معاذ محمد رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 6179 - 2019 / 3 / 21 - 22:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مَن مِنا لم يُصادف هذا الإسم (أحمد أمين)؟ أقصد من الباحثين والمثقفين والقُراء في التراث الفكري الإسلامي ، فهو صاحب السلسلة الفكرية المشهورة (فجر الإسلام ، ضحى الإسلام ، ظهر الإسلام) ، وقد قامت شهرته على ما كتبه من تأريخ للحياة العقلية في الإسلام في هذه السلسلة.
وُلِدَ أحمد أمين في سنة 1886 في القاهرة ، وتوفي في سنة 1954 ، وقد أُصيب بمرض في عينه قبل وفاته ، ثم بمرض في ساقه ، ولم ينقطع رغم ذلك عن التأليف والبحث.
كَتَبَ الكثيرون عن أحمد أمين ورؤيته للمذهب الإمامي ، وما يؤسف له أن أغلبهم قد إنطلقوا من "أساس آيديولوجي" بعيد عن الموضوعية. لنُثبتَ أولاً ما قاله أحمد أمين عن التشيع:
يقول (فجر الإسلام) بعد أن نقل رأي فلهوزن (نبعت العقيدة الشيعية من اليهودية) ، ورأي دوزي (الأساس الفارسي للعقيدة الشيعية) ، قال بعدها:
(والذي أرى ـ كما يدلنا التأريخ ـ أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ولكن بمعنى ساذج...ولكن التشيع أخذ صبغة جيدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام...وإذ كان أكبر عنصر دخل في الإسلام هو العنصر الفارسي ، كان أكبر الأثر في التشيع إنما هو للفرس) ص251 ، 252
هذا هو الرأي "المحوري" لأحمد أمين في التشيع ، فهو في أول كتبه ، وقد إستمر بالتعرض للمذهب الشيعي بالعرض والنقد في كتبه الأخرى وفق ما يتطلبه البحث ، أي في (ضحى الإسلام و ظهر الإسلام).
إنتقد كثيرٌ من علماء الإمامية هذه الرؤية ، منهم: 1ـ محسن الأمين العاملي في موسوعته (أعيان الشيعة) ، 2ـ محمد حسين كاشف الغطاء في (أصل الشيعة وأصولها) ، 3ـ عبد الحسين الأميني في (الغدير) ، 4ـ محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية) ، 5ـ محمد جواد مغنية في (الشيعة في الميزان) ، 6ـ أحمد الوائلي في (هوية التشيع). وقد كانت الردود قاسية قاسية وعنيفة من هؤلاء المحترمين. سأقتصر الآن على إثنين منهم تجنباً للتطويل:
أولاً: محمد جواد مغنية في (الشيعة في الميزان):
(أحمد أمين يعترف في أيامه الأخيرة)...عنوان في كتاب مغنية ، وقد شغل الصفحات: من 70 الى 74 ، إستهله مغنية بالكلام عن مهاجمة أحمد أمين للإمامية هجوماً عنيفاً في كتابه (فجر الإسلام) ، وأن علماء الإمامية قد رَدوا عليه يومذاك رداً منطقياً ، وذكر الشيخ كاشف الغطاء ، ثم ذكر بأن أحمد أمين قد أُصيب بنظره بعد عشرين عاماً من "مهاجمته" للإمامية وقد عجز عن القراءة والكتابة ، ونتيجة لذلك فقد إستعان بغيره في أيامه الأخيرة 1952 ، وأملى عليه كتاباً أسماه (يوم الإسلام) ، وقد إعترف فيه أحمد أمين ـ بحسب مغنية ـ من حيث لا يشعر بما كان قد أنكره على الإمامية ، منها (إستنكاره مبدأ النص على خليفة رسول الله) ، فقد "ناقض" نفسه في إعترافه في (يوم الإسلام) بأن النبي قد أراد أن يكتب في مرضه الذي مات فيه كتاباً يُعين من يلي الأمر بعده ، فحال عمر دون ذلك. وقد نقل مغنية ما قاله أحمد أمين في كتابه ، لكنني بعد رجوعي لكتاب أحمد أمين ، وجدتُ "مقطعاً" سابقاً "للمقطع" المنقول من قبل مغنية ، وقد سَبَبَ "إغفال" هذا المقطع من قبل مغنية "إلتباساً" في الفهم؟ ، يقول أحمد أمين في هذا المقطع من (يوم الإسلام):
(ثم إن الإسلام لم يضع نظاماً خاصاً للخلافة ، بل تركه لإختيار أهل الحل والعقد ، وترك للمسلمين أن يختاروا تفاصيله في قانون مكتوب أو متعارف...فإذا قلنا: إن الإسلام ترك الحكم مؤسَسَاً على نظام شورى مراعىً فيه مصالح الشعوب والظروف المحيطة بهم لم نُبعَد. والخليفة أو الملك ليس مسؤولاً فقط أمام الله ، بل مسؤولاً أيضاً أمام أهل الحل والعقد ، بل أمام الشعب كله) ص42 ، 43
ثم ينقل مغنية قولاً آخر لأحمد أمين من نفس الكتاب ، وهو عن (ضرورة فهم المسلمين بعد طول تجارب أنه لم يكن هناك وجه للخلاف بين سني وشيعي وزيدي ، وضرورة توحيد كلمة المسلمين في الموقف الحاضر) ، يُعَقِبُ مغنية على هذا بما يلي:
(وهذا إعتراف صريح من أحمد أمين بأنه كان مخطئاً في فجر الإسلام وضحاه ، وأنه إصطنع الخلاف بين السنة والشيعة دون أن يكون لهذا الخلاف أصل ولا أساس ، وأن الجميع على حق ، ويجب عليهم أن يتحدوا على حقهم كما إتحد أهل الباطل على باطلهم).
ثانياً: أحمد الوائلي في (هوية التشيع):
(أقوال الباحثين في فارسية التشيع)...عنوان الفصل الثاني من الباب الثاني من كتاب الوائلي ، وقد شغل الصفحات: من 62 الى 71 ، إستعرض فيه الوائلي أقوال المستشرقين في هذا الموضوع: دوزي ، فلوتن ، براون ، فلهوزن ، بروكلمان. ثم عاد بعدها لتلاميذ المستشرقين ـ كما سماهم ـ وأولهم أحمد أمين ، ثم محمد أبو زهرة ، وأحمد عطية الله.
نقل الوائلي ما ذكره أحمد أمين في (فجر الإسلام) ثم عَقَبَ: (إني أطلب من القارىء هنا التأمل في هذه اللهجة الحادة التي يفح منها الشرر والنار ، حتى يعرف مدى موضوعية أحمد أمين ونظرائه ، وقد دأب أحمد أمين على إجترار هذه الفكرة وترتيب الآثار عليها كما يظهر ذلك واضحاً في كل مؤلفاته. إن التركيبة التي تَكَونَ منها أحمد أمين هي الحقد والكراهية للشيعة ، زائداً تقليد المستشرقين فيما يقولونه عنهم).
لنرى الآن ، هل كانت الردود موضوعية؟ أي شاملة لأقوال أحمد أمين كلها؟ أم مجتزئة؟. بعد التدقيق والتمحيص ، تَبَيَنَ الثاني!! فالإجتزاء واضح مع الأسف:
1ـ عَتَبَ الشيخ كاشف الغطاء على أحمد أمين بسبب (فجر الإسلام) ، وقال له (في زيارة للأخير الى العراق) بأنك قد إستندت فيما كتبت على الخصوم ، ومن الواجب أن تستند الى كتب القوم أنفسهم. ذكر ذلك أحمد أمين في كتابه (حياتي) ص156 ، وقد إعترف أحمد أمين بأن هذا قد يكون صحيحاً في بعض المواقف ، ثم قال: (ولكني لما إستندت على كتبهم في ضحى الإسلام ونقدت بعض آراءهم نقداً عقلياً نزيهاً مستنداً على كتبهم غضبوا أيضاً ، والحق أني لا أحمل تعصباً لسنة ولا لشيعة ، ولقد نقدت من مذاهب أهل السنة ما لا يقل عن نقدي لمذهب الشيعة ، وأعليت من شأن المعتزلة بعد أن وضعهم السنيون في الدرك الأسفل إحقاقاً لما إعتقدت أنه الحق) نفس الصفحة السابقة. والآن: أين هذا النص من ردود علماء الإمامية؟؟!!
2ـ أما النص الآخر فهو ما ختم به أحمد أمين كتابه الضخم (ضحى الإسلام) ، وأقولها بصراحة: إن إغفال هذا النص من "نقاد" أحمد أمين ، يُعَدُ (خطأً منهجياً لا يُغتفر) ، وسأُثبته الآن لأهميته:
(وبعد ، فهذه صورة للمتكلمين ، عرضتها كما فهمتها ، وكما أرشدني البحث الصادق عنها ، أثبت ما فيها من خير وشر ، ونفع وضر ، فإن أصبت فالله أشكر ، وإن أخطأت فحسبي أني أخلصت النية وقصدت الحق. وأكثر ما أتوقع أن يعتب عَلَيَ إخواني من الشيعة فيما سلكت من نقدهم ، وتزييف بعض آراءهم ، وأن يعجبوا من دعوتي الى الوئام والوفاق ، ثم أُتبعُ ذلك بشيء من النقد والتجريح. فإليهم أقرر مخلصاً أني لم أقصد في كل ما قلت إلا ما إعتقدت حقاً وصواباً ، وجاهدت نفسي ألا أتأثر بإلفي وعادتي ومذهبي ، فلا أنصر رأياً سنياً لسنيته ، ولا أجرح رأياً معتزلياً لإعتزاله ، أو شيعياً لتشيعه. وأظن أن القارىء رأى معي أني قد أنقد الرأي السني وأُرَجِحُ عليه الرأي المعتزلي أو الشيعي. ولو كنت أتعصب لمذهب لأنتصرت له في كل أقواله ، ودافعت عنه في جميع آرائه ، ولكني رأيت نصرة الحق خيراً من نصرة المذهب. فلعلهم بعد ذلك يُنصفون فيقرأوا قولي في هدوء وطمأنينة ، ويأخذوا منه ما تستحسنه عقولهم ، ويردوا كذلك في هدوء ما لا يستحسنون ، ويقرعوا حجة بحجة ، وبرهاناً ببرهان. على أنه ليس الغرض الأسمى مقارعة الحجج بالحجج والإعتزاز بالغلبة ، إنما الغرض الأسمى التعاون على إنهاض أهل هذه المِلَل ورفع مستواهم ، وتنقية الخرافات والأوهام من رؤوسهم حتى يُنشدوا الحياة الصحيحة ، ويتبوأوا من العالم المكان اللائق بهم. ثم أقرر أن هذا البحث الحر الطليق لا يتنافى والدعوة الى الوحدة والوئام ، فليس البحث يدعو الى خصام إذا أخلص الجانبان ، وما ينبغي الخلاف بين العلماء وإختلاف أنظارهم ونظرياتهم أن يُفرق بين نفوسهم ويوقع بينهم العداوة والبغضاء. على إنه إن كان ولا بد من عداوة ، فمعاداة الناس أهون على نفسي من معاداة الحق) ج3 ص251 ، 252
والسؤال الآن: لماذا لا نرى هذا النص (الغاية في الأهمية) في ردود علماء الإمامية (بحسب تَتَبعي)؟! ، أعتقد بأن صورة أحمد أمين ستتغير بعد هذا النص ، فبموجبه سيكون أحمد أمين مجرد (باحث في التراث الفكري الإسلامي يُنشد الحق ما أمكن ذلك) ، أما (الحقد والكره) فأمر بعيد عنه ، لا سيما أن هذا النص قد كُتِبَ بعد نصه الأول (المحوري) في (فجر الإسلام).
وختاماً: أُوضح بأن هذا المبحث مختص بأحمد أمين وعلماء الإمامية فقط ، أما قبول أفكار أحمد أمين في هذا الموضوع أو رفضها فأمر آخر غير معني فيه.
المصادر:
كتب أحمد أمين:
1ـ فجر الإسلام ، المكتبة العصرية ، بيروت ط1 2006
2ـ ضحى الإسلام ، المكتبة العصرية ، بيروت 2008
3ـ يوم الإسلام ، المكتبة العصرية ، بيروت ط1 2008 بتحقيق الدكتور درويش جويدي
4ـ حياتي ، المكتبة العصرية ، بيروت ط1 2009
5ـ محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ، منشورات الرضا ، بيروت ط1 2012
6ـ أحمد الوائلي: هوية التشيع ، دار الكتاب الإسلامي ط1 2002
#معاذ_محمد_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟