ندى أسامة ملكاني
الحوار المتمدن-العدد: 6194 - 2019 / 4 / 7 - 10:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
البرادايم "النموذج" في العلوم الاجتماعية ((Paradigm
يعرف النموذج في العلوم الاجتماعبة على أنه النظرة العامة التي تؤسس المعرفة المنتظمة عن الظواهر الاجتماعية، وقد أصبح النموذج في صلب اهتمامات علماء الاجتماع منذ أن نشر توماس كوون (Thomas Kuhn ) كتابة "بنية الثورات العلمية"(The Structure of Scientific Revolutions) في عام 1962.
البراديم "النموذج" في العلوم الاجتماعية هو جملة من الافتراضات والأفكار التي تدور حول العالم الاجتماعي وموقع الأفراد في هذا العالم. انتقال البراديم، هو تعبير مستوحى من نظرية توماس كوون، وقد استعمله كوون للدلالة على تغير الممارسات التجريبية في العلوم الطبيعية، على سبيل المثال، الاعتقاد بدوران الشمس حول الأرض كان نموذجا مهيما إلى أن تم دحضه بإثبات دوران الأرض حول الشمس، ليشكل الأخير نموذجا سائدا بعد أن هيمن النموذج الأول لفترة طويلة .
يستعمل علماء الاجتماع والسياسة مفهوم "انتقال البراديم" للدلالة على الانتقال بالبحث الاجتماعي من المقترب الوضعي الأمبريقي "التجريبي" إلى المدارس مابعد الوضعية في العلوم الاجتماعية والتي أعادت النظر في تفسير ماهية "جوهر" الحقيقة الاجتماعية. بشكل أوسع، يشير تحول البرادم إلى التغير في طريقة مقاربة الظاهرة الاجتماعية والسياسية.
تشكل الافتراضات التي يدور حولها "النموذج" نظرة عامة تحدد أربعة أساسيات مهمة في كل بحث أو نظرية اجتماعية: الأنطولوجيا، الأبستمولوجية، الميثودولوجيا "استراتيجيات البحث"، وطرائق البحث في العلوم الاجتماعية. ما يعني أن انتقال البراديم هو التغير في الأساس الأنطولوجي، والأبستمولوجي، والميثودولوجي وطرائق البحث .
تعني الأنطولوجيا علم أو نظرية الوجود، وهي مشتقة من الكلمتين الأغريقيتين "أنطو"“onto” "لوغوس " “logos.، تشير الأولى إلى "الوجود أو المعنى" وتعني الثانية "العلم أو النظرية". ويتحدد معنى الأنطولوجيا بأن هناك "في الخارج" حقيقة ما تنتظر منا اكتشافها. بينما ترى المدرسة الوضعية أن هذه الحقيقة منفصلة عن الذات البشرية، ترفض المدارس مابعد الوضعية تحليل أي حقيقة اجتماعية دون التأكيد على سياقاتها الاجتماعية، فالحقيقة والمعرفة ليست "هناك في الخارج" إنما الحقيقة هي نتاج تفاعل البشر والمجتمع .
الأبستمولوجية، هي الأساس الثاني لأي نموذج اجتماعي، و وتعود جذورها إلى كلمتين إغريقيتين "أبيستمي "“episteme y” "لوغوس" “logos. وهي بذلك تعني "نظرية أو علم المعرفة" وتدرس أصل وطبيعة وحدود المعرفة. يتحدد السؤال الأبستمولوجي في العلوم الاجتماعية بالكيفية التي نستطيع بها أن نحصل على المعرفة، أي كيف ندرس الحقيقة، لذلك ترتبط الأبستمولوجيا ارتباطا عضويا بالأنطولوجيا، فمثلا حينما يرى الوضعيون بأن الحقيقة هناك في الخارج تنتظر من الباحث أن يفسرها ويكتشفها، فإن الطريقة التي يحددونها هي "ثنائية : الذات – الموضوع"، بمعنى أن اكتشاف الحقيقة يتطلب من الباحث أن يبقى قدر المستطاع بعيدا عنها، يراقبها ليكتشفها دون أي تدخل، وبالمقابل ترفض المدارس مابعد الوضعية فصل الذات عن الموضوع، لتقول إن الحقيقة والمعرفة لا تكتشف بل يتم بناءها وإعطاءها مغزى من قبل البشر. فالحقيقة الاجتماعية، كما ترى مثلا المدرسة التفسيرية، ليست موضوعية بل ذاتية، توجد في مجتوى اجتماعي قيمي وليست شيئا خارجيا فقط.
الميثودولوجيا، هي الاستراتيجيات المتبعة للبحث الاجتماعي ومنه السياسي، يعتمد الوضعيون على المنهج التجريبي، إذ يفترضون أن الظواهر الاجتماعية موجودة في العالم الاجتماعي كما هي في العالم الطبيعي، بشكل منتظم نستطيع أن نضعه بشكل متغيرات، فنختبرها ثم نجعلها قوانين عامة "مثلا العلاقة بين الديمقراطية والتنمية" نختبر هذه العلاقة لنصل لنظرية عامة تحدد العلاقة بين هذين المتغيرين. لكن الاتجاهات مابعد الوضعية ترفض مقاربة الظواهر الاجتماعي كما تقارب الظواهر الطبيعية، فتؤكد على أن للتحريب حدودا عند تطبيقه على العالم الاجتماعي فتهتم بموضوع الدوافع البشرية. فمن الملاحظ أن استراتيجية البحث نتيجة للأساس الأنطولوجي الذي تنطلق منه النظرية.
طرائق البحث هو كيفية جمع المعلومات وتحليلها للوصول إلى نتيجة البحث، وهناك طريقتان : الطريقة الكمية المشتقة من الأبستمولوجيا الوضعية القائلة باستقلال الحقيقة عن الإنسان ، والطريقة الكيفية المشتقة من الأنطولوجيا مابعد الوضعية القائلة بالتفاعل مابين الذات والموضوع، فالطريقة الكمية تعتمدعلى قياس الظاهرة بالأرقام والتعبير عنها بلغة الرياضيات، بينما تهتم الطرق الكيفية بآراء وقيم أفراد المجتمع (دراسة الحالة، المقابلات مثلا) . العلوم الاجتماعية اليوم تجمع الطريقتين معا للوصول إلى معرفة أعمق وأكثر دقة.
ما أهمية كل هذا الشرح؟
إن علمية العلوم الاجتماعية تكمن في استراتيجية البحث المتبعة أي منهجيته "Methodology “وهي بدورها لا تنفصل عن، بل مشتقة من الأنطولوجيا والأبستمولوجيا. سواء أكان الباحث واعيا أم غير واع فهو لديه فكرة أنطولوجية عن العالم. كما أن الأسس الأنطولوجية والأبستمولوجية والميثودولوجبة وطرائق البحث كلها تؤلف نموذجا "براديم". قيل إن التنجيم ليس علما ليس لأنه يدرس موضوعا غير علمي ، بل لأن الطريقة المتبعة ليست علمية. إن الاختلاف بين الوضعية وما بعد الوضعية ليس اختلافا في طبيعة المواضيع موضع البحث بل يكمن في كيفية دراستها.
المراجع
1. Fred Rush , The Cambridge Companion to Critical Theory ( Cambridge: Cambridge Universty Press, 2006), 7.
2. A Review of Critica Social Research, by Lee Harvey (London, Unwin Hyman, 1990), Quality Research International (May 9, 2011), Accessed March 15, 2017, url: file:///C:/Users/Asus1/Desktop/CSR%20Basics%20(1990%20published%20original%20version)%20(1).pdf .
3. Egon G. Gupa and Yvonn AS. Lincoln, “Competing Paradigms in Qualitative Research,” in Handbook of qualitative research, NormanK.Denzin Yvonnas. Lincoln , eds. (Thousand Oaks: Sage, 1994), 105-117.
4. David E. Gray, Doing research in The Real World (UK: University of Greenwich, 2017), 20.
5. Donatella Della Porta and Michael Keating, Approaches and Methodologies in The Social Sciences: A Pluralistic Perspective ( Cambridge: Cambridge University Press, 2008),23.
#ندى_أسامة_ملكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟