|
في ذكرى مرور 40 عاماً على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل: الأهرامات المقلوبة
أمين المهدي سليم
الحوار المتمدن-العدد: 6200 - 2019 / 4 / 13 - 00:28
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في ذكرى مرور 40 عاماً على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل: الأهرامات المقلوبة لا شك أنه موقف كوميدي أن يحاول شخص تخفيض العداء والشجار طويل الأمد بين شخصين بواسطة الهدايا الثمينة، ثم يضبطهما بالصدفة يتبادلان الغرام في غرفة النوم. أعتقد أن هذه المفارقة تشبه تقديم الولايات المتحدة المعونات السخية للجيش المصري مقابل المحافظة على معاهدات السلام، بينما المعاهدات تحافظ عليها إما القوة أو المصالح المتشابكة. خلال 4 عقود مرت منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979، نشطت العلاقات العسكرية والأمنية والإقتصادية بين مصر وإسرائيل بأكثر مما جرى بين مصر وأي دولة عربية في أى وقت سابق أو لاحق، والأمثلة متعددة أذكر منها قليل من كثير: خالف مبارك البروتوكول العسكري والقيود على التسليح والعمليات العسكرية في المنطقة (ج) في سيناء فسمح لإسرائيل بإلغاء المنطقة (د) وهى 15 كم داخل حدودها وبالتالي تمكنت من العمل العسكري ضد غزة، وبدأ حصارهما المشترك لها. وضغط مبارك على عرفات حتى رفض التوقيع على مشروع كلينتون للسلام مع إيهود باراك في كامب ديفيد (2)، وهكذا ضاعت واحدة من أهم فرص السلام الأقرب إلى العدل، وبذلك سقط باراك لصالح حكومة شارون اليمينية المتطرفة. عقد مبارك صفقات تصدير الغاز لإسرائيل وبأسعار أقل كثيراً من الأسعار العالمية. وتوثقت العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية التي تشمل الموارد الوطنية من البترول والغاز، وكلها تحت سيطرة المخابرات والجيش، وعندما أزيح مبارك خلال ثورة يناير سعى نتنياهو وحكومة اليمين للدفاع عنه، ولقبوه بالكنز الاستراتيجي. بعد إنقلاب الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي على حكم الإخوان، حلفاءه السابقين، وقبل وبعد وصوله لكرسي الرئاسة، لم تنقطع تصريحات الترحيب والاحتفاء به من سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين. وتوسط نتنياهو عند واشنطن لتسليم مصر 10 طائرات هليوكبتر أباتتشي، ووافق على أن تبيع ألمانيا لمصر 4 غواصات حديثة من نوع دولفين. وعرض السيسي 1700 كم² على الرئيس الفلسطيني أبو مازن في شمال سيناء لانشاء دولة فلسطينية بديلة، ولكن أبو مازن رفض، وهدف السيسي كان إعفاء إسرائيل من الإنسحاب إلى حدود 1967. باع السيسي جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بالتنسيق مع إسرائيل. واعترف في مقابلته الأخيرة مع قناة إيه بي سي الأمريكية بالعمليات العسكرية المشتركة مع إسرائيل في سيناء. وقام سلاح الطيران الإسرائيلي والمصري بتدريبات مشتركة شرق المتوسط. وقال السيسي مؤخرا أنه لو عاد اليهود إلى مصر سيقيم لهم المعابد، ولا يخرج هذا التصريح عن أنه علاقات عامة وطلب شهادة حسن سير وسلوك، إذ أن بيئة مصر الثقافية والاجتماعية والسياسية الحالية هي جحيم حقيقي ضد كل الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية، تحرق وتهدم دور العبادة والمنازل والمتاجر لكل الأقليات تحت سمع وبصر الأمن وبتحريض سافر منه، فضلاً عن مجازر طالت هؤلاء دون محاسبة أحد، وهذه الوحشية بالطبع تطال النساء والفقراء والمرضى والأطفال والمرضى النفسيين والمتحولين جنسياً والمثليين وأطفال الشوارع، وحتى الحيوانات الضعيفة. وعقدت مصر اتفاق سخي لاستيراد الغاز من إسرائيل بقيمة 15 مليار دولار على 10 سنوات. كان من نتيجة حصر العلاقات خلال 36 سنة تقريباً في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية وتحت إدارة الجنرالات أن لم تعد السفارات في البلدين تقوم سوى بالأعمال القنصلية والروتينية، ولم تعد تحتاج لوجود السفير، حتى أن سفراء البلدين غابا عن منصبيهما شهورا طويلة وسنوات دون أن يشعر أحد، ولم تعد وزارات الخارجية تدير العلاقات. وتتيح اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل انشاء مركز أكاديمي كل لدى الآخر، وقامت إسرائيل بانشاء مركزها في القاهرة منذ 1982، ولكن مصر تنازلت عن هذا الحق لأنه فقط يحتاج إلى باحثين أكاديميين مدنيين. ويقوم مجلس الوزراء المصري بإسقاط الجنسية على نحو منهجي شهري تقريباً عن كل من يتزوج من إسرائيليين أو يحصل على جنسية إسرائيل. وتعتبر مغامرة خطرة أن يطلب مواطن فيزا لإسرائيل أو يقيم علاقة مع إسرائيليين ويُستدعى لأجهزة الأمن وربما يصيبه ما هو اسوأ. ويُردد الإعلام الرسمي وضيوفه على نحو تلقائي شبه يومي عبارة "العدو الصهيوني". ومن الأمور التقليدية أن يُحرض الشيوخ في مساجد الدولة ضد اليهود وضد إسرائيل، ويُذيع البرنامج الموسيقي أغاني وطنية تُمجّد الحرب والاستشهاد وتشيد بعبد الناصر على مدار اليوم، وليس عملاً استثنائياً أن يُسمع من إذاعة القرآن الحكومية آيات تكفر اليهود وتصفهم بأحفاد قردة وخنازير. ويعتبر الإتهام بالتطبيع مع إسرائيل، والموجه من الصحافة الرسمية مساوياً للإغتيال المدني للصحفي أو الكاتب الذي يدعو للسلام أو للعلاقات معها، وتتخذ النقابات، الخاضعة كلها لأجهزة الأمن، مواقف متشددة ومجالس ومحاكمات تأديب لمن يتعرض لهذا الاتهام. وتعرض نائب برلماني تابع للنظام للضرب بالأخذية في برلمان مُعيّن كله وموالي للحكومة، ثم فُصِل وأغلقت قناة فضائية كان يملكها، ثم سُجن لمجرد أنه قابل سفير إسرائيل. كيف ولماذا حدث هذا التناقض الحاد واستمر في مصر بين العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية مع إسرائيل وبين العلاقات المدنية والشعبية معها؟ في العُمق، وخلف المشهد الرائع المُلهم الموحي بالأمل عند التوقيع على معاهدة السلام بين الرؤساء جيمي كارتر وأنور السادات ورئيس الوزراء مناحيم بيجين، كانت التناقضات الهدّامة تعمل بقوة. عندما شرع السادات في مبادرته من أجل السلام اصطدم بمحاولات متعددة من بيجين لإفشال مسعاه لأن بيجين كان يُفضّل الإستيطان في سيناء على السلام، وكان جنرالات دولة الإقطاع العسكري المركزية المصرية يتوجسون من عملية السلام برمتها خوفاً من أن يؤدي الإندماج مع الغرب إلى دولة مدنية، فأفرطوا في الحديث عن نصر عسكري ضخم مزعوم في حرب أكتوبر بدّده السادات بالتفاوض السلمي، بل ونعتوه بالخائن، وساندتهم في هذه الأكاذيب الدكتاتوريات العربية، وسمحت الأجهزة التابعة للجيش بدخول أموال صدام حسين والقذافي لشراء أغلب النخبة المصرية والمثقفين الرسميين في كل المجالات، بينما هؤلاء الجنرالات هُزموا في كل حرب خاضوها، وانعكس كل ذلك على أغلبية الوفد المصري اللذين كانت ثقافتهم السياسية قومية عربية لا تتعدى أدبيات حزب البعث العربي، فبادلوا بيجين العداء والصدام، وشاركوه بقوة في محاولة إفشال المبادرة، واستقال اثنان من وزراء الخارجية المصريين احتجاجاً على عملية السلام. وعندما كان السادات يوقع المعاهدة توارى كل الوفد المصري تقريبا باستثناء مصطفى خليل وبطرس غالي، وكان د. البرادعي القومي الإتجاه أيضاً قد استقال من عضوية الوفد. أما كيف انقذت مبادرة السادات للسلام من بين أنياب بيجن؟ فكان في البداية ترحيب الشعب المصري، عندما استقبله 2 مليون تقريباً عند عودته من زيارة القدس أول مرة، وضغط الشعب الإسرائيلي الذي هزّته شجاعة السادات، ومساندة الجنرالان إيجال يادين وعزرا فايستمان الحاسمة، ثم توقيع أكثر من 1500 ضابط في جيش الدفاع المنتصر في كل حروبه بياناً يطالب حكومة اليمين بـ "السلام الآن"، كانوا نواة للحركة التي حملت نفس الإسم فيما بعد. بعد توقيع المعاهدة وقبل أن يتم الإنسحاب الكامل من سيناء اغتيل السادات خلال عرض عسكري على أرض الجيش وبواسطة أفراد من الجيش دون أن ترد حراساته بطلقة واحدة على المهاجمين، بل انشغلت بتأمين النائب حسني مبارك ووزير الدفاع أبو غزالة، ثم عينهم مبارك بعد ذلك في مجلس الشورى ليكسبهم حصانة. كان المعنى الأساسي للإغتيال هو حذف نصيب المجتمع المدني المصري في السلام، أو فلنقل حذف السلام المدني من العلاقة بين البلدين، وهكذا تمّت عسكرة السلام، وهكذا دفع المصريون تكلفة الحروب المصطنعة، والناتجة عن الاستهلاك المحلي للصراع منذ إنقلاب يوليو 1952، ويدفعون الآن أيضا تكلفة السلام العسكري. تم ذلك بالتعاون الكامل بين النظام العسكري المصري واليمين الإسرائيلي الاستيطاني التوسعي، الذي وجد مكاسبه من عسكرة السلام أكثر بكثير من السلام المدني بين الشعوب، لأن علاقات السلام والتعايش والتعاون تقوي الشعوب، وهذا آخر ما يفكر فيه أو يتمناه جنرالات الاقطاع العسكري في مصر، خاصة أن اليمين الشعبوي الإسرائيلي لا ينظر براحة إلى علاقات الشعوب. يقول نتنياهو في كتابه "مكان بين الأمم" إن "من يطلبون الإنسحاب من أراضي إسرائيل من بين الصحفيين والكتاب والمسرحيين هم خونة.. أسست إسرائيل قوتها خلال الحرب فما حاجتها للعلاقات مع العرب". يمكن القول أن المعاهدة بعد إغتيال السادات تحولت إلى معاهدة ضد السلام المدني المؤسَّس على التعايش والتعاون بين الشعوب، وإن كان ثمة درس فهو أن السلام والدكتاتورية من الصعب جداً أن يجتمعا، وأن هناك حقيقة في التاريخ الحديث لا يُمكن تجاهلها، وهى إنه لم تتحارب أبداً دولتان ديموقراطيتان، ولهذا لا توقَّع معاهدات سلام بين الدول الديموقراطية. أمين المهدي هو ناشر وكاتب مصري. صاحب الدار العربية للنشر. نشط في السبعبنبات والنصف الأول من الثمانينيات في لجان دعم المقاومة الفلسطينية قبل أن يصبح من أنصار السلام مع إسرائيل. صدر له عدة كتب منها "الصراع العربي الإسرائيلي- أزمة الديمقراطية والسلام".
#أمين_المهدي_سليم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسباب العصيان الوطني في مصر
-
كارثة يونيو 1967: مجرد إنقلاب استعان فيه عبد الناصر بإسرائيل
-
مصر: الديكتاتورية العسكرية وإنهيار الدولة.. شئ واحد
-
داعش وأخواتها والفوضي . . ألحصاد الصحيح للفاشيات العربية
-
الإقطاع العسكرى فى مصر: سلب ملكيات المجتمع وموارد وطنه وأخير
...
-
الاغتصاب .. العنوان الحقيقي للثقافة والعلاقات في مصر تحت حكم
...
-
المُلّا عدلى منصور الرئيس المؤقت وخطاب التطرف والفتنة
-
الأقباط: قربان أضحوى على مذبح الدكتاتوريات العسكرية الدينية
-
مصير مصر بين العسكر والإخوان والقوى المدنية
-
رؤية للخلاص الوطنى فى مصر
-
مصر والخروج من حذاء صيني صدئ (3 /2) -
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|