أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن كم الماز - في البدء كانت الكلمة















المزيد.....

في البدء كانت الكلمة


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 6236 - 2019 / 5 / 21 - 01:09
المحور: الادب والفن
    


لم أفهم تلك الصورة في ذلك الكهف .. ما استطعت فهمه من تلك الخطوط المتعرجة أن مجموعة من البشر كانت تفتك بإنسان وحيد يبدو على وشك السقوط بينما يحيط به اللونان الأحمر و الأصفر و يطل على المشهد كائن غير واضح يوجد فوق الجميع , كان ذلك الشيء وحده يبدو نائما أو جامدا بينما يبدو الآخرون و كأنهم على وشك أن يقفزوا و يبدؤوا بالركض و القتال .. حفرت تلك الخطوط في رأسي , أي ذنب اقترفه ذلك الشخص كي يقتله الآخرون , على أي جرم كانوا يعاقبونه , و من ذلك الكائن الذي يراقب الجميع دون أن يبدو عليه أي من صفات الحضور أو الحياة .. انتبه شيخ القبيلة إلى صمتي و شرودي .. بادرني بالسؤال فشرحت له بالتفصيل ما شاهدته في أعماق ذلك الكهف .. اعترفت له بعجزي عن فهم تلك الخطوط , إنها لغز لا سبيل لحله .. ابتسم الشامان الأكبر .. قال لي أن إله قبيلتنا يمكنه أن ينير قلبي و يهديني إلى الحقيقة .. سألته بابتسامة بدت وقحة أو ساخرة بعض الشيء : هل هو إله قبيلتكم فقط أم إله الكون .. رد بابتسامة أكبر : بل إله كل شيء .. ابق معنا الليلة .. سأسقيك شيئا ما سيجعلك قادرا على التحدث مع الإله شخصيا .. وصل فضولي إلى ذروته عندما قدم لي الشامان الأكبر كأسا خشبية و على وجهه نفس الابتسامة الباردة .. رغم مرارة ذلك السائل لكني كرعته حتى آخر قطرة .. لحظات و شعرت بدوار رهيب ثم حل السواد .. فتحت عيناي بعد وقت لا أعرف طوله , كنت وحدي هناك و كانت الشمس قد أشرقت .. انتبهت إلى أن منازل القبيلة لم تكن هناك , لقد غادروا و تركوني .. حاولت الوقوف , استجابت قدماي الخدرتان في المرة العاشرة ربما .. بدأت أسير كمن تعلم السير للتو .. سقطت ثم وقفت ثانية فثالثة .. فجأة سمعت همهمة آتية من مكان ليس بعيد .. سرت باتجاه الهمهمات , و فجأة وجدت نفسي أمام شيخ القبيلة و الشامان الأكبر و أفراد القبيلة لكنهم كانوا لا يلبسون شيئا .. انتبهت إلى أني أيضا لا ألبس شيئا , لكني كنت أضعف من أن أشعر بالخجل .. أول شيء فعله الجميع هو أن صرخوا صوبي , لكن سرعان ما تحولت همهماتهم إلى شيء أكثر رقة و عذوبة , ربما كان السبب هو الفزع الذي بدا على وجهي و ارتجاف كل أعضائي .. اقتربوا مني , خاطبوني بهمهماتهم غير المفهومة , حاولت مخاطبتهم لكنهم ردوا علي بنظرات مستغربة .. أحسست بالخدر يتسلل إلى رأسي و عاد الظلام من جديد .. استيقظت بينهم , كانوا يحيطون بي , بدت عيونهم متعاطفة .. قدمت لي إحدى النسوة عظمة ما عليها بعض اللحم النيء المغمس بالدم , كانت تدعوني إلى الطعام , و كانت عارية تماما , مثلي .. مر علي بعض الوقت و أنا بينهم , لم تكن "لغتهم" صعبة , فهمت معاني تلك الهمهمات بسرعة و لكني لم أكن قادرا على نطقها بسهولة .. تعودوا على وجودي بسرعة و اصطحبوني إلى غاراتهم على قطعان الحيوانات التي تعيش قريبا , ضاجعت بعض نسائهم , هنا لا زواج , لا أزواج , لا صابون و لا مراحيض و لا سادة .. بعد مغامرة صيد فاشلة عاد منها ثلاثة و هم مصابين بجروح بليغة حدث ذلك أمامي للمرة الأولى .. كان الشامان الأكبر , الذي لم يكن قد أصبح شامانا بعد , يجادل أحدهم أمام الجميع , في ما بدا لي أشبه بمجلس حربي للقبيلة بأسرها .. فهمت من همهمات الشامان الأكبر أنه كان يتحدث عن شيء , كائن ما , يجب إرضائه لتحصل القبيلة على صيد وفير و كيلا يموت صيادوها .. لكن شابا كان يسخر منه .. كان يقول , لم نر شيئا كهذا من قبل , ما هذا الخلق , و أي شيء هذا الإله , من رآه أو تحدث إليه , نحن نرى الحيوانات تولد و تموت , لم نشاهد إلها يخلقها .. استبد الغضب بالشامان الأكبر .. أمسك عصاه و صوبها نحو الشاب , أيها الكافر .. أيها الناس .. أشار بعصاه نحو شيء ما : هذا هو طوطمكم , إذا لم تقدموا له القرابين ستموتون جميعا , ستأكلكم الحيوانات المفترسة و ستحترقون في النار التي تخافونها .. قهقه الشاب , يا له من هراء , بك و بدونك سنموت .. ضحك البعض , بينما صمت الآخرون .. بلغ سخط الشامان الأكبر ذروته .. علت صرخاته متوعدة , ستموتون أيها الكفار , أيها الجاحدون , ستحترقون في النار إلى الأبد .. ازداد التوتر داخل القبيلة , اصبحت النقاشات أشد حدة و الهمهمات أكثر غضبا أو ترددا , لقد مات الرجال الثلاثة .. كان الشامان الأكبر يزداد غضبا يوما بعد يوم و هو يتوعد الكفار بالويل و الثبور .. كانت تهديداته تزداد جنونا و غرابة .. تغير كل شيء عندما هاجم قطيع من الذئاب القبيلة في ليلة مظلمة .. كانت كلمات الشامان الأكبر تسقط على الجميع كالصاعقة , قلت لكم , حذرتكم .. عندما حاول الشاب الضحك أو الرد رمقه الآخرون بنظرات نارية كتلك التي يصوبونها نحو حيوان مسكين على وشك الموت .. صمت الشاب .. صمت الجميع .. وقف الكاهن الأكبر وحده يصرخ هناك .. و أخيرا جاء ذلك اليوم .. تلبدت السماء بالغيوم و بدأت السماء تقصف الأرض بمطرها و رعودها .. لم يكن من الممكن سماع كل صرخات الكاهن الأكبر لكن كان يمكن فهم غضبه المجنون .. أيها الناس أنقذوا أنفسكم , أيها الناس إنه غضب إلهكم .. و لا بد من تهدئة غضبه .. همهم الناس بذعر وسط قصف الرعود .. عندما أشار الكاهن صوب الشاب لم يتردد أحدهم .. انقض الجميع عليه و بدؤوا يضربونه بكل شيء , بأيديهم , أرجلهم , العصي , الحجارة , ببطء تمزق جسد الشاب و هو حي , أصبح كتلة أشلاء مهلهلة .. شاهدت بأم عيني كيف انتزعت عيناه , حطمت ساقاه , و كيف سحقت عظامه تحت أقدام القبيلة .. كان الكاهن الأعظم يصرخ وسط قصف الرعود , و الجميع يرددون صرخاته المجنونة .. أطلقت ساقاي للريح , ركضت و ركضت , و صرخات الشاب و قتلته تلاحقني .. ركضت حتى سقطت من الإعياء , ثم ساد الظلام من جديد .. أيقظني صوت الكاهن الأكبر , حدقت فيه , كنت مذعورا و مبتلا و أشعر بضعف لا يوصف , كنت هناك ملقى على الأرض و حولي شيخ القبيلة و الكاهن الأكبر , لم أكن قادرا على التفكير , كنت أرتجف , رغم أني كنت أرتدي ملابسي .. ابتسم الكاهن الأكبر , يبدو أنك قد قابلت الإله .. "نعم" .. قلتها دون تفكير و أيضا دون أي تردد .. في اليوم التالي عدت إلى الكهف .. استجمعت قواي و جرأتي , نظرت مباشرة إلى مشهد القبيلة و هي تمزق شابا ما وسط العاصفة .. بعد أيام , في آخر ليلة لي في القبيلة , كان موعد القداس الأكبر .. صوب الكاهن عصاه نحو السماء ثم نحو الجميع و هو يصرخ بجنون , بينما استمع الجميع بصمت , مطأطئين الرؤوس .. كان شيخ القبيلة يراقب الجميع مبتسما .. ابتسم لي الكاهن الأعظم مودعا , قائلا : يقول أجدادنا أن القرابين هي الطريقة الوحيدة لإطفاء غضب الآلهة .. ابتسمت بذعر .. هذه المرة لم تستطع شفتاي أن تنطق كلمة "نعم"



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أقوال المسلم سوبريماست و السني سوبريماست
- الاستبداد و الإرهاب
- مسألة الأقليات في سوريا
- عن الشعب السوري العظيم و الثورة السورية العظيمة
- عكس عملية التنوير
- إلى الأخوة الإسلاميين السوريين : ليس لنا أي يد في هزيمتكم
- لا وجود لحداثة عربية
- بدلا من بيان بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة السورية , محاورة ...
- رد فعل مباشر على عملية نيوزيلندا
- عندما تكون -الحقيقة- مؤدلجة و مسيسة
- من اجل عالم حر و سعيد
- لماذا ما زلت أسمي نفسي أناركيا
- أوهام لا تموت
- قراقوش و صلاح الدين و هوسنا الهوياتي
- كارل ماركس أم جوردانو برونو
- المجد للأوهام , للخراب , للجنون , للأبوكاليبوس
- سياسات الهوية و الانتحار الجماعي
- ثوب رانيا يوسف الذي فضحنا
- ماذا كنت ستفعل في طهران 1978 أو بتروغراد 1917 ؟
- الوطن و الجماهير و الشعب الذي ينتصر - عن الآلهة التي تخوننا ...


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن كم الماز - في البدء كانت الكلمة