أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الفضل شلق - الاستبداد – عندنا تنمية الى الوراء ٩















المزيد.....


الاستبداد – عندنا تنمية الى الوراء ٩


الفضل شلق

الحوار المتمدن-العدد: 6180 - 2019 / 3 / 22 - 09:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في بلدان العالم التي كانت تسمى عالما ثالثاً نوعان من الاستبداد: الاول دفع شعبه الى الأمام وأحدث تنمية حقيقية تهدّد النظام العالمي وهيمنة القطب الواحد (الصين، تايوان، كوريا الجنوبية). امّا النوع الثاني يفسبب نمواً الى الخلف، بمعنى التراجع وتوليد أنواع الافقار والتهميش، فكأنما المراد إحالة المجتمع الى مزبلة التاريخ. بلادنا تنتمي الى النوع الثاني: استبداد مع تنمية الى الوراء.

ليس الفرق بين النوعين عائدا لوفرة الموارد الأولية أو كثرتها (عندنا المواد الأولية التي تمنحنا شبهة الثروة والغنى)، ولا في الموارد البشرية (بلدان النوع الأوّل كانت أقل تعليماً من بلادنا)، ولا في الثقافة (كل الشعوب متساوية في العراقة الثقافية-الحضارية)، ولا في الدين (كل الأديان لا تفيد شيئاً في إدارة الشأن الاقتصادي التنموي)، ولا في منسوب الذكاء عرقياً ووراثياً (كل الشعوب متساوية في الذكاء).

يبدو ان الفرق في السياسة، وفي العلاقة بين السياسة وكل من هذه العناصر. كيف تدير السياسة (السلطة-النظام) الموارد الطبيعية والثقافة والدين والتعليم؟ وكيف تكون العلاقة مع مجتمعها، وكيف تنظر الى المستقبل؟ وهل هي جدية في وعودها بشأن المستقبل؟ الأكثر ايلاماً: هل تعتقد أنه سيكون لهذه المنطقة مستقبل خاص بها؟ أم ستكون المنطقة مفتوحة لتديرها اسرائيل ومن وراءها؟

جميع البلدان التي انطلقت من تأخّر شديد (كانت بلادنا متخلفة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين)، لكنها أحرزت تقدماً هائلاً منذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين.أما نحن فقد أحرزنا تأخّراً في القرن العشرين، وحتى الآن؛ ووتائر النمو الآن هي أقل مما كانت عليه في القرن التاسع عشر.

كي نعلل الأسباب، يمكن القول أن مشكلتنا هي في الدين والثقافة. ليس في الدين والثقافة بحد ذاتهما، بل في السياسة وفي علاقة السياسة بالدين والثقافة. هذه العلاقة أساسها النخب الثقافية (بما في ذلك الدينية) والنخب السياسة الحاكمة.

اتجهت النخب الثقافية (والدينية) منذ أواسط القرن العشرين الى الإصلاح الديني لا الى الإصلاح المجتمعي. بعض هذه النخب اختصر الإصلاح الديني في مطلب تطبيق الشريعة الزائف. وهذا البعض لايستطيع الاتفاق حول ماهية الشريعة. لم يستمعوا جيداً الى الأصوات القائلة أن الشريعة ليست كلام الله، بل هي تفسيرات الناس بمن فيهم فقهاء كلام الله. الاختلافات بين أهل الشريعة هي أكثر من الاختلافات بين أي فريق منهم واتباع الأديان الأخرى. عملياً، الشريعة اجتهادات بشرية. وهي في جميع الأحوال لا تصلح لكتابة دستور معاصر. الأهم هو أن الشريعة لا تفيدنا شيئاً في تسيير الاقتصاد أو أي مجال آخر من مجالات النشاط البشري. الانكباب على التجديد الديني، وقد صار شائعاً بين المثقفين في العقود الأخيرة، هو عملياً تخلٍ بالكامل عن شؤون الاقتصاد والمجتمع، بالأحرى عن شؤون الدنيا.

الدين لا يحتاج الى تجديد، واذا فعلنا ذلك، فإنه يبقى متعلقاً بالإيمان، أي بالعلاقة بين الفرد والإله الواحد. الإيمان يبقى إيماناً سواء تجددت العقيدة أم لم تتجدد. لا أظن الله يرفض ايماناً على طريقة القرن الأوّل الهجري أو على طريقة القرن الحادي والعشرين.

نخبنا الثقافية (بما فيها الدينية) مسلوخة عن مجتمعها. هي لا تعرفه ولا تعرف حاجاته. كل ما تعرفه لا لزوم له. لذلك انهار التعليم بعد أن صار شعبياً شعبوياً. طلابنا يتعلمون عن الأصالة أكثر مما يتعلمون عن المعاصرة. انتجت جامعاتنا ومدارسنا أجيالاً من الجهلة معدومي الثقافة، بمعنى المعرفة على العموم. مثقفونا يجيدون الحديث عن زمن الفتوحات أكثر مما يجيدون الحديث عن المواجهة بيننا وبين جيوش الاحتلال الإسرائيلي، أو بيننا وبين من نصّبوا أنفسهم أعداءً من الجيران القريبين إلينا، والقوى البعيدة ذات القواعد في بلادنا؛ وأحيانا تمارس الاحتلال عندنا.

أما النخب السياسة والعسكرية التي تمارس الاستبداد، فقد تصرّفت بانتهازية زائدة حيال الدين خلال نصف القرن المنصرم. ما ان شعرت هذه النخب بفقدان الشرعية لدى شعوبها حتى حاولت التقرّب منها بالدين لا بل التنمية والاقتصاد، وبعلاقات اجتماعية سوية. وضع الطغاة كل المجتمع في معزل، وحاولوا إرضاء رجال الدين الذين لم يمنحوهم هذا الرضى، بل اتجهوا أكثر فأكثر نحو التطرّف والاصرار على خلافة ألغاها العثمانيون مرتين: الأولى أيام السلطان سليم الأوّل والثانية أيام مصطفى أتاتورك.

على مثال النخب الثقافية، اعتبرت نخب الاستبداد أن المشكلة هي في الدين. ولم تعرف أو لم تدرك أن الدين ليس بحاجة الى إصلاح. ما يحتاج الى إصلاح هو المجتمع. هذا ما على السياسة القيام به. الطرفان جعلا الدين محور الحياة الاجتماعية بدل أن يكون جانباً منها، ولو كان جانباً مميزاً. تخلى الطرفان عن النزاهة الفكرية (وكان هذا أساس الفساد الذي يدّعي الكل محاربته عوض محاربة الأساس). الفساد عندنا أساسه العلاقة غير الضرورية بين الأنظمة الحاكمة والدين. وهي علاقة انتهازية ليس لها عنوان إلا النفاق.

لم يدرك الطرفان أن في الموقف الداعي الى الإصلاح الديني (إصلاح الدين) إهانة للدين ذاته. استخدموا الدين أداة للسياسة بانتهازية معروفة: نستخدم الدين اليوم كي نتخلص منه غداً. استخدام الدين أداة لأهداف قريبة بدل أن يتركوا له المكان الجليل. نزعوا عن الدين قدسيته. جعلوا الله أحد حملة الرايات (رايات النظام) في المظاهرات الشعبية والمهرجانات الفاشية.

ليست المسألة (ولا العلمانية) فصل الدين عن الدولة. هي فصل الدين، أو بالأحرى عزل الدين في الحياة الاجتماعية ليأخذ حيّزه الخاص، فلا يُقحم في المحاماة أو الميكانيك أو الفيزياء، الخ… للدين مهامه، أولها الإيمان. الإيمان فردي. وهذا يكفي. لم يعد بإمكان الدين أن يكون اجتماعياً أو حركة سياسية أو محور الحياة الاجتماعية. هو جانب من جوانب الحياة الاجتماعية وليس مجملها. عندما صار الدين مجمل الحياة الاجتماعية، لم يبق للناس شيئ يفعلونه أو يفكرون فيه. صار هو الهوية الوحيدة. وبدأ المجتمع يفقد تعدديته. ليست المسألة تتعلّق بالاعتدال أو التطرّف. صار الدين (المجتمع ذو المزاج الديني) كله متطرفاً، اذ صار الدين مستغرقاً في كل حياتهم الدنيوية والآخروية. لم يعد الدين هادياً لمسار الحياة البشرية. صار هو الحياة البشرية. بذلك شلّ قدرات البشري الأخرى، القدرات العقلية والمادية.

ردة فعل المجتمع كانت، وما تزال، دفعة عالية من الدين، الطقوس الدينية والعقائد، حتى أغرقت السلطات الحاكمة. أغرق المجتمع المنظومة الحاكمة العربية، بحيث لا تعرف الخروج من مأزقها الذي كانت هي السبب في إنشائه.

يعني مطلب تطبيق الشريعة أن يصير الدين مجمل الحياة البشرية. لم تقدّم الأنظمة الحاكمة شيئاً على طريق التقدم. لم تحقق وعودها بالازدهار. أحدثت فراغاً ملأه شعار تطبيق الشريعة، وحل مكان جميع مطالب المجتمع الأخرى. السلطة صارت مهددة، غابت فكرة الدولة؛ تراجع المجتمع، تناقص النمو الاقتصادي. أفرغ الدين من المضمون الإيماني. صار مجرد طقوس. الطقوس أفعال وممارسات تحلّ مكان طقوس الإنتاج وأفعاله وممارساته.

أحدثت الأنظمة فراغاً روحياً ومادياً هائلاً في هذه المجتمعات. هذه هي مهمة القمع الأولى. لم تبحث الأنظمة العربية عن بدائل للسياسات التي اتبعتها منذ بداية الاستقلال. رأت الفشل أمام عينيها وأصرّت على الاستمرار في النهج ذاته، والشعارات ذاتها؛ والتفاهات المبتذلة مستمرة.

انتقل النظام الصيني، مثلاً، من شيوعية مزعومة الى ليبرالية أو نيوليبرالية لا يحبها الكثيرون منا. لكنه انتقل وغيّر نفسه من الداخل. أنظمتنا لم تغيّر شيئاً. حافظت على قديمها رغم إرادة الناس. كان لذلك أثر كبير على المجتمع الذي أفرغ من إمكانية التجدد والإبداع. لم يتأخر الدين كي يحتاج الى إصلاح. الدين هو هو. تأخر المجتمع. تأخر باحتلال الدين كل مجالات النشاط فيه. قد يتمكنون من إصلاح كل شيء في الدين ويبقى المجتمع على حاله من الركود. مجتمع راكد واقف مكانه، أو يرجع الى الوراء في عالم يتقدم.

ركود المجتمع الذي سببته الأنظمة كان، وما يزال، هو السبب في أن الاستبداد عندنا لم يستطع أن يكون، ولن يكون، عامل تقدم، كما في بلدان أخرى. يبدو شعار “إصلاح الفكر الديني” بريئاً. لكنه هو الأخطر في حياتنا المعاصرة، اذ هو يصرفنا عن أمورنا اليومية، وعن التنمية والحياة الاقتصادية. يصرفنا عن الدنيا ويفرغنا من العقل. اهتمت النخب السياسية والثقافية بهذا الشعار، وهي تعرف أو لا تعرف بأنه غير مفيد في شيء. شعار أدى الى انتشار النفاق مع الطقوس الدينية. نكذب على أنفسنا ونحن لا نفعل ما يفيد. نحاول اصلاح ما لا يحتاج الى إصلاح (الدين)، ونعزف عن إصلاح ما يحتاج الى الإصلاح (المجتمع).

التنمية ممكنة في جميع الأنظمة، الديكتاتورية والليبرالية، لكنّها غير ممكنة حين لا تكون هي محور الفكر والعقل.



#الفضل_شلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستبداد – عودة الاستعمار ٨
- الاستبداد – إنتاج التفاهة ٧
- الاستبداد – تدمير الأخلاق ٦
- الاستبداد – وفقدان الشرعية ٥
- الاستبداد – سيطرة السلطة على الدولة ٤
- الاستبداد – تدمير المجتمع في عصر الاستبداد ٣
- النظام العالمي وتداعياته الإنسانية والعربية – السلفية وإغلاق ...
- لاستبداد – المناعة ضد الاستبداد ٢
- النظام العالمي وتداعياته الانسانية والعربية – السلفية هي الغ ...
- النظام العالمي وتداعياته الإنسانية والعربية – الكلمة ذنب الض ...
- النظام العالمي الجديد وتداعياته العربية والإنسانية – تخثّر ا ...
- الاستبداد – طبيعة الاستبداد
- النظام العالمي وتداعياته العربية والإنسانية – صناعة التراث
- الانترنت سلاح دمار شامل؟
- تراثنا ليس هويتنا
- الدولة وتصدير الطائفية
- تحالف النيوليبرالية والأصولية الدينية والفاشية
- ضرورة التحليل الطبقي
- نحو الفاشية، النيوليبرالية الى مرحلة جديدة
- عبودية الطبقة العاملة والرأسمالية


المزيد.....




- مصدران لـCNN: إسرائيل تتوقع التوصل إلى اتفاق بشأن غزة في غضو ...
- عودة محفوفة بالمخاطر: الألغام تهدد أرواح المدنيين في سوريا
- مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون يرجحون التوصل إلى اتفاق وقف إط ...
- الرئيس الإيراني ينفي وجود أي مخطط لاغتيال ترامب
- مؤتمر حزب البديل من أجل ألمانيا: -تسقط عنفات الرياح!-
- الانتخابات الألمانية 2025: سارة فاغنكنيشت أمام تحدي مفصلي
- وزيرة التنمية الألمانية شولتسه تزور دمشق لعرض المساعدة
- التوقيع هذه الليلة.. اتفاق الهدنة بين إسرائيل و-حماس- يبصر ا ...
- زيلينسكي يوقع على قانون يخص الشباب الأوكرانيين البالغين من ا ...
- مقتل 6 أشخاص بقصف إسرائيلي على جنين


المزيد.....

- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الفضل شلق - الاستبداد – عندنا تنمية الى الوراء ٩