|
إياك أن تموت مع الرئيس المقبل
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 6218 - 2019 / 5 / 2 - 15:07
المحور:
كتابات ساخرة
قال محدثي، وهو صديق حميم للمرحوم، إن العثور على مقاتل شيعي في صفوف داعش كان أهون من العثور على خيمة ننصبها لاستقبال التعزية بالمرحوم. فجأة اختفت كل الخيم! بحثنا عبثاً عن خيمة أو بيت شعر يحمي المعزين من المطر والبرد في ذلك اليوم الكانوني؟ هل يعقل أن الله اختار هذا اليوم ليصفي حسابه مع أهل الحسكة فأمات منهم في يوم واحد عدداً يفوق عدد خيم التعزية في المدينة. زادت حيرتنا حين فسر لنا أحد مؤجري الخيم هذه الأزمة بأنها ناجمة عن وفاة الفارس الذهبي في ذلك اليوم نفسه، إذ ما علاقة وفاة الفارس الذهبي بذلك؟ هو توفي في دمشق وسيدفن في اللاذقية ما علاقة الحسكة في الأمر؟ لكن مؤجر الخيم الشاب شرح قائلاً: أن الناس هنا يتسابقون في نصب الخيم على حسابهم الخاص لاستقبال التعزية بالفارس الذهبي. تابع محدثي بصوت أخفض ووتيرة أبطأ: يومها فقط عرفت أن الفارس الذهبي هو نفسه الرائد المظلي وهو نفسه من يتعارف عليه الناس همساً بأنه الرئيس المقبل كوريث لأبيه حافظ الأسد. أنا لا أستمع كثيراً إلى الراديو والتلفزيون، كنت أقضي وقتي كله مع صديقي المرحوم. المهم أن حظ المرحوم (أقصد مرحومنا) كان أنه مات في اليوم الذي شاء الله أن يبقي فيه الرئيس المقبل رئيساً مقبلاً إلى الأبد. كان حظه سيئاً في حياته ومماته. وربما كان حظي هو السيء. بعد جهد عثرنا على خيمة، كانت خيمة مهترئة وفيها بعض الفتحات هنا وهناك، لكن الحمد لله، ما يهم هو أن نتمكن من القيام بواجب المرحوم، وليس من الضروري أن تكون الخيمة جديدة. ما أن نصبنا الخيمة حتى بدأ المعزون بالتدفق بشكل فاق توقعاتي. قلت في نفسي: كم لك من محبين يا صديقي المقطوع من شجرة، إنهم أكثر مما توقعت. غير أن الشخص الذي جلس بجواري على اعتبار أنني أنا من يتقبل التعازي، قال بصوت خطابي: "رحمه الله، مات شاباً!" قلت في نفسي من جديد مستغرباً: "مات شاباً؟!". صديقي كان قد تجاوز السبعين بعشر سنوات، لكنني فضلت أن أسكت. "لقد كان أملنا جميعاً، كان أمل الوطن كله، كان قائداً بفطرته، يقود الحصان ويقود المظلة ويقود الوطن. إلى جنة الخلد، إلى الرفيق الأعلى، رحمك الله يا باسل، لقد كسرت قلوبنا برحيلك المبكر، وكسرت قلب سيادة الرئيس. وكما قال الشاعر إن العين لتدمع". عندما توقف قليلاً عن الكلام وهو يستعد لإكمال خطبته، أسرعت فوضعت فمي على صيوان اذنه وهمست: عفواً، خايف تكون غلطان.. هذه خيمة عزاء ابو سمير يا ابني، شو حصان ومظلة وأمل وسيادة الرئيس؟ الله يخليك! نظر الشخص إلي باستخفاف ودون أي شعور بالغلط قال: وإذا كان! ما بيصير نعزيك بالفارس الذهبي؟ يا عيب الشوم! الحقيقة أنني ارتبكت وبحثت عما أقول وأنا مطرق في الأرض، ولكن أحد المعزين بأبي سمير، وهو متعهد صغير من أهالي حينا، أنقذني وأنقذ الموقف بأن قال: يا أخوان، التعزية الكبيرة اليوم للشهيد الفارس الذهبي وكل التعازي الأخرى يمكن أن نعتبرها تعازي من الباطن! كانت تخريجة موفقة لأن علامات الرضى بانت على وجه الشخص اللامع، الذي شعر حينها بالانتصار وقال بصوت مسؤول يقرر في مسألة ما: طبعاً الرحمة على أبي سمير، ولأهله وذويه الصبر والسلوان، أما بعد: لقد شاهدت الباسل، رحمه الله، وهو يطعم حصانه يوماً، كان مثالاً للأخلاق، وقدوة للجيل.. إلى جنات الخلد. همهم الجمع: آمين. مرت ثلاثة ايام من التعزية قلما ذكر فيها اسم "مرحومنا"، كانت بالفعل تعزية من الباطن كما قال جارنا المتعهد. لكن معزة المرحوم "مرحومنا" كبيرة في قلوبنا، وها نحن قمنا بواجبه ثلاثة ايام. ولا تؤاخذني إذا قلت إن وفاته كانت مؤلمة لي أكثر من وفاة الفارس الذهبي، استغفر الله. كان أبو سمير شريكي في كل شيء. الناس ينشغلون بشؤونهم عنا، ونحن نتعاون على تمضية ما تبقى لنا في هذه الحياة. لن أجد بعده من يسير معي على الدروب ويستمع شكواي ويصبر على حديثي ويشعر بي. ماذا كان سيفيدني الفارس الذهبي لو بقي حياً، عدم المؤاخذة يعني؟! بعد ثلاثة أيام قررنا تفكيك الخيمة، لكني اكتشفت أن فك الخيمة ليس كتركيبها، فقد جاءنا رجل آخر ونحن نهم بفك الخيمة وقال: "ليس من اللائق أن تفكوا خيمة العزاء طالما أن خيم التعزية بالفارس الذهبي لم تفك بعد". وهكذا ظلت الخيمة أربعة أيام أخرى، ببردها وريحها ومطرها. ولم تكن هذه الأيام الأربعة تعزية بمرحومنا بقدر ما كانت تعزية بمرحومهم، كما كانت الأيام الثلاثة الأولى وأكثر. الحقيقة كان القيام بواجب صديقي متعباً لي، لذلك أوصيت كل من حولي، شفقة عليهم وصوناً لروحي من النقمة، أن لا يقيموا لي عزاء إذا صادف موتي مع موت رئيس مقبل.
تشرين ثاني 2014
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيتنا والاسفلت
-
البديهيات والاستاذ
-
الكوفيون الجدد
-
آلة التشبيه
-
حديث اللبن
-
أطفال سورية
-
العلويون، عزلة ثانية
-
رفة عين اسمها الاستيقاظ
-
خيانات مضمرة
-
براميل على الذاكرة
-
-المقامر- على أضواء سورية
-
الموت تحت التعذيب
-
بيت في المخيم
-
إرهاب ضد الإرهاب
-
البلد العابر للسياسة
-
النساء في الثورة السورية
-
من الذي قلع عين الرئيس؟
-
حزب السيارة الزرقاء
-
عميد مغلق وباب مفتوح
-
الطبيب المسكين وفخامة الجريح
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|