أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهند طلال الاخرس - يهوذا الاسخريوطي والزواف















المزيد.....


يهوذا الاسخريوطي والزواف


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 15:30
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


احب من الادب ما يحكي ويؤرخ لتراث هذه الارض ويعزز هويتها بشرقها وغربها بعجرها وبجرها ويربطك بها اكثر ويجبلك بطينها بحيث تتمرغ بترابه ولا تغبر وتنهمر عليك امطاره ولا تبتل...
احب من الادب ما يوسع المدارك ويفتح الافق ويطرح الاسئلة ويحث على المعرفة بل ويحرض عليها...
ولأني في رواية اخرى أؤمن بما قاله الشاعر الكبير محمود درويش:" من يكتب حكايته يرث ارض الكلام، ويملك المعنى"؛ في هذا السياق جائت رواية الاديب الجزائري مسالك الخيبة، فقد جاء الأديب الجزائري واسيني الأعرج على ذكر الزواف واحتلالهم لمدينة معسكر وما فعلوه بأهلها في روايته سالفة الذكر عبر الصفحات 5-8.

حيث قال:" ( عندما اقتحمت أولى طلائع كلوزيل المدينة الخالية من السكان يتقدمها الزواف بسيوفهم وبنادقهم الطويلة ، كانت معسكر قد أخليت عن آخرها حتى من قططها وكلابها التي اعتادت أن تملأ شوارعها في أوقات القيلولة صيفا أو الزوايا والأماكن الخالية شتاء. احتلت الفيالق الأولى البيوتات التي بقيت واقفة أو بها بعض الأغطية لتفادي قسوة البرد والأمطار والثلوج التي كانت تخترق العظام كالإبر .

لاحظ الجنرال كلوزل وضباطه الحالة التي كانت توجد عليها المدينة فحاولا أن يرتبوا أمورهم في انتظار الصباح الذي لم تبق له إلا بعض الساعات . في الفجر الأول عندما استيقظ القبطان شونقارنييه بعد اغفاءة خفيفة ، وبدأ يعبر الشوارع التي كستها أغلفة بيضاء من المطر ، اكتشف فجأة أمامه مدينة منكسرة عن آخرها . أهم ما بقي فيها واقفا ، مسجدها الموريسكي الذي قضت فيه إحدى كتائبه ليلتها الأولى في المدينة الخالية ، والبيوتات الأندلسية القديمة التي نجت من النار إذ بقيت بزرابيها ولم يتجرأ أحد على نهبها أو إخلائها من أغطيتها . واكتشف ما دمرته فلول الزواف الذين كانوا أول من دخل المدينة من ناحية المقبرة ، فكسرت كل المنحوتات الرخامية ذات الأحجام المتنوعة الكثيرة التي على الشواهد أو على القبور .)

لا اخفي حبي لواسيني الاعرج ولكل ما يكتب، لكن ما احببته في هذه الرواية هو قدرة الكاتب على ان يكون رسولا لوطنه وسفيرا لاحلامه وآماله وسادنا امينا ومحبا له حتى وان جارت عليه الايام والازمان.
ومن عجائب هذه القدرة لدى الكاتب ان الدول على اختلافها لا تستطيع كتابة تاريخها بصدق لكن الراوي الصادق والمنتمي يعيد كتابة التاريخ بعجره وبجره وبدون مواربة وان كانت فيه حقائق صادمة.

ومن هذه الحقائق الصادمة الواردة في الرواية حديثها عن الزواف وافعالهم الشنيعة بالبشر و والشجر والطير والحجر وحتى بالخوابي وقن الدجاج، ولأن علاقتي بقن الدجاج والخوابي مرتبطة بما علق في ذاكرتي من جدي المرحوم عمر الاخرس عن ذكريات الوطن المكلوم(فلسطين) وتلك السيرة الحية التي مازالت تجلل ذكرياتنا حتى وان طال زمان الوصل بها، إلا ان قصة الزواف في الرواية حفزتني لابحث واستزيد لعلي ابلغ من لدني امرا يرشدني في حيرتي ويجيب عن اصعب اسئلتي؛ كيف يصبح الانسان زوافا؟

رددت سؤالي هذا لصديق عتيد، فكان ان جاوبني من هو او من هم الزواف ابتداء؟ في معرض اجابتي من هو الزواف ابتداءً عادت بي الذاكرة الى مهدها والى اول قصص العمالة والخيانة التي خبرتها، فكان ان اسعفتني الذاكرة بالقصة التي يصح معها ان نتعرف من خلالها على تاريخ ميلاد الخيانة وهي القصة الشائعة بقصة يهوذا الاسخريوطي ...

عادة ما نتذكر يهوذا ابن سمعان الإسخريوطي بشيء واحد: خيانته للمسيح. حيث كان واحداً من الإثني عشر تلميذاً الذين عاشوا مع المسيح وساروا معه مدة ثلاث سنين. وقد كان شاهداً على خدمة المسيح وتعليمه ومعجزاته الكثيرة. وكان هو المؤتمن على الصندوق وإستغل ذلك للسرقة من الأموال (يوحنا 12: 6).

كان المال مهماً بالنسبة ليهوذا. اذ كان لصاً ، وبحسب ما جاء في إنجيل متى 26: 14-15 دفع له رؤساء الكهنة "ثلاثين من الفضة" لكي يسلمهم الرب.

عرف المسيح من البداية ما سيفعله يهوذا الإسخريوطي. حيث قال يسوع لتلاميذه: "أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ الاِثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!" (يوحنا 6: 70). وفي العشاء الأخير، تنبأ المسيح بأنه سوف يسلم لأعدائه، وحدد من الذي سوف يسلمه: "أَجَابَ يَسُوعُ: هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ. فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ" (يوحنا 13: 26).

قال يسوع أن يهوذا الإسخريوطي لم يكن "طاهراً"، أي أنه لم يولد ثانية ولم تغفر له خطاياه (يوحنا 13: 10-11). في الواقع، كان الشيطان نفسه هو الذي مكَّن يهوذا أن يقوم بما فعله: "فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ" (يوحنا 13: 27).

لم يكن التلاميذ الآخرين مدركين أن يهوذا الإسخريوطي كان يفكر بالخيانة. عندما ذكر المسيح وجود خائن في وسطهم، قلق التلاميذ الآخرين من أن يكونوا هم من ليسوا أوفياء له (يوحنا 13: 22). لم يشك أحد في يهوذا. كان واحداً من الإثني عشر الموثوق بهم. وحتى عندما قال المسيح ليهوذا: "مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ" (يوحنا 13: 27)، وترك يهوذا العشاء الأخير، إعتقد الآخرين الموجودين على المائدة أن المسيح ببساطة أرسل يهوذا ليبتاع المزيد من الطعام أو أن يعطي شيئاً للفقراء (الآيات 28-29).

سلّم يهوذا المسيح بقبلة، مما يتفق مع وقاحة إزدواجيته (لوقا 22: 47-48). وبعد أن إرتكب يهوذا فعله الشائن "نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ" (متى 27: 3). ولكننا نعلم أن الندم ليس هو التوبة – فبدلاً من أن يصلح ما فعله أو يطلب الغفران "مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ" (متى 27: 5).

يقول إنجيل متى 27: 6-8 أن رؤساء الكهنة أخذوا "ثمن الدم" من يهوذا وإشتروا حقل الفخاري كمكان لدفن الغرباء (وبهذا تحققت نبوة زكريا 11: 12-13). ويكمل أعمال الرسل 1: 18-19 قصة ما حدث بعد موت يهوذا، ويقدم لنا المزيد من المعلومات. يقول لوقا: "فَإِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ: حَقْلَ دَمٍ)." فالمعلومة التي يضيفها لنا لوقا هنا هي أنه بعد أن خنق يهوذا نفسه، سقطت جثته في نفس الحقل الذي إشتراه بأجرة الظلم.

عند استرجاع ما تحفل به الذاكرة من خيبات الامم والاوطان تبوح الذاكرة وتجود وتفيض عن حاجتنا ومقدرتنا على التحمل والاستذكار، لكن لعل اهمها واكثرها وجعا هو اكثرها قدرة على الاستحضار رغم عطب الذاكرة في احيانا كثيرة..

بعد استحضار قصة يهوذا الاسخريوطي عرف صديقي العتيد المعنى المراد من الزواف، لكن بقي ان يعرف هو وانا من هم الزواف وماهي قصتهم؟ فكان ان وجدنا ضالتنا عند صديقنا المشترك والذي نتنازع حبه ووده نبيل بدران، ونبيل ودود بطبعه عنيف بحبه للجزائر وتاريخها، كيف لا وهي مخولة ابنائه هادي ومريم، فمنها نهل وتعلم ومنها احب وتزوج، ونبيل رفيق العُمر وشريك الفكرة لا يبخل عند الحديث عن الجزائر فعادته هنا ككل اقرانه من جموع الشعب الفلسطيني فجلهم ان سألته عن الجزائر أسهب واطنب وامال الرأس وتأوه واغمض العينيين واجاب بإسهاب:

كانت الجزائر تحت عين الغزاة ومطمعهم اذ فشلت فرنسا في إحتلال الجزائر في مرات كثيرة سابقة وكانت آمالها وطموحاتها تتحطم عند ارادة الشعب الجزائري الحر ووحدته، ولم تتمكن فرنسا من احتلال الجزائر إلا عندما كسرت هذه الارادة وهذه الوحدة، حيث وجدت فرنسا الشرخ الذي يمكنها من ان تنسل بين صفوف الشعب الجزائري وتكسر ارادته وتفتت عضده ووحدته، ونجحت في ذلك حينما استعملت جيش من المرتزقة الجزائريين المحليين ( جيش الزوافا ).

حيث تشير جميع المصادر الفرنسية المؤرخة للفترة الأولى لإستعمار الجزائر بالدور الكبير والجبار الذي قام به جيش آخر محلي من أبناء البلد الأصليين يدعى جيش الزواف المتحالف مع الجيش الفرنسي في إحتلال و إخضاع مختلف مدن ومناطق الجزائر لفرنسا وفي ارتكاب فضائع الإبادة الجماعية والتصفية العرقية وفي بناء الجزائر الفرنسية.

وحسب الأرشيف الفرنسي فإن جيش الزوافا قد تشكل رسميا بتاريخ 15 أوت 1830 أي بعد شهر واحد فقط من سقوط العاصمة بيد الفرنسيين فهو يعتبر بذلك أول جيش من المرتزقة –الخونة– الجزائريين الذين باعوا ذمتهم للمحتل – فرنسا وخانوا الجزائر ، وكان مكونا في بدايته من ألفين من الجنود ينحدرون من قبيلة زواوة تحت قيادة ( الحاج عبد الرحمان هني و كلونال يوسف ) ثم اتسع عددهم ليصل إلى 15 ألف جندي ينحدرون جُلهم من قبيلة الزواوا المنتشرة في تيزي وزو ومعظم مناطق القبائل الصغرى ومن إسم هذه القبيلة أشتقت تسمية هذا الجيش المحلي ( زوافا = زواوا ) وهي كلمة مشتقة من إسم قبيلة أمازيغية في منطقة القبائل
( قبيلة زواوة وتنطق أيضا زواغة = التسمية القديمة لسكان منطقة القبائل )، والزوافا كلمة فرنسية محرفة لاسم قبيلة أمازيغية ( زواوا) .

إستغلت فرنسا حالة العداء التي كانت بين إمارة كوكو في منطقة قبايل وهي إمارة شبه مستقلة ، مع الكراغلة ( مصطلح يطلق على الجزائريين ذو الأصول العثمانية ) والسلطة التركية العثمانية التي كانت تحكم الجزائر ، وهو عداء تاريخي كان قائما على النفوذ والسلطة في منطقة زواوا ( القبائل اليوم ) ، ولكن الحقيقة هي أن السلطة العثمانية هي أول من شكل النواة الأولى لما عرف في عهد الاستعمار الفرنسي بالزواف ، فالأتراك هم من أنشؤوها ودربوها وكانوا يخوضون بهم حروبا بالوكالة ، فكتائب الزواف كانت موجودة في عهد الأتراك قبل قدوم الفرنسيين بشكل آخر والفرنسييون هم من قاموا بتحويلها إلى نخبة عسكرية لاحتلال باقي مناطق الجزائر ، كانت النواة الأولى من الزواف قد تشكلت بأمر من الحكام العثمانيين للجزائر وأوكلت لهم السلطات العثمانية مهمة جمع الضرائب وجباية المكوس داخل اقليمهم أي داخل قبيلة (زواوا – زواغا) وهي سياسية كانت تتبعها الدولة العثمانية في تسيير شؤون مختلف القبائل الجزائرية (عربية أو أمازيغية ) مع اختلاف بسيط وهو أن الأتراك استعملوا الزواف في حروبهم خارج الجزائر حيث تشهد بذلك الوثائق الإسبانية في احتلال تونس حيث لاحظ الاسبان تواجد الزواف مع الأتراك.

لاحظ الفرنسيون وجود هذا التشكيل فحاولوا استغلاله وإعطائه بُعد عسكري لاستعماله لاحقا إحتلال الجزائر و في بسط نفوذهم على باقي المناطق الجزائرية (أي استعماله خارج منطقة زواوا) ، وقد تواصلوا سرا مع قائدين مهمين للزواف وكان ذلك قبل احتلال الجزائر من خلال لقاءات سرية تمت بين الفرنسيين وشيوخ الزواف، حيث كان فيها ممثل الزواف كل من ( الحاج عبد الرحمان هني شيخ قبيلة زواوة وكلونال يوسف رئيس كتبية الزواف العثمانية ) في مقر القنصيلة الفرنسية في تونس وعرضا خدمتهما على الفرنسيين ( واتفقوا على : خيانتهم للأتراك إذا ما قررت فرنسا احتلال الجزائر، حالهم في ذلك كحال الهاشميين في الحجاز والمشرق العربي ) وجرت بينهما معاهدة تم بموجبها التعهد بإمداد فرنسا بدفعة أولى مقدارها 2000 مقاتل من قبيلة زواوة الأمازيغية شرق الجزائر العاصمة ووصلت أول دفعة في شهر أوت (شهر واحد بعد احتلال العاصمة ) وانضمت لاحقا دفعات اخرى استنادا على الاتفاقية الموقعة بين فرنسا والشيخ عبد الرحمان هني الزواوي شيخ قبيلة زواوا الأمازيغية في تيزي وزوا.

ثم بعد احتلال الجزائر قررت فرنسا تنظيمهم في جيش رديف بتنظيم عسكري حديث خصوصا بعد خدماتهم العسكرية التي يصفهما الفرنسيون بالرائعة ولولاها لما استطاعت فرنسا احتلال مدن متيجة ( البليدة العفرون موزاية بوفاريك ) ومدن التيطيري ( المدية ) وبعد ما شاهده الجنرال الفرنسي كلوزيل في معركته ضد باي التيطري التي ساعده فيها الزواف ، فقرر التركيز عليهم وتنظيمهم عسكريا بعقيدة فرنسية فأمر عليهم كلونولات فرنسيين وجعل لهم لباس موحد وهو الأمر الذي نُفذ حرفيا ، ففي 31 مار س 1831 قامت السلطات الفرنسية بإعادة هيكلة الزوافا الزواويين في فيلقين كبيرين بعد تأهيلهم حربيا ونفسيا من طرف الضباط الفرنسيين على عقيدة عسكرية لإستعمار باقي مناطق الجزائر وتخليصها من الحكم العثماني بإسم السلطة الجديدة ( السلطة الفرنسية ).

كما شكلت منهم جيش ثالث كانت سمعته سيئة هو الأخر ، سمته بـ ( الصيادون الجزائريون ) الذي عرف لاحقا ( بالصيادون الافارقة ) وهو ميليشيا عسكرية جديدة استعملتها فرنسا في حروبها داخل وخارج الجزائر ( وهي ميليشية مكونة أساسا من الزواف ).

وقد لخص المؤرخ الفرنسي هنري أوكابيتان ، المهام المنوطة بالزواف في كتابه الشهير ( القبايل و إحتلال الجزائر ) وهو كتاب خطير يوضح فيه كيف تمكنت فرنسا من إستعمال فئة من الشعب الجزائري ( القبايل) لاحتلال الجزائر ككل.

وفي سنة 1837 ، وفي ظل انتصارات هذا الجيش الموازي للفرنسيين والمساند لهم ( جيش الزوافا ) تشكل جيش من شباب القبائل العربية في الغرب الجزائر والكثير من الأندلسيون سكان المدن و الكراغلة العثمانيين الفارين من المدية ، حيث وحدوا صفوفهم وواجهوا جيش الزواف في واد التافنة فأحدثوا فيهم هزيمة منكرة اضطرت فرنسا بعدها أن تتحايل على الأمير بطلب الصلح فكانت معاهدة التافنة ، إلا أن فرنسا عادت ونقضت العهد مجددا خصوصا بعد ظهور ملامح دولة الأمير المنتشية بانتصاراتها على الفرنسيين وحلفائهم الزوافا ، وهي الدولة التي أسسها الأمير بمساندة حلفائه من القبائل العربية والاندلسيين والكراغلة في مواجهة الفرنسيين وحلفائهم الزوافا ، فبدأت فرنسا إبتداءا من سنة 1838 بعد أن نقضت عهودها سياسة جديدة قائمة على حرق الأخضر واليابس في المنطقة (الأرض المحروقة ) متسببة بمجاعة مست أكثر من 500 ألف بشر من سكان الوسط والغرب الجزائري وهو سبب أساسي أدى لضعف دولة الأمير بمواجهة الفرنسيين وحلفائهم جيش الزوافا.

كان الزواف دوما هم الذين يشقون للجيش الفرنسي الطريق، كانوا يسددون من حياتهم ثمن كل شبر ارض يضم الى فرنسا.
وكان هؤلاء الزواف يحسنون دوما ايجاد الماء البارد والطعام اللازم لهم في عمق الصحراء؛ و ايجاد المخازن والاكواخ ويعرفون اين يخبئ العرب حبوبهم وطيورهم الداجنة؛ ويحسنون ايجاد جرار (جرة) زيوتهم وكسرتهم وكسكسهم ..

كانت فرنسا عندما تحتل مدينة جديدة أول ما تنشئه فيها بالاضافة لمقرات جنودها هي ( مقرات عسكرية خاصة بكتائب الزواف ) وكان المحتل الفرنسي يقوم بتوطينهم فيها كتكريم لهم ولجعلهم آذانه التي يتجسس بها على أهالي تلك المناطق المقموعة .

وعن دورهم الفعال في مساعدة فرنسا في احتلال جميع مدن ومناطق شمال افريقيا ( حتى خارج الجزائر = فقد شارك الزواف في احتلال مدينة تونس ولحد هذا اليوم توجد “” زنقة الزواف ) يقول عالم الاجتماع الفرنسي وواحد من أدمغة المخابرات الفرنسية جون موريزو Jean Morizot في كتاب صدر له سنة 1961 بعنوان “تمزيغ الجزائر Kabyliser l’Algerie” عن الزواف في الصفحة 134 ما يلي:

“كنا نلاحظهم يفعلون ومن صلب إرادتهم ما لم تكن تفعله كل مكونات سكان المغرب الأخرى..ليس فقط أنهم كانوا مقاتلين مرتزقة أوفياء في صفوفنا تحت العلم الفرنسي كما كانوا مع الأتراك في تثبيت الاحتلال بالجزائر ولكن ساعدونا في اخضاع كل مناطق الدول المغاربية لنا من اقصى غربه الى اقصى شرقه . بعضهم لم يتواني في ترك دينه والتحول الى المسيحية..وبعضهم تخلى عن هويته كاملة واستبدلها بالفرنسية..هؤلاء الجبليون الذين كثيرا منهم جاب العالم في قتاله مع فرنسا لهم قدرة عجيبة على الانسلاخ …لاحظنا منهم من له قدرة عجيبة على تقمص هويتنا لدرجة تجعلك تعتقد انهم فرنسيون اكثر من الفرنسيين كانهم يبرهنون لنا انهم جاهزون للاندماج معنا”….

مع الأخذ في الإعتبار قرب يهوذا من المسيح طوال ثلاث سنوات من خدمته، يصعب علينا أن نتخيل كيف إستطاع تنفيذ تلك الخيانة. لكن الاصعب على الجميع ان يتخيل كيف لصاحب الارض ان يخون ارضه كالزواف، وهو الذي اسمه من ريحها ولونه من طينها.

وتعلمنا قصة يهوذا أن نحذر من السقطات الصغيرة التي تزداد قوتها تدريجياً في حياتنا والتي يمكن أن تفتح المجال لتأثيرات أكثر تدميراً. كما تذكرنا قصة يهوذا بأن المظاهر يمكن أن تكون خادعة وان هناك كثير من الشعارات البراقة يحملها السفلة وان هناك كثير ممن يرفعون شعار الحرية وهم في الحقيقة القتلة، وان الساقط اخلاقيا ساقط وطنيا وان كاره المطر لا يمكن ان يحب الغيم ويهيم في السماء.

ومنذ نشوء قصة الطابور الخامس وخيانة بروتس وقتله لقيصر وحرق نيرون روما وخيانة ابن العلقمي لبغداد والحركات المضادة للثورات على مدى العصور وغيرها ، لم تستطع دورة التاريخ ان تضع حدا للخيانة ووجودها، لكنها حسمت امرا واحدا ارتباطها العضوي والمتلازم بالانسان، وانه كلما كبرت صفة الانسانية في الانسان تراجعت صفة الخيانة واضمحلت، فكل هذا الصراع مرتبط بصلاح المضغة(القلب) التي تحدث عنها القرآن وربط صلاح الامور بصلاحها، اما في العلم الحديث(وهو لم ينفصل عن قوى السيطرة والتحكم في العالم) لم يتم الكشف عن اسباب الخيانة؛ لان الاهتمام كان موجودا بمعرفة الطرق المؤدية للخيانة بغية تشجيعها واستثمارها لا مكافحتها!

لأجل ذلك كله ولاسباب اخرى كثيرة تضيفها دورة التاريخ كل يوم لا يمكن ان تنتهي الخيانة ولأنه لا توجد الى الان اسباب حقيقية وجادة ومفسرة لهذه الظاهرة ووجودها على مدى الدهر كما اسلفنا فمن الواجب اذن واقل القليل ان لا يقتصر دور الانسان على الاتعاظ والتنبه للادوار المشبوهة والتحذير منها بل مكافحتها في مهدها ووادها ان امكن او عزلها ومحاصرتها وتعريتها في صغرها قبل ان يستفحل خطرها ولا سيما تلك التي تغلف بغلاف وطني او قومي او ديني او ثورة او مقاومة او ديمقراطية او كرامة او عدالة وهي في الحقيقة من ذلك براء، وانما تتستر بأكثر الكلمات بريقا واسرعها طريقا نحو القلوب.

وهذا كله قنطار علاج الى ان يتم معرفة السبب الحقيقي (درهم الوقاية) الذي يؤدي بالانسان الى الخيانة او ان يتصالح الانسان مع نفسه اولا ومع اخيه الانسان ثانيا ويتبرأ من عقيدة الثأر بين قايبل وهابيل، فدائما كان هناك موت ينتظر الانسان وهو حي.



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وزير إعلام الحرب
- باب الرحمة
- بين ابو علندا وفرنسا
- ثلاثون قضية استخبارية وأمنية في اسرائيل
- ماجد ابو شرار؛ مسيرة لم تنتهي بعد
- وجدة في الوجدان 2-2
- وجدة؛ مدينة الالفية وعاصمة الثقافة العربية
- صورة الشهيد في رواية الجرمق
- كيف يولد التاريخ في فلسطين؟ -النصوص الدينية نموذجا-
- كيف تُبنى الامم؟
- -فتح- في يوميات مقاتل 2-2
- فتح في يوميات مقاتل
- فلسفة المواجهة وراء القضبان
- حكاية اغنية: بالاخضر كفناه بالاحمر كفناه
- الفدائي الذي نُحب؛ فاضل يونس مثالا
- الحب ضمن ابعادي الخاصة
- هكذا يُكتب التاريخ؛ جان دارك مثالا
- بانوراما الوضع الفلسطيني في الشتات، الاردن نموذجا
- قراءة في رواية فلسطينية حتى النخاع -الجرمق-
- قراءة نقدية في رواية الجرمق/سليم النجار


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهند طلال الاخرس - يهوذا الاسخريوطي والزواف