|
غورباتشوفان: ترامب ومحمد بن سلمان/3
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6237 - 2019 / 5 / 22 - 13:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناقض الوهابية، المحمدية، وتعارضها تعارضا كليا في الجوهر، وهي متاخرة عنها برغم الفارق الزمني ومايفترضه من ضرورات تحتم منطقيا الذهاب الى الامام، ولاشك انها وجدت اليوم بعض من محركات تشابه الوضع الجزيري الحاضر، بذلك الذي كان قائما أيام الاحتلال الفارسي للعراق والخليج واليمن، والروماني للشام ومصر، فطلائع الاستعمار البرتغالي والهولندي والإنكليزي، كان قد اصبح اليوم حاضرا على سواحل الخليج معيدا ذكرى عملية "الخنق" التاريخية الأولى بعد سقوط بابل، بطبعة مستحدثة، عبر السفن التجارية والقلاع المنصوبة على حافة الخليج، وهو ما اثار بعضا من شعور بالخطر الداهم كما تعرفه الجزيرة بحكم جغرافيتها ومرتكز بنيتها التجارية المجتمعية والنفسية، غير ان العامل انف الذكر قد تغيرت اليوم مقاصده ونوعه، وطبيعته، وما يوحي به، بحيث اوجد لحظتين متباينتين كليا، وضعت الثاني الوهابية منهما من البداية بخانة مادون الماضي والحاضر معا. فالوهابية قامت في الحاضر على مادون المحمدية في الجوهر، وهي قد استندت اليها وفق ميكانزمات مخالفة لقوانين مجتمع اللادولة الأحادي، وإمكانات تشكله التي وافقت الطور المحمدي، وهيأت أسباب "التحقق الوطن/ كوني لمجتمع لادولة" في حينه، بان تظافرت عوامل الانتقال انذاك من القبلية الى العقيدية المجتمعية الموافقة لبنيته اللادولة الاحادية. ذلك بينما محمد بن عبدالوهاب هو حامل لواء عقيدة سابقة منتهية الصلاحية، غيرمهيأة للفعل بذاتها من دون سيف ال سعود بصفتهم قبيلة عصبية متغلبة طامحة للسيطرة، وحين يركز ابن عبدالوهاب على تبرئة الإسلام مما علق به من خرافات وتمذهب، أي من وطاة التاريخ، فانه يصطدم أخيرا بجدار المحمدية، ليصبح امامها مقلدا مجتراعلى المستوى العقيدي، ومخالفا في المجال التنفيذي، ليخونها بذلك، لافي الشام كما فعل معاوية بن ابي سفيان في زمن الفتح، فانهى دولة اللادولة الراشدية العقيدية وقلبها لصالح القبيلة، بل في موضع اللادولة الأحادي نفسه، وفي عقر دار المحمدية التي يدعي حمل لوائها بقلبة المعادلة، ووضع العقيدية المستعادة في غير زمنها بخدمة مايضادها. وليس هذا هو فقط الاختلاف الجوهري بين الحالتين والزمنين، فالمسالة الأساسية او الخاصية الاحترابية الجزيرية التي منحت النبي محمد والخلفاء الراشدين القدرة على تحقيق مجالهم الكوني بالفتح، لم تعد قائمة اليوم، وتلك الميزة الاحترابية الاستثنائية التي يتمتع بها مجتمع الجزيرة على صعيد الطاقة القتالية الخارقة، في القرن السابع وقبله، ماعاد لها من وجود الان، والقدرات الحربية على مستويي، التخطيط ونوع الأسلحة، ماعادت تتيح لمقاتلي الجزيرة الحلم بما كانوا تمتعوا به ابان الثورة المحمدية من امتياز غير عادي، استطاعوا بموجبه الانتشار غير المسبوق في التاريخ، وبزمن قياسي وكانهم وقتها تشبيها باليوم: " قنبلة ذرية تركب صهوة حصان بيدها رمح وسيف"، امتدت باقصر زمن يمكن تخيله، على رقعة هائلة، وشملت عشرات البلدان والاقوام، بعكس ذلك تمكن محمد على باشا، حاكم مصراليوم ، من ان يهزم الحركة الوهابية داخل ارضها وفي عقر دارها، وهو ماانجزه فعليا ابنه إبراهيم، بعد أصابه ابنه طوسون(1) واضطراره هو للعودة من الجزيرة مع سماعه نبأ هروب نابليون من سجنه، وخوفه من ان يعاود اذا تمكن من حكم فرنسا، لاحتلال مصر من جديد. صحيح ان مهمة محمد علي وإبراهيم لم تكن سهله وامتازت بالكر والفر، واحتلال المواقع والاضطرار لاخلائها مثل ماحدث لمكة، وغيرها، كما ان الوهابيون ضربوا اطراف العراق والشام، الا ان محاولاتهم اصطدمت بواقع ان الإسلام التاريخي الانقطاعي كما كان قد تبقى من الدورة الثانية، مضافا اليه اختلاف الظروف والبنية العسكرية الجزيرية أولا، وفي السلطنة العثمانية، والمناطق التي تصور الوهابيون اليوم قدرتهم على"فتحها"، انتهت في الحصيلة لوضع هؤلاء بموضع يثير السخط والكراهية، كما كان عليه الحال مثلا مع تعرض هؤلاء للمراقد الشيعية في العراق، ومااثاره عمل من هذا القبيل من ردة فعل غاضبة وكارهة، لدى قطاعات واسعه من أبناء المناطق الجنوبية العراقية بالذات، وجميع العراقيين(2) كما حفز القبائل الجنوبيه المحاربة هي الأخرى، ويتشجيع ودفع من الباب العالي العثماني، على صد المحاولات الوهابية ومواجهته، كما الحال مع قبائل المنتفك في الجنوب. ليست الوهابية هي مابعد الدورة الثانية التاريخية، كما كانت ثورة دولة اللادولة الجزيرية المحمدية الابراهيمة فاتحة باب مابعد الدورة الأولى الرافدينية النيلية، بقدر ماهي استمرار لنفس مسارات وتراكمات حالة الانقطاع التاريخي المهيمن على المنطقة بعد نهاية الدورة الثانية، تجلت بصورة استعادة مستحيله لمنطلق الدورة الثانية، وانتهت بتكريس استحالة الاستئناف في الحاضر، كما أظهرت عمليا خروج الجزيرة العربية من احتمالات الاسهام الفعلي، ناهيك عن الرئيسي، في الدورة الثالثة المنتظرة راهنا، بان كشفت تاخرها البنيوي، ومن حيث الممكنات والامتيازات التي سبق ان كانت تتمتع بها في الماضي، عنها في الحاضرفي حال اخذنا مقاييس الماضي بالاعتبار باعتباره محور وجوهر الدعوة الوهابية. لايتجلى مجتمع اللادولة الأحادي في التاريخ لمرتين، تلك هي القاعدة التي نخلص اليها بالنظر لواقع الجزيرة منذ نهاية العهد الراشدي مع الخليفة الرابع واغتياله في الكوفة،الى اليوم، وبالأخص مع الوهابية التي هي تجسيد في الراهن لصورة جزيرة عربية "محلية"، مفتقرة لاي امتياز كوني هو من الخاصيات الرئيسية لبنية اللادولة الازدواجية والاحادية الصحراوية،كذلك الذي تمتعت به وحققته مع تجسدها المحمدي الابراهيمي القرآني. لتنتهي كمحاولة، بدايتها مركبة على استحالة، تكمن في قلب القانون الفارق بين الحالتين، تلك الأولى الكونية، والحالية، فالقبيله اليوم فوق العقيدة، وتضع هذه في خدمتها، وتستعملها بصفتها " ايديلوجيا" لتحقيق اغراضها التغلبية العصبية( بحسب المفهوم الخلدوني)، مايعني حكما محليا، من الصعب تصور قيامه لولا النفط والغرب، لابل من المستحيل وجود اية صيغة من صيغه من دون النفط أولا، واتفاق اكتشافه مع مصلحة الراسمال الغربي والامريكي الصاعد بالذات. ذلك ماقد دفع بالبريطانيين لان ياتوا بال سعود من منفاهم الكويتي، ليصنعوا منهم دولة قبلية، منضوية ضمن منظومة الغرب واستعماره، لاعلاقة لها حتى بمشروع الدولة الوهابية الأول، فالمحاولة الأولى التي تضع الدعوة والعقيدة بخدمة القبيلة، ثبت فشلها واستحالة تحققها حتى بصيغتها المقلوبة بالقياس الى ماتريد الإيحاء باستحضاره من التاريخ، فدولة قبيلية من هذا الصنف لو قامت، كانت ستخضع لقوانين القبلية وتصارعها المستمر، غير القابل للتوقع او المؤكد الاستقرار والاستمرار، لصالح أصحاب الدعوة الاستئنافية المستحيلة، وهو ماقد غير حضور النفط والريع النفطي احتمالاته، بادخاله عنصرا جديدا فاعلا من خارج البنية المجتمعية، بدلت كليا التوازنات لصالح قبيلة بعينها، ومنحتها القدرة الذاهبة باتجاه "انهاء بنية القبيلة" نفسها. شيء اخر يجدرالتوقف عنده، هو لماذا وجد النفط وبكميات فاعلة وانقلابية في مجتمعي اللادولة، العراقي المزدوج، والجزيري الأحادي في الزمن الحديث، ولماذا لايوحي حدث غريب كهذا مثل غيره من الايحاءات، بالقصدية الكونية الخافية، وتحفيز دواعي عدم التكلس "العلموي" و "العقلاني" الفج، المنقول بلا تدقيق، هنا سيصنع الغرب بناء على الحالة المستجدة، كما بحسب طبيعته هو،نظاما غريبا يرفع راية الإسلام ليستخدمه، ويرسي قواعد نظام قبلي ينهي دور القبيلة، بلاافق يعقبها، ومن دون بديل مجتمعي، فالاعالة الريعية،(3) وصناعة هرم من الاعطيات للقبائل، عطل هذه، وانهى ميكانزمات استمرارها كوحدات مجتمعية تستمر تلبيه لاشتراطات هي في الجزيرة العربية وتاريخيا اشتراطات اقتصاد الغزو، ومع ان مثل هذا التغيير البنيوي الناسخ لبنية نشوء وتشكل تاريخي، وخاصة كينونة صحراوية، مايجعل من تبدلها العضوي، او انتفاء ضرورتها، او خواصها، امرا تاريخيا انقلابيا، ليس مرشحا للحدوث بين ليلة وضحاها، الا ان مسارا طويلا محايثا لزمن الاستعمار والغرب الحالي ابان القرن العشرين والى اليوم، كان كافيا لكي يصل الحال بهذا المكان من منطقة الشرق متوسط التاريخي، نحو مايجعل منه كيانا "آخر"، غير ذلك الذي كان، والذي اليه يعود الفضل في اذكاء الدورة الحضارية الكونية الشرق متوسطية الثانية. هكذا نكون قد وصلنا أخيرا الى الخاصية الغورباتشوفية، أي الذاهبة الى حافة الزمن الانتقالي مابعد المجتمعي، بغض النظر عن الاهميات الراهنة، ذلك ان المقصود بما يراد التأكيد عليه بهذه المناسبة،هو مدى اتصال الظاهرة المعنية بالانتقال التحولي الكبير، والجزيرة العربية وان تكن طرفية، وغير ذات اثر يمكن اعتباره وازنا على الصعيد العالمي، غير انها موطن اخر انقلاب كوني، ونقطة انشداد عقيدي لمايزيد على مليار كائن بشري، مازالوا ينظرون اليها مستلهيمن ماض اختفى من الوجود، من دون ان تبزغ علائم مابعده، فكعبة الاصنام المحطمة على يد محمد، انتهت، الى كعبة النفط على يد محمدين ينفيان محمد الأول، محطم الاصنام مثل جده ابراهيم، اخرهما يشبه ويتوافق مع ماقد انتهت اليه جزيرة العرب والإسلام كنمط غير قابل للاحياء بذاته. ـ يتبع ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الشائع المعروف ان طوسون مات فجاه بعد عودته من الجزيرة العربية، وهو ماعرف رسميا ، لان محمد علي أراد إخفاء حقيقة الأسباب الفلية لموت ابنه، الذي أصيب إصابة قاتلة في احدى المعارك مع الوهابيين. (2) بما يخص انعكاس ظهور الوهابية وتهديدها حدود العراق ومستوى واشكال ومستوى ردة الفعل عليها مذهبا وعلى مستوى العقيدة يراجع كتاب ( الوهابيون والعراق) دار نجيب الريس / بيروت / رسول محمد رسول, (3) اول من لاحظ وربما هو الحيد نظام الرعية والهرمية الاعطائية القبلية السعودية وان من دون متابعة النتائج المفضي اليها والناتجة عنها الفرنسي " بول فيي" في مقال مهم له لم يلق أي اهتمام يذكر وسط بحر الكتابات السطحية عن السعودية، والمقال نشر مترجما للعربية في مجلة " دراسات عربية" اللبنانية، في أواخر السبعينات من القرن الفائت.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غورباتشوفان ترامب ومحمد بن سلمان/2
-
غورباتشوفان: ترامب ومحمد بن سلمان/1
-
الدورة الثالثة -اللاحضارية- الشرق متوسطية
-
دورة حضارية ثالثة شرق متوسطية
-
دلالات نهاية -العراق المفبرك-
-
-البدء الثاني- والعماء الحداثي الغربوي/2
-
-البدء الثاني- والعماء الحداثي الغربوي/1
-
بوتفليقه: زمن انتفاء الحاجة للدولة
-
حدود العقل المجتمعي وتفارقاته؟ (2/2)
-
حدود العقل المجتمعي وتفارقاته؟
-
فرضيتا -الانسايوان- و -الإنسان-؟؟
-
نداء الى العالم وللعراقيين بالمقدمه ؟/ب
-
تعالوا نعيد اصدار- زوراء- العراق(2/2)
-
يستحق العراق جريدة -زوراء- ثانية* ( 1/2)
-
نداء للعالم .. وللعراقيين بالمقدمة/أ ؟؟
-
اكتشاف قانون المجتمعية الكوني؟؟/4
-
لنين الماركسي معادل محمد الابراهيمي/3*
-
العراق الامبراطوري والوطنية الزائفة/2
-
العراق الامبراطوري والوطنية الزائفة
-
- قرآن العراق- .. استعادة العراق
المزيد.....
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
-
سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر
...
-
تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
-
رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال
...
-
قادة الاتحاد الأوروبي يناقشون تعزيز الدفاع والإنفاق العسكري
...
-
توسك يعلق على تصريحات ترامب حول فرض رسوم جمركية على السلع ال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|