|
إنتفاضتي الشعبين السوداني والجزائري والمتغيرات السياسية المرتقبة !
صبحي مبارك مال الله
الحوار المتمدن-العدد: 6202 - 2019 / 4 / 16 - 08:50
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
عانت شعوب البلاد العربية من حكم الأنظمة الشمولية ودورها في كبت الحريات الديمقراطية وحجب ممارسة الحياة الديمقراطية والتجاوز على حق الشعوب بأن تكون هي مصدر السلطات وهي صاحبة الأمر في إختيار الأنظمة وتقرير مصيرها، ولهذا فالأنظمة وطبقتها السياسية التي تجاهلت دور الشعب والإستخفاف برأيه، عملت على أن تكون حريصة على مصالحها والدفاع عنها من خلال تكوين شبكات أمنية شرسة تستخدم كل الوسائل الدنيئة من إعتقال وسجن وتعذيب وتكميم الأفواه وإغتيال المناضلين من المعارضين لهذه الأنظمة والمطالبين بالحريات والديمقراطية. كما إن هذه الأنظمة تحيط نفسها بأحزمة من المتنفذين الفاسدين والتي تكون بعيدة كل البعد عن مايعانيه الشعب من الأزمات الاقتصادية والمجتمعية وبالتالي تكونت أنظمة وحكومات دكتاتورية عملت على تنمية مصالحها ونهب أموال الشعب. لقد عملت هذه الأنظمة والتي كانت تستند إلى قوتها المسلحة وأموالها (التي هي أموال الشعب )على تدهور الأوضاع على كافة الصُعد السياسية والإقتصادية، والإجتماعية والتنميةالبشرية والتعليم والثقافة وعدم مواكبة التطور العلمي والتكنلوجي وتدهور الحياة المعيشية وفقدان الخدمات الأساسية وعطب البنى التحتية حيث طفت على السطح ظواهر منها الفقر والجوع وإرتفاع خطه أي خط الفقر عالمياً والبطالة والأمية ولهذا عندما ينتفض الشعب ويحتج ويطالب بالتغيير هو نتيجة للتراكم من تداعيات الأزمات المستمرة وتأثيرها على الشعب . التغيير لايعني تغيير الرئيس فقط وهذا ما أدركته القوى المعارضة في السودان والجزائر وإنما التغيير يعني تغيير النظام والطبقة السياسية الحاكمة أو الحزب الحاكم ، كما إن تسليم الحكم للعسكر أو مجلس عسكري أو إلى الجيش يعني تدوير الوجوه وإعادة إنتاج نظام دكتاتوري جديد يسير حسب الأساليب السابقة ولهذا لم توافق الجماهير المنتفضة على تغيير الرئيس فقط لأن المشكلة ليست الرئيس وإنما بطانته التي تحكم بأسمة ، حيث الفساد السياسي و الإداري والمالي . والجيش واجبه الأساسي الدفاع عن الوطن والشعب وليس ممارسة الحكم ولهذا طورت الجماهير مطلبها نحو تغيير النظام وإقامة الدولة المدنية ولكن ليس فقط مدنية وإنما الدولة المدنية الديمقراطية التي تعتمد الدستور التقدمي والقانون ومواثيق حقوق الإنسان، وتكوين المؤسسات الدستورية التي تشمل السلطة التشريعية ، والتنفيذية والقضائية وفصل السلطات عن بعضها فالسلطة الحاكمة سواء في السودان أو الجزائر، أرادت ان تتخلص من ضغط الشعب المتعاظم بتغيير الوجوه فقط . لم يعط الربيع العربي الأول عام 2011 الذي تفائلت به الشعوب العربية ، ثماره أو تغيير حقيقي وإنما تغيير وجوه وبقاء النظام بكل أجهزته القمعية، وبدلاً من تغيير النظام أستولت قوى الأحزاب الإسلامية على الثورة و مقاليد الحكم كما حدث في مصر وتونس وليبيا ولكن في مصر حصل تغيير جديد بثورة ثانية ولكن تحت حكم عسكري. ولهذا إستفاد الشعب في السودان والجزائر من هذا الدرس ولكن لازال الوضع في دور المخاض بالرغم من تغيير الرئيسين، بإنتظار المتغيرات السياسية الحقيقية التي تؤكد على حق الشعب في حكم نفسه بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية. بدأت الإحتجاجات في السودان في 19ديسمبر /كانون الأول 2018 نتيجة غلاء المعيشة وإرتفاع الأسعار وإنعدام حُرية التعبير والديمقراطية والفقر وتفشي البطالة ، وتدهور الأوضاع على كل المستويات، لقد كانت هذه الإحتجاجات التي أنتشرت بداية في العديد من المدن السودانية ، إحتجاجات سلمية ولكن (السلطات ردت بعنف على تفريق المتظاهرين حيث إسستعملت مختلف الأسلحة في تفريق المتظاهرين ومنها الغاز المسيل للدموع، الرصاص المطاطي والرصاص الحي حيث تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين ) ..ويكيبيديا وفي 11أبريل (نيسان) 2019 أعلن الجيش خلع الرئيس عمر البشير الذي كانت العصا لاتفارقه عندما يخاطب الشعب. وتشير التقارير بأن الإحتجاجات بدأت بشكل عفوي عندما تجمع المئات من المواطنين السودانيين للتديد بإرتفاع أسعار المواد الأساسية وإنخفاض قيمة العملة السودانيةةةةةةةة، لقد كانت التظاهرات تتوسع يوم بعد يوم بإنضمام الشباب ودخول القوى السياسية المنظمة بكافة توجهاتها ، وقد شارك في الإحتجاجات والتظاهرات التي أصبحت بمئات الألوف، النساء والرجال والشباب والأطفال، ولقد لعبت المرأة دوراً كبيراً حيث كانت في مقدمة التظاهرات وتعمل على التحريض لقد إستمرت التظاهرات لأربعة أشهر ولا زالت مستمرة بعد أن تطورت أساليب الإحتجاجات، التظاهر والإعتصام وتطوير إيصال أخبار الإنتفاضة إلى الفضاء العالمي والدولي بنفس الوقت رفع سقف المطاليب ورفع شعار دولة مدنية بعد خلع البشير. إندلعت الإحتجاجات الشعبية في الجزائر في 22 شهر شباط من عام 2019 والتي تُطالب بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة والتي أدت إلى تأجيل الانتخابات وعدم ترشح بوتفليقة بعد أن تقدم للترشح بتأييد حزب جبهة التحرير الوطني. لقد تميزت التظاهرات بسلميتها رغم الأعداد الكبيرة التي شاركت فيها وأستعملت الشرطة الغاز المسيل الدموع وفي يوم 24/شباط خرجت مظاهرات جديدة في العاصمة ومدن أخرى دعت أليها أحزاب المعارضة تحت أسم الحراك. ثم تجددت المظاهرات يوم الثلاثاء الموافق 26 شباط وفي الأسبوع الثاني في الأول من مارس تجددت التظاهرات في عموم مدن الجزائر وحضرها عشرات الألوف من مختلف طبقات الشعب الجزائري شاركت فيها شخصيات معروفة وهي جميلة بوحيرد ، علي بن فليس ، علي بن نواري وغيرهم وإستمرت التظاهرات للأسبوع الثالث 8آذار يوم المرأة العالمي حيث حضر عشرات الآلاف من المتظاهرين وبالرغم من أن التظاهرة سلمية ولكن أستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لمنع المحتجين الوصول إلى القصر الرئاسي وجرت حملة إعتقالات ضد المتظاهرين وخرجت التظاهرات في 15 ، 22 /آذار وفي الأسبوع السادس 29/آذار رفعت مطالب تطبيق مواد الدستور 7، 8 ، 102 حيث تنص هذه المادة أنه (أذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن ، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ، وبعد أن يثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع )أما المادة 7من الدستور (الشعب مصدر كل سلطة ) والمادة 8 (السلطة التأسيسية ملك للشعب) وبعد قيام رئيس الأركان أحمد قايد صالح بالمطالبة بتطبيق المادة 102 من الدستور وقدم بوتفليقة إستقالته ثم تمّ تعيين عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للجزائر والشعب الجزائري يتظاهر رافضاً ، ولازال الشعب يطالب بالتغيير. ومن خلال مراجعة سريعة للإنتفاضتين ، نستخلص بأن التظاهرات والإحتجاجات تحتاج إلى عمل منظم وإلى وحدة الرؤيا وبلورة الأهداف والشعارات التي تجسد ما يريده الشعب من خلال تحشيد القوى المدنية الديمقراطية كما يتطلب ذلك إلى جهد فكري سياسي وجماهيري. ونرى بأن البلدان تختلف بعضها عن بعض في كثير من الحالات، مثلاً نظام الحكم في السودان نظام إسلامي مرتبط مع القوى الإسلامية (الأخوان المسلمين ) ومع دولة قطر التي أكدت تضامنها مع البشير عندما هبت الإنتفاضة وكذلك علاقتها مع تركيا ونظامها المرتبط مع حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية وأيضاً الحكم فيها جمهوري رئاسي ومرتبطة بحكم شمولي يقوده حزب المؤتمر-وكذلك الجزائر نظام الحكم جمهوري رئاسي وحكم شمولي تحت قيادة حزب جبهة التحرير الجزائرية . العراق هبت فيه التظاهرات وعلى نطاق واسع ، وهو نظام جمهوري نيابي وفيه تعدد من الأحزاب الإسلامية وأحزاب قومية وعلمانية وبالرغم من الفساد والتدخل الخارجي الإيراني والأمريكي ودول الخليج وتركيا في شؤون العراق الداخلية إلا إن تشتت القوى المدنية الديمقراطية والإنقسامات بين الأحزاب العلمانية وعدم بلورة الجهد الإحتجاجي والأهداف والتوجهات وتدخل المليشيات جعل زخم الإحتجاجات يضعف . مع عدم وضوح في موقف تحالف سائرون من الإحتجاجات ومن تردد السيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي في شن حملة ضد الفاسدين والمباشرة في التغيير والإصلاح .ولابد من تكثيف الجهود من أجل توحيد الموقف وبلورة شعارات تمس حياة الناس وتهيئة قيادات ميدانية مشتركة لأجل قيادة التغيير على مستوى الشارع ينسق بنفس الوقت مع توحيد الجهد البرلماني في مجلس النواب وطرح مشاريع قوانين لصالح المواطن .فالقوى السياسية وقوة تأثيرها تختلف من بلد إلى آخر . فالأحزاب الإسلامية السياسية تختلف في نظرتها إلى الدولة المدنية الديمقراطية وإلى العلمانية حسب وجهات نظرها الخاطئة .كما إن أي تغيير يتطلب وحدة قوى مؤثرة وليست قوة واحدة . فالساحة العراقية تعج بمختلف القوى الحزبية المنظمة منها ذوي إرتباط إقليمي والآخر إرتباط دولي وغيره إرتباط خليجي مما أثرّ ذلك على عدم توحيد الخطاب السياسي المؤثر .العراق لازال تتحكم فيه المحاصصة السياسية والطائفية والإثنية في حين لايوجد ذلك في الجزائر أو السودان ولكن هناك ولاءات متعددة منها القبيلة والعشيرة والمدينة وعلاقات القُربى. وتطرح الآن على الساحة العربية والإقليمية مشاريع منحازة وغير حيادية وغير عادلة في وقت فقدت الدول العربية وحدة صفها وبرنامجها ومن هذه المشاريع مشروع ترامب (صفقة القرن) لتصفية القضية الفلسطينية، ومشروع الشرق الأوسط الكبير والتقسيمات وبرعاية أمريكية . والإستمرار بضم أراضي فلسطينية لإسرائيل وتصريحات جديدة بإلغاء كافة الإتفاقيات حول الشعب الفلسطيني. فالأجواء الدولية تشهد صعود اليمين المحافظ الموالي لأمريكا . وهناك أزمات نازفة لايوجد لها حل حسب المنطق الأمريكي الذي يلتزم بقوة السلاح والتهديد في التدخل المباشر كما في سوريا ، إيران ، فنزويلا، اليمن ، ليبيا وغيرها من المناطق الساخنة. والخلاصة بأن تغيير مزاج الشعب نحو التغيير يحتاج إلى الوعي المتقدم الذي يتحول إلى قوة مادية ضاغطة.
#صبحي_مبارك_مال_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كارثة غرق عبارّة الموصل والفساد الحكومي (الحلقة الثانية والأ
...
-
كارثة غرق عبارّة الموصل والفساد الحكومي (الحلقة الأولى )
-
النظم السياسية في الدول العربية .......الديمقراطية خط أحمر !
...
-
النظم السياسية في الدول العربية .......الديمقراطية خط أحمر !
...
-
النظم السياسية في الدول العربية .......الديمقراطية خط أحمر !
...
-
إغتيال حرية التعبير من كامل شياع إلى علاء مشذوب!
-
في دائرة الضوء....موضوعات سياسية عاجلة!
-
مطالبب الشعب والحراك الشعبي بين البرلمان وجمود الحكومة!!
-
الدولةالعميقة ظهير الأنظمة الشمولية والمانعة للتحول الديمقرا
...
-
الدولة العميقة ظهيرالأنظمة الشمولية والمانعة للتحول الديمقرا
...
-
الحكومة العراقية وزيارة الرئيس الأمريكي المفاجئة !!
-
مفهوم الدولة العلمانية
-
الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقات بنائها الحلقة الثانية
-
الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقات بنائها الحلقة الأولى
-
إستعصاء تبني مشروع الإصلاح والتغيير !
-
ليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
-
نتائج الإنتخابات هل غيّرت موازين القوى ؟
-
من المسؤول عن الإغتيالات والخطف والإعتقالات ؟!
-
العراق إلى أين ؟!
-
إنتخابات رئاسة مجلس النواب ...إختراقات دستورية وتأكيد على ال
...
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|