يحيى نوح مجذاب
الحوار المتمدن-العدد: 6207 - 2019 / 4 / 21 - 22:29
المحور:
الادب والفن
توأما السماء
كانت حزم الضوء المُبهر تنبعث بخفّة لا تحسّها سوى قامتيهما القصيّتين في طرفي العالم الصاخب بهول الأحداث.
إنها سيلٌ من موجات الخواطر غير المرئية لا يُدركها ويشمُّ عبقها إلاّ الغارقين بالوجد؛ مُتصوِّفة السماء، أولئك المتعبدون في محاريب العشق الأزلي.
في سنين ماضية شكّلا في ردح زمنٍ ممتد كخيط سراب ثنائياً متجاذباً في الرؤى والمشاعر، وحُب الجمال، وانصهرا سوية في لقاءاتٍ حميميَّة مُترعة، وغاصا في أحاديث عميقة كشفا فيها كلَّ مستور، غير آبهَين بضوابط القبيلة والعشيرة، وأعراف المجتمعات الضَّالة. كانا ينتظران شروق الشمس كل يوم جديد ليبدآ رحلتهما في عالم غريب مُبهم مليءٌ بتعدد الوجوه، والأوراق المكدسة على المناضد وفي أدراج المكاتب، واستطاعا أن يقلِّصا زمن الضياع وينخرطا في اهتمامات انكشفت فيها جواهر الأنفس ومكنوناتها الخفية.
لقد أيقظت في جوانحه ما كان خفياً عن أعين الهائمين في القفار، وألهب في أعماقها حقائق الجمال وعنفوان الشمم.
كانا توأمين في سماء تلألأت فيها الأنجم البارقة، وعندما دارت الأرض في رحلتها السرمدية في بضع سنين انبثقت في خضم المتغيرات المألوفة لدى أبناء البشر أحداث جديدة لم تكن مكتوبة في خارطة الكون المرئي ولا في ألواح العارفين، ونشأت تخوم جديدة في أسطح العوالم المسكونة بعطايا السنابل، وأسنّة الرِّماح، فغابت الأوجه التي كانت غارقة في وَلَهِ الانجذاب وانطلقت الأسهم المتشابكة في اتجاهات الزمن، متضاربة متعاكسة في دروب الحياة الطويلة، وكلما انبثق الشوق في لحظة الصدق الأبدي ظهرا سوية من جديد يلفهما الوجد المضني، متأججاً في جسدين مرئيين بكل ما يمتلكانه من طغيان الانوثة، وسورة الذكورة التي مزجتها روح القداسة وطهر الأخلاق السامية التي لم يُلوّثها مسيل العرق النازّ من خلايا الجلد المتوهج لحظة انجلاء الفضائل، أو منبعثان كصوتين متعانقين وهما يسبران أثير الفضاء ويبحثان عن بقايا التجربة المتأصلة في مكنونات الأجساد التي أشعلتها الرغبات التي لا تنطفئ.
#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟