أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - ابن يجبش التازي .. الى حين ..















المزيد.....

ابن يجبش التازي .. الى حين ..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 23:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عبد السلام انويكًة - باحث
لمِا في أمر أصول الشيخ ابن يجبش الاجتماعية من تضارب في الاجتهاد والرأي والوثيقة والرواية ودون خوض تتقاسمه نسبية حقيقة الى حين، هو محمد بن عبد الرحيم بن يجبش التازي دفين تازة، أديب صوفي اهتم بعلوم الدين واللغة والفقه والنحو والعروض، كان صديقاً للامام السنوسي صاحب"العقائد" الذي كانت له معه مراسلات عدة. والى جانب ما تميز به ابن يجبش كفقيه أديب ناظم ناثر. عُرف بقصيدة"المنفرجة" التي سلمها ابنه أبو عبد الله لإبن القاضي أبي العباس أحمد بن محمد المكناسي، وهو الذي أفاده أيضا بوفاته بتازة عام 920ه. وقد ورد أن الشيخ الهبطي دخل يوماً على ابن يجبش بمنزله بتازة وكان مريضاً، وأثناء حديث بينهما عن معنى الوصال سقط هذا الأخير مغشياً عليه. وإذا كان ابن يجبش قد أدرك ابراهيم التازي الشهير بسلطان الأولياء دفين وهران وأخذ عنه، فقد كان عاشقاً لا يفارق السماع بقصائد له فيه ومن أكابر العلماء العارفين فصيحاً صوفياً بشأن في ذلك.
وحول منزلة بن يجبش التازي الفقهية والصوفية في مغرب بني وطاس، ورد أنه لما ذاع صيت أبو عبد الله الغزواني الذي توفي في أواسط ثلاثينات القرن العاشر الهجري وكثر أتباع زاويته ببلاد الهبط، وبعدما تضايق السلطان أبو عبد الله محمد بن الشيخ الوطاسي من شعبيته، أمر بالقبض عليه خاصة وأن الدولة كانت تمر بضعف واضطراب شديد. ولما نقل الشيخ الغزواني لفاس للمثول أمام السلطان، وبعدما سكت جميع أعضاء مجلس السلطان الذي كان من بينهم عامل تازة أبو العباس أحمد بن محمد الشيخ وشقيق السلطان، تكلم كاتب وإمام صلاة السلطان طالباً من الغزواني الاجابة حول المنسوب اليه، والمتعلق بهداية الناس وانهائهم عن المنكر حيث استجاب له من استجاب وأبى من أبى. فكان جواب الشيخ الغزواني هو مطالبته بالسكوت حتى يغتسل من جنابته، وعلى اثر ما أحدثه هذا الرد من غضب تدخل أخ السلطان الذي كان حاضراً موضحاً أن الجنابة في فهم الصوفية هي غير ما هو معروف لدى عامة الناس، وأن المتصوفة يقصدون بذلك غموض المشاعر الاخلاقية. ولما سُئل الأمير أخ السلطان عن مصدر معلوماته أجاب بأنه تلقاها من سيدي محمد بن عبد الرحيم بن يجبش، فارتاح السلطان لجواب أخيه والتفت للشيخ الغزواني راجياً منه أن يكون قريباً منه وأن يستقر بفاس.
ولعل شعور عدد من العلماء والمتصوفة بضعف الدولة خلال هذه الفترة، كان وراء تحريك ضمائرهم وإدراك ما عليهم من مسؤولية تاريخية غير مألوفة. ومنهم ابن يجبش التازي الذي ارتبط خطاب اصلاحه بهذه الفترة الصعبة من تاريخ المغرب التي كان عليها مغرب بني وطاس حيث الغزو الابيري لسواحل البلاد، فثار غيرة على واقع بدعوته للاصلاح وتوجهه للأمة. فجاءت رسالته التي ألفها في الجهاد أواخر القرن الخامس عشر الميلادي أحسن مثال، بنص توزع على قسم منثور وآخر منظوم مع خاتمة له بالدعاء للسلطان، الذي قد يكون هو محمد الشيخ الوطاسي1504- 1471 أول سلاطين الدولة الوطاسية. وهذه الرسالة التي لا تخرج عن كونها مجرد دعاء تقليدي، لم تكن تنتظر من السلطان أي عمل لاصلاح وضع المسلمين، وهو ما يدل على أن المغاربة كانوا على درجة كبيرة من اليأس تجاه حكامهم على إثر ما أصابهم. حيث سقوط غرناطة ونهاية دولة المسلمين بالأندلس.
وعلى إثر ما أحدثه وخلفه الاحتلال المسيحي لسواحل المغرب خلال هذه الفترة من أثر قوي، قام الدعاة والمشايخ بحث الناس للدفاع عن البلاد. والى جانب تحريضهم على الجهاد جمعوا المال لتحقيقه وافتكاك أسرى المسلمين. وبقدر ما كانت دعوتهم للجهاد تتقوى بتقوي خطر النصارى، بقدر ما لم تستثن نظرتهم الحاكمين مستنكرين تخاذلهم عن القيام بالتعبئة لمواجهة العدو. وقد شكل ابن يجبش التازي ضمن هؤلاء خلال هذه الفترة الدقيقة من تاريخ البلاد، مثالا حقيقياً لعظمة ما قام به العلماء من تحسيس وتعبئة. بعدما ذهل مما حصل من غفلة الناس وانحرافهم عن الدين، هذا في وقت جمع فيه العدو كل امكاناته لغزو البلاد. وقد ارتبط صراخ وصرخات الشيخ ابن يجبش التازي اليائسة، بفترة دقيقة دخل فيها العالم الاسلامي مرحلة انكماش، وعوض بقاء المغرب منفداً لجهاد هجومي في علاقته بأروبا اكتفى بالدفاع حماية لكيانه وهويته، وهو ما أثار غيرة ابن يجبش كشاهد عيان معبراً عن هول ما أصاب المغاربة. وعليه يرتب على اثر ما كان عليه من ردة فعل تجاه الوضع ضمن قلة قليلة ممن تناول الجهاد من خلال نصوص مستقلة، متوجهاً بندائه لجميع من كان يهمه ويعنيه أمر احتلال الإبيريين لسواحل البلاد داعياً للتعبير عن النكبة في كل مكان.
واعترافاً منه بغيرة شيخنا وما كان له من صدى في التعبئة من أجل وطنه، وبعد استرجاعه لثغر المعمورة وطنجة والعرائش وأصيلا، أصدر مولاي اسماعيل عام1112ه ظهير توقير يخص زاوية ابن يجبش، محدراً من يخرقه قائلا:"من تعدى هذا الحد المذكور أو كسره أو خالف أمرنا يقطع رأسه." ونفس إلتفاتة التوقير هذه حافظ عليها كل من أبي العباس أحمد بن المولى اسماعيل، والمولى سليمان والمولى عبد الرحمن بن هشام ثم المولى الحسن الأول، وحتى الفقيه الزرهوني حتى لا نقول"بوحمارة" كما هو فهم تسطيحي متداول لدى الكثير والذي ثار ضد المولى عبد العزير مطلع القرن الماضي، توجه بعنايته لهذه الزاوية من خلال ظهير له خدمة لما كان بصدده سياسياً.
وتحفظ خزانة جامع تازة الأعظم المرينية بعض من مخطوطات ابن يجبش التازي، منها مخطوط"تنبيه الهمم العالية على الصدقة والانتصار للملة الزاكية وقمع الشرذمة الطاغية" الذي لايزال يئن تحت رحمه ربه وسط رطوبة خزانة عتيقة الى حين تحقيقه، ولعله بقدر ما هو عليه من قيمة تاريخية لفائدة الباحثين في التراث المغربي، بقدر ما هو بحاجة لعمل تحقيق علمي كغيره من مئات الكتب المخطوطة بهذه الخزانة، لجعل ذخيرة تازة من الارث الفكري في متناول الباحثين والدارسين، علماً أن التوجه بالعناية للكتب المخطوطة عموماً بخزانات البلاد العتيقة هو دعوة للتحقيق أساساً باعتباره أداة حماية الى جانب أهمية العملية من الوجهة العلمية الأكاديمية.
وتبقى الغاية العلمية من البحث عن المخطوط والتعامل معه، كما مخطوط ابن يجبش التازي بخزانة جامع تازة الأعظم ، هو جمع أكبر عدد ممكن من نسخ المخطوط الواحد والتي قد تمكن الفيلولوجي من وضع تاريخ لنص المخطوط، الذي بات سبيلا وحيداً لبلوغ نسخة المؤلف أو ما هو أقرب منها. وأما اعتماد نسخة واحدة في التحقيق فهذا أمر مرفوض من قِبل علماء الفيلولوجيا، والمتخصصين في هذا الحقل العلمي الدقيق يرون أن عملا بهذا الأسلوب لا يمكن أن يسمى سوى تصحيحاً، لأن النسخة الوحيدة ليس من شأنها أن تخضع للأساليب الحديثة في نقد النصوص. أكثر من هذا يذكر هؤلاء أن معظم النسخ الوحيدة التي خضعت لعمل التحقيق كثيراً ما كانت ناقصة مليئة بالأخطاء. ولعل التحقيق كورش علمي لا يزال بخجل علمي كبير ببلادنا منهجاً وتكويناً وتراكما، ومن المفيد الاشارة الى أن التحقيق هو إخراج نص معين في شكل أقرب ما يكون لصورة ما تركه مؤلفه، اعتماداً على المقارنة بين النسخ التي بقيت من الكتاب. ولا جدال في أن التحقيق ميدان صعب لا يلجه إلا الموهوب المالك لقدرة وموهبة الغوص في أعماق المخطوط، ومن الخطأ أن يتحمل مسؤولية التحقيق من هو بدون تكوين ولا قدرة ولا إدارك لطبيعة العمل ومجرياته، ولعل من نتائج هذا ما يصادف من تحقيق يفتقر لأيسر قواعد البحث العلمي، وفي الوقت الذي سيتم الكشف فيه عن مزيد من المخطوطات المغمورة وسيتوفر فيه محققون بكفايات علمية، ستكون هناك ضرورة اعادة تحقيق ما تم تحقيقه طوال القرن الماضي في جامعاتنا بحسب تقييم أهل الشأن من المتخصصين.
عبد السلام انويكًة





#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث
- تاوريرت .. ذاكرة تاريخية شامخة..
- اذاعة فاس..شامخة مفعمة بايقاع تفاعلي مجالي جهوي متميز
- تدبير الجبل بالمغرب.. أية رؤية وأية تنمية
- -كهف الغار-.. القرية والمغارة .. مخزون سياحي طبيعي نوعي ومتف ...
- المراكز الجهوية ورهان تكوين الأطر وتكوينهم المستمر ..
- حول العلاقات المغربية التركية
- منتزه تازكة الوطني .. المغرب
- المغرب وتركيا .. تاريخ في خدمة مستقبل بلدين ..
- من مغرب الحماية .. ذاكرة تلاميذ وطن ..
- فرقة تزي فيزيون للموسيقى المغربية تتألق في بلاطو ضيف ونغم
- تازة: البلاطو الثقافي الفني ضيف ونغم احتفالا باليوم الوطني ل ...
- تازة: حصن البستيون..في زمن القانون..؟؟
- منسقية النسيج الجمعوي التازي
- المجال المغربي ورهان سياحة مياه الاستشفاء
- أكنول بين رحابِ تاريخِ فخرٍ وعِزْ.. وأفقِ رهانِ شجَرةِ لَوْز ...
- تازة: بين سؤال البحث العلمي والأرشيف المحلي ورهان التنمية
- بعض.. من شائك تاريخ المغرب
- بعض من غير المألوف في تاريخ المغرب
- المجال المغربي... والبحث التاريخي الجهوي الجامعي


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - ابن يجبش التازي .. الى حين ..