|
يا -صالح- أينك ؟
لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 6214 - 2019 / 4 / 28 - 06:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ـ كتب: لخضر خلفاوي* *** في انتخابات 1995 المتعلقة بالاستفتاء على تعديل الدستور في عهد اليامين زروال، كنت إعلاميا يافعا طموحا، حضرت إحدى مكاتب الإقتراع ببلدتي الكائن بمدرسة " راجعي عمار" ـ مسكيانة . كان من بين الناخبين و الناخبات عجوز جاءت لتؤدي واجبها الوطني رغم الظروف القاهرة و رغم عدم استقرار البلاد أمنيا.. أذكر سُئِلت تلك المرأة بعد أداء واجبها و قبل خروجها من المكتب عن رأيها في " التعديل الدستوري " و شعورها بعد تصويتها؛ فاسترسلت تشكر الجميع من مسؤولين و حضور في المكتب و ختمت إنطباعها قبل انصرافها بدعواها : "ربي يجيب إنسان صالح !" كانت تلك العجوز لا تدري بأن الدستور ليس شخصا مرشح للإنتخابات و إنما هي تعديلات دستورية وعد بها الرئيس زروال أنذاك. فكتبت في عمود ساخر أسبوعي في جريدتي :" استفتاء تعديل الدستور: و تمنته أن يكون إنسانا صالحا" .. و كأنها ترى الدستور السابق بالفاسد أو الناقص، أو أن حلم الجزائريين كبير و عظيم في حكم صالح و راشد و أن يحكم هذا البلد الغني الأبي من قبل صالحين لا فاسدين و إنقلابيين علىى شرعية الشعب.. أذكر كانت عبارة تمني الجزائريين لقدوم "إنسان صالح " للحكم بمثابة الأمنية الشبه مستحيلة بعد عملية السطو على الثورة و قرصنة " الإستقلال" الذي لا يتمتع به إلا شرذمة أصحاب النفوذ و ورثة "البايلك" .. عبارة " ربي يجيبلنا إنسان صالح " هي عبارة صارت كتسبيح جزائري قادم من أعماق القلب في هكذا مواعيد انتحابية رغم وباء التزوير و الإنقلابات التي يكون وراءها دائما أحفاد فرنسا من قدامى ضباط جيشها و من أبناء الحركة الذين تحولوا إلى مجاهدين بقدرة قادر بعد الاستقلال.. و الإدارة أيضا التي كانت شريكا رئيسيا في منع المواطن و حرمانه من حقوقه الدستورية لحساب مجموعات نافذة حزبية و منظماتية تشتغل لمصالحها الشخصية. ـ كان من المفروض ألا نتكلم أبدا عن المؤسسة العسكرية عندما يتعلق الأمر برهانات سياسية أو انتخابية .. ففي الدول المدنية المتطورة الديمقراطية العريقة و التي نالت استقلالها منذ قرون و أمد طويل هكذا حديث عن دور و رأي الجيش يعد موضع سخرية و لا يستوعبه العقل المدني.. الجيش مكانته الطبيعية هي الثكنة و الدفاع عن السيادة و الحدود. في الخصوصية الجزائرية الحديث عن دور الجيش هو أمر تطبيعي منذ الاستقلال بل صار ضرورة في كل مناسبة سياسية. فبحكم استقلالنا ( اللامكتمل) و الفتي مازالت المؤسسة العسكرية وراء كل سيناريوهات اختيار الوجوه و الشخصيات التي تترأس رمزية النظام في البلد، الرئيس في الجزائر إن لم يكن عسكريا فقد يكون مدفوعا من طرف الجيش ـ مدفوعا إلى الاتجاهين ـ إما التمكين و الترئيس أو الاغتيال و الطرد إنقلابا !دلئما الحكايةوراءها الجيش ؛ بل أصبحنا لا نستحي من القول علنا و كتابة العناوين الكبيرة على صفحات الجرائد عبارة " مرشح الجيش" و غيرها من التوصيفات التي لا تتماشى مع دولة من المفروض أن تكون مئة بالمئة مدنية ! ثم من هو الرئيس المدني الذي حكم الجزائر دون تدخل هذه المؤسسة. و الكل يعرف طبعا ضلوع هذه المؤسسة في تسعينيات القرن الماضي في " الانزلاق الأمني الكبير" و جرّ الحزب الفائز بأولى تشريعيات في عهد الجزائر المستقلة إلى مستنقع العمل المسلح.. و استطاعت " ألوية الاستئصال الدموية " أن تتخندق وراء حجة " إنقاذ الجزائر من مستقبل أصولي مدمّر " أن تقحم المؤسسة العسكرية في حربها على شريحة عريضة من الشعب بعد حظر إرادته و حقوقه الدستورية.. ضباط و جنرالات كالعربي بلخير، خالد نزار و طرطاق و مدين و العماري و القائمة طويلة شاركوا جميعهم في مخططهم المدعم من قبل أجندات أجنبية في " حربهم القذرة" على الشعب الجزائري.. و الكل يعرف الفاتورة الغالية التي دفعناها من وراء هذا الإنقلاب على إرادة الشعب .. ما يفوق من نصف مليون من الضحايا و عشرات الآلاف من المفقودين و المختطفين، بغض النظر عن تهديم البنية التحتية و المنشآت الكبرى الإقتصادية! كل هذا لأن الله ابتلى هذا البلد بتأخر ظهور المهدي المنتظر ، ذلك الإنسان الصالح الذي يتوق إلى ظهوره الصبي و الشاب و العجوز .. "إنسان صالح " إختاروا كل الصالحين إلا أبي ، سوف يحرقكم جميعا !! ـ رجلا ليس دمويا و لا إنقلابيا و لا فرنسيا و لا إسرائيليا و لا رجعيا و لا خائنا للأمانة التي تركها الشهداء.. فقط إنسان صالح يدافع عن مصلحة وطن و شعب فوق مصلحة أشخاص أو حساسية سياسية تعمل لأجندات أجنبية. عندما انطلق الحراك في جمعته الأولى كان موقف الجيش و قائد الأركان مريبا إلى أبعد الحدود، و هذا طبيعي بحكم أن قيادة الأركان كانت متورطة بشكل واضح مع " الزمرة البوتفليقية السعيدية"، لأنه لا أحد كان يتوقع أن الحراك سيكون طوفانا من الوعي و الحضارة و أنه ليس بـ " أكذوبة نيسان" قبل الأوان.. عند اكتساح الشوارع و تزايد الملايين من الجزائريين أعادت قيادة الأركان حساباتها و بدأت تتراجع عن نظرتها السلبية اتجاه الحراك و في ذات الوقت بدأت تتنصل من " الزمرة" و تخطط لإيجاد مخرج لها و إبداء موقف يتلاءم مع مطالب الملايين، ثم خلصت إلى المواقف التي دعمت الحراك و سقوط الباءات المغضوب عليها بكل اللاءات ، بعدها كانت للجيش من خلال قيادة الأركان الميلة الواحدة باتجاه صوت الشعب الذي اعتبرته أخيرا مصدر كل السلطات . خيار قايد صالح" لشراء ذمته و اسمه و عرضه و عدم الاستمرار في تلطيخها مع سيرة لصوص الجزائر الفاسدين المجرمين في حق الإقتصاد كان خيارا عقلانيا و منقذا لشرف الجيش .. نعم هو خيار استراتيجي و منطقي و لو أنه كان متأخرا فقد وضع بثقل المؤسسة في كفة ميزان المطالب و جعل من الجيش الرهان الرابح رغم محاولات إنقلابية داخلية للإطاحة بقائد الأركان و زمرته لكي يُعاد سيناريو شبيها بسيناريو ديسمبر ١٩٩١ كـ الإنقلاب على الشعب مرة أخرى و حفظ ماء وجه العصابة و تجنيبها الخزي التاريخي و المحاكمات و المحاسبات. ـ لذا فإن كل الأصوات الحزبية و بعض الحساسيات و الشخصيات التي تنادي بضرورة ـ رحيل ـ القايد صالح قائد الأركان من خلال دس " مطالب و شعارات " في الحراك و على منابرهم هي جهات تريد للجزائر أن تستمر و تمتد مع النظام القديم أي نظام الفساد و العبث بمصير أجيال لثلاثين أو أربعين سنة أخرى بحكم أن " ضرع البقرة الحلوب" لم يجف بعد! و عليه أن يتفطن كل من يريد الخير لهذا البلد أن تنحية " الصالح" معناه عودة البوتفليقية و السعيدية و الأويحية و السلالية و كل رموز الفساد الفاحش و تنتهي قصة الشعب للأبد. الشعب الجزائري في هذه الظروف بالذات بحاجة ماسة إلى حماية و ضمانة قوية و لا أحد يمتلك الأدوات و الآليات اللازمة عدا مؤسسة الجيش بإطاراتها المخلصين الغيورين رغم بعض الخلافات الداخلية التي نأمل أن يقطع دابرها قائد الأركان و أن تتوحد كل المؤسسة العسكرية وراء قيادتها حتى يمكنها أن تستأصل الخونة من الجيش و من الأوساط الحزبية و تتوحد من أجل و مع مطالب الشعب و تنصر الجزائر أخيرا على هذه الأورام الخبيثة، العملية ليست سهلة كما نتصور في مسيرات " فيسبوكبة " ، لكنها ليست مستحيلة .. اللهم أجعل " قايد صالح" و أركان جيشه سببا في مجيء " الإنسان الصالح" الذي انتظرناه منذ وفاة الراحل هواري بوميدين . * أديب، مفكر و إعلامي ـ مدير التحرير ، مسؤول النشر صحيفة " الفيصل" الدولية ـ باريس*
#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)
Lakhdar_Khelfaoui#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجدار ..
-
الجدار ..
-
المومس !
-
- قابيل و سرّ الشجرة!
-
-محمّد مرسي- مُتهم بالتخابر مع - عزرائيل و إسرافيل- ضد مصلح
...
-
* كل القصة..!
-
الحراك الشعبي : قايد صالح هل هو في ورطة أو يريد قضاء وطره من
...
-
-البوتفلقيون- يرفضون مغادرة الحكم و دخول -رب دزاير- على الخط
...
-
إن أمدّه الله بالبقاء .. يحتفظ بالكرسي حتى الموت.!
-
هل سيستعمل سيناريو -الشغور الدستوري الرئاسي - و الإعلان عن
...
-
أنثى شرقية
-
المرأة مسؤولة عن سوء معاملة الرجل لها بسبب سوء تربيتها له!
-
الساعات المقبلة الحرجة: ماذا سيُفعلُ بالجزائر و ب - الرئيس
...
-
شغفها حب حبري
-
الحُسبان
-
يا صانع الأثر!
-
بُنيَ الفساد في الجزائر على خمس!
-
اثنَتا عشرَة رصاصة .. و رصاصة !
-
ملحمة شعرية سردية واقعية من طفولة لخضر خلفاوي :-مشّ بهل
...
-
البناء و إعادة البناء النصي في المنحى السيامي ل: -لخضر خلفاو
...
المزيد.....
-
كان محكومًا بالسجن مدى الحياة.. لحظة لقاء فلسطيني بزوجته في
...
-
لافروف وفيدان يناقشان الوضع في سوريا والقضايا الإقليمية
-
كيف تصادمت طائرتان في أجواء واشنطن؟ تفاصيل غريبة عن حادث مطا
...
-
-نقوم بالكثير من أجلهما-...ترامب يصر على استقبال مصر والأردن
...
-
مظاهرة حاشدة لأنصار عمدة مدينة اسطنبول أثناء مثوله أمام القض
...
-
فرقة البيتلز تعود بالذكاء الاصطناعي وتترشح لنيل جائزة غرامي
...
-
الشرع رئيساً.. بداية لإرساء منطق الدولة أم خطوة نحو المجهول؟
...
-
الجيش الإسرائيلي: إطلاق صاروخ اعتراضي نحو هدف جوي في منطقة ز
...
-
هيئة الأركان العامة الأوكرانية تعترف بوضع قواتها المعقد على
...
-
شبكة -NBC- تكشف تفاصيل جديدة حول حادث تصادم الطائرتين في مطا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|