|
هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (4)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6197 - 2019 / 4 / 10 - 18:31
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (83) – الآشوريون
هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (4)
كيف إكتسب النساطرة الإسم (آثوريين) أو (آشوريين) (3)
في هذه الحلقة والحلقة التي تتبعها، نستشهد بأقوال العديد من المؤرخين فيما يتعلق بكيفية خلق أسطورة إنتساب النساطرة "الآشوريين الجدد" الى "الآشوريين القدماء".
يقول عالِم الآثار العراقي بهنام أبو الصوف في مقالٍ له بعنوان (الآثوريون الحاليون (الآراميون النساطرة) وعلاقتهم بالآشوريين سكان العراق القديم) بأن سكان جبال وقرى ومدن الجزء الشمالي الشرقي من العراق (إقليم جنوب كوردستان) و إمتداداتها في شمالي غرب ايران (إقليم شرق كوردستان) و شرق الأناضول (إقليم شمال كوردستان) إعتنقوا الديانة المسيحية بمذهب يُدعى (النسطورية) نسبة الى الأسقف (نسطوريوس) أسقف القسطنطينية الذي أسس المذهب في سنة 431 ميلادية بعد حرمانه وطرده من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، ويُطلَق على كنيسة النساطرة إسم (الكنيسة الشرقية) .يضيف الدكتور أبو الصوف أنه في القرن الخامس عشر قامت الكنيسة الكاثوليكية بِجهد كبير لغرض تحويل أتباع الطائفة النسطورية الشرقية الى المذهب الكاثوليكي وقد نجحت جزئياً بذلك و حينما أرادوا اطلاق تسمية على النساطرة الذين إعتنقوا المذهب الكاثوليكي، تمت تسميتهم ب(الكلدان) وذلك بإعتبار أنهم من أرض بابل وليس لأنهم من سلالة الكلدانيين المنقرضين، اذ هي لا تعدو كونها مجرد تسمية جغرافية تعريفية. المسيحيون الذين إحتفظوا بالمذهب النسطوري والذين كانوا يُشكّلون أكثرية المسيحيين في كوردستان، هم الذين يدّعون بأنهم ينتمون الى الآشوريين وحديثنا هنا يقتصر على هؤلاء.
يذكر المؤرخ (عبد الرزاق الحسني) أنّ (تيمورلنك) (1336 – 1405 م) قام بِتدمير كنائس النساطرة، فتبدّد شملهم، فإحتوتهم المنطقة الجبلية الواقعة في شرق تركيا (إقليم شمال كوردستان). خلال الحرب العالمية الأولى، عندما إستولت القوات الروسية على ولاية (وان) في سنة 1915 ميلادية، حثّ الإنگليز والروس هؤلاء النساطرة على الوقوف ضد الأتراك، فأغدقوا عليهم السلاح للقيام بثورة ضدهم، إلا أنه بعد فشل الروس في حربهم هناك، إنسحبوا من المنطقة وهذا الإنسحاب منح الأتراك فرصة للفتك بالنساطرة وقتل الآلاف منهم[1] وطاردوا البقيـة الباقيـة منهـم إلى أن لجأوا الى إقليم شرق كوردستان.
بسبب العمليات العسكرية والمعارك التي إندلعت في منطقة الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى، نزح إلى إقليم جنوب كوردستان والعراق في سنة 1918 ميلادية حوالي (35000) نسطوري و (15000) أرمني من شمال وشرق كوردستان، حيث قام الإنگليز بإسكانهم في مُخيّمَين، أحدهما كان يقع قرب مدينة بعقوبة والثاني قرب الموصل. كان مُخيّم بعقوبة بإمرة الجنرال البريطاني (هنري أوستن) وكان تحت إمرته آمر سرية الحماية (جورج ريد) الذي ساعد النساطرة سياسياً، فأتقن لهجة النساطرة، وترجم كتاب البعثة التبشيرية لرئيس أساقفة كارنتربري للنساطرة، وتم تعيين القس البريطاني (ويگرام) كضابط سياسي، مُهمّته هي حل مشكلة إستيطان النساطرة. إقترح (ويگرام) على رئيس أساقفة كارنتربري إعادة فتح الإرسالية التي توقف نشاطها مؤقتاً بسبب الحرب وأن يكون مقرها في مدينة الموصل، إلا أنّ المندوب السامي البريطاني (برسي كوكس) رفض الفكرة، و تمّ إنهاء خدمات (ويگرام)، حيث أنه ترك العراق في سنة 1922 ميلادية عائداً الى بريطانيا. هناك في بريطانيا، في سنة 1929 ميلادية قام (ويگرام) بإصدار كتابه المعنون (الآشوريون وجيرانهم The Assyrians And Their Neighbours). هكذا فأنّ النساطرة الحاليين في إقليم جنوب كوردستان إنتقلوا إليه من شمال وشرق كوردستان، حيث أنّ الإسم "آثوريين" لم تكن معروفة قبل وصول بعثة رئيس أساقفة كانتربري القس الدكتور (وليم ويگرام) في سنة 1886 ميلادية الى المنطقة التي يعيش فيها النساطرة، فإقترح رئيس أساقفة كانتربري، أن يتم تغيير إسم "النساطرة" الى "آثوريين". لهذا الغرض قام الدكتور (ويگرام) بنشر دعاية واسعة حول التسمية الجديدة للنساطرة عن طريق الكتابة حول هذا الموضوع والقيام بجولات في كوردستان و فتح مدارس فيها للنساطرة (كيوركيس بنيامين: الرئاسة. شيكاغو، 1987).
بعــد إنتهـاء الحـرب العالمية الأولى، واجـه النساطـرة التِياريـين والإنگلـيز مشكلـة كـبيرة، فـالأتـراك لم يسمحوا لهم بالعـودة الى قراهم بسبب تعـاونهم مع الروس ضد الأتراك خلال الحـرب العالمية الأولى، فظـل الإنگلـيز ينفقـون عليهـم من خزانتهــم الخاصة، لأنهــم هـم مَن دفعوهم لمساندة الروس، فبدأ الزعمـاء البريطانيون يبحثون عن إيجـاد حـل لمشكلة النساطرة. الكولونيـل البريطاني (ليجمان) إقترح أن تقوم القوات البريطانيـة بِترحيـل الكورد في إقليم جنوب كوردستان من قـراهـم الواقعة على الشريط الحدودي بين الكيان السياسي العراقي الجديد و"تركيا" عِقاباً للكورد الذين كانوا قد ثاروا ضد الإنگليز، و توطين النساطرة في هذه القرى، حيث أنّ الكورد قـد ثاروا على الإنگلـيز وقتلـوا الحاكمَـين السياسيين الكابـتن (ويلـي) واللفتنانت (مـاك دوگل). وافق الحاكـم البريطانـي العـام في العـراق (ولسـن) على هذا الإقتراح، حيث تم تكليف القس (وليم ويگرام)، الذي كان له خبرة جيدة في شؤون هؤلاء النساطرة، بالإشراف على تنفيذ هذه الخطة (عبد الرزاق الحسني: تأريخ الوزارات العراقية، المجلد الثالث، صفحة 256). أرسـل الحاكـم البريطانـي العـام في العـراق (ولسـن) برقيـة الى وزارة الخارجيـة البريطانيـة ختمهـا بهـذه العبـارة: (بعــد قيــام الثـورة التحريريـة فـي الثلاثـين من حزيـران من عـام 1920، إستعـان الإنگلـيز بِ(2000) من شبـاب الآثوريين لقمـع ثـورة العشـريـن وقتـل قادتهــا، وكـذلك فـي أعمـال التجسس ونحوهــا). يقول المؤرخ (عبدالرزاق الحسني) أيضاً في هامش الصفحة 257 من كتابه المذكور أنّ الإنگليز قاموا بتشكيل فوج عسكري من النساطرة قوامه (2000) شخصاً وأطلقوا عليه (قوات الليڤي)، وتم منح عدد منهم رُتب عسكرية مختلفة، حيث إستعانوا بهم في قمع ثورة العشرين التي إندلعت في العراق ضد الإحتلال البريطاني. بقيت قوات الليڤي حتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، حيث كانت هذه القوات تحرس القواعد والمطارات البريطانية في الموصل والحبانية والبصرة وربما في كركوك أيضاً. يستطرد المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني في حديثه قائلاً بأنّ الإنگليز هم وحدهم فقط يُطلقون على النساطرة إسم (الاثوريين)، بينما الجميع يدعونهم (تِيارية) و لا علاقة عرقية لهؤلاء النساطرة بِآشوريي نينوى، وحتى أنّ التقرير البريطاني الخاص بإدارة العراق يطلق إسم (التِياريين) على مُنتسبي قوات (الليڤــي).
بعد إغتيال البطريرك النسطوري (بنيامين) سنة 1918ميلادية، صعد الشعور القومي للنساطرة وصدقوا فعلاً أنهم آشوريون، وبقي الإنگليز يروَّجون لذلك عبر دوائرهم في العراق، وكان للإنگليز قنصلية في مدينة (ديانا) الواقعة في إقليم جنوب كوردستان، التي ساعدت الآشوريين الجُدد سياسياً وعسكرياً، حيث كانت القنصلية تقوم بترويج كون النساطرة أحفاداً للآشوريين وتزوّدهم بالسلاح.
من جهة أخرى، يذكر الدكتور (أحمد سوسه) في صفحة 596 و597 في كتابه المعنون "العرب واليهود في التاريخ" بأن بعثة إنگليزية جاءت إلى جماعة البطريرك النسطوري "مار شمعون" وحاولت تغيير مذهب هذه الجماعة النسطورية إلى مذهبها البروتستانتي، إلا أنها لم تفلح في مسعاها، ولكنها نجحت في إقناع النسطوريين بأن (النسطورية و النساطرة) لا تُليقان بهم، ومن المفضل تغييرهذين الإسمَين الى (آثور و آثوريين) على التوالي لكي ترفعا من شأنهم في الأوساط العالمية وليُمهّد الطريق لهم للإنتساب إلى الآشوريين القدماء. يستطرد الدكتور (أحمد سوسه) قائلاً أن رئيس البعثة (وليم ويگرام) لم يذخر وسعاً في لعب دور دعائي كبير لِنشر الإسم الجديد الذي أوجده للنساطرة، في الوقت الذي أن هؤلاء النساطرة كانوا يجهلون هذا الإسم الجديد قبل قدوم هؤلاء المبشّرين. يذكر المؤرخ أحمد سوسة أيضاً بأنه في الحقيقة لم يكن النساطرة يعتقدون أنهم منحدرون من الآشوريين القدماء ولم تخطر ببالهم هذه النظرية أو فكّروا بها قبل أن يدخل المُبشّر الانگليزي (ويگرام) بلادهم في أواخر القرن 19 الميلادي، حيث لقَّنهم هذه الفكرة التي جاءت وفق رغبات البطريرك النسطوري الذي كان يطمع بتشكيل دولة آثورية. (أحمد سوسة: ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. بغداد، عمان، 2000، صفحة 61).
#مهدي_كاكه_يي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (3)
-
هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (2)
-
هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (1)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (8) (الحلقة الأخيرة)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (7)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (6)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (5)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (4)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (3)
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (2)
-
كيف إنتقلت اللغة من كوردستان الى الشعوب الناطقة باللغات الهن
...
-
إنبثقت اللغات الهندو – أوروپية من كوردستان
-
تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (1)
-
السبي الآشوري لليهود (4)
-
السبي الآشوري لليهود (3)
-
السبي الآشوري لليهود (2)
-
السبي الآشوري لليهود (1)
-
عراقة عشيرة كاكەيي
-
العلاقات الآشورية - الميتانية (3)
-
العلاقات الآشورية - الميتانية (2)
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|