|
تيس عزازيل ..... و طقوس الفداء و الأضاحي
رماز هاني كوسه
الحوار المتمدن-العدد: 6222 - 2019 / 5 / 6 - 13:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تيس عزازيل هو من ضرورات الطقوس الدينية في التوراة و التي ترد في سفر اللاويين . و هو تيس أسود اللون يؤتى به في عيد الغفران ( كيبور بالعبرية ... كيفور أو كفارة )و يقوم الكاهن هنا بنقل خطايا الشعب إلى هذا التيس الذي يمثل الشيطان ( عزازيل أحد أسماء الشيطان .. و منها ايضا بعلزبول و سطنا إيل ) ثم يطلق هذا التيس في البرية . (وَيَضَعُ هَارُونُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ الْحَيِّ وَيُقِرُّ عَلَيْهِ بِكُلِّ ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكُلِّ سَيِّئَاتِهِمْ مَعَ كُلِّ خَطَايَاهُمْ، وَيَجْعَلُهَا عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ، وَيُرْسِلُهُ بِيَدِ مَنْ يُلاَقِيهِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، لِيَحْمِلَ التَّيْسُ عَلَيْهِ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ إِلَى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ، فَيُطْلِقُ التَّيْسَ فِي الْبَرِّيَّةِ.), فالتيس هنا هو كفارة لشعب إسرائيل . هل كان هذا الطقس من ابتكار التوراة و مدونيها أم أن له جذور أقدم من ذلك ؟ في الحقيقة جذور هذا الطقس تعود لطقوس الفداء ( الفدو كما نسميها بالعامية ... عندما يقدم أضحية كفدو عن شخص مريض مثلا ) و المستمدة من الأساطير الرافدية و تحديدا أسطورة عشتار و زوجها تموز ( دوموزي السومري ... أدونيس السوري ) . ملخص هذه الأسطورة بأن عشتار تذهب للعالم السفلي و تموت هناك و نتيجة لموتها تتوقف مظاهر الحياة على الأرض فتقرر الآلهة إعادتها و لكن بشرط أن تترك مكانها إلها آخر و يقع الاختيار على الإله تموز زوجها الذي يساق للعالم السفلي و تتحرر عشتار لتعود مظاهر الحياة و عجلتها تدور على الأرض . فتموز هنا هو البديل أو الفداء الذي قدم لآلهة العالم السفلي لضمان استمرار الحياة على الأرض . و من هنا كانت عادة تقديم البديل أو الفداء تمارس في أرض الرافدين ضمن إطار الطقوس السحرية الممارسة لشفاء الناس من أمراضها و ذلك بتقديم بديل عن المريض . حيث كان المريض نفسه يتقمص شخصية الإلهة عشتار . كان يتم تجهيز سرير جنائزي رمزي للإله تموز بينما يقف المريض أسفل السرير و قد غطى وجهه ( دلالة على أنه مات مثل عشتار في الأسطورة) و يتلو الكاهن بعض التعازيم و يناشد الآلهة لتقديم العون و يتم تقديم اثنا عشر نوعا من المأكولات كتقدمات .هنا يكون التبادل قد تم بين الإله تموز و بين المريض (المتقمص بهيئة عشتار الميتة ) و ينتقل المرض للإله تموز بدلا من المريض . حينها يلبس المريض ثوبا من الخيش مع الصيام لثلاثة أيام يخلع الثوب بعدها و يكون قد شفي . ثلاثة أيام ليست رقم عشوائي بل هي الفترة التي قضتها الإلهة عشتار في العالم السفلي قبل أن تعود للحياة ) . تكرار لسيناريو عودة عشتار للحياة بعد ثلاثة أيام من نزولها للعالم السفلي في الأسطورة بعد ترك تموز مكانها . و تورد موسوعة الأديان الجزء الثاني ( ديانة بابل و آشور ... تأليف : hook) مثالا آخر يظهر تطور طقس البديل إلى تقديم أضحية حيوانية كبديل أو فداء عن الشخص المريض كجدي مثلا و هو حيوان يرمز للإله تموز حيث يلجأ الكاهن إلى ذبح الجدي بالتزامن مع طعن المريض بسكين خشبي رمزيا دلالة على موته ثم يتم تحنيط الحيوان و دفنه وفق الشعائر الدينية كأي إنسان عادي و النتيجة شفاء المريض . فمرضه انتقل للأضحية بدلا عنه التي ماتت و نجا المريض . من هنا يمكن القول أن طقس تيس عزازيل هو استمرارية للطقس الرافدي بفداء الإله تموز (و الذي يعتبر الجدي أحد رموزه ) للإلهة عشتار . و إلى هذا المنبع تعود فكرة الفدو الموجودة بالثقافة الشعبية لمجتمعاتنا . فتيس عزازيل هنا هو فداء عن خطايا الشعب التي ارتكبها خلال العام يتم التضحية به كما تمت التضحية بتموز من أجل أن تحبا عشتار و تعود الحياة إلى الأرض. نستطيع مشاهدة انتقال فكرة الفداء الى المسيحية بحادثة صلب و قيامة المسيح , طبعا مع تعديل بالمضمون الفكري بما يتناسب مع الديانة الجديدة و مفهومها عن المسيح . المسيح صلب و مات فداء عن خطايا البشرية و قام بعد ثلاثة أيام من موته , فالمسيح هو الفادي للبشرية و المخلص . و هو نفس خط السير الذي تسير عليه قصة تموز وعشتار . تقليد اجتماعي آخر نستطيع اسناده لفكرة الفداء المستمدة من عشتار و تموز هو تقليد ذبح الأضاحي بعد موت شخص ما . هذا التقليد يحمل في طياته فكرة انتقال خطايا الميت للحيوان المضحى به (بشكل مشابه لفكرة لانتقال المرض من الشخص إلى الجدي... كما ذكر سابقا ) . و تطورت مع الزمن لتحمل دلالات أخرى تشير لكون التضحية بالحيوان و توزيع لحمه هو لفعل الخير و تقديمه لروح الميت و اكسابه حسنات و هو يعتبر وجه آخر لفكرة نقل الخطايا للحيوان الذبيح او الاضحية . فإكساب الميت الحسنات يقلل من الخطايا في ميزان الحساب , وتقليل الخطايا و محوها هو الهدف الرئيس لموضوع الفداء بنقلها إلى الأضحية ( كما رأينا بطقس تيس عزازيل ) إسلاميا نرى طقس الأضحية موجود و هو احد طقوس الحج و يعتبر اسلاميا كإستعادة لقصة ذبح ابراهيم لابنه اسماعيل و استبداله بكبش في آخر لحظة ( و فديناه بذبح عظيم ) بما يذكرنا باستبدال الأضحية البشرية بأضحية حيوانية في التقاليد الرافدية .... النص القرآني يستعمل كلمة (فديناه ) من الفداء . يمكن أن نلمس هنا آثار لفكرة الفداء القديمة بتضحية الحاج بأضحية بعد إتمام حجه . و يعود بعد الحج كما ولدته امه . نقيا من الخطايا . و تتوضح الصورة أكثر عندما نذكر ان اح- طقوس الحج المستحبة و هي عدم حلق شعر الراس او قص الظفر لدى الحاج بعد احرامه و ترك ذلك لما بعد تقديمه اضحيته في الحج و القصد من ذلك كما يقول الامام النووي ( تكمن في الحرص على بقاء جميع أجزاء البدن لتعتق من النار ) . فالخطايا هنا انتقلت للأضحية التي قدمها الحاج المضحي . صورة أخرى للفداء في الإسلام تظهر في طقس العقيقة و هو يتضمن ذبح أضحية حيوانية عن الطفل المولود حديثا . و تعتبر هذه السنة الإسلامية إضافة لكونها تعبير عن الفرح بقدوم المولود الجديد وسيلة لدرء الأذى عن المولود الجديد استنادا لحديث منقول عن الرسول (مع الغلام عقيقة .فأهرقوا عنه دما . و أميطوا عنه الأذى) رواه البغوي في شرح السنة . فالعقيقة هنا هي فداء عن المولود الجديد لحمايته من الأذى و يظهر ذلك واضحا في الداء الذي يتلى عند تقديمها ( اللهم هذه عقيقة ابني فلان _و يذكر اسم المولود_ دمها بدمه و لحمها بلحمه و عظمها بعظمه و جلدها بجلده و شعرها بشعره . اللهم اجعلها فداء لابني من النار ) . طبعا المفهوم الديني الإسلامي للفداء مختلف بدلالاته عن المفهوم الرافدي القديم . فدلالات الطقوس الدينية تختلف و تتطور مع الزمن و لكن الممارسات تبقى محافظة على شكلها العام . فإن كان المفهوم حول فداء تموز لعشتار قد اختفي مع الأديان الإبراهيمية لكن جذور الممارسات الموجودة تنبع من هنا و إن اختلف تأويلها و تفسيرها و دلالاتها.
#رماز_هاني_كوسه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسيج المقدس..... ما بين العذراء النساجة و انجلينا جولي
-
من تدمر و البتراء .... إلى مكة
-
طقس الاستسرار initiation ...(موت و حياة)
-
العماد و استعمال الماء في طقوس الطهارة الشرقية
-
الاشجار المقدسة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|