|
مكانة -القوة- في العلاقات الدولية و دورها
محمد كمال
الحوار المتمدن-العدد: 6217 - 2019 / 5 / 1 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مكانة "القوة" في العلاقات الدولية و دورها في مقال سابق تحدثنا عن مبدأ " ما أُخِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلاّ بالقوة " ، و كيف أن هذا المبدأ ، رغم قدمه منذ بدء التاريخ، مازال هو السائد بين الدول و الشعوب ؛ و كيف أن جميع الدول ، العظمى منها و الصغرى ، تحترم هذا المبدأ ، و حتى المؤسسات التي تتبنى نهج السلم العالمي و تنادي بالمبادئ الإنسانية لا حول لها و لا قوة أمام جبروت القوة ، و هي تقف عاجزة أمام عبث القوي بالضعيف و استهتار القوة بالقيم الإنسانية ... القوي لسانه سيفه ، و بالسيف يغزو و ينهب و يذل و يفعل ما يشاء و يستفرد بخيرات الطبيعة نهباً و سلباً و قهراً لصاحب الحق ، و هو يفعل كل هذه الموبقات دون أن ينبس بكلمة و دون أن يرف له جفن و الضمير قد جف ماؤه في تربة نفسه ؛ بينما الضعيف سيفه لسانه ، يجول و يصول به بالكلام ، بالشكوى و العويل و الاستنجاد ، و امام عجزه و حنقه يكظم غيضه على مضض ، و أفضل مفرزات الضعف و الغبن عند الضعيف العاجز هو فلسفة الحال ، و التفلسف هو سيد اللسان في غياب السيف ؛ فالسيف أصدق أنباءً من الكتب ... من يملك القوة فهو صاحب القرار ، بغض النظر عن طبيعة القرار، و هو صاحب القانون ، له قانونه الخاص الذي يفرضه على الضعفاء ، بينما هو لا يلتزم بأي قانون ، سوى ما تمليه عليه مصالحه و أهواء نفسه ؛ فمصالحه نهب من خيرات الآخرين ، و أهوائه عبث و مهانة لكرامة الآخرين . رغم جبروت القوة و هولها ، إلاّ أن لها منطقها ؛ منطق القوة الذي يفرز شيئاً من العقلانية على القوة ، و يحد من إندفاعاتها و استهتارها . و هذا المنطق يرتكز على قاعدة " و داوها بالتي كانت هي ألداء "... القوة بذاتها لا ترتدع رغم ما تدعيه البشرية من تطور حضاري ، و تحول تاريخي من مرحلة همجية الى مرحلة بربرية ، و من بربرية إلى مرحلة حضارية ؛ الحضارية التي ، من المفترض فيها، أن يكون الانسان قد تخطى معها و بها نهج العدوان إلى نهج التعاون و السلام ، و لكن يبدوا أن الموروث البربري في النفس البشرية مازال قوياً رغم النقلة النوعية الى الحضارة ؛ و هذا الموروث المتبقي في جسم الحضارة دلالة على أن الحضارة بعد لم تتخطى حدودها المادية و المظهرية ، و أن النفس مازالت في حاجة إلى الترويض في ظل الحضارة المادية قبل أن ترتقي إلى الحضارة ببعدها المعنوي و عمقها الروحي ، و التي عندها ترتدع القوة بذاتها من أجل التعاون و السلام و الخير العام... و ليس من الممكن تحديد المدى الزمني لحدوث هذه النقلة النوعية و الروحية، و ليس من المستبعد أن يدمر الانسان نفسه ، تدميراً كاملاً ، قبل حصول هذه النقلة المرجوة . إذاً فالقوة مازالت بربرية النزعة ، رغم مادية الحضارة، و أنها لا ترتدع بذاتها ، و أن الردع الفاعل و المؤثر يتمثل في قوة مقابلة ؛ و في غياب قوة مقابلة ، فإن القوة تفعل ماتشاء دون حدود أخلاقية و لا نَفَسٍ انساني و لا واعز من ضمير . و هكذا بإمكاننا أن نفهم و نقدر المبدأ الذي يؤكد بأن " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة " ؛ و مازال هذا المبدأ هو السائد على جميع المستويات ، من المستوى الفردي مروراً بالمستوى الاجتماعي و صولاً إلى مستوى العلاقات الدولية ؛ و طبيعي أن المستوى الدولي هو الأساس و هو الأكثر كارثية بالنسبة للإنسان ، و أنه يمكن لهذا المبدأ أن يكون السبب في وأد الحضارة قبل إصطلاب عودها و اكتمال بنيانها . حضارتنا مازالت في طور المهد بفعل الموروث البربري الذي مازال مغروساً في نفوسنا . إن القوة المقابلة تحت سقف "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" لا يعني بالضرورة التساوي في ميزان القوة ، و لا يعني كذلك تفجير شرارة الحرب لاسترداد الحق المسلوب ؛ وجود القوة ، و لو كانت نسبية ، كافية للردع ، و كوريا الشمالية و كوبا أمثلة حية على هذا المبدأ أمام العدو اللدود ، أمريكا، الذي يمتلك أعظم منتجات العلم و التكنولوجيا من السلاح بانواعه المدمرة ؛ فهذه الدولة العظمى ، و مثيلتها ، روسيا و الصين، يمتلكون من القوة ما يمكنها تدمير الكرة الأرضية مئات المرات ( جنون العظمة ، رغم أن التدمير الأول لا يفسح المجال لتدمير ثانٍ ) . و لكن كل هذه الدول العظمى ترتدع ذاتياً من الدخول في حروب مع من يمتلك القوة ، و لو قوة نسبية. إن إمتلاك القوة ، و لو نسبية ، تكون ورقة مجدية في المفاوضات حول القضايا الخلافية مع الجانب القوي ، و تساهم في تنازلات مقبولة من الجهة الأخرى ، لأن الحرب ليس بالضرورة أن تكون مجدية بالنسبة للقوة الأعظم ، و الأمثلة كثيرة ، من فيتنام الى افغانستان ؛ و في حالة عدم جدوى مخرجات المفاوضات ، يمكن للقوة النسبية أن تدخل في مناوشات عسكرية استنزافية لا ترقى إلى حالة الحرب و تكون محرجة و مضرة بالجانب الأقوى ، و لكن الثمن لن يكون رخيصاً (في حاجة إلى تماسك وطني داخلي) ، و لكنها تكون مؤثرة و مفيدة لمفاوضات مجدية لاحقة ؛ و مع وجود قوة نسبية ، يمكن الدخول في تحالفات مع قوى أخري ، مما يساعد و يساهم في دعم الردع المطلوب ، لأن القوي يتحالف مع القوي ، و هذا هو التحالف ، ببنما إرتباط الضعيف بالقوي لا يرقى إلى مستوى التحالف ، بل تكون العلاقة بين السيد المقتدر الآمر و التابع الخانع المطيع . وحسب قوانين الطبيعة و قوانين العلوم الاجتماعية ، فإن القوة تستطيع أن تمتص و تستوعب ضربات القوة الموجهة إليها ، حتى و إن كانت أضعف ؛ بينما الضعف الكامل سيكون سجاداً مبسوطاً تطؤها أقدام القوة ، دون حاجة للقوة أن توجه و لو ضربة واحدة إلى الضعف . فمازالت البشرية تتلذ بطعم القوة ، و تمجد القوة و لو كانت ظالمة ؛ فالقوي يحترمه القوي و يهابه الضعيف.
محمد كمال
——————-
#محمد_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزوجة الثانية أثَرٌ مِنْ إرْثِ الماضي
-
العبث بالدِّين و التلاعب بالفتوى
-
حقاً؟!!! البروفيسور موشيه هارون يمجد في الاسلام؟
-
الربيع الفرنسي ربيع سلمي
-
ساره الهاني ملكة الصوت الغنائي
-
مجزرة باريس و الحوار المرعوب
-
رمسيس مصر و مصر السيسي
-
ماضي التضامن و حاضر التشرذم
-
الاعلام و الاٍرهاب
-
الطائفية و الوعي الوطني
-
دم المرأة بين عارها و شرف الرجل
-
المنظومات الفكرية والالتزام العاطفي بها
-
التصورات حول الأوضاع العربية
-
طنين الإرهاب في فرنسا
-
ماضي التضامن وحاضر التشرذم
-
الجنوب اليمني وعودة الوعي
-
الذكر والأنثى والتفاضل بينهما
-
وعود برلمانية في أكفان زاهية
-
آفاق تكنولوجيا المعلومات
-
الانتخابات بين المترشح و الناخب
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|