|
بلة في أرض الأحلام
فوزى سدره
الحوار المتمدن-العدد: 6199 - 2019 / 4 / 12 - 09:00
المحور:
الادب والفن
"بلة" صبي ذو قسمات جميلة .. بداخله بذور من الذكاء .. أسماه أبوه بهذا الاسم الإيطالي ومعناه "جميل" .. فقد عاش الإيطاليون في مصر وأخذ المصريون منهم الكثير من لغتهم. عمل في ورشة لقطع غيار السيارات .. فهو لم يكمل تعليمه مثل الكثير من صبيان الوطن الذين تركوا مدارسهم لأسباب كثيرة .. منها الفقر أو الجهل ..وليس هناك إلزام يُجبر الأسرة على تعليم أولادها حتى مرحلة معينة .. فيتسرب الكثيرون إلى الحرف والمهن والمصانع. كبر "بلة" وفهم كل كبيرة وصغيرة في أجزاء السيارات .. عرف كيف يفكها ويركبها .. ورأى كيف يشتريها المعلم بتراب الفلوس ويبيعها بميزان الذهب. وكان للمعلم ثلاث بنات .. فلم تنجب زوجته ولدًا.. قال : كفاية كده رضا .. وكان دائمًا يقول البنات ليها السترة والزواج والبيت. عندما أحس المعلم بالشيخوخة تقترب منه خشي أن تضيع منه الورشة .. ويضيع معها مستقبل البنات. "بلة" ولد كويس .. لماذا لا نضع زيتنا في دقيقنا؟ وبلة عارف الشغل ويحافظ على البنات. "قالها المعلم". مهد المعلم لزواج "بلة" من ابنته الكبرى بكل الطرق: روح يا بلة هات الأكل من "وردة".... هي فعلًا وردة .. لها دائمًا رائحة مريحة في أنفاس بلة الذي يتلهف أن يكلفه المعلم بإحضار الطعام من البيت فكر "بلة" في وردة كثيرًا.. معقول المعلم يجوزني بنته !! ذات مرة فاتحها يجس نبضها: - طبعًا أبوكي معلم كبير ..وأنتي بنت المعلم .. وبنت المعلم مايملاش عينها إلا راجل زي أبوها. ردت بدلال: - أنا أحب الجدعنة والرجولة في الراجل اللي حاعيش معاه .. مش عاوزة أكتر من كده .. واستطردت: - أبويا كان زيك صبي في ورشة وكبر وبقى صاحب ورشة. تجرأ "بلة" وقال لها: - يعني أنا لو ....، ولم يستطع أن يكمل الكلام. ضحكت وردة ..وفي دلال أزاحته بيديها: - روح كلم أبويا. طار "بلة" من الفرحة..ولكن كيف يفاتح المعلم؟ وذات مساء وبعد يوم شاق من العمل قال بلة للمعلم: عاوز أقولك حاجه يا معلم ..وأنت زي أبويا .. أنا بأفكر في بنت الحلال. رد المعلم بذكائه: - المعلمين يا واد ما تحبش اللف والدوران ..يا بلة .. أنت ابني وأنا استأمنتك على بنتي وعلى ورشتي. تلعثم "بلة" .. ورد في امتنان : - يا معلم أنا لي الشرف .. وتحت إيديك ورجليك. تزوج "بلة" من وردة .. وبعدها بقليل مات المعلم .. وأصبح بلة هو المعلم والمسؤول عن البيت ..وعن بنات المعلم الأخريات.. حتى قام بتزويجهن لأصحابه. وماتت زوجة المعلم وأصبح "بلة" هو صاحب الورشة بعد أن أرضى أخوات زوجته ببعض المال. وكان باشكاتب المحكمة - صاحب المعلم – يأتي إلى الورشة أحيانًا ليجلس مع بلة في قعدة شيشة وطاولة وفرفشة .. وهو الذي كان "بلة" يقول عنه قبلًا: - الراجل ده مش ساهل .. بتاع نسوان ..حياخد المعلم في رجليه. وكانت زوجة المعلم تشكى لـ بلة وتسأله : هو المعلم بيروَّح ليه فـ وش الفجر؟ وفي مرة كانت وردة في الورشة ورأت باشكاتب المحكمة يهزر مع "بلة"فقالت في نفسها: - الراجل ده بطال ..ياخوفي ياخذ جوزي في عبه. كانت وردة تحب زوجها بجنون .. حتى أنها يمكن أن تقتله .. ولا تذهب عيناه لأخرى سواها. في ليلة قالت لـ بلة : - تعرف أن صاحبتي نعمة سافرت أمريكا. رد بلة : - ليه مش لاقيه تاكل؟ - أنت مش عارف حاجة . دي بتبعت لأمها كل شهر الشيء الفلاني.. واشترت لها بيت كبير .. ما تيجي يا أخويا نجرب. - ونشتغل إيه هناك؟ - دا أنا سامعة ياخويا إن الناس اللي بتفلح في أمريكا..هيا للي عندها صنعة حتى لو مبيعرفوش يتكلموا إنجليزي . تعالى نبيع الورشة ونتكل على الله. لم ترتح وردة ويهدأ لها بال إلا بعد أن أقنعت "بلة" بدخول القنصلية ليأخذوا التأشيرة..وباع "بلة" الورشة وجاء إلى أمريكا هو وزوجته ومعهم ما تبقى من نقود بعد ما صُرف في التذاكر ولوازم السفر. وبدأ بلة يعمل في تغيير زيت السيارات ويتعلم في السيارات الأمريكية التي لم يرها في بلده .. تَعرف على المصريين وغير المصريين. تعالى يا "بلة" غير الزيت .. اضبط الفرامل .. غير الكاوتش. بعد شهور قليلة عَرف "بلة" كل العِدد و كيف يفكها ويركبها. وكان مهاودًا لكل الناس ويقول: - اللي تدفعوه.. قال لنفسه: مش مهم لغاية لما تاخد إيدي على السيارات الجديدة. وبعد أن ادخر "بلة" الدولارات قال: ماينفعش الصنعة من غير دكان. فتح "بلة" ورشة كبيرة واشتهر .. وناس تأتيه من كل الجنسيات في أمريكا .. وكبر رصيده من الأخضر في البنوك ..وقال "بلة": - فيها إيه لما الواحد يعيش حياته؟ هي الفلوس لزمتها إيه لو مش بتمتع الإنسان؟ ولكن المتع ألوان .. فيها الخير وفيها الشر .. والشر له جاذبيته وحلاوته. تعرف على فتاة أمريكية قالت له: - أنا عارفة إنك متجوز .. أنا (جيرل فرند) وخلي زوجتك على جنب. يغلق "بلة" الورشة .. ويذهب إليها يوميا ..وينسى نفسه ..تقول له إدينيMoney أديلك Honey وتضيع معها حصيلة اليوم. عرفت وردة بحال زوجها وقالت له: - ده أنا مصيبتي كبيرة .. هربنا من مصر علشان عينك الزايغة .. راح أبويا .. تطلع له أنت؟ أدمن "بلة" الشرب وأشياء أخرى ..وأصيب بنوبة قلبية عدة مرات.. وزبائنه يذهبون للورشة فيجدونها مغلقة .. ولم يضع الرجل الذي كان يعمل لديه الفرصة .. فاستحوذ على الورشة وضاع معها تعب السنين. تاه الفتى الجميل عن نفسه في زحام الأيام والليالي الصاخبة .. ونسى بيته وأولاده .. لقد خرج بلة ولم يعد !!
#فوزى_سدره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ورقة من مذكرات مهاجر
-
الحنين للوطن
-
قاتل بالصدفة
-
حكاية زواج
-
مهاجر على باب ناشفيل
-
الواقعية السحرية في سردية أنا وكتبي وكلبي للمبدع فوزي سدره
-
(12) عام جديد
-
(11) أنا والأدباء
-
(10) حكايتى مع الكتب
-
(9) محكمة الضمير
-
(8) أنا وكتبى
-
(7) ميتشو صديق ميكو
-
(6) لماذا الإيذاء
-
(5) عودة ميكو وفضائحه
-
(4) الإحساس الضائع
-
(3) هل للإنسان أن يختار طريقه
-
بالقراءة تُقاس حضارة الشعوب
-
البحث عن الوفاء
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|