يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6203 - 2019 / 4 / 17 - 16:31
المحور:
الادب والفن
من ظن أن للموت طعمٌ واحدٌ ، فهو واهمٌ ، أو لم يذق طعمه بعد !
و هل يستوي الرحيل الأبديُّ ليافعٍ بعمر الورد ، كان يقارع الحياة ، فيصنع ، و يبني ، دون أن ينجز الكثير من أحلامه ، بموت تسعينيٍّ ، ترهلت قواه ، فوضع سلاحه طوعاً ، اكتفى بما أنجزه ، و شيده ، جالساً على حافة الفناء ، ينتظر الموت ، مسترضياً بقدومه ؟!
لم يمر على طعنته الأولى المباغتة عشرة أشهرٍ ، حينما غدر الموت بابنته الشابة اليتيمة التي كان قد خطفه منها منذ عقدٍ ، أو ينقصه بقليلٍ !
فها هو الموت يعيد الكرة ، بعد مناورةٍ ماكرةٍ - بكل خزيٍ - أعاد الطعن على الجرح الملتهب لرفات والدها - بكل عزمٍ - فأودى بابنه اليافع إلى غير رجعةٍ !!!
لتكون الضربة مكحمةً ، و أكثر عمقاً ، و أشد فظاعةً ، و أعظم وجعاً !!
يا للعار ، أيطعن بعظامه في القبر مرتين ، قبل أن ينقضي حولٌ كاملٌ !!!
إنه سعيٌ موغلٌ في وحل الغش و الغدر - بلا عربدةٍ - كحيةٍ قرناء في الفيافي ، تزحف بصمتٍ ، لتفرغ سمها القاتل من الخلف في الجسد الغافل ، ثم تتلاشى ، و تندثر !!!!
حتى الصبر برحيله ، أفقدَ توازنه ، و موتٌ جعل المرء عاجزاً عن التقاط أنفاسه ..
يا لقساوته ، و مرارة طعمه !!!!
الوالد الثاكل روحه تحوم حول خيمة عزاء الابن الفقيد ، تستقبل التعازي ، تحاول الإمساك بطيف وجهه - الغائب على التو - لتمسح شعره ، و تطبع قبلةً ساخنةً على جبينه !!!
مشهدٌ لا مرئيٌّ أبكمٌ ، لا يشعر به إلا من عايش مع مشاعر الفقد ، و لا يحس به إلا من ذاق قلبه الكسير طعم مرارة ذاك الرحيل المنحوس ، و لا يحس به إلا من آلفت نفسه الحزن ، و تمزقت من وطأة الوجع !!!
استعراضٌ متغيبٌ مؤلمٌ ، جعلني طريح حزنٍ ، يدهسني بقدمٍ ملتاعٍ ، أتأمله من بعيدٍ ، فأحفظه بعقلي ، ليكون وبالاً على أنفاسي ...
أخزنه في خبايا ذاكرتي ، لأنتشله لاحقاً ، فأهدي منه لرفاة والده رسائل على صيغة حكاياتٍ ، بعد توالي الأيام ، و كلما جن الليل .
لعله يستأنس بمعانيها ، و كأنه حيٌ ، لتبعد عنه الوحشة و هو راقدٌ في قبره !!
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟