محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 6194 - 2019 / 4 / 7 - 21:12
المحور:
الادب والفن
على امتداد الشوف كانت نظرته أبعد مما رآه، فقد رآه أقرب إلى الواقع منه إلى خيالاته، هو لايصدق ماذا فعلت به الأيام، ولايعرف على وجه الحقيقة كيف كانت أيامه، فمنذ ترك محيطها الأثير ولاتزال تجذبه إليها أفكاره وذكريات لما تزل تداعب خيالاته بوعد اللقاء وقريب الوعود. تتعجب هى من اللاشئ فى كل شئ يفعله أو لايفعله، فلعلها كانت كما هو كائن وهمى، فلا هى تلك الفتاة الجامعية الجامحة الأفكار، ولا هو عاد ذلك الفارس غريب الأطوار، لقد طوى الزمن البعيد لحظات لقاءاتهما الخاطفة كما طوى البعاد طريقاً كان واصلهما بالزمن. هل تغيب ابتسامتها عن عينيه كلما جاء المغيب، وهل تشرق طلعته على وجهها البرئ كلما رحلت به السنون فى قرارات الذاكرة. هى لاتزال تذكره أول مرة لمست أصابعه أناملها بينما يأخذ بيدها قبل أن تزل قدماها على الطريق الزلق كما أحدثته انهمارات المطر قبالة ممر يؤدى لحديقة عامة كانت خصوصيتها أهم مايميزها. هى حديقة فى مشفى جامعى يتبع كلية الطب حيث كانا يدرسان، هو يسبقها بدفعة واحدة، لكنها على مدارج المعرفة كانت أسبق منه للحياة بدفع كثيرة. سرت فى اناملها قشعريرة خدر لم تعرفها من قبل ودقت نبضات قلبه دقات هزت كل وجدانه، هو كان كثيرا ما يلمحها غادية رائحة فى كل جنبات الكلية المستشفى المكتبة غرفة الطالبات كافيتريا الطلاب وباب المسجد. لم تكن أحلامه ولا خيالاته تذهب به بأبعد من أن يراها، كان يكتفى بذلك، ولذا لم يخطط أبداً أن يتقاطع مع طريقها أو يتقدم إليها بالسلام، لقد كانت بالنسبة له طيف عابر لكنه يذكر أن عبورها حتى فى خيالاته كان له رائحة عطر زهور الزنبق فى بدايات الربيع، وألوان الجلايول فى حدائق رآها على لوحة مفاتيح موبايل أحد أصدقائه، فقرر أن يكتب لنفسه فى مذكراته عنها، لكنه نسى ذات يوم تللك المذكرات فى مكتبة الكلية، عاد يبحث عنها، فلم يجدها، لكن وجدها هى تنظر إليه فى تطلع وتساؤل دفعه خجله ساعتها ألا يسألها هل وجدت مذكرته عنها؟.
هو لايزال يذكر كيف تشبثت أناملها الرقيقة بأصابعه لكأنها تحتمى به من شئ فى مخيلتها، شئ لايراه لكنه أحس أنها تقترب منه أكثر مما قدر للخطوة مسافاتها. فالمسافات عند الوجد أقرب مما هى عند التطلع وأقصر مما هى عند الواقع. فتح عينيه، فإذا هى ليست هنا، وإذا هو ليس هناك، لكن كانت أصابعه تحمل نفس ذلك العطر الذى فاح فى خيالاته كل مرة حلم بلقياها.
فرك عينية يتأكد هل هى هى؟ أم سنة من النوم أخذته إليها، فما عاد من هناك إلا مخدراً بأثر حلم جميل. فراح يكتب ويكتب كلما كتب، وهو كتب كثيراً لكأنها فانتازيا السرد فى لاحكاية فتاة أحبها فى الخيال ولامسها.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟