لمجيد تومرت
الحوار المتمدن-العدد: 1532 - 2006 / 4 / 26 - 10:50
المحور:
الادب والفن
وصله خبر وفاة الوالد متأخرا،وكان عليه أن يقطع المسافة الممتدة بين مدينة إقامته والمدينة التي تستقر بها الآسرة في حدود أربع ساعات طويلة متثائبة.اكتشف فيما بعد ،أن زوجة أبيه هي من حبكت الحدوتة .فقد فوجئت بهذا الموت السريع،فكان عليها أن تخفي ما تخفي عن الورثة من أبناء الزوجة الأولى .وأن تعجل بإجراءات الدفن قبل إن يلتحق بقية الأبناء والأهل....دخل الغرفة الهزيلة حيث كان الوالد يتحصن فيها في شبه خلوة وزهد ..بكى على سريره ما شاء له أن يبكي ..خمس سنوات لم ير فيها وجه أبيه ..قبل أيام كان يعد العدة لإنهاء هذه القطيعة الاضطرارية..اخبر أمه وأشقاءه وشقيقاته بما عزم عليه..لكن الموت حسم كل شيء ...في اليوم الموالي ، اتجه خلسة نحو المقبرة ..وحين وقف، في خشوع، أمام القبر، بدا له شامخا متعاليا..وبدا هو ضئيلا متقزما أمام هذا الشموخ ..نفس الصورة... ننفس الموقف والإحساس ينتابه ،حين كان طفلا يقف مرعوبا أمام هالة الأب الجبار ..فلا يستطيع الكلام ..فتنحبس الرغبات بصدره ..لم يكن يدري أكان ذلك خوفا ورعبا أم هي هيبة الأب والوقار...أحس في دواخله بفقد عميق عميق ..وحين كان القطار ينهب الطريق في رحلة العودة ، كان يسترجع هذه الصورة الهلامية ،تتعالق فيها مشاهد الطفولة المغتصبة ومراسيم الدفن الهزيل والأمنيات الضائعة ...أحس برغبة شديدة في الكتابة ..سحب القلم ومذكرته من جيب معطفه الداخلي ..وراح يكتب :
أنت...! أنت...!
أيها الشبح المعطل
كيف تسللت إلى القلب من غياهب الذاكرة؟
الآن ...فقط..
في الدفن الهزيل ..أمام الرمس العالي
تصعد سياطك إلى دموعي
تشتعل الجراحات المندملة
فتجتاحني عواصف الطفولة..
أرتجف أمام محرابك الممنوع
...آه..كم أحتاج الآن
...إلى صرامة القسمات
في وجهك المكابر
كي أراني ..فيك..
شامخا..كما كنت.. فأخترق ضعفي .
إني لملمت عمرا من كلام
وغرائزـ عمدا- مؤجلة،
وحملت صخرتي حلما منيعا
كي ألقاك
عند منتهى الشموخ..
ماذا لو اقتحمت الآن زهدك الحصن
وصمتك العالي؟؟؟
الآن فقط..بعد الهجعة،
وخرس الصخرة
تنبتت للطفل، المتشرنق بالدواخل،
أجنحة الكلام.
لمجيد تومرت
خريبكة / المغرب
#لمجيد_تومرت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟