فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 21:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدولة والجيش وقوات الأمن:
من أهم القضايا السياسية من الناحيتين النظرية والعملية والتي ماتزال موضع أخذ ورد هي قضية منشأ وظهور الدولة وأداتهما الرئيسيتين ؛ الجيش والشرطة ( قوات الأمن أو قوات حفظ النظام) ودورهما في التاريخ والمجتمع .وسواء أكان ذلك في الدول الغربية أم العربية .
وتشير أهم دراسات علم الاجتماع السياسي ( السوسيولوجيا ) إلى أن دواعي نشوء الدول تكمن في الميل الغريزي للحفاظ على النوع والمجتمع . وبأن تجليات ظهورهما الأولى بدأت في مرحلة تاريخية متأخرة جدا من عمر البشرية لا تزيد عن حوالي خمسة آلاف عام في بابل ومصرالقديمة .كما تشير إلى أن استقرار المجموعات البشرية المتماثلة في حيز ما من الأرض لفرض مجال حيوي لها , وسعيها إلى توسعته , كان سببا في نشوء نزاعات (كما يرى تايلور وإنجلز ) , تفاقمت أكثر مع ظهور الملكية الخاصة للأرض , مما استدعى نشوء سلطة آمرة .كقوة تقف خارج المجتمع وفوقه , يفترض بالجميع الخضوع لها لحماية المجتمع من التعديات .(التي ماتزال للأسف قائمة بدعاوي مختلفة )
وهناك توافق عام على أن الدولة القديمة وأدواتها جاءت كمخرج للحيلولة دون أن تفني الجماعات المتنافسة بعضها البعض (استنادا لرؤية توماس هوبز " اللوفثايان " ) ولتقيم توازنا داخليا ذاتيا مقبولا بين الجماعات والأفراد ,بما يتيح لها حسب "جون لوك " الاستقرار والتقدم .
وتشير الوقائع التاريخية إلى أن تلك القوة القمعية ـ غالبا كما كانت ماتزال ـ تنحاز إلى جانب الطبقات العليا التي تمتلك أكبر مساحة من الأرض ومن الثروة العامة ـ حتى في البلدان التي تسمى نفسها ديمقراطية . لكن بما أن تلك الثروة كانت (كما رأى آدم سميث )في كتابه ثروات الأمم , تسقط من الأعلى إلى الأسفل فيستفيد منها الجميع ,(وإن كان بدرجات متفاوتة )حسب موقعهم في الهرم الاجتماعي . بما يجعل الجميع آمن ومستقر وقانع ولو نسبيا فكان لابد من تثبيت هذا الأمر في الدول الرأسمالية الحديثة ,من خلال الأخذ بالحل الذي ابتدعه الفيلسوف الفرنسي "مونتسكيو" في كتابه روح الشرائع . والقاضي بإقامة ثلاث سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية , وبإقامة نوع من الفصل بينها وهو ما طبق في أغلب بلدان أوروبا الغربية وانتشر منها لاحقا إلى أغلب بلدان العالم , بأشكال ودرجات متفاوتة بما فيها بلداننا العربية .ونحن هنا لن نتعرض, أو نتوقف عن الرؤية المغايرة التي اقترحها لينين وطبقها ستالين ( المركزية الديمقراطية ) كونها شكلت حركة اعتراضية أخرت قليلا سيادة ذلك النمط الليبرالي .لكنه عاد وفرض هيمنته على العالم دون أن يقدم حلا نهائيا .للمشكلتين الأزليتين : ميل قلة من البشر حيازة أوسع مساحة ممكنة من الارض وامتلاك أكبر كمية من الثروة . والثانية تمثلت بميل السلطة التنفيذية في التعدي على السلطات المعطاة لها .مع أنها وجدت أساسا لتنفيذ ما تقتضيه المصلحة العامة (أي غالبية أبناء الشعب خاصة الطبقات الدنيا الأكثر عددا ) .من خلال التزامها بما تفرضه عليها السلطة التشريعية التي يختارها الشعب أو ممثليه والمثبتة بالدستور. (منذ الفراعنة,حتى الدولة السوفيتية القائمة على حكم مجالس الشعب ).
وهنا لابد لنا من التوقف قليلا لنشير إلى أنه إذا كانت الدولة البرجوازية وأدواتها (حسب ماركس ولينين وستالين) تجسد دكتاتورية الرأسماليين فإن دكتاتورية البروليتارية والاشتراكية لم تكن في حقيقة الأمر إلا تجسيدا لرأسمالية الدولة الاحتكارية ( حسب سمير أمين ) التي تحولت لخدمة الحزب ومنتسبيه ,أكثر من خدمة الشعب والبروليتاريا وباتت دكتاتورية صريحة دون ديمقراطية .وهو ما استوحته الأحزاب الفاشية في أوروبا ,والعربية الثورية وأعجبت به لتفرض دكتاتورية طبقة طفيلية بالتحالف مع العسكر ورجال الدين .
وتشير الوقائع ـ غالبا ـ إلى أن القوى التنفيذية في جميع النظم بعد أن تتوصل للحكم ,وتدريجيا ـ أو بعد أن تتمكن وتستحوذ على السلطة تتجاوز حدودها وتتعدى على السلطتين التشريعية (المستمدة أو المعبرة عن الشعب )والقضائية . وتعمل على بقاء , بل وإدامة سيطرتها على المجتمع قدر ما تستطيع . ومن ثم تعمل على خدمة ممثليها بالشراكة مع من يهيمنون على الثروة والأمن ثم لا تلبث أن تتمسك بمواقعها كما لو كانت هدية معطاة لها من السماء ولا تتنازل عنها إلا بالقوة أو بالثورة .وهذا ما يتجلى في بلداننا العربية أكثر من غيرها .
من الليبرالية إلى العسكرة :
لابد من الاعتراف بأن الدول الاستعمارية ومن قبل أن ترحل , نجحت في خلق أنظمة تابعة لها أو ملحقة بها من خلال فرض النظام الليبرالي (الحر ) في أغلب بلدان العالم الثالث وبخاصة في البلدان العربية .
ومن المؤسف أن نقول أن الدولة والسلطة التنفيذية في جميع هذه البلدان زعمت أنها مستقلة (على الأقل سياسيا ) منذ بداية قيامها في خمسينات القرن الماضي . لكنها في الحقيقة لم تكن كذلك ـ لأنها من قبل أن تنشأ ـ كانت منتقاة أو مختارة , و تشكلت برعاية ورضى الدولة المستعمرة .
ومن المؤسف أكثر أنها لهذا السبب لم تعد تخدم الطبقات العليا والمالكة للثروة في دولها فحسب . بل باتت تخدم مصالح القوى المهيمنة في الدول الاستعمارية القديمة ( بريطانيا وفرنسا ).أو الحديثة (مثل أمريكا ) .
وبما أن أغلب الجماهير والأحزاب القومية والثورية العربية وجدت أن التحرر من التبعية يقتضي التحرر من الاستعمار الاقتصادي ومن أسلوبه في الحكم المتمثل بالديمقراطية الليبرالية . لذلك توافقت أغلبها مع الرؤية السوفيتية والشيوعية الداعية ليس بضرورة قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب فحسب , بل حتى إلى القطع مع اسلوب الحكم الديمقراطي والفكر الليبرالي .وتقبل , بل وتسويغ قيام أنظمة دكتاتورية عقائدية وشمولية . الأمر الذي توافق من ناحية مع إرثها التاريخي الطويل (العبودية المعممة المدعوم بالفكر الديني السلفي ) , ومن ناحية أخرى مع بروز الولايات المتحدة الأمريكية كممثلة للاستعمار الجديد بعد الحرب العالمية الثانية .حيث سعت باعتبارها قوة منتصرة وصاعدة على إقصاء أوروبا والنظم (شبه الليبرالية ) التي أنشأتها في المناطق المستعمرة سابقا, ,وفي القضاء على النظام الديمقراطي الهش وممثليه .من خلال دعمها لانقلابات عسكرية في البلدان التي رفضت شعوبها وأحزابها الحاكمة مثل حزب الوفد في مصر والكتلة الوطنية في سوريا , التحول من خدمة الاستعمار القديم إلى خدمة الحديث .فجرى الانقلاب عليها وإقصائها وحولت أنظمتها إلى جمهوريات ثورية ( مثل جمهوريات الموز ) .أما النظم الملكية القديمة التي قبلت التحول من يد لأخرى ,بهدوء وبدون ضجة كلامية ," زعبرة " فحافظت على نظمها وبنيتها القديمة ,وتقاليدها الملكية والاقطاعية وتوافقت مع شعوبها ونمط تفكيره .
وهكذا صادرت هذه النظم الجديدة ( باسم الجمهورية والثورة ) حق الجماهير في التعبير ومنعتها من تشكيل الأحزاب وفرضت عليها من خلال قمع الأجهزة الأمنية , وفرضها الأحكام العرفية . ما يحول دون ظهور ممثلي الليبرالية والديمقراطية الغربية مع استبعاد تام للشيوعيين (فرار كلا من خالد العظم وخالد بكداش من سوريا كمثال ) مع نسج علاقات جديدة مع الإمبريالية الجديدة .وهكذا تحولت إلى نظم دكتاتورية مقبولة ,أصبح حكم العسكر منذ الخمسينات وحتى اليوم في جميع البلدان العربية الثورجية ,أفضل غطاء للتعمية ( بالكلام والخطابات ) على التبعية الفعلية لما يسمى الاستعمار الحديث (أمريكا وألمانيا والشركات فوق القومية ) أوالأحدث ( روسيا ممثلة المافيا العالمية ) .
وما يؤكد على هذه الحقيقة هو عمليات النهب والتخلف التي نتجت عن حكمها لبلدانها وشعوبها .وبسبب ممارساتها التي أدت إلى إفقار دولها وشعوبها وتردي أحوالهم .على الرغم من زعمها وزعم أحزابها أنها جاءت لتحررهما من الرجعية والاستعمار وأعوان الاستعمار ولتنهض بدولها وتحسن من أو ضاعها .
وهذا ما يؤكد على أن الدور الذي قامت وتقوم به قوات الجيش والأمن في الدول الملكية لخدمة الطبقات الحاكمة والثرية المرتبطة بالخارج قامت به هذه الجيوش في الدول الجمهورية وبشكل أسوأ (في العمق والجوهر لخدمة طبقات طفيلية مرتبطة بمافيا عالمية ) . متخفية وراء خطابات وشعارات ثورية .
فشل الأنظمة الجمهورية الرئاسية :
وهو ما تجلى في عدة أمورأهمها :
أولا : السيطرة على الدولة : فبعد أن تمكن مقاتلي أو مجاهدي هذه الدول من إخراج المستعمر حلوا محله في حكم بلدانهم .
وهنا نسأل : ماذا بقي من المجاهدين القدامى بعد أخر انتصار لهم في الجزائر عام 1962 ؟ بالتأكيد لا أحد . أو قلة تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما بحيث لم تعد قادرة على تدبير أمورها الشخصية كما في حالة بوتفليقة .فبأي مبرر أو حق يريد العسكريين الجدد حكم سوريا ومصر أو العراق أو الجزائر.. إلخ؟ مع أنهم لم يخوضوا أي حرب دفاعا عن أوطان تأهلهم لحكمها .والأدهى أنهم راحواـ فوق ذلك ـ يستعبدون الناس ويفقرون بلدانهم خدمة لقوى خارجية .
ثانيا : ماذا بقي ممن ساهموا في تحرير سوريا ومصر والعراق من الاستعمار ؟ ؟ فجميع العسكر الذين يحكمون بلدانهم الآن لا علاقة لهم بالنضال أو الجهاد . وهم ليسوا أكثر من أفراد عادييين ( حملة شهادات ثانوية ) اختاروا العمل في سلك الدفاع كوظيفة للعيش .وإذا كان أول من قاموا بانقلاب عسكري في سوريا عام 1949 وفي مصر في عام 1952 تسلموا السلطة بذريعة تحرير ما فشل قبلهم من تحريره من أرض احتلت من فلسطين عام 1948 . أو بذريعة التصدي للعدوان المحتمل .واستطاعوا من وراء تلك الذرائع فرض سيطرتهم على الدولة والشعب وإفقارهما وزيادة تخلف البلاد والعباد .ثم راحت أيضا بذريعة مقتضيات التحرير والتسليح ,والجهوزية التي يقتضيها الدفاع عن الوطن وتحرير ما سلب منه تصادر حقوق الشعب في الكلام والحرية والنضال , وتخنق في ذات الوقت كل نفس ثوري وتقمعه .
ثالثا : من يدقق في تركيبة جميع الجيوش العربية وقوات أمنها ومن بيدهم القرارات المفصلية .يجد أن قياداتها (على الأقل سبعين في المئة منها ) أصبحت من لون معين , بلد أو قبيلة أو طائفة حسب طبيعة كل بلد مما ينفي عنها صفتها الوطنية أو القومية بل يثبت ويؤكد على أنها باتت جيوشا(طائفية أو قبلية أو مناطقية ) تجند أبناء طائفة أو قبيلة أو منطقة بما يمكن حكامها من إخضاع الأغلبية لمصلحة طبقات مرتبطة بالخارج .
رابعا : جيوش ودول ضد مبدأ قيام الدولة :
أما إذا تابعنا ممارساتها العملية, فسنجد أنها لم تقم منذ أن وجدت بواجبها الذي زعمت أنها جاءت من أجله . لا للدفاع عن فلسطين أو تحريرها ولا عن أراضيها وشعوبها ( او لم تقم به على الوجه الأمثل الذي تتيحه لها إمكاناتها ) بل بالعكس سلمت أجزاء من أراضي دولها أو قسمتها أو جزأتها .كما لم تقم باستعادة شبر واحد منها بالسلاح . كما لم تقم بأية تنمية حقيقية ,كما لم تقم بالدفاع عن مصالح الشعب ولا بحفظ التوازنات الداخلية ولا بمنع التعديات من فئة أو طبقة على أخرى .بل ـ على العكس تماما مزقت الشعب ـو تحولت بعد استلامها السلطة من خلال الإنقلابات العسكرية المتتالية وعسكرة البلاد والاقتصاد إلى قوة مستنزفة ومبددة للمال العام والثروة , وشريكة مع رجال الأمن والقوى المهيمنة على الثروة العامة ( التجار ورجال الأعمال والطغمة المالية , وهي ما يطلق عليها مصطلح الدولة العميقة )بما يحقق أيضا مصالح بعض الفئات والطبقات الداخلية المرتبطة بالاستعمار والمافيا العالمية . وبأسوأ مما هو حاصل في البلدان الملكية . وهو ما تجلى بقيام انقلابات متتالية ( من ثمانية لعشرة في كل بلد) بدءا من سوريا عام 1949مرورا بمصر والعراق والجزائر وانتهاءً بالسودان عام 2019 لتثبيت مواقعهم .حيث بددت الثروة الوطنية على التسلح العبثي ,أو قامت بذريعته بضخ الأموال المنهوبة أو المسروقة إلى بنوك وشركات ومباني ومنتجعات خارج الوطن الذي لم يعد بالنسبة لها هو والشعب إلا بمثابة بقرة حلوب والادهى أنها راحت تفرض إملاءاتها على السلطتين التشريعية والقضائية كما في الدول الملكية .وزادت عليها بالزهو والفخر " والتميز للدوس على كرامة غيرهم من الناس .
العودة للوضع الطبيعي :
بات من من المؤكد خاصة بعد أن سقطت فكرة إقامة أنظمة إشتراكية سواء في الدول الرأسمالية المتطورة أوفي تلك البلدان الثورجية .وبعد أن تبين أنها لم تكن في حقيقة الأمر ,سوى أنظمة رأسمالية الدولة الاحتكارية لخدمة طبقات طفيلية مرتبطة بالإمبريالية الحديثة والمافيا المتوحشة . وبعد أن تبين أن الطريق الأمثل لتقدم البلدان العربية وتطورها (وبما يؤدي أيضا بصورة غير مباشرة إلى خلق قوى معادية فعلا للإمبريالية والصهيونية على المدى البعيد) يقوم على نشر الحرية كمفهوم والديمقراطية كأسلوب للحكم والتنمية البشرية والعلمية والاقتصادية كأسلوب للحياة .(لنؤجل الحديث عن تحرير فلسطين والاشتراكية في هذه المرحلة ) وهذا لايمكن أن يتحقق دون ثورة .
وهذا ما يتناقض مع كل البنى القائمة حاليا بما يعني أن المطلوب هو إجراء تغيير جذري وشامل على بنية هذه الدول بدءا من جيوشها وانتهاءً بدساتيرها .وبما أن الانتقال من أنظمة عسكرية استبدادية حكمتنا أكثر من سبعين سنة إلى أنظمة ديمقراطية أو حياة طبيعية لا يمكن أن يتم دون أصطدام مع القوى العسكرية والأمنية . من هنا كان لابد لتلك القوات التي سيطرت على الحكم من خلال الجيش من التصدي بحزم لأية عملية تغييرأو ثورة ستقوم بها الجماهير الشعبية أوممثليها الحقيقين عندما يفيض بها الكيل ولاتعود تحتمل (حتى وقبل أن تبدأ ,أو بعد أن تبدأ وفورا ) .وكان لابد للجماهير الثائرة من أن تصطدم أولا بالجيش , الذي يثير بالتالي شركائه الداخليين ليستخدموا امكانياتهم الاقتصادية أوالمالية أوالسياسية ,والإعلامية والفكرية ـ وبخاصة منظري اليسار الذي تربى على الاقتناع بأن محاربة الغرب واللبرلة والديمقراطية الغربية تتطلب الخضوع لأنظمة عسكرية ودكتاتورية شمولية بذريعة أنها تقدمية متجاهلة أن شعبيتها استمدتها من موقفها من العدالة والعداء للأمبريالية (بينما أصبحت بالفعل والأمر الواقع ـ خاصة اقتصادياـ تابعة و خادمة لها ) .مما جعل احزابها ( وجماهيرها اليسارية دون أن تدري ) تنفصل عن الواقع وتنقطع عن الجماهير الشعبية التي زعمت أنها وجدت للدفاع عنها .
ولم تستطع تلك النظم إلا أن تكشف عن وجهها الحقيقي فاستعانت أو استدعت قوى خارجية إما مرتبطة بالإمبريالية أو متحالفة معها أو شريكة لها , ضد شعوبها ,بما يمكن الطرفين من الحفاظ على الوضع كما كان ,وإن لم تتمكن تقوم ب تقديم تنازلات شكلية وتافهة كي تستعيدها لاحقا كما حصل في مصر .
وبشكل عام نستطيع أن نقول أن مصالح تلك القوى الداخلية والخارجية باتت مترابطة ومتداخلة بحيث بات من الصعب التحدث عن استقلالية حتى نسبية . لذلك لا يمكن للطرفين أن يتركوا الأمور تسير لصالح الشعوب العربية لأن القوى الحية لهذه الشعوب إذا ما استخدمت ثروات بلدانها الهائلة باتجاه تنمية حقيقية , ستصبح قوة دولية منافسة للغرب والشرق . لذلك سيعمل الطرفان على إبقاء تلك البلدان خانعة وموضع نهب واستغلال واستيراد لبضائعها المصنعة .
وهذه نقطة أساسية لابد من أخذها بعين الاعتبار ( وليس التسليم بها ).ونذكر كمثال على ما سبق ما قامت به أمريكا من استخدامها لإيران للركوب على موجة رفض الحكم الشمولي لجيش البعث وصدام وللإطاحة بهما عام 2003 بما جعلها تمدد أرجلها أكثر بعد إزاحتهما .الأمر ذاته حصل في سوريا واليمن حيث كان للقوى الخارجية (المليشيات اللبنانية والإيرانية ) الدور الحاسم في توجيه الأمور لصالح أمريكا وإسرائيل وحلفائهما بصورة مباشرة أوغير مباشرة( تدمير البلاد وتمزيق الشعب ) من خلال أدواتها الموجودة في الداخل وبخاصة الجيش الوطني وقوات الأمن كما في مصر (السيسي ) وليبيا (حفتر ) أو من خلال روسيا والصين وتركيا وإيران ومليشياتها , كما في سوريا والعراق.
وإن لم يبدو هذا التدخل الخارجي ظاهرا على السطح , إلا انه بات مفضوحا من خلال التقرير اليومي للبيت الأبيض أومن خلال الدعوة لمجلس الأمن للانعقاد من قبل هذه الدولة أوتلك أو من خلال استخدام حق النقض من قبل روسيا (الامبريالية المتوحشة ) بما يتعلق بسوريا والجزائر والسودان وتوقع استخدام الصين (الإمبريالية اللينة ) للحق ذاته بما يتعلق بالسودان .بما يشير أو يؤكد على وجود تدخل سياسي خارجي أوعلى وجود تهديد به .او التهديد بتدخل عسكري مباشر من قبلها أو من قبل حلفائها في الدول المجاورة .
رؤية استراتيجية للخروج من الأزمة :
بما أن التدخلات الخارجية (إيران ومليشياتها وتركيا وروسيا وأمريكا ) كانت السبب الرئيس في بقاء هذه الأنظمة والجيوش الفاسدة خاصة في سوريا والعراق واليمن وليبيا لذلك أعتقد
أنه يتوجب علينا كشعوب ونخب أن نعمل أولا على إخراج جميع القوات الأجنبية وثانيا أن نمنع ـ بشكل رئيسي وبقدر ما نستطيع ـ أية قوة خارجية من التدخل ثانية في شؤوننا (إيران ,تركيا ,روسيا ,أمريكا ,اوروبا وإسرائيل ...) والوقوف في وجهها بقوة وحزم إن حصلت .وثالثا أن نحول دون تدخل قوات الجيش والأمن في السياسة بذات القدر . والعمل رابعا بذات القدر على إبعاد رجال الدين عن التدخل في السياسة والاقتصاد والجيش والأمن وليكرسوا جهودهم على نشر مكارم الأخلاق أسوة بما قاله الرسول العظيم في خطبة الوداع .
تذكرة :
من هنا وجب علينا إعادة تذكير الجميع بالدور الأساسي لقادة قوات الجيش والأمن بكل فروعهما وشخوصهما , والتذكير بأنهم ـ مع احترامنا الشديد لشخوصهم ـ ليسوا إلا أشخاصا من الشعب اختيروا لما يتمتعون به من كفاءة وخبرة للدفاع أولا عن الوطن والشعب من الاعتداءات الخارجية وليس لحكمهما ولا لإطلاق النار على الشعب أو لتدمير المدن .
ومع ذلك نقول: يفترض بقوات الأمن والجيش في الدول الجمهورية إذا كانت شريفة ونظيفة ويهمها الوطن والشعب ,أن تلتزم أولا بحدود الدور الذي رسمه لها الدستور والذي وجدت أساسا من أجله . وثانيا العودة إلى ثكناتهم والبقاء جاهزين للدفاع عن الوطن والشعب من التدخلات الخارجية فقط . واعتبار كل من يطلق النار على الشعب خائنا ومجرما تتوجب محاكمته وإنزال اشد العقوبات به . و ثالثا: على أن تقتصر مهمة قوات الأمن على منع التعديات الداخلية من أي فئة أو طبقة على أخرى ـ استنادا للدستور وتحت إشراف القضاء.
ورابعا : وبعد كل ما حصل يتوجب علينا عدم السماح للطرفين ولأي من رموزهما حتى من المشاركة في الحكم لاحقا ,أومن التدخل في السياسة والاقتصاد أو الفكر منذ اليوم .
وبذلك قد نتمكن من إعادة وضع بلداننا على السكة الصحيحة للتقدم والتطور ومن إعادة الأمور إلى أصولها وسياقها الطبيعي. حيث يفترض ومن الممكن ان يتحول الصراع ـ كما هو في كثير من الدول الديمقراطية ـ إلى تنافس بين قوى سياسية وأحزاب تتسابق على تقديم برامج تخدم تطور بلدانها وشعوبها وتنهض بها فعلا .
فتحي علي رشيد
18/ 4/ 2019
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟