحاور، قد تؤدي بالبحث والباحث الى الضياع في متاهاتها، فاستعان لهذا السبب- كما قلت انفا- بالهوامش، حيث لايتسع مسار البحث وصدره ومنهجه لجعلها في المتن. تنظر ص١٠ من الكتاب. يوم كانت الناس، تزهو وتفخر إذ تقدم جديدا، وتتعب فيه النفس والروح، من أجل الحقيقة وشرف البحث؛ كتبت مثل هذه البحوث، فها هو الباحث عبد الإله الصائغ يؤكد ثانية– وهو ما توصلت إليه وأنا أجوس خلل هذا البحث الزاخر–»» كان موضوع البحث (…) مدخلا لموضوعات عديدة، يستحوذ درسها على جوهر الموضوع وقد يوجهه بعيدا عن مساره المقرر، ويخل إهمالها بمسار الموضوع (…) فلم يكن الزمن في الشعر غرضا شعريا، لكي ينصرف البحث إلى رصده وبلورته وإنما كان الدائرة التي احتوت كل الأغراض، ولم يقتصر البحث على الزمن عند شاعر واحد أو قبيلة واحدة، لكي يتفرغ للاستقراء والاستنتاج، وإنما كان البحث إصرارا على دراسة الزمن بجميع امتداداته عند الشعراء العرب، وهو أمر ينطوي على مصاعب شتى ترهق الباحث وتضطره للتصدي إلى أمور قد لا تقل خطرا وأهمية عن الموضوع الأساسي، وكنت أطمح وما أزال إلى أن أدرس موضوعا جديدا،(…) فكل جديد عرضة للمشكلات والمزالق»» تراجع ص٢٨٦ ملاحظات ونقاش وأنا أقرأ هذا البحث الرصين بتؤدة وإنعام نظر، وقفت عن بعض الأمور التي أرغب في مناقشتها مع الباحث الأستاذ عبد الإله الصائغ، ففي الصفحة ١٠٢ من الفصل الثاني المعنون ( الزمن من خلال الوقت) حيث يستقرىء الباحث الضرب الثاني من تقسيم الوقت واقفا عند الدقيقة، الساعة، اليوم ، البكور، الفجر، الصبح، الضحى، الغدوة ،الظهيرة ،القيلولة، العصر ، الأصيل ،الغروب ، المساء ، العشية، السحر ، ليصل إلى الأسبوع، حيث يقول:»» سمي أسبوعا لأن عدد أيامه سبعة وهي الأحد، وإنما سمي بذلك لأنه أول يوم خلقه الله في الزمان، وسمي اليوم الذي يليه الاثنين لأنه ثان، والثلاثاء (…) لأنه ثالث والأربعاء لأنه رابع والخميس لأنه خامس والجمعة لأنه يوم الاجتماع، والسبت لأن الخلق انقطع فيه وخلق في آخره آدم،ومن المؤكد أن الجاهليين لم يعرفوا تلك التسميات، وان لهم أسماء أخرى تختلف عن أسماء أيام الأسبوع المعروفة الآن ،فهم يسمون الأحد أول والاثنين أهون، والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار»» ص ١٠٢ أرى إن هذه التسميات مفتعلة وبعيدة عن الواقع والعقل، إذ هي تسميات متأخرة قد لا يعرف متى أطلقت، لكن من المؤكد أنها أطلقت وجاءت بعد التسميات القدمى الجاهلية، ويجب أن لا نأخذ النصوص القديمة على علاتها بل نناقشها ونخضعها للعقل، واضعين في الحسبان أن هذا المبحث نتاج عقل الصائغ الجوال ، والأمر ينسحب على ما جاء في الصفحة ١٠٥ إذ ينقل لنا أسماء الشهور— وليس الأشهر كما ورد في النص!— ،وفرق ثمة بين ( افعل وفعول) فالأول لجمع القلة والثاني جمع كثرة، فضلا عن أن القرآن الكريم وصفها ب( الشهور) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، إذ يذكر الباحث الصائغ»» أما أسماء الأشهر فيبدو أنها غير مستقرة ويقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فمثلا شهر رمضان وافق أيام الرمض وشدة الحر (…) ثم استقرت اسماء الشهور قبل الإسلام على هذا النحو ( المؤتمر وناجر وخوان وبصمان وحنتم وزباء ( زبى) والأصم وعادل ونافق ونمل وهواع وأخيراً برك) وحين اشرقت شمس الإسلام استقرت اسماء الشهور على هذا النحو ( المحرم وصفر….)ص١٠٥.ص ١٠٦ وإذ يرجع في هذا النص إلى مصادر ومراجع عدة، منها(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للعلامة العراقي الدكتور جواد علي (ت١٩٨٧)،الذي يذكر أن لبعض أسماء الشهور، معاني ذات علاقة بالجو أو بالزراعة أو العقائد، وإذ لم يشرح لنا الباحث ما المقصود بـ(اللغة القديمة؟) إذ ثمة لغات قديمة سبقت العربية في جزيرة العرب منها: اللحيانية والحميربة والسباية، فاني أرى من الصعوبة قبول هذا التفسير الذي نقلته المصادر القديمة، وبقي هذا التفسير متوترا حتى وصل إلى العلامة جواد علي الذي لم يناقشه، وقبله على علاته، وكذلك الباحث الصائغ، اذ ارى أن من غير المعقول ولا المقبول أن ينتظر من يريد تسمية الشهور العربية عاما كاملا كي يسميها! فرمضان سمي هكذا لأنه وافق ايام الرمض وشدة الحرارة، اذن ماذا نقول في صفر ورجب وشعبان؟ ثم هذه الانتقالة السريعة بين الجمادى الثانية ورمضان، اذ بين الانجماد والرمضاء شهران فقط؟!وهذا غير معقول ومقبول. أرى أنها تسميات أطلقت من غير تعليل وتدليل، إذ أن هناك الكثير من ظواهر الحياة،تأتي هكذا،فنتركها على علاتها افضل من أن نوجد لها تعليلات غير مقبولة ولا واقعية. وفي الصفحة ١٥٢ يرد هذا النص:»» وزعم بعض العرب إن النفس طائر ينبسط في جسم الإنسان، فاذا مات أو قتل لم يزل مطيفا به متصورا إليه في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشا (…) ويقال إنه يخرج من هامته فلا يزال يقول: اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله فيسكن، وإسم هذا الطائر (الهام) أو ( الهامة). أقول: إن هذا يخص المقتول غيلة وغدرا، وليس من مات حتف أنفه! وفي الهامش التاسع من الصفحة ١٨٠، لدى الحديث عن ( السلطان) يرد ما نصه:»» ثرثرة فوق النيل ص٢٤ وضع نجيب محفوظ على لسان أحد أبطال قصته هذا القول ( لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون،ولكن العجب أن فرعون أمن حقا بأنه إله)»»». أقول:( ثرثرة فوق النيل) رواية وليست قصة،واذ في هذا النص تعريض موارب بالرئيس جمال عبد الناصر،فان الرواية التي صورت حياة المسطولين على لغة المصريين، أو الحشاشين الهاربين من قسوة الحياة نحو العوامة ودخان الحشيش،كانت استباقا لما حصل في حزيران ١٩٦٧ وإرهاصا به.
#شكيب_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات التلمذة على يدي الطاهر
-
يا لخسارتنا الفادحة برحيل فوزي كريم
-
مؤسف رحيل جاسم العايف بصمت قاس
-
حين تسفح أعوام العمر..غانم الدباغ في عمله الروائي الوحيد (ضج
...
-
هل تأثر المعتزلة بفلسفة اليونان؟
-
يوم كان العراق يتحضر ويتقدم الطبيبة العراقية سانحة أمين زكي
...
-
طه حامد الشبيب في روايته الخامسة عشرة. العيش. (في اللااين) ا
...
-
فوزي كريم يستقصي القصيدة المفكرة
-
رشحه كوركيس عواد ولكن...
-
مع مشاهير أدباء العالم في ذكرياتهم وحواراتهم
-
هل أسهمت الرواية في انحسار القصة القصيرة؟
-
رأي بشر بن المعتمر المعتزلي في أوقات الكتابة ومواتاتها
-
من صور الماضي الجميل رصانة المترجم الفلسطيني عادل زعيتر ودقت
...
-
ورحل علي الشوك الأرستقراطي اليساري في مغتربه اللندني.
-
إضمامة من قصص حنون مجيد القصيرة جداً (بصيرة البلبل).. كتب في
...
-
مهدي عيسى الصقر يستوحي اجواء الحروب المفترسة في (بيت على نهر
...
-
يوسف عبد المسيح ثروة...المعلم الذي أثرى الحياة الثقافية في ا
...
-
عبد الأمير الورد آخر الاخافش، شغف بالأخفش الأوسط وحقق كتاب (
...
-
القاصة العراقية ديزي الأمير. أغفلها النقد وجفتها الحياة.
-
الأدب واستقلاله النسبي عن الأدلجة:
المزيد.....
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|