أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود بيكاس - «مَمْ و 62»














المزيد.....

«مَمْ و 62»


محمود بيكاس

الحوار المتمدن-العدد: 6181 - 2019 / 3 / 23 - 13:26
المحور: الادب والفن
    


طبيعةٌ نائية بمعناها الحرفي. بلدةٌ رابضة على الرمال ، حيث لا مياه ولا أشجار ، وكل مواسمها هي الحر والبرد. خزينة الأهل مليئة بالحكايات والأساطير، بدءاً من "سنة الخير" وصولاً لسنة "الصقيع العظيم" تقول الحكاية بأن النهر العظيم الذي ذُكرَ في كتاب الله قد تجمد. بلدة تفتقر إلى كل شيء بإستثناء ملامح الأشباح التي تمشي فيها. لا تطلّ على أية جهة سوى السماء . في الشتاء تزورها أحياناً قوافل الغيوم بخجل، كوصية الفقير لا يملك ما يورثه للآخرين. الزمن في تقويمها هو الليل والنهار ، الصيف والشتاء.


فتحتُ عيناي في هذه اللامكان في سنة البؤس، يوم الأربعين لوفاة أحد الأولين. إحتاروا في منحي اسماً، الداية لها أخ وإبن بنفس الاسم وأعطتني ذلك الاسم أيضاً. بالنسبة للأهل إعتبروه بركة و كَـ رد للجميل، وهم منحوني اسمهم كعربون محبة للعائلة.
وبين فترة وأخرى تزورنا قوافل الغيوم . بدأت أكبر والاسم يشاركني كل شيء، حتى وصل بي الأمر بأني أعتبرت نفسي جزءاً منه. وأحياناً أتخيل ماذا أفعل لأجعله مشهوراً في هذا الوجود.
إلا إن للقدر رأيٌ آخر ! فاسمي لا ينتهي بإسم العائلة كما اسماء الآخرين بحكم العادة. عندما نضجت حواسي إنتقلنا من ذلك المكان إلى بلدة أخرى يمر بقربها طرقاتٌ تسير عليها مواكب من السيارات والباصات، هذه الطرقات كانت تضيع معظمها في المدن وبعضها تضيع في القرى والحقول. البلدة الجديدة لها أربعة جهات والسماء، سماؤها مسكونة بأصوات على طول الشتاء. أخذنا بيتاً بالقرب من المدرسة لا أعلم لماذا ذلك البيت تحديداً، بكل بساطة هذه الأمور خارج حساباتي، فكل ما هو مطلوب مني ان أغتسل مرة في الاسبوع وفي معظم أوقات الغسيل كنت أتخذ من بيت الأقران ملجاً إلى أن تتعب الوالدة في البحث عني، لكن الطريدة لابد ان تقع في الفخ "المصيدة" عندما يشتد عليها الجوع والعطش، ويتم محاصرتي في المطبخ مُتلبساً وانا أُجاهد لأُفرغ ما في الطنجرة الى المعدة.
ويأتي دور الوالدة في تجريدي من الزي الرسمي الذي هو عبارة عن كنزة وبيجاما لكي لا أشكل فرار "بمعنى العسكري". وبعدها آخذ حصتي من الضرب بالصابون الغار وأنا مقرفص في "الطشت" وعيناي مملؤة بالصابون، البكاء والدموع واللعاب ، لحظات تمتزج بالألم. هذا الحمام هو بالنسبة للطفولة كَ طقس إحتفالي لابد أن يحصل في كل أسبوع.
إلا إنه في هذه البلدة توجد مياه للزراعة ، في بعض الأحيان كنا نقصد أحواض المياه المخصصة للزراعة للإغتسال. الطفولة عالم من الفوضى اللذيذة.
عندما حان موعد بداية العام الدراسي لأدخل المدرسة ؛ كانت هناك إشكالية كبيرة ، لكني لم أكن أعرف ماهية تلك الإشكالية ، أدخلوني المدرسة باسمي اما اسم العائلة "الكنية" فقد أرفقوا بإسمي اسم الجد "محمود .....". هكذا ظننت بان اسمي أصبح في سجلات الدولة على اعتبار المدرسة مؤسسة تابعة لوازرة التربية والوزارة جزء من جهاز الحكومي، لكن في الحقيقة لم يكن كذلك. في عامي الثالث من وجودي في المدرسة طلب مني الوالد ان استفسر لتسجيل اخ لي يصغرني بسنوات، لا أعلم كيف كانت حساباتي وقتها، لكن كنت أعلم بأن أخي اسمه ليس عربياً ، لذا كنت أعتقد بأنه لا يمكن ان يكتب أسماً كوردياً بالأحرف العربية "سذاجة طفولة". وأخبرت المدير بالموضوع التسجيل، إلا إني أخترت اسماً آخر لأخي، قلت في نفسي عله يُكتب بالاحرف العربية.

كثيراً ما قرأت مذكرات السجناء وحزنت لاحزانهم وتألمت لعذابهم، وفي الكثير من الاحيان بكيت لأجلهم. إلا إنني عندما أتذكر الطفولة ، أتذكر تلك العذابات. أيام المدرسة ، سنوات الرعب، إلى الآن لا تستهويني اللغة العربية ولم أُتقنها بعد! لأن المُدّرس كان بهيئة ضابط مخابرات، أسلوبه كان عنيفاً جداً، قد أكون مجحفاً بحقه إذا قلت عنه بإنه كان مجرماً ونحن ما نزال أطفال نفتح أعيننا تحت سياطهم. جُل همنا أن نحفظ الكلمات لنتفادى العقاب.
وفي السنوات التالية اخذت أستعين بأسم الاخير لاسماء ابناء عمي عوضاً عن اسم جدي وهكذا انتقل اسمي من "محمود ....." الى محمود آخر لعائلة اخرى. وكلما تقدمت بي السنوات ونضجت حواسي ادركت عدم الانتماء الى هذا المكان، كالبلدة الاولى التي لا طريق إليها سوى السماء. وانا لا طريق إلي سوى هذه الحروف الخمسة ، تكرمت بها الدايا على طفلٍ ولدَ في عام البؤس والشقاء عام 62.



#محمود_بيكاس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة
- شر البلية ما يضحك


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود بيكاس - «مَمْ و 62»