|
هل قدم العرب شيئاً للحضارة الإنسانية؟! ......... ((في البدأ كانت الكلمة))/1
خلف الناصر
(Khalaf Anasser)
الحوار المتمدن-العدد: 6199 - 2019 / 4 / 12 - 16:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
"فـــي الـــبـــدأ كــانـــت الــكــلــمــة" والــحـــب كــان أول حــروفــهــا!
فالحب صفة أصيلة في الطبيعية البشرية ، والكراهية عارض طارئ عليها! فالمقت والكراهية والحقد والحسد والضغينة.....الخ هي جميعها صفات مكتسبة ، وليست أصلية كالحب في الطبيعة البشرية السوية . وهذه الصفات المكتسبة تتخلق وتنمو وتتبلور في ذات الإنسان كرد فعل على حدث معين ، أو على أفعال مضرة بالذات الشخصية للفرد أو للجماعة أو للجماعة الوطنية والقومية ككل . وأحياناً تتأتي هذه الكراهية كنتيجة طبيعية لمنافسة على مصالح مادية واقعية أو طبقية في واقع محلي معين أو في واقع إقليمي عام ، لتضارب المصالح المادية لأمم وشعوب متجاورة في هذا لإقليم أو ذك أو لغيرها من الأسباب الكثيرة المشابهة ، والتي قد تتسبب جميعها بصنع الكراهية بين الأفراد والمجتمعات وأحياناً بين الشعوب والأمم ، وتؤدي إلى حروب مدمرة بينها كالحربين العالميتين الأولى والثانية مثلاً! لكن ، ورغم أضرارها المدمرة للحياة وللنبل الإنساني عبر تاريخها الطويل ، تبقى الكراهية صفة طارئة وليست أصيلة في الذات الإنسانية.. ولهذا السبب بالذات يمكن ترويض هذه الصفات الطارئة المكتسبة ، والسيطرة عليها بجرعات أكبر من الحب والتسامح والنبل الإنساني ، لإشاعة السلام والمحبة بين الأمم والشعوب والمجتمعات! فالحب هو جوهر الإنسان وروح الإنسانية وغايتها الكبرى ، التي لابد أن تصل إليها في يوم من الأيام! ***** وإذا كان من المكن تفسير الكراهية ومشتقاتها بأشكالها المتنوعة ولأسباب مادية ونفسية متنوعة أيضاً ، لكن ليس من الممكن تفسير الحب أو وضع وزن أو سقف محدد له ، لأنه حالة فطرية تولد بولادة الإنسان وتكبر معه ، إذا ما احتفظ بنقائه الإنساني دون أن تلوثه أشكال من الكراهية الصريحة أو المموهة: فأنت حينما تحب أباك مثلاً: فإنك تحبه ليس لأنه أعظم وأحسن رجل في العالم، إنما لأنه الرجل الذي كان سبباً في وجودك في هذه الحياة، وهو الذي رباك وآواك ووهبك عمره كله ، لأجل أن يصنع منك إنساناً ناجحاً وسعيداً ومفيداً في الحياة! وكذلك الأمر حينما تحب أمك: فإنك تحبها ليس لأنها أجمل امرأة في العالم، وليس لأنها شقراء أو بيضاء وذات عيون زرقاْء وشعر ذهبي لامع، إنما تحبها مهما كان شكلها ولونها وبشرتها ، لأنها المرأة التي حملتك في رحمها وبين أضلاعها وكنت قطعة من روحها ، لكنك انفصلت عنها في النهاية وخرجت إلى الدنيا ، بعد تسعة أشهر من التوحد معها في ذات واحدة! وحتى بعد انفصالك عنها: كنت ـ في نظرها ـ قطعة منها تمشي على الأرض ، فهي تأويك في حضنها وأنت رضيع وتسهر عليك وأنت تحبو وتتابعك وأنت تمشي، وتهب لك عمرها كله لتصبح رجلاً ناضجاً ومكتمل الرجولة، وتستمر في حنوها عليك حتى لحظاتها عمرها الأخيرة، عندما تغمض عينيها وتنام نومتها الأبدية!!
وما ينطبق على حب الأم والأب ينطبق أيضاً على حب الأخ والأخت والصديق والقريب ، وعلى كل لأشياء الأخرى التي تحبها على وجه هذه الأرض.. والطبيعي أن يتوسع هذا الحب عندك ليشمل منزلك وحارتك وقريتك ومدينتك أولاً ، ثم يتوسع أكثر فيشمل أرضك ووطنك وشخوص شعبك وأمتك بكاملها ، وفي أحيان كثيرة يتوسع هذا الحب عند البعض ليشمل الإنسانية بأسرها وكل إنسان من أفرادها ، مهما كان شكل هذا الإنسان ولونه وجنسه ولسانه وعقيدته ودينه ومذهبه وقارته! ***** وأهم ما يوازي حب الأب والأم والأخ والقريب أو يتفوق عليهما أحياناً.. هو : حب أرض الوطن : أي، حب الوطن ، حب البلاد وأرضها ، وحب كل إنسان عاش مثلي ومثلك فوق أديمهما.. أي أنه حب يشمل المجتمع كله ، والشعب بأسره ، والأمة بكاملها : بفقرائها ومعدميها ، بعمالها وفلاحيها ، وبجميع قواها العاملة والمنتجة فكراً وحضارة ، وبحب كل ما يتعلق بــها.. من : جغرافيا ، وتاريخ ، وحضارة ، وثقافة ، وفكر ، وتراث ، وقيم روحية ، وتقاليد اجتماعية ، وتنظيمات مجتمعية ........الخ! فأنت تحب وطنك بلادك هذه ، سواءً كانت متقدمة أو متخلفة ، نامية كانت أو نائمة ، عظيمة أو متواضعة.. تحبها كما هي حتى لو كانت مليئة بالعيوب والثغرات ، لأن حبك لها حب فطري يتجاوز كل الظواهر والأشكال ، وكل مقايس التقدم والتخلف ومقايس القبح والجمال! فأنت مثلاً تحب جغرافية بلدك : سواء كانت غابات خضراء وجبال بيضاء وأنهار جارية وزروع ذهبية وحقول غناء منتجة ، وتحبها حتى لو أنها كانت صحراء مجدبة ، لا ماء ولا زرع ولا ضرع ولا حياة فيها! وأنت تحب تاريخ بلدك : سواء كان معطاء أو كان عقيماً ، مبدعاً كان أو سقيماً ، لأنك خلقت في هذا التاريخ ومن أديم الأرض التي درجت عليها ، وأصبحت من خلالهما ذو هوية إنسانية بعد أن كنت بعيداً عنها ، وأقرب منها للمخلوقات البهيمية! وهذا الحب الفطري هو وحده : من يرغم بعض المحبين لشعوبهم وأوطانهم وأممهم ، على اختلاق تواريخ ملفقة لها ، غير موجودة في الزمان حقيقة ، ولا هي موجودة على أرض الواقع ولو لدقيقة .. إنما هي موجودة في خيال محبي شعبهم وأمتهم لوحدهم!
وأنت تحب حضارة بلدك وثقافتها : ليس لأنهما أعظم حضارة وثقافة على الأرض ، إنما تحبهما لأن هناك (حبل سري) يربطك بهما ويجذبك إليهما ، ويجعلك لا تجد نفسك وذاتك وكينونتك كإنسان ، إلا في شعابهما الملونة وحدها ، ومن دون جميع حضارات الأرض وثقافاتها الأخرى!
فأنت تحب بلدك ووطنك وشعبك وأمتك كما هـما ، ومهما كان شكلهما ولونهما ورائحتهما ولغتهما ، ومهما كانت حضارتهما وتاريخهما وثقافتهما ودرجة تطورهما ، وأين ما كانت جغرافيتهما سواء في أوربا البيضاء أو أفريقيا السوداء أو آسيا الصفراء ، وأين ما كان موقعهما ودورها الحضاري بين أمم الأرض وشعوبها الأخرى! فحبك لأمتك هو حب فطري ، وهو الذي يرغمك ـ طوعاً أو كرهاً ـ على أن تعمل لصالحها دون كلل أو ملل لإعلاء شأنها ، ومن أجل تقدمها وتطور وجعلها في طليعة جميع الأمم الأخرى! وقد يصل هذا الحب عند البعض أحياناً إلى درجة المغالاة ، وقد تصل هذه المغالاة عند البعض في حب أمتهم إلى نفس درجة مغالاة الشاعر الجاهلي (دريد أبن الصمة) بقبيلته ، وقوله المغالي فيها: وما أنا إلا من غزية فإن غوت غزية غويت وإن ترشد غزية أرشد!
[أرفع (غزية) عن البيت وضع موضعها (عربية ، كردية ، أرمنية.....الخ) ستجد أن بيت الشعر يبقى صحيحاً ولم يتغير]
وهذه المغلاة في حب الذات الوطنية والقومية ، أو الغيرة والمنافسة بين الشعوب والأمم ، هي التي تتسبب أحياناً في كراهية شديدة بين أمم وشعوب وجماعات كثيرة ، تعيش على أرض واحدة أو مجاورة لبعضها وأحيانا ًبعيدة عن بعضها كثيراً.. فترى بعضهم يسخر من بعض ، وبعضهم يشتم بعضاً ، ويلعن بعضها بعضها الآخر ، وقد تتطور هذه السخرية وهذا اللعن وهذه الكراهية إلى صراعات مريرة وحروب مدمرة ، وقد رأينا الكثير منها فيما مضى من قرون وأعوام ، ونرى ذيولاً لبعضها لا زالت مشتعلة إلى الآن! ***** وقد تكون هذه المغلاة في حب الذات الوطنية والقومية عند بعض الجماعات ، متولدة عن قانون طبيعي وواقعي ، وهو قانون فلسفي أيضاً.... يقول : [أن لكل شيء في هذا الوجود.. نقيضه ، ولكل قاعدة ثابتة فيه.. شذوذاً]
فمن الطبيعي إذاً أن يولد لذلك الحب الإنساني الفطري العظيم ـ الذي هو صفة طبيعية في الإنسان ـ نقيضه أيضاً ، ونقيض الحب الكراهية ، والكراهية ـ كما أسلفنا ـ صفة مكتسبة وليست أصيلة في الطبيعة البشرية!. لكن هذه الكراهية متأصلة فطرياً عند بعض الأقوام والجماعات ، وهي سبب كل مآسي الإنسان وكوارثه منذ قابيل وهابيل ، ومروراً بجنكيز خان وهولاكو واشباههم ، ووصولاً إلى هيرتزل وهتلر وكهانا وبوش و "بن لادن" و"أبو بكر البغدادي" وترامب ونتنياهو .......الخ ، بعد أن تحولت الكراهية عند هئولاء ، إلى عقائد يعتنقونها ونظريات يدرسونها وسياسات يمارسونها علناً ، وبأشكال وصور دموية مختلفة! ومن رحم هذه الكراهية المتأصلة عند البعض ، ولدت عقائد كثيرة للكراهية.. منها: النازية ، والفاشية ، والصهيونية ، والداعشية ............الخ.. ومن نفس عقائد وعقليات الكراهية الحاقدة هذه ، تتولد الآن وتتخمر على نار يمينية حارقة ما يسمى بعقيدة " القومية البيضاء" لليمين الأوربي المتطرف ـ هي التي اغتالت المصلين في مسجدي نيوزلندا ـ والتي نوه ودافع عنها بحماسة متناهية زعيم التطرف اليميني ، الأجوف رونالد ترامب نفسه ، الذي يحارب الآن شعوب الأرض جميعها: من فلسطين إلى سورية إلى العراق ، ومن فينزويلا إلى كوبا إلى أمريكا الجنوبية بعمومها ، ومن آسيا إلى أفريقيا إلى باقي شعوب الأرض جميعها! ***** من المعروف أن الإنسان يولد وهو مجرد من جميع أشكال وصنوف الكراهية ، ولأسباب عديدة ـ منها التربية والظروف والمعتقدات والاضطهادات أحياناً ـ تتولد الكراهية في أعماقه ، وتتغلغل في كيانه وتتسرب مع الزمن إلى (عقله الباطن) وتصوغ شخصيته على مقاسها ، فتتحول ساعتها داخله ـ دون وعي منه ـ إلى (إيديولوجيا كراهية) يعتنقها هو ويضحي لأجلها ، ويحولها من معتقد عقلي ـ في البداية على الأقل ـ إلى سلاح حربي فتاك يحارب به الآخرين في النهاية ، متوهماً أنهم أعدائه الوجوديون على هذه الأرض : [فأما أن يسبقهم هو ، وينهيهم من الوجود .. وأما أن يسبقونه هم ، ويمحونه من الوجود!] وما ينطبق على الفرد هنا ينطبق على الجماعة أيضاً ، وسواءً كانت هذه الجماعة صغيرة أو كبيرة قليلة أو كثيرة ، وفي بعض الأحيان تتطور هذه الكراهية وتنموا عند البعض ، لتشمل مجتمعات بعمومها وأمم بكاملها وأحيناً تشمل عند ذلك البعض الإنسانية كلها أو جميعها.. وكانت الأمة العربية في طليعة الأمم التي تعرضت لمثل هذه الكراهية المقيتة وبأشكال متنوعة ، منها ما هو مموه ومنها ما هو صريح في كراهيته الشديدة للعرب!
(يتبع)
#خلف_الناصر (هاشتاغ)
Khalaf_Anasser#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علينا أن نطمئن إسرائيل-!؟
-
بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!!.. 3)والأخير)
-
بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!!..(2)
-
بانتظار غودو (العراقي)..الذي لا يأتي أبداً!! ..(1)
-
((علماني.... جلكم ألله!؟))
-
الثورات ((عربية)) ....... و الربيع ((أمريكي))!!))
-
هل يعي البشير الدرس؟!
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟... القسم الرابع: يمن الأسرار و
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟... القسم الرابع: يمن الأسرار و
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟.... القسم الثالث: ..... اليهود وا
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟.... القسم الثالث: ..... اليهود وا
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟ ........... القسم الثاني: ((هل ال
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟ .....القسم الثاني: ((هل اليمن كما
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول؟! ....... القسم الأول: ((Why
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول؟!... القسم الأول:.... (Why Yemen i
...
-
اليمن ذلك الكوكب المجهول!؟ ........... دراسة علمية/مقدمة! ..
...
-
من ((إسرائيل الكبرى)) إلى ((إسرائيل العظمى) ........... (3)
...
-
من ((إسرائيل الكبرى)) إلى ((إسرائيل العظمى)) ……….(2)……..
-
من ((إسرائيل الكبرى)) إلى ((إسرائيل العظمى)) ……(1)……
-
تركيا.. توليفة الأضداد!!
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|