رامز صبحي
الحوار المتمدن-العدد: 6226 - 2019 / 5 / 11 - 01:54
المحور:
الادب والفن
خرج من مبنى المحافظة، ودموعه تسبق خطاه الشاردة، كذهنه تمامًا، الذي عصفت به الأفكار عصفًا، بعد أن أخبره، رئيس لجنة الإسكان بقرار إزالة منزله ومعه أكثر من 150 منزلًا أخر، احتضنهم جبل عزبة خير الله في رحمة تفوق لفظ البشر لهم، فتسابقت العقارب والثعابين على زيارتهم والعبث في أروقة منازلهم المبنية من الطوب، دون مبالاة بمسن لا يقوى على الحركة أو طفل يحبوا على الأرض وعقله لا يفقه أن كلاهما يحمل في جسديهما رسالة من عالم مجهول تحدد موعدًا للموت.
وما زاد همومه همًا أن القرار لا يشمل تعويضًا أو سكنًا، فالبيوت في نظر المحافظة غير قانونية بنيت بوضع اليد ولم تمر على إقامتها بضيافة الجبل أكثر من 15 عامًا، وبالتالي مصيره ومصير جيرانه الخيام إن سمحت المحافظة بذلك.
قادته دموعه التي كان لها الكلمة العليا في ظل انشغال العقل بمقاومة طواحين الأفكار حول مصيره ومصير جيرانه، إلى حانة اعتاد اللجوء إليها في مثل هذه المواقف، يحتسي بداخلها الجعة ويستمع لصوت "الست" التي لا يحبها كثيرًا ولكنها كفرمان المحافظ لها سلطة على جميع من بالحانة، لم يقاوم دموعه ثانية وهو يشعر بالعجز إزاء خطرًا قادم لا يقوى على درءه حتى باتت الرؤية بفعل الدموع ورشفات الجعة ضبابية بعد الشيء حتى صوت "الست" لم يعد واضحًا وبدا كأنه همهمة ممزوجة بضوضاء رواد الحانة، لم يكن شيئًا واضحًا في المكان سواء بسمة ذلك الطفل بائع الجرائد وهو يقترب منه ويسأله بصوت خافت لكنه أكثر وضوحًا من أي صوت أخر
- مالك يا استاذ
فلم يجيب عليه واكتفى بالربت على كتفيه، وتناول أخر رشفه من زجاجة الجعة، فمضى الطفل، وهو يشيعه بنظرات ملؤها الخوف أن يكون تسبب له في ألم نفسي جراء تجاهله لسؤاله، لكنه سرعان ما كذبت ظنونه وهو يرى الطفل عائدًا ومعه "كيس شيبسي" ويهديه إليه مع حركات بهلوانيه أمل من خلالها أن يرسم الضحكة على وجه "الأستاذ" الباكي، فابتسم الأخير وفتح كيس الشيبس وتقاسم مع الطفل ما بداخله إلى أن رن هاتفه المحمول
- ألو .. عملت الخبر ولا لسه؟
- خبر أيه
- إزالة بيوت عزبة خير الله
- هاجي على الجورنال أكتبه
- مالك محسسني أنهم هيهدوا بيتك أنت؟.. أعمل الخبر بسرعة.
يغلق الهاتف وقد فارقه الطفل، ولكنه كان في حيره من أمره بفعل الجعة، هل هو صحفي حقًا أم من سكان عزبة خير الله؟.
#رامز_صبحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟