بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6208 - 2019 / 4 / 22 - 13:27
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (160)
التجنيد المالي
بشير الوندي
------------
مدخل
------------
نعني بالتجنيد المالي , التجنيد عن طريق الاغراء بالمال او انه التجنيد مقابل ثمن , حيث تعتبر الجوانب المالية من اكثر الجوانب التي تهتم بها الدوائر الاستخبارية في مجال تجنيد العملاء , فلا يوجد تجنيد مجاني , فلابد ان يكون للمجند مردود مالي مقابل خدماته , وتعد الفئات المجندة مالياً من اعمدة مصادر المعلومات الهامة لدى الاجهزة الاستخبارية .
-----------------------------
انواع المجندين مالياً
-----------------------------
المجندون مالياً على نوعين , مجندون من ابناء الوطن وهؤلاء لهم المرتبات والحوافز والرعاية لأسرهم شاملة الرعاية الطبية , الا انهم ليسوا من منتسبي الجهاز من قبيل الهكرز وخبراء التكنلوجبا والبرمجيات وفاتحي الخزائن ممن تتم الاستعانة بهم من خارج جسم الجهاز الاستخباري , فهؤلاء يخدمون بلادهم من خلال الجهاز الاستخباري ولكنها خدمة مدفوعة الاجر , وان من هؤلاء من يكلف بمهام خارج البلاد.
اما النوع الثاني فهو الاجنبي , سواء كان سيعمل ضد مصالح بلده او الذي يعمل كجاسوس او مجند ضد بلد ثالث , ففي بعض الاحيان تجند الاجهزة الاستخبارية شخصاً من غير مواطنيها ولامن مواطني البلد المستهدف لمهمات تجسسية او لوجستية لابديل لها عنه فيها , ولكنه في النهاية مجند اجنبي .
--------------------------
اموال مقابل الدماء
--------------------------
تعد الاستخبارات هي الجهة الحكومية الوحيدة المخولة بالتعامل المالي السري مع الاجانب , ومن خلال هذا التخويل الفريد تدفع مخصصات وراتب الى مجنديها الاجانب.
فالاجهزة الاستخبارية هي التي تقدر اهمية صرف اموال بمقدار معين يقي البلاد خسائر واضرار كبيرة , ولو كنا قد صرفنا عشر ماصرفناه من مبالغ على التجهيزات العسكرية التي ابتلعتها داعش في الموصل , لو صرفت تلك المبالغ على التجنيد المالي وعلى الاذرع الاستخبارية لما تكبدت بلادنا حرباً ضروس لأربعة سنوات ومليارات الخسائر والضحايا والدماء.
--------------------------------------------
الطمع صفة حميدة استخبارياً!!!!
--------------------------------------------
ان الاجهزة الاستخبارية لاتقف كثيراً امام مقولات الوطنية والوطن لايباع وغيرها من المقولات التي تكسرها كل يوم بنماذج لاحصر لها مع اكثر انواع التجنيد تداولاً في إستخدام وتجنيد المصادر من جانب العدو او جانب التهديد.
فالاجهزة الاستخبارية تعرف كيف تنفذ الى نفسية من تود تجنيده من الاجانب وتفتح خزائنها امام بائعي المعلومات القيمة وامام الاشخاص الذين تبغي تجنيدهم من ذوي المناصب العليا في بلدانهم , فهي في هذا الجانب لايمكن ان تكون بخيلة حتى لو كانت تمتلك ان تبتز المجند وقادرة على ان تجبره على ان يتعاون معها الا انها لاتأخذ اية بضاعة او خدمة بالمجان , فطمع العميل المجند عندها من الصفات التي لاتعدها الاجهزة الاستخبارية صفة مذمومة شريطة ان تعطي اكلها بالتعاون التام والمعلومات .
--------------
خذ وهات
--------------
ان من اكبر ميزانيات الاجهزة الاستخبارية هو باب رواتب وعطايا الجهاز للمصادر العاملة في الجانب المستهدف , وتتعدى الصرفيات حدود الراتب او الاجر الشهري الى المكافئآت والمنح التشجيعية واجور السفر والعلاج ومنح دراسية لعائلته مع دفع اجور تصميم الغطاء والصفة المناسبة عند الضرورة وتذليل العقبات المالية له وكافة متطلبات العمل , فالمجند لايدفع فلساً واحداً من جيبه ولابأس من غض الطرف بين الحين والآخر عن الزيادات الوهمية التي يقدمها العميل في فواتيره ضمن حدود معقولة , لأن الجهاز الاستخباري لايتعامل معه على انه نزيه فهو في الآخر قد باع بلده ووطنه , وتكتسب المصادر الهامة ذات المناصب او المواقع الحساسة لدى العدو حصة كبيرة من اموال الاستخبارات.
ولايوجد حد واضح او تساوي بين المجندين مالياً في مقدار مكافآتهم , فهي ليست درجات وظيفية ادارية صارمة معروفة بجداول مالية محددة , فهنالك مجند يعطى على معلومة ما مليون دولار وهنالك من يحصل على 500 دولار , فالامر ليس فيه جمود ويخضع للعرض والطلب .
أن تقييم الجهة الاستخبارية لمقدار استعداداتها لمنح المجند من فوائد مادية نقدية وعينية بشكل يميزه عن اقرانه , يعتمد على عوامل عدة منها :
1- درجة ثقتها به وبسيطرتها عليه .
2- طول مدة تعاملها معه.
3- حجم وقيمة ونوعية المعلومات التي قدمها لها.
4- أهمية الخدمات والأنشطة التي يمكنه ممارستها وتقديمها.
5- حجم تأثيره في المجتمع وفي وظيفته في بلاده.
6- المنصب أو المركز الذي يشغله في بلده.
7- حجم المخاطر المحيطة بالمجند للحصول على المعلومات.
8- قدرته دون سواه في الوصول الى المعلومات المطلوبة .
وفي كل الاحوال , فإن الاجهزة الاستخبارية المحترفة لاترتضي بالتسيب في صفوف عملائها , فلديها الثواب والعقاب , ولاتنفق اموالاً مالم تتأكد انها ستستحصل منهم على مقابل مجزٍ.
-----------------------------------
بين الدفع المالي والدوافع
-----------------------------------
تختلف دوافع المجند الاجنبي مالياً والتي تدفعه الى القبول بالتجنيد المالي او حتى بعرض خدماته للتجنيد ولمن يدفع اكثر , فمن تلك الدوافع الغرور والحقد والنقمة والجشع والجنس والشعور بالضعة وغيرها من العوامل التي تدفع الانسان للعمل في هذا الطريق , ويشترك المجندون من ابناء الوطن بتلك الصفات حين يخدمون انظمتهم الدكتاتورية المتشبثة بالحكم.
ان من خواص الجاسوس المالي انه لا يهتم الى عنوان الجهة المجندة له , سواء كانت إرهابية او كانت نظاماً دكتاتورياً او لصالح عصابة او دولة معادية , فالمهم عنده انه يتقاضى المال.
وقد يحاول البعض إخفاء دوافعه المالية خلف ستار الوطنية والعقائد والاخلاق والانتقام وغيرها من المبررات التافهة , الا ان الامر هذا لايعني الجهة التي جندته شيئاً , بل انها تكون سعيدة من ان مجنّدَها له القابلية على خداع الذات , وهي متأكدة ان بريق المال هو الدافع القوي والمحفز للتجنيد , بل ان الاجهزة الاستخبارية ترفع شعارات وطنية وقومية ومذهبية ومناطقية واخلاقية في اوساط من تجندهم سواء كان للداخل الوطني كتجنيد المخبرين , وخارجياً حين تجند مصادرها , ولكنها في كل الاحوال تبرز الفوائد والمردودات المالية لعميلها لجذبه
وحتى في التجنيد العقائدي والذي يعني ببساطة ان تجعل الاجهزة الاستخبارية المجند يعتقد انه يدافع عن قضيته هو , فإن الاجهزة الاستخبارية تغدق على هذا المجند من وراء ستار الكثير من الاموال بشكل خدمات ومكافئآت وإمتيازات له ولأسرته .
وحتى في حالات المهمات الانتحارية التي تديرها الاجهزة الاستخبارية للتنظيمات الارهابية وحتى للدول , فإن تلك الاجهزة تشبع عقل الانتحاري بثواب الآخرة العظيم وفي ذات الوقت فإنها تغدق على عائلته من بعده بالكثير من المساعدات والاموال من اجل اشعار من تهيؤه من بعده ان عائلته لها من يعيلها ويرعاها .
----------------------
محددات الدفع
----------------------
ان الانسان الذي يرضى ان يجند بالضد من بلده لصالح جهات اخرى خارجية هو جشع بالتأكيد ولا يرضى بالقليل , كما ان صورة حبل المشنقة والاعدام رمياً بالرصاص والعار الذي يلحق به وبأسرته , كلها عوامل تتطلب منه ان يطالب بالمال وبالكثير منه , وكلما كان الخطر اكبر كان المال الذي يغدق اكثر وبكرم شديد , فالمعلومات لها ثمنها والزمن المستغرق له ثمنه ولايمكن للاستخبارات ان تهمل اياً منهما تحت اي بند , وهو امر تتفهمه الاجهزة الاستخبارية , لذا فهي تتحضر لجلسة الحساب والمكافأة بكل عقل مفتوح , فمن افضل الطرق للتجنيد المادي تتمثل في إشعار المجند ان اجتهاده له ثمن وان تكاسله يعني الاهمال واقفال صنبور الاموال , ومن ثم دفعه الى ان يذهب ويجتهد لتوفير ما يطلبه ضابط الارتباط.
ولابأس ان تكون لدى الاجهزة الاستخبارية - في ذات الوقت - ماتدين فيها المجند وتبتزه به كي يكون متعقلاً في طلباته التي سيبالغ فيها حين يعلم انهم متشبثون به أو أنه الوحيد الذي يمتلك الوصول الى مايطلبونه من معلومات او خدمات .
--------------------
تغطية الاموال
--------------------
تضع الاجهزة الاستخبارية في اعتبارها دوماً تقديم المجند الاجنبي لمبررات مقنعة لمصادر امواله امام سلطات بلاده الرقابية ومحيطه الاجتماعي , فلايجب ان يثير المجند الشبهات حول تحسن احواله المادية , لذا تعمل الاجهزة الاستخبارية على مساعدته بالتغطية السليمة للاموال التي ستدفعها له كي لايثير الشكوك , لأن اغلب حالات كشف هؤلاء المجندين تكون من خلال الوفرة المالية في ارصدتهم وتحسن احوالهم المعيشية ورفاهية سفرهم وحياة البذخ , فالاسراف يؤدي الى اثاره شكوك الاجهزة المكافحة للتجسس , لاسيما وان المصدر يعمل غالباً في اجهزة حساسة كالقوات المسلحة وقيادات البلد والبعثات الدبلوماسية او في مراكز علمية سرية او حركات ومنظمات ارهابية او مراكز نووية , وهي في الغالب وظائف عليها مراقبة مالية .
ويتم تسليم الاموال للعملاء المجندين بإسم وهمي مستعار وشخصية وهمية او رقم او اي رمز لحفظ وحماية المصدر, ولكن المهم لديها ان يوقع المصدر على ايصال الاستلام , واحيانا تتم المعاملة المالية بلا توقيع من خلال تحويلات مصرفية لحسابه.
وحين يتم تقديم الموازنة المالية الاستخبارية الى الحكومة والبرلمان فإن بند المخبرين والعملاء والمجندين ومصاريفهم يكون ضمن باب الموازنة السرية (انظر مبحث ٢٧ الموازنة الاستخبارية)التي تتضمن رواتب للمصادر والمخبرين والمتعاونين واجور العلاج واجور الاتصالات كالسفر والنقل والفنادق وشراء الوثائق والايجارات والهبات والمكافئات والهدايا , وحتى الايصالات التي تؤخذ من المصدر مقابل الاموال التي تدفع له , فهي لا تذهب الى الحسابات والتدقيق بل تحفظ في ملف المصدر ضمن غرفة ملفات المصادر السرية.
بل ان الاجهزة المحترفة تجند المصدر لسنوات طويلة فيعتبر مستخدماً لديها كالموظف في الدولة ولكن بستار وسرية تامّين , وحين تطول خدمته لعقدين او ثلاث فقد تصرف له مكافأة نهاية خدمة بدل التقاعد , واحياناً ينتقل للسكن في البلد الذي جنده ويمنح الاقامة والجنسية ويصرف له راتب تقاعدي حاله حال موظف الدولة من ابناء الوطن .
-----------
خلاصة
-----------
الدافع المادي في العمل الاستخباري هو الدافع الاشهر عبر التاريخ , وهو دافع تهتم به الاجهزة الاستخبارية وتنميه وتبحث عمن مستعدون للبيع سواء بيع معلومات او بيع جهود او من يبيعون ضمائرهم واوطانهم من الاجانب .
ومن هنا فان الاجهزة الاستخبارية تدرك ان الثمن الذي تدفعه ازاء ماتتحصل عليه من معلومات واعمال هو ثمن تافه مقارنة بالامن القومي او بالدماء وحفظ مصالح البلاد .
ان شل الاجهزة الاستخبارية مالياً في مجال التجنيد المالي يجعل مهمتها صعبة للغاية , ونكاد نجزم انه لوتوافرت النزاهة والارادة والمهنية والاموال الكافية للاجهزة الاستخبارية العراقية لتمكنت من تجنيب البلاد انهار الدماء ولعاش وكبر الكثير من يافعينا وشبابنا في كنف اسرهم سالمين ولما نكبت الامهات بابنائهن الى يومنا هذا , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟