|
قصة مخطوطات قمران - مخطوطات البحر الميت
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 6188 - 2019 / 4 / 1 - 12:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كان أول فعلٍ قامت به إسرائيل إبان حرب حزيران 1967، استيلاؤها على مخطوطات البحر الميت؛ فأول مبنى اهتمت بالسيطرة عليه هو متحف الآثار الفلسطيني "روكفلر"، الذي كان يضم مجموعة من تلك المخطوطات، وفي اليوم التالي (7 حزيران)، اقتحمت دورية إسرائيلية منزل تاجر من بيت لحم، ودخلت غرفة نومه، وأخذت المخطوطة التي كان يحتفظ بها في علبة أحذية..
قال عنها عالم الآثار الأمريكي "أولبرايت" إنها أهم اكتشاف تاريخي في القرن العشرين.. كما اهتم بها علماء اللاهوت المسيحيون بشكل كبير، وقد احتجوا على إسرائيل لإخفائها تلك المخطوطات، ليس فقط من باب التشوق العلمي؛ ولكن لظنهم أنها تحتوي على ما يدعم العقيدة المسيحية، أي ما ينص على ألوهية يسوع الناصري، فضغطوا على إسرائيل للإفراج عنها.. كما روّج علماء مسلمون أن تلك الوثائق تؤكد أن اليهودية والمسيحية الحاليتين، مجرد هرطقات، وتحريف لما كان موجودا زمن المسيح..
وقد ظلت تلك المخطوطات محاطة بالسرية والكتمان، حتى أفرج عنها في العام 2001، وهنالك مئات المقالات والدراسات والأفلام الوثائقية التي تحدثت عنها، وأعتقد أن أفضل من تناول الموضوع بمنهج أكاديمي صارم، وقدّمه بوضوح هو الدكتور عمر الغول..
تبدأ قصة المخطوطات قبل نحو ألفي سنة، في منطقة قمران على الساحل الغربي للبحر الميت، حين خبّأ رهبانٌ كومة أوراق في جرار فخارية في أحد عشر كهفا.. ولحسن الحظ، بسبب وعورة المنطقة وانعزالها لم يعثر أحد عليها كل هذي السنين.. وفي عام 1947، يعثر راعي تعمري في أحد الكهوف على بعض تلك المخطوطات، فيبيعها بثمن بخس لأحد تجار التحف (كل سنتمتر بدينار)، الذي يقوم في العام التالي ببيع جزء منها، فيما يهرّب مطران السريان أربع مخطوطات إلى أمريكا، ليشتريها أستاذ في الجامعة العبرية بربع مليون دولار، وهكذا تصبح سبع مخطوطات (من أصل 11) في قبضة الجامعة العبرية، التي ستبني لها متحفا خاصا (معبد الكتاب).
تحتج الأردن عند الخارجية الأمريكية، وتطالب بالمخطوطات باعتبارها ملكاً لها، ولأنها هُـرِّبت من الأردن أثناء فترة حكمها للضفة الغربية.
بعد ذلك، تستمر الأردن وإسرائيل (وعشرات المنقبين) بالبحث والتنقيب في تلك المنطقة من (1949~1956)، فيكتشفوا مئات الكهوف، ولكن دون العثور على شيء جديد.
بقي عند التاجر التلحمي "المخطوطة الثامنة"، وهي الأهم، طولها 11 متر، سليمة تماما، وقد خبأها فوق خزانته في منزله ببيت لحم. (وقد استولى عليها الإسرائيليون كما ذكرنا).
شكلت الأردن فريقا دوليا لدراسة ونشر المخطوطات، على نفقة المتحف الفلسطيني، وكان تقدير المتحف أن الموضوع سيحتاج سنتين.. ولكن بعد اكتشاف الكهف الرابع تأخر النشر، حيث ضم الكهف حوالي 15 ألف جذاذة، ومشكلتها أنها لم تكن محفوظة في جرار، وهذه تحتاج وقتا أطول بكثير، في تلك الفترة يكون المتحف قد أنفق كل ما لديه، حتى أفلس، وفي عام 1966 تدعم الحكومة الأردنية المتحف بمبلغ 15 ألف دينار.. بيد أن نكسة حزيران ستغير كل شيء؛ حيث تستولي إسرائيل على المتحف، لكن مدير المتحف حينها "عاصم برغوثي" يمنع الجنود من لمس المخطوطات..
أخذت إسرائيل تفاوض الفريق الدولي للسماح لها بالمشاركة في دراسة المخطوطات حتى العام 1970، حيث توفي رئيس الفريق الذي ظل رافضا مشاركة أي باحث إسرائيلي، ولكن في الثمانينات يسمح الفريق لباحثين يهود (غير إسرائيليين) بالمشاركة في دراسة المخطوطات. ولكن في المقابل رفضت إسرائيل السماح لأي باحث (غير الفريق الدولي) بمشاهدة حتى جذاذة واحدة من المخطوطات، حتى العام 1990. ففي تلك السنة تدبر إسرائيل مكيدة لرئيس الفريق، وتعزله، وتعين إسرائيليا بدلا منه، وتخصص فريقا من 150 باحثا، جلهم من الإسرائيليين مع موازنة ضخمة.
بعد خمسين سنة من الدراسة والتحليل، تسمح إسرائيل بنشر المخطوطات (2001)، وتستمر بالنشر حتى العام 2009، حيث لم يتبق أي مخطوطة دون نشر، وقد تم جمعها في 41 مجلدا ضخما (موجود نسخة منها في مكتبة الفريق الأردني لمخطوطات البحر الميت، جامعة اليرموك).
في العام 2010 تنقل إسرائيل المخطوطات من متحف الآثار الفلسطيني، إلى متحف معبد الكتاب في القدس الغربية، وهو عمل مخالف للقانون الدولي. وهكذا تكون المخطوطات الثمانية بقبضة الاحتلال الإسرائيلي. وبقي جزء من المخطوطات في متحف أردني بجبل القلعة في عمّان. ما هي تلك المخطوطات؟ وما مدى أهميتها؟
تتكون مخطوطات قمران من نحو 1000 مخطوطة، تضم 32 ألف جذاذة، أكثرها على الرق، وبعضها على البردي، ونص وحيد على النحاس، يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الثالث ق.م، وحتى 70 ميلادي.
أهميتها أنها أقدم نص تاريخي، وجد بصيغته الأصلية، في فترة من أهم فترات تكون الديانات الإبراهيمية الثلاث. وأهميتها من حيث الشكل: اللغة التي كتبت بها؛ حوالي 80% باللغة العبرية، 20% بالآرامية، واليونانية.. من حيث المضمون (25% من المخطوطات هي العهد القديم) والباقي مواضيع متنوعة، بحيث أنه لا يمكن أن تصدر عن جماعة واحدة، بل هي عمل ثقافي متعدد، ممتد على مئات السنين، لا تجمعه وحدة فكرية متناسقة، وربع المخطوطات تتحدث عن جماعة دينية تطهرية، تؤمن بفكرة الخلاص والمسيح المنتظر.
ولفهم أهميتها، علينا العودة بالزمن إلى العام 100 ميلادي، حين عُقد مؤتمر "انجامينا"، جنوب فلسطين، حينها تم الاتفاق على اعتبار العهد القديم نصا مقدسا ثابتا رفع عنه القلم، ولم يسمح لأحد بعد ذلك بإضافة أو حذف أو تعديل حرفا واحدة من العهد القديم.. أي أن فترة كتابة المخطوطات هي الفترة التي كان يسمح للكهنة بتعديل بعض كلمات التوراة أو بالشرح والإضافة.. وحيث أنه لا توجد أي مخطوطة أصلية من العهد القديم، قبل سنة 1100 ميلادي، وبالتالي فإن مخطوطات قمران أول نص أصلي للعهد القديم. وهنا تكمن أهميتها، حيث تم مقارنتها مع التوراة الحالية، فظهر أن مجموع الاختلافات ما بين التوراة (التي بين أيدينا اليوم) وبين المخطوطات بلغ 5120 اختلافا (ما بين نقطة، حرف، كلمة، جملة..) وهذه الفروقات تعد طفيفة، لا تتجاوز ال 10%، وبالتالي نسبة التطابق تصل إلى 90%، أي أن العهد القديم استقر في بنائه بحدود القرن الثالث قبل الميلاد.
من محاضرة عن "مخطوطات البحر الميت"، قدمها د. عمر الغول، بدعوة من الجمعية الفلسفية الأردنية، وبثتها قناة الفينيق.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل اسمه خوسيه موخيكا
-
سفّاح نيوزيلندا
-
عقلية المؤامرة
-
نيجيريا، والفرص الإفريقية الضائعة
-
النوم سنة كاملة
-
عن الخلافة العثمانية
-
لعنة البترول، في فنزويلا والعراق
-
هل من حرب على الإسلام؟
-
إسرائيل، والصراع على هوية الدولة والمجتمع - دراسة بحثية
-
الثقافة السمعية
-
علوم زائفة
-
حُراس الفضيلة، وفستان رانيا يوسف
-
الغضب المقدس
-
المواطن المستقر
-
خوف الطغاة من الأغنيات
-
إعدام ميت
-
الأصوليّة الإسلامويّة الجديدة - تأملات في فكر وممارسات قوى ا
...
-
الفقر، والانفجارات الشعبية في العراق
-
بوح واعترافات شخصية
-
وما زال حرق النساء مستمرا
المزيد.....
-
حصلت عليها CNN.. رسالة تحذير مجهولة للأمريكيين كتبها عميل بم
...
-
-حماس- تُعلن أسماء الرهائن الذين ستُفرج عنهم السبت
-
-حزب الله- يصدر بيانا عن -مشروع خطير- أطلقه ترامب
-
العالم المصري ماهر القاضي ضمن 10 قادة مؤثرين في العالم
-
تفاصيل جديدة عن اغتيال نصر الله و -بيجر ذهبي- هدية من نتانيا
...
-
-يجب أن نروي القصة للعالم-.. مسؤول أممي يزور مخيم جباليا ويش
...
-
حديقةٌ أم جحرُ أفاعٍ؟ أسترالي يعثر على 100 ثعبان سام في فناء
...
-
شولتس يؤكد للشرع استعداد ألمانيا للمساعدة في إعادة إعمار سور
...
-
لبنان.. مسيرات احتجاجية رفضا لتصريحات نائبة المعبوث الأمريكي
...
-
الخارجية الروسية تتخذ إجراء جوابيا ضد باريس بسبب صحفي -كومسو
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|