|
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 92)
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 13:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
و بهذا الشكل ان انتقاد السجستاني ليس بانتقاد لشخص يكون ضد الفلسفة و الحركة العقلانية الاسلامية بقدر انه انتقاد لشخص صاحب منظور و رؤية منطقية و فلسفية خاصة، و هو اكثر ميلانا الى الدين و المعطيات الدينية. بمعنى اخر، ان السجستاني و من منظور علماني و ضد الغنوصية لم ينتقد محاولة مزج الفلسفة و الشريعة العربية ( بلهجة التوحيدي)، كما انتقد الجابري، و انما بعكسه انه فصل في ذلك بين البعد القيمي بين الاثنين، و بدون شك انه عبارة عن منح قيمة مقدسة و عالية للشريعة و اظهار الفلسفة كنشاط انساني غير مقدس (30). و على علمي ان الثقافة الاسلامية و في اطار الحوارات فيما يخص علاقة الفلسفة و الشريعة و خلطهما، فان للسجستاني توجه خاص و مختلف لهم جميعا، و هو في فحواه عبارة عن اول نظرة للفلسفة و رفض احتياج الشريعة اليها، و في الوقت نفسه كان هو شخصا فلسفيا و مهتما بهذا العلم بشكل خاص و كما يظهر في كتابه المشهور ( صوان الحكمة). عدا ذلك ان التوحيدي بنفسه في النهاية وفي مدحه للسجستاني يقول؛ انه كان شخصا فصّل الشريعة عن الفلسفة، بعد ان شجع بان يؤخذ الاثنتين معا و هذا كما هو الظاهر و كانه متناقض و مخالف (32). نهاية هذا التعريف للتوحيدي يحمل جزء من جواب لذلك السؤال، ان فكر السجستاني يعود الى اية مدرسة، عقلية ام نقلية ؟ لانه كان له خلاف باطني و اعتبر انه كان الاثنين معا و بدون اي تلاعب و انما بالتاثير لكل منهما على البعض، و بعد ان حصلنا على جواب لذلك، انه على اي اشياء بين موقفه هذا، بدون شك انه من ميله و تاييده لنظرته الدونية الى الفلسفة كقمة النشاط العقلاني امام الشريعة و التي هي اكبر معطاة نقلي.. محاولات تفلسف الدين و الشريعة، عدا ما هي فيه من الناحية النظرية من المشاكل فانها في جوهرها و بنيادها يصل لحد الخلافات وكما يقول التوحيدي، و لكن في الحقيقة ان المسلمين في المراحل المختلفة تمكنوا من ان يخطوا خطوات كبيرة في هذا المجال و بالاخص في القرن الرابع الهجري. و هنا من الاهم ان نعلم ان مفهوم ( الفلسفة) عند كتاب هذه الرسائل يختلف عن مفهوم الفلسفة عند شخص اخر كابن الرشد. انه صحيح ان الاثنين معروفان من زاوية محاولة معرفة و تركيب الدين بالفلسفة، و لكن رسائل اخوان الصفاء تُفسر من زاوية الباطنية بينما يفسرها ابن الرشد من الرؤية المشائية الارسطوية. انها ملاحظة علمية نتعلمها من شخصية فلسفية و باحث ثقافي اسلامي وهو ( د . حسين نصر). انه في احد بحوثه حول (رسائل اخوان الصفاء: الهوية و المحتوى) يقول ان راي اكثرية الذين بحثوا حول رسائل اخوان الصفاء كان هدفهم المعرهو جمع الدين و الفلسفة (32). و لكن هدفهم المختلف الذي يفصلهم عن الاخرين، ابن الرشد كنموذج، وهو عبارة عن استخدام كلمة الحكمة عوضا عن الفلسفة، و وفق فهمهم ان الحكمة لها العلاقة بالمعرفة الالهية و ليس العمل الفلسفي كفعل عقلاني ارسطوي. بمعنى اخر، ان الحكمة هي طريق التقارب من مصدر الهي للمعرفة و الاستعلاء عن الارض الى مستوى السمو النزيه. و بهذا الشكل، يكون هدف الفلسفة هو التنزيه الى ان يصبح الانسان كالملائكة. و بهذا الشكل، ان اهتمام اخوان الصفاء الكبير بالفلسفة يتركز في ذلك الجزء الذي له علاقة بالجانب الباطني للفلسفة، و هو الجزء الروحاني منها ( 33). باختصار ان الفلسفة عند اخوان الصفاء هو طريق للفهم و التدقيق في الجانب الروحاني و المجهول للنص المقدس، وهي المواد التي بواسطتها يمكن ان نعمل ذلك. لذا تُعتبرالفلسفة منهج عقلي لفهم الدين ( 34). بمعنى اخر، انهم ينظرون الى الوجود والله بشكل هرمسي و افلوطيني و فيثاغورثي و السيماء الرئيسي لهم جميعا عبارة عن ان الدنيا سجن الروح و المعرفة الباطنية هي طريق لتحريرها. وهذه هي السيماء الرئيسي لفلسفتهم، و هي توجه تلفيقي (35) و ان فحواها و الهدف المنهجي لها هو ؛ كل شيء مؤقت و مباد في هذا العالم هو اشارة الى شيء اخر في عالم اخر (36). عند هؤلاء ان العلوم الدينية على نوعين، احدهما معلوم و ظاهري او عرضي، و الاخر مجهول و باطني، اولهما كما هو علم الشريعة و الاخر الذي يفيد الشخصيات الخاصة الذين نضجوا في الحكمة و التعمق في العلوم... ان هذا هو العجيب في السر الديني و فحوى الاشياء المجهولة و الجواهر السرية، الذي لم تصل اليها يد احد الا هؤلاء الذين هم نزهاء من قاذورة الرغبات ( 37). بمعنى اخر ان اهتمام هؤلاء بهذا التقرب من العلاقة بالعقيدة، اي الجانب الباطني للاسلام وليس الشريعة التي هي الجانب المعلوم و العلني منه، لذا انهم لم يبحثوا وراء الاثبات الفلسفي للعقائد الدينية و انما وراء منح المعنى الروحاني و الباطني للوجود. و لهذا السبب ايضا ان تلك الرسائل كانت مصدرا رئيسيا لكافة المجموعات الباطنية، مع الاسماعيلية و الصوفية ايضا. و في الوقت نفسه، من جانب تركيب الدين و الفلسفة ايضا كانت مختلفة عن جميع محاولات اخرين كالكندي و الفرابي و ابن الرشد، و كما نبحثه فيما بعد. و لكن ان اردنا ان نحدد اول محاولة جدية فلسفية لبيان الفلسفة و المعرفة و العلم، كالنبي و الشرائع، في الوقت نفسه هو تصور دور هذين في المجتمع و السياسة بشكل مشابه، و بدون شك يجب ان نعود الى الفارابي الذي براي احد الباحثين الاكثر شهرة للفلسفة الفارابية ان توجه الفارابي حول النبوة اهم جزء لفلسفته، و ايضا بهذا التحليل و التفسير للمعرفة و الانبياء و مقارنته بالفلاسفة، اصبح هو صاحب اول محاولة جدية لتلائم الفلسفة و الشريعة ( 38). ان ارضية نظرية الفارابي حول النبوة لها علاقة مباشرة بالفضاء الفكري التي كانت في عصره، في ذلك العصر كانت فكرة النبوة في الثقافة الاسلامية محل الحوارات و المشاكل الفكرية الكبيرة، ويكون هذا باتجاهين مختلفين، احدهما كانت تلك الحوارات التي لها علاقة بحقيقة و عدم حقيقة النبي الاسلامي، و الثاني هو الحوارات و التفسيرات الاسلامية المختلفة لمجموعة من المواضيع التي لها العلاقة بالنبي.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (91)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (90)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (89)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 88)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (87)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 86)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (85 )
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (84)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (83)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 82)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 81)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (79)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 79)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 78)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 77)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (76)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (75)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (74)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (73)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (72)
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|