|
كل تاريخ الثورة الفلسطينية منعطفات مصيرية
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 6204 - 2019 / 4 / 18 - 18:40
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات وكلما تعرضت لأزمة أو لانتكاسة إلا ونسمع بأن القضية الوطنية تمر بمنعطف مصيري وخطير أو بمرحلة فارقة ،لدرجة أن البعض نعى الثورة الفلسطينية أو بشَّر بنهايتها أكثر من مرة . في (أيلول الأسود) 1970 اندلعت مواجهات مسلحة بين الفدائيين الفلسطينيين وقوات الجيش الاردني ومُنيت قوات الثورة الفلسطينية بهزيمة على يد الجيش الأردني واعتبر البعض أن ما جرى في الأردن يعني نهاية العمل الفدائي ونهاية الثورة الفلسطينية . أعادت منظمة التحرير لملمة قواتها وانتقلت قواتها إلى لبنان ونسبيا إلى سوريا ، وخلال وجودها في لبنان حققت منظمة التحرير انجازات سياسية مهمة كالاعتراف بمنظمة التحرير ممثل شرعي ووحيد وقبول عضويتها كمراقب في الأمم المتحدة 1974 وتثبيت حضورها دبلوماسيا عبر العالم ،وفي لبنان تم تفعيل وتطوير المؤسسات السياسية والعسكرية للمنظمة وتمتين علاقاتها مع القوى التقدمية والوطنية في لبنان ومع حركات التحرر الوطني عبر العالم ، وعسكريا أعادت بناء قواتها ومارست نشاطا عسكريا فاعلا في مواجهة إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان الخ . إلا أن هذه الانجازات أقلقت إسرائيل وأطرافا عربية ولبنانية فكانت الحرب على لبنان ودخول بيروت 1982 وما تبع ذلك من خروج المقاومة من بيروت ومن طرابلس 1983 ،وعندما سوئل أبو عمار وهو على ظهر السفينة إلى أين ستذهب قال إلى القدس ،ومع ذلك أعلن البعض عن نهاية الثورة الفلسطينية . من مقر القيادة في تونس أعادت منظمة التحرير ترتيب أوراقها بعيدا عن نقاط التماس مع فلسطين المحتلة وتبعثُرَ قواتها في العراق واليمن والجزائر وقيود على تواجدها في تونس .كانت مرحلة تونس صعبة على القيادة الفلسطينية فخلالها كانت مضطرة للتعامل مع بيئة عربية ودولية متغيرة حيث تم عقد قمة فاس ومبادرة الملك فهد وبدايات التجاوب العربي مع فكر التسوية السياسية ،وزادت الضغوط على القيادة الفلسطينية ،ووصل الأمر لمحاولة تجاوز المنظمة في القمم العربية وتم إعادة الحديث عن عودة الوصاية العربية على الشعب الفلسطيني . لم ينقذ منظمة التحرير إلا الانتفاضة الأولى 1987 التي أكدت على تمسك الشعب بمنظمة التحرير وبالثوابت الفلسطينية ورفض محاولات الالتفاف على المنظمة وتجاوزها ،إلا أن دفقة الانعاش التي مدتها الانتفاضة للمنظمة لم تستمر طويلا حيث دهمت حرب الخليج الثانية 1990 الجميع وأصبح رأس المنظمة مطلوبا من واشنطن وتل أبيب ومن دول عربية ، لاتهامها زورا أنها تدعم صدام حسين ، وبدأت مسيرة حصار منظمة التحرير ومحاولات تصفية الثورة الفلسطينية . لتتجنب المنظمة مخطط تجاوزها وتصفيتها تجاوبت مع الضغوط العربية والأمريكية وولجت عملية التسوية السياسية بشكل متدرج ،بداية من دورة المجلس الوطني في الجزائر 1988 حيث تم الانتقال من الشرعية التاريخية للحقوق الفلسطينية إلى الشرعية الدولية وقبول فكرة حل الدولتين بحيث قَبِل الفلسطينيون بدولة على الأراضي المحتلة عام 1967 ، إلى أن آل الأمر لاعتراف منظمة التحرير بإسرائيل قبل ان تنسحب هذه الأخيرة من شبر واحد من الأرض ،وتوقيع اتفاقية أوسلو 1993 بسقف سياسي أقل مما ورد في قرارات المجلس الوطني ، وكان تأسيس السلطة الفلسطينية 1994 . حاول الرئيس أبو عمار أن يجعل من السلطة نواة للدولة الفلسطينية المنشودة ،إلا أن عدة أسباب أحبطت مسعاه وآلت الأمور لاقتحام الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس 2002 في المقاطعة ثم تسميمه ووفاته 2004 ، وأعتقد كثيرون أن القضية الفلسطينية دخلت من جديد في حالة موت سريري وتنتظر من يطلق عليها رصاصة الرحمة . انتخب الشعب الرئيس أبو مازن 2005 ولكن ما أن تولى مهامه حتى قررت إسرائيل تنفيذ مخطط الفصل الأحادي والخروج من غزة خريف 2005 وهو مخطط كان مُعد مسبقا ،وفي السنة الموالية فازت حركة حماس بمشروعها الإسلامي المُعارض لمنظمة التحرير وللمشروع الوطني بالانتخابات التشريعية ،وبعد عام حدث الانقلاب وسيطرت حماس على القطاع يوم 14 يونيو 2007 . كان من الممكن لهذه الأحداث الثلاثة المتعاقبة -2005،2006،2007- والمُخطط لها مسبقا أن تنهي أيضا القضية الوطنية لو أن الرئيس أبو مازن تجاوب مع دعوات البعض حتى من داخل حركة فتح بإعلان غزة إقليم متمرد وقطع كل علاقة مع القطاع ، إلا أن للرئيس استمر بتقديم ما على السلطة من التزامات تجاه قطاع غزة وأبقى شعرة معاوية مع غزة من خلال الدخول في حوارات مصالحة استمرت من 2009 إلى 2017 ،ولكن بدون جدوى . بالرغم من أن القضية الفلسطينية في غالبية هذه المنعطفات أو الأحداث كانت تمنى بهزائم وانتكاسات سياسية تهدد بدمار ونهاية المشروع الوطني ،إلا أنها كانت تستعيد توازنها نسبيا ،ليس لأن الفلسطينيين استعادوا التوازن العسكري مع العدو أو أن خصومهم تراجعوا عن مواقفهم العدائية أو أن النخب السياسية راجعت حساباتها وصححت أخطاءها وقوَّمت نهجها وأخذت العبرة مما جرى ،بل لعدالة القضية الفلسطينية وقوة الفكرة الوطنية ،أيضا لأن الشعب الفلسطيني لم ينساق مع مشاريع التسوية ووقف في مواجهة كل من يسعى من الأحزاب للمساومة على الحقوق الثابتة . الآن وفي ظل ما يُشاع عن صفقة القرن الأمريكية وصفقة الهدنة في غزة وعن تطبيع عربي مع إسرائيل ومحاولة تصفية السلطة في الضفة ،فأن كثيرين يتحدثون عن المنعطف المصيري واللحظة الفارقة ويروجون لنهاية القضية الفلسطينية كما كان يحدث في كل المنعطفات السابقة . بالرغم من خطورة ما يجري اليوم وحتى لو طرح ترامب صفقته بموافقة أطراف عربية وربما فلسطينية فهذا لا يعني نهاية القضية الوطنية ،لأنها ليست ورقة مساومة بيد أي حزب من الأحزاب الفلسطينية او نظام من الأنظمة العربية ،وإن كانت الصفقة ستؤسِس لدويلة غزة ففي غزة 2 مليون فلسطيني فقط فيما الفلسطينيون 12 مليون ،فما هو مصير وموقف 10 مليون آخرين في فلسطين وخارجها ؟ وهل فلسطينيو غزة سيقبلون على أنفسهم الانسلاخ عن قضيتهم الوطنية ؟ . إن أية اتفاقات أو تفاهمات يتم توقيعها لن يكون مصيرها أفضل من مصير اتفاقات التهدئة السابقة أو مصير اتفاقية أوسلو ، ولتأخذ حركة حماس العبرة من تجربة منظمة التحرير ،فبالرغم مما قدمته المنظمة من مبادرات حسن النية والرغبة في السلام ،إلا أن إسرائيل وواشنطن لم تتجاوبا لأنهما لن تقبلا بحل أقل من تصفية المقاومة والقضية الوطنية كليا . فهل حركة حماس مستعدة لتقديم أكثر مما قدمت منظمة التحرير وأن تقبل بما كانت ترفضه المنظمه ؟.حتى وإن قَبِلت حركة حماس فالشعب الفلسطيني في الوطن والشتات لن يقبل وسيعود مجددا كالسابق لينهض كطائر الفينيق من وسط الرماد ويُعلن عن استمرار الثورة والنضال ضد إسرائيل ومن يتساوق معها حتى تحقيق حلمه بالحرية والاستقلال . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النخب السياسية الفلسطينية :ميكانزمات الهيمنة والأخضاع
-
الانقسام وصفقة القرن ليسا قدرا على الشعب الفلسطيني
-
هدنة غزة تكشف المستور
-
حدود الدم في فلسطين
-
تصعيد عسكري وهدنة مثيرة للفتنة
-
التطبيع وتغيير طبيعة الصراع واطرافه
-
فلسطين والفلسطينيون الأصل وغيرهم طارئون
-
الافتئات على المشروع الوطني ومنظمة التحرير
-
نعم لرفع الحصار عن غزة ، ولكن ليس بأي ثمن
-
عندما يظلم الفلسطينيون أنفسهم
-
شباب فلسطين :غضب ينذر بانفجار
-
من حرب التحرير إلى حروب المهرجانات والشعارات
-
عام 2019 وتحدي مخرجات عام 2018
-
حل المجلس التشريعي ليس حلا
-
المسألة الثقافية ما بين السجال الفكري والتأصيل المفاهيمي
-
المقاومة توحِد الشعب والصراع على السلطة يفرقه
-
الأمم المتحدة سلاح ذو حدين
-
حول المشروع الأمريكي لإدانة حركة حماس
-
قراءة في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني
-
حكم العسكر في فلسطين
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|