|
القسوة في ديوان -خطى الجبل- محمد علوش
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6183 - 2019 / 3 / 25 - 16:13
المحور:
الادب والفن
القسوة في ديوان "خطى الجبل" محمد علوش المنطقة العربية تعاني، وفلسطين وأهلها يعانون، ومن الضروري أن نجد مخارج لهذه المعناة، إن كان من خلال القراءة/الكتابة، المرأة، الطبيعة، وإذا ما ضاقت السبل بهذه العناصر فهناك الثورة/التمرد، والتي تأخذ أكثر من شكل وطريقة واسلوب، الأديب/الشاعر يستخدم هذه العناصر ليشعر بالهدوء والسكينة من خلال تقديم رأيه وأفكاره فيما يجري، ومن ثم سينعكس أثر ما يقدمه من أدب على القارئ، الذي بدوره سيتأثر سلبا أو ايجابا بما قدم له. حاولت في هذا الديوان البحث عن عناصر التخفيف/التهدئة، فلم أجد بياضا إلا في بعض القصائد "أكثر من آية، هي مصر، هذا المدى الصيني، شام" وادهشتني قصيدة "شهيد امرأة" التي توقعت أن جد فيها بياض ناصعا، لكنها كانت أيضا سوداء: "يا رب أعوذ بك من كيد امرأة تمتطى فرس جنونها وتوقد نارا مستعرة تحرق أرض أحلامي ومهجة عمري تشردني طريدا بين الخيام وتهدم معبد حبي ومهبط وحي وملاذ فلبي النازف تجعلني نهبا للريح" ص59. الملفت للنظر أن فاتحة القصيدة جاءت قاسية، "أعوذ" ونجد ألفاظا قاسية مثل "كيد، تمتطى، جنونها، توقد، نارا، مستعرة، تحرق، وتشردني، طريدا، الخيام، وتهدم، النازف، نهبا، للريح" فإذا كانت هذه الألفاظ متعلقة بالمرأة، فماذا سيكون عليه الحال في الأمور/الأشياء/الأحداث الأخرى؟ وكلنا يعلم أن أهم عنصر مخفف هو المرأة، فلماذا جاءت بهذا الشكل القاسي؟، وهل هناك مبررات للشاعر أن يكون بهذه الحدة والقسوة؟. الديوان بغالبيته جاء قاسيا ومؤلما وقاتما، يقول في قصيدة "دم يراق على أرض العراق" دم يراق على أرض العراق تدفقي كربلاء الله روحا ودما لحسين لطخته يد الأعادي باهت وجهك دجلة مجمدة في عروقه دماء إمام" ص50، حجم السواد غير عادي، "دم، يراق، كربلاء، دما، لطخته، الأعادي، باهت، مجمدة، عروقه" كلها تعطينا حجم السواد في القصيدة، وهذا ينعكس سلبا على القارئ/المتلقي الذي يسعى ويبحث عن محرج لهذا الواقع، ونحن هنا لا نطرح الهروب من الواقع، بقدر تقديم المأساة/الألم/السواد بشكل/باسلوب/بطريقة سهلة، بحيث نحصل على فكرة الألم/السواد، لكن بأقل الأضرار. عندما نجد ـ حتى الألفاظ والأفعال التي من المفترض أن تكون ناعمة وهادئة ـ تأتي بصورة قاسية وشديدة، فهذا يعكس حالة الشاعر، فهو غارق في واقعه وأسير له، يقول في قصيدة "حفظنا الوصايا" والمهداة إلى "سمير غوشة": "باق فينا شمس ظهيرة وحلما كنورس فوق قافية الشاعر الأخيرة شراعا في وجه صفصافة الريح" ص36، فاتحة قاسية "شمس الظهيرة" كما أن فعل "باق" يشير إلى الثبات وعدم الحركة، ومن ثمة سينعكس على المتلقي فكرة (بقاء حرارة الظهيرة المزعجة) كما أن لفظ "فوق" يحمل شيء من الشدة والصعوبة على المتلقي، ونجد الفقرة الأخير تحمل فكرة الصراع "الشراع والريح" كل هذا يجعلنا نقول أن "محمد علوش" يعيش واقعه/انتماءه، بحيث فقد العناصر التي يمكن أن يخفف عنه، فجاءت الفاظه وكلماته وأفكاره قاسية وشديدة. هناك بعض القصائد بدا فيها الشاعر متوترا ومنفعلا بحيث تحدث بشكل مباشر وصريح، كما هو الحال في قصيدة "اليرموك" والتي جاء فيها: "اليرموك أيها العاهرون يدفع الثمن تجز الرؤوس وتحرق الجثث يكفرُ المواطنون ويذبحون لأنهم كفرة كما يقول القاتلون اليرموك مجزرة مفتوحة آهات وصراخ وعويل نساء يملأ أرجاء الأرض ومخيمنا مجروح مذبوح كصلوب وشياطين تتفرج وبعد ضحايانا أرقاما العرب! " ص 176، حالة الانفعال انعكست على الشاعر فتحدث بشكل مباشر وصريح، فبدا وكأنه يتحدث بكلام عادي يقوله أي مواطن وليس شاعر، واعتقد مهما كان (الانفعال وسخونة الحدث) لا بد على الشاعر أن يبتعد عن المباشرة والصوت العالي، لأنه يفقد بريق الشاعر فيه. أن افتقاد وابتعاد الشاعر عن المرأة وعن الطبيعة جعله بهذا الحال القاسي والمؤلم، فهناك بعض الذكر لمرأة لكنه لا يكفي الشاعر ليتقدم من حالة البياض والهدوء، فعندما تحدث عن "خالدة جرار" لم يتناول كونها امرأة، بل تحدث عنها كأنها فولاذ صلب: "تسامرين مساء الصمود وتعزفين ألحان البقاء من وحي قهرك من وجع الانفرادي من قلب الزنزانة وتحطمين قيد الخشونة في معصميك فأنت الشرارة يا نزف الثائرين ... تقاومين جيشا فاشيا ياسر احلاما وحكايا ويحجب شمسا طرزت اهدابها حصونا لشعبي ومقاليع ترمي حجارتها على غزاة عابرين وتعلنها من قبل الزنزانة لا مساومة لا مقامرة مقاومة" ص44و45، إذا ما توفنا عند الألفاظ القاسية سنجدها كثيرة: "الصمود، قهرك، وجع، الانفرادي، الزنزانة، تحطمين، قيد، الخشونة، الشرارة، ينزف، الثائرين، تقاومين، جيشا، فاشيا، يأسر، يحجب، حصونا، مقاليع، ترمي، حجارتها، غزاة، لا، مساومة، مقامرة" الشاعر تجاهل الأنثى في "خالدة جرار" ووجد فيها تلك المناضلة فقط، وهذا ـ باعتقادي ـ لا يخدم إنسانية "خالدة" فبدت لنا كصخرة صلبة لا تين في زنزانة صماء. الديوان من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2016.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في ديوان -ما يشبه الرثاء-* للشاعر فراس حج محمد
-
الحزن يموت أيضا يوسف شرورو
-
الأمير الأحمر مارون عبود
-
مناقشة ديوان - مختارات من الشعر الروسي- في دار الفاروق
-
حزن فاضل الفتلاوي
-
القاهرة الجديدة نجيب محفوظ
-
حزن فراس حج محمد في قصيدة -روائحُ العشرينَ الخَرِفة!-*
-
سماء الفينيق مفلح العدوان
-
مدينة الموتى حسن الجندي
-
الفلاح والصحراء في -ثلاث ليال فلسطينية جداً- صبحي شحروري
-
الجزائر بين المطرقة والسنديان
-
جروان المعاني حكاية وقصيدة -للزهري-
-
عبود الجابري شاعر الدهشة
-
مناقشة كتاب -لا بد أن يعود-
-
الفلسطيني في رواية -عذبة- صبحي فحماوي
-
يونس عطاري -إلى بدر شاكر السياب-
-
أنف وثلاث عيون احسان عبد القدوس
-
مالك البطلي -أنا ابن الندوب-
-
الطبيعة والفرح عند الشاعر محمد زايد
-
حقوق الإلهام وبيجاميلون -سعادة أبو عراق
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|