|
4. أبنة الجن
فاطمة هادي الصگبان
الحوار المتمدن-العدد: 6223 - 2019 / 5 / 7 - 13:12
المحور:
الادب والفن
أبنة الجن
بحلول العام الدراسي حملت اوراقها ودخلت على طلابها الجدد ..بدأت بالتعارف المعتاد وإذا بطالبة شابة ملونة البشرة تدخل بعد الإستئذان والإعتذار.. حتى اتخذت مقعدا في الصف الأول من القاعة وإذا ببقية الطلاب ينسحبون الى الصفوف الخلفية تاركين تلك الخلاسية الرائعة الجمال تتفرد في الجلوس ... لقد مرت سنتين على وجودها في تلك البلدة السواحلية بلغتها المتفردة ذات الخصوصية المنغلقة ..عرفت من خلال معلوماتها الديمغرافية ان المجتمع متجانس وذو عادات خاصة تمنع الاختلاط بالمجتمع الشرقي الا في حيز الضرورة...وهذا المجتمع رغم تجانسه وهيئته الشبيهة بملامح سكان البحر المتوسط ذو البشرة البيضاء الناصعة والوجه المنتظم الشبيه بتمثالي يوبا وهانيبال فليس هناك انف سومري نافر أو حنك بابلي مستدق الزوايا ...ملامحهم قريبة من النموذج الآشوري الدقيق الملامح بعيون مستديرة ..هذا الجمال الأخاذ يمنع اختلاطه بالجنس العربي وإذا حصل تمارس عليه عقوبة الحظر والإبعاد..وهناك النصف الثاني وهو الجمال الأسود القادم من الحجاز والذين اعتبرهم المجتمع ضمن هذا الخليط كأبناء عمومة لكن يبقى ابيض واسود وأي اختلاط يبعد ..لذلك جاء جمال الحسناء مزيج بين نقاوة الأسود وبهاء الأبيض ... مرت اشهر وعينها تتابع الحسناء الملونة المعزولة من قطبي الألوان و..ولازلت مفردات اللغة المحلية لاتسعفها في فهم مايردده زملاءها أو تبيان سبب الإبعاد.. لقد اخبرنها الزميلات أنهم يدعونها ابنة الجن ولم يعرفن السبب لانغلاق المجتمع حول أسراره التي لايقحم الغرباء بها ... ذات يوم وزعت نتائج الإمتحانات ..بينما انفضوا الطلبة من حولها ..أخذت تلملم حاجياتها على المكتب وإذا بالجميلة الغامضة تتقدم نحوها بصوت ذو بحة زنجية عذبة طالبة منها تصحيح الخطأ الوارد في نتائج المصفوفة التحليلية ومنحها الاستحقاق المطلوب ... همت بمراجعة الورقة الأمتحانية وإذا بالجوال الخاص يرن بنغمتها المفضلة (set fair to rain) استأذنتها لتتم المكالمة...لتفاجئ بعد ذلك بملاحظة ... الطالبة : لحن وتصور لايلائمان المغنية ... الأستاذة بذهول : صوت ذو حنجرة راقية ومتحكم بمفردات الطبقة ...لقد حصلت على جوائز غرامي متعددة وتعتبر من الأصوات المميزة في وقتنا الحاضر... الطالبة : لا خلاف في ذلك ..لكن اتركي لخيالك العنان ودعيه ينصت لذلك اللحن والكلمات بصوت سيلين ديون او روز لورينس او غريد فرنسي واتركي المزيج يأخذك من وردة انجليزية باردة بمفردات كلاسيكية محنطة ومغلفة بلغة الشارع المدغمة..و ..و ..و.. قاطعت ذلك السيل المتدفق بإنبهار : ماذا تقولين ..انها متميزة وصوتها يخترق الآفاق .... الطالبة بهدوء رخيم : أتكلم عن الحس لو تخيلت روز او سيلين او حتى داليدا في رخامة مفردة اللغة ...فالفرنسية موسيقى بحد ذاتها لو اضفت اليها أي جملة موسيقية لغدت لوحة لاتضاهى ...الإنجليزية لغة العصر في كل المجالات والفنون أما نقاوة الحس ورهافة المفردة تظل الفرنسية وتليها الإسبانية ..تشعرين بأن الجملة الموسيقية تأخذك هناك حيث السحر والجمال ...وهذا ماتشتهيه الروح التواقة للخلود مثلك ... سكتت الأستاذة وانتهى الحوار هناك ... توطدت الصداقة بينهما رغم الفارق العمري بسنوات قليلة وكل لقاء يضيف لها معلومة عن تلك الشخصية حتى ايقنت انها أمام انسكلوبيديا متنقلة ..وسألتها أنى لها بجمع تلك المعلومات والتحليل العلمي المميز في شتى المجالات ... إجابتها : العزلة ..كلما أبعدني المجتمع ..كلما انتقم منه بأكتشاف نبع معرفي جديد.. خجلت الأستاذة من طرح أسئلة الفضول حول تسميتها وإبعاد المجتمع لها ... حل شهر رمضان بعاداته الجميلة وجاءت دعوة الصديقة ابنة الجن .. استقبلت الأستاذة سيدة متوسطة العمر ناصعة البياض .. وعرفت انها الأم فاستنتجت ان صديقتها ذات الجمال الخلاسي هو عرق أبوي لكن المفآجاة تعرفها على الأب بسحنته الفاتحة ..أتمت الإفطار وسط أحاديثهم المبهجة ..وعادت اكثر حيرة ... وفي يوم عطلة التقيا عند البحر...تحدثتا بشتى المواضيع وكانت الأستاذة منبهرة بالآلىء التي يتحفها بها ذاك الكنز البرونزي فتتلقف المفردة حينا وتتابع رذاذ الأمواج على وجهها الدافئ ذاك القمر المسكي .. وصل تجاذب الحديث الى الخرافة وتاثيرها على المجتمع والجن ومايعنيه في العلم الحديث ..تذكرت الأستاذة التسمية فتراجعت عن الاسترسال العلمي ولجأت لبعض التلون في الحديث لعدم جرح صديقتها المقربة ...ولكن الفتاة الموسوعة فاقتها جرأة بجوابها .. لقد أدخلتك عزلتي للنقاوة التي يحملها قلبك رغم القناع الذي ترتديه أمام الناس لحمايته من صفعاتهم ..أنا ابنة الخرافة وليدة الجهل لمجتمع يرى المشايخ والزار علاج ناجع لعروس غضة خائفة من ليلة الزفاف ... عادت الأستاذة لمنزلها وخلعت القناع عند المشجب ...ولازالت ...
#فاطمة_هادي_الصگبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حداثة
-
عندما تضحك الوعود / قصاصات من الواقع 4
-
ذكرى
-
وبعدين ....قصاصات من الواقع 3
-
الجرائم البيضاء
-
وعادت ...قصاصات من الواقع /2
-
طعام الملائكة 1 قصاصات من الواقع
-
سلام
-
صمت العنادل
-
قوقعة النورس
-
البدلة
-
نداءات ميتة
-
دبش ...الإنسانية السوداء
-
وانتصرت ..القبيلة
-
خبز الرصاص
-
العبور إلى الجحيم
-
الزفاف الدامي
-
احزان حان قطافها
-
حرف نااقص
-
روائح العنبر
المزيد.....
-
العراق ينعى المخرج محمـد شكــري جميــل
-
لماذا قد يتطلب فيلم السيرة الذاتية لمايكل جاكسون إعادة التصو
...
-
مهرجان -سورفا- في بلغاريا: احتفالات تقليدية تجمع بين الثقافة
...
-
الأردن.. عرض فيلم -ضخم- عن الجزائر أثار ضجة كبيرة ومنعت السل
...
-
محمد شكري جميل.. أيقونة السينما العراقية يرحل تاركا إرثا خال
...
-
إخلاء سبيل المخرج المصري عمر زهران في قضية خيانة
-
صيحات استهجان ضد وزيرة الثقافة في مهرجان يوتيبوري السينمائي
...
-
جائزة الكتاب العربي تحكّم الأعمال المشاركة بدورتها الثانية
-
للكلاب فقط.. عرض سينمائي يستضيف عشرات الحيوانات على مقاعد حم
...
-
أغنية روسية تدفع البرلمان الأوروبي للتحرك!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|