|
فلسفة مبسطة: دوافع نقد الدين عند نيتشه وماركس
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 6223 - 2019 / 5 / 8 - 15:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فلسفة مبسطة: دوافع نقد الدين عند نيتشه وماركس نبيل عودة
في مقال للأستاذ حاتم حميد محسن في موقع " صحيفة المثقف"، كتب مقالا هاما بعنوان: "ماركس ونيتشة.. رؤيتان مختلفتان للدين" المقال يثير الكثير من التساؤلات الهامة، تعقيبا على مقاله اطرح وجهة نظري بموضوع الموقف من الدين، ومن علاقته بالنازية وليس بمختلف القضايا التي نشأت بناء على موقف الفيلسوفين، نيتشه وماركس. ****** نيتشه ينتقد النازية: " أرتجف عندما أفكّر في كل هؤلاء الأشخاص غير الجاهزين بعدُ لتلقّي أفكاري، ومع ذلك سوف يستغلّونها لسلطتهم" نيتشه: "أشعر بخوف في الأيام الأخيرة، من كثرة الرسائل والمواقف التي تصلني حول معاداة السامية، وأشعر باشمئزاز وبكلّ ما تعنيه كلمة اشمئزاز من معنى من ذلك الحزب" ****** تركت فلسفة نيتشة أثرًا بالغًا في الفكر الإنساني، والكثيرون تأثروا بأفكاره، الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون انه لقب بصغره ب "القسيس الصغير"، فوالده كان قسيسا في الكنيسة الانجيلية (اللوثرية)، لكنه عندما بدأ يتشكل وعيه الخاص انقلب تماما على الفكر الديني لدرجة قوله ان "الله قد مات" (الجنائني مات). هناك اخطاء شائعة حول علاقته بالنازية، العكس هو الصحيح، ما جر لهذا الخطأ فكرته عن الرجل السوبرمان (وهو لم يقصد هتلر اطلاقا)، بل رفض النازية وعنفها ضد اليهود أيضا وكات له علاقات مع يهود المان، إشادته بالإنسان السوبرمان، يقصد الانسان غير التابع لفكر قديم ماضوي، بل الانسان المتحرر من كل الفكر الديني والملتزم بالعلم وليس بخرافات الدين. انتقد المسيحية من منطلق نقده للدين، ودور الدين السلبي اجتماعيا. وله قول مشهور: "الخطيئة بحق الله كانت من أكبر الخطايا، لكن الله قد مات، بذلك ماتت الخطايا أيضا، الشيء المخيف أكثر الآن ان تخطئ بحق الأرض". هذا موقف عقلاني وانساني. عدم ارتكاب الخطيئة بحق الأرض. قام نيتشه بنقد جذري للفكر الفلسفي الغربي. من مؤلّفاته " ولادة المأساة "، " هكذا تحدّث زرادشت "، " ما وراء الخير والشرّ"،" ضدّ المسيح " و" إرادة القوّة ". يؤكّد نيتشه في فلسفته تقلّص التأثير للقيم التقليديّة، لأن "اللّه قد مات" (الجنائني مات) ويجب التّأسيس لقيم جديدة تعبّر عن القوّة والشّجاعة والنبل وتعبّر عن إرادة الإنسان الأعلى أو بالأحرى عن إرادة القوّة. وهو كما افهم يقصد القوة العقلية، وليس قوة القمع والاستبداد!! جرى الربط بين فلسفة نيتشه والأيديولوجيا النازية، وان النازية اقتبست فلسفتها من النيتشية، عن الإنسان الأعلى والقوة والشجاعة والنبل، وهذه الفلسفة أنجبت شخصيّة هتلر. الباحثين بفلسفته يرفضون الربط بينه وبين الفكر النازي، ويعتمدون على قوله " أرتجف عندما أفكّر في كل هؤلاء الأشخاص غير الجاهزين بعدُ لتلقّي أفكاري، ومع ذلك سوف يستغلّونها لسلطتهم" ويؤكدون ان نيتشه كان يكتب لإنسان المستقبل. في احدى رسائله نجده يرفض المواقف اللاسامية المعادية لليهود والتي كانت ضمن الفكر النازي، فقد كتب في احدى رسائله: "أشعر بخوف في الأيام الأخيرة، من كثرة الرسائل والمواقف التي تصلني حول معاداة السامية، وأشعر باشمئزاز وبكلّ ما تعنيه كلمة اشمئزاز من معنى من ذلك الحزب (القصد على الأغلب من الحزب النازي). نقد ماركس للفكر الديني وجملته الشهيرة "الدين افيون الشعوب" لم تفهم بشكلها الصحيح. بالفعل ماركس كان ملحدا (لا دينيا) لكن جملته لم تقال للتحريض على الدين والمتدينين انما كانت موجهة لموقف فلاسفة ومفكري التنوير البرجوازيين من الدين. اذ ان عدم رؤيتهم الدور الرجعي للكنيسة والجهاز الديني في العلاقة مع مسيرة التطور الاجتماعي والفكري والعلمي (معاداة الكنيسة للمفكرين والمخترعين بدءا من الكاهن وعالم الفلك الأهم في التاريخ "كوبرنيكوس" وصولا الى "غاليليو" ورفضهم وتكفيرهم للكثير من علوم تطور الانسان، خاصة أبحاث دارون، دفعته لهذا القول. من الجدير ذكره ان القرن الثامن عشر، شهد حربًا لا هوادة فيها ضد الدين شنه فلاسفة التنوير، خاصة في فرنسا، إذ رأوا فيه عقبة امام التقدم الإنساني نحو الحرية والعقلانية. من الجدير بالتنويه ان موقف الماركسية من الدين لم يكن عدائيا اسوة بموقف الفلاسفة التنويريين، بل كان أكثر تفهما وتسامحا. كان يعتبر ان معركته الأساسية في موضوع الدين هو ضد الظلامية الدينية، وقوله التالي هو إشارة لذلك: "الدين هو متنفس المخلوقات المضطهدة، قلب العالم الذي بلا قلب وروح الظروف التي بلا روح. انه مورفين الجماهير" وهو لم يكن معاديا لهذه الفئات الاجتماعية، بل يدفعها نحو التوعية بدل التضليل الديني!! موضوع صراع الطبقات هو موضوع يقع في ملعب آخر لا يتعلق مباشرة بالدين رغم ان التأثير الديني واقع قائم وسلبي في التطور الذي حلم به ماركس بفكرة الصراع الطبقي/ المادية التاريخية. ان فكرة الصراع الطبقي كانت صحيحة نسبيا في الظروف التاريخية التي عالجها ماركس خاصة بعد كومونة باريس. لكن هذا الأمر سرعان ما تلاشى، والرؤية الماركسية التي طرحت عن الأممية العمالية (يا عمال العالم اتحدوا) لم تثمر، وظلت القومية سائدة. فكرة المادية التاريخية (الصراع الطبقي) كطريق لقضاء طبقة العمال على الطبقة البرجوازية، وبناء نظام اشتراكي/ شيوعي، لم تثبت صحتها، وكان لا بد للفلاسفة الماركسيين من تطوير فكرة الصراع الطبقي بل اسقاطها نهائيا. لكن يبدو ان الماركسية تحولت الى ما يشبه الدين لكوادر الشيوعيين، خاصة بتشوية الماركسية بفترة ستالين، لدرجة قبرها وتطوير نهج سوفييتي مناقض لكل الفكر الماركسي، حتى ان الدولة في الاتحاد السوفييتي لم يتغير مبناها الفكري من دولة رأسمالية الى دولة اشتراكية، هذا الموضوع لم يعالجه ماركس ولم يعالجه لينين أيضا، وظلت الدولة الرأسمالية بمؤسساتها، هي التي تطبق النظام الاشتراكي وهنا أحد أسباب، ربما اهم سبب، وراء سقوط هذا النظام!! [email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لننتصر على هتلر - كتاب تزداد اهميته بظل تعمق سيطرة اليمين ال
...
-
ثقافتنا والنقد الأدبي
-
يوميات نصراوي: الهاجس الثقافي
-
تزوير التاريخ والآثار حسب النهج الإسرائيلي
-
إشكالية الحداثة في مجتمعنا العربي
-
يوميات نصراوي: ضعيف يقاويني قصير يطاول
-
كيف صار المنطق نقيضا للمنطق!!
-
فلسفة مبسطة: تعريفات فلسفية
-
المحكمة العليا: هل يمكن الادعاء ان اسرائيل هي دولة جزء من مو
...
-
رئيس بلدية الناصرة علي سلام: انسحبنا لأن جهودنا لم تثمر لتوح
...
-
تحالف الجبهة والطيبي هو التعبير السليم والصحيح في الواقع الس
...
-
أساطير التوراة تسقط، وتسقط معها قصص الأنبياء والوعود الرباني
...
-
الطيبي بمشاركة ناصرتي امام تجربة سياسية رائدة وهامة
-
انطلاق القائمة العربية للتغيير بطريقها المستقل، خطوة تفرضها
...
-
نهج التغيير في التركيبة السياسية للكنيست بات ملحا
-
الطيبي يخطو خطوة هامة نحو التغيير
-
الديك الذي صار سياسيا
-
يوميات نصراوي: حين صنفت خطرا أمنيا!
-
يوميات نصراوي: الماركسية فلسفة ام نظرية عنف؟
-
تعقيب وانطباع شخصي على نص د. جميل الدويهي
المزيد.....
-
الكرملين يوضح لـCNN حقيقة وجود استعدادات للقاء بين بوتين وتر
...
-
أمريكا.. رئيسة لجنة الانتخابات: ترامب أقالني من منصبي
-
نائب أمريكي لـCNN: يجب وضع بلدنا ضمن الأماكن التي سيتم إعادة
...
-
نتنياهو: على قطر أن تختار في أي صف ستكون من أجل شرق أوسط جدي
...
-
إسرائيل ترسل -وفد عمل- إلى الدوحة.. ومخاوف من تعطل اتفاق غزة
...
-
-احتمال ضئيل- لدمار في الأرض.. ماذا سيحدث عام 2182؟
-
غالانت يهاجم نتنياهو: كان بإمكاننا جلب رهائن أكثر بثمن أقل
-
ترامب يوقع مرسوما بفرض عقوبات على الجنائية الدولية
-
بيسكوف: لم تناقش روسيا والولايات المتحدة تنظيم لقاء بين بوتي
...
-
وزير الدفاع السوري: منفتحون على استمرار الوجود العسكري الروس
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|