هاني محمد الميثالي
كاتب
(Hani Mohammed Almaithealy)
الحوار المتمدن-العدد: 6176 - 2019 / 3 / 18 - 23:40
المحور:
كتابات ساخرة
توقفت عن الكتابة في الفترة الماضية بغير إرادة مني، أو ربما اخشى من اعوجاج وعدم توازي كلماتي،فتركت قلمي جانبًا تارك الميدان لأهله حيث الكلمة العليا للفعل لكن لم اجد اي حديث يشفي آلم ووجع يسكن في اعماقنا,
ألم ووجع سببنها لا انفسناوصعب الحصول على الدواء بعض الدواء قد يضربك فلا تعرف ما يؤلمك، يسألك الطبيب عن الوجع فتقول: هنا، لا لا بل هنا، ليس رأسي، بل انفي او أذني، لا تؤلمني لعلها عيني وسقط الوجع منها على فكّي، لست أدري؛ لعل الوجع ضرب عقلي فما عدت أعي ولا أعرف ما يؤلمني,فمن الوجع ما يصيب عضوًا واحدًا في الجسم، ومنه ما يضرب الجسد كله، بل لعله يضرب الجسد والروح!
إن الناظر في حال اليمن اليوم لا يشعر بغير هذا؛ لأنه حقًا لا يدري ما يؤلمه أكثر: الشباب كالورد في الربيع تتخطّفه المنايا إنْ في القصف وإنْ في الاشتباك, وأطفال تقودهم اقدامهم ليس إلى المراجيح يلهون ويلعبون كماهو حال أطفال الدنيا كلها، بل تزفّهم المنايا الى القبور ونساء لم تتركهن شرارت النيران فمنهن يسرع ابنهاالقتيل إلى مخيلتها بضحكته، أو يمرّ بها طيف حفيدها الصغير المعتقل،او زوجها أو يضرب كيانَها ريحُ ابنتها التي قضت في القصف فتبكي
وأما الشيوخ الذين كانوا يحتلّقون في المساجد يتسندون على جدرانه يراقبون هذا كيف يصلي وذاك أين يضع يديه، فيمطرون هذا بالتوبيخ وذاك بالغمز وهم يقرؤون القرآن ويذكرون، وقد دأبوا على التجمع عند أبواب البيوت الريفية يرشقون المارة بالمزاح والنقد، فإن لم يمرّ بهم أحد تذاكروا أمجاد بعض وطرائفهم فيضحكون ويبكون تختلط الدموع بالدموع,
يهزّ كيانَ كل غيور آلافٌ سبق عليهم سيف القدر فأتى على بعض أطرافهم وهم في زهرة شبابهم، فقعد بهذه عن المشي وبتلك عن تمام الحركة، وكفّ يدَ هذا ولسانَ ذاك ورجلَ تلك، تتسابق عربات المعاقين سباق الخيول الأصيلة في ميادينها؛ إنهم كذلك خيول أصيلة، حُمّلوا من المولى فحَملوا، وابتُلوا فصبروا، وضُربوا من الدهر بحديد البلاء والشدة فضحكوا واسترجعوا عما فقدوا واستمروا بما بقي فيهم؛ إنْ فقدوا رجلًا تابعوا بالأخرى، وإنْ فقدوا الاثنتين أكملوا بيدَين هما أنفع فيهم من يدَين ورجلَين ورأسٍ في غيرهم، وإنْ فقدوا الحركة في كل الأطراف أَثْرَوا ما حولهم بعقولهم وأفكارهم؛ فتجدهم خيرًا حالًا ممن يتأمل حالهم، لأن مَن يتأمل حالهم يبكي دمًا أو دمعًا؛ ليس يدري يبكي لهم أم على نفسه!
مهلًا؛ فما ذاك بوجعٍ إن نظرتَ في أطفال يَرْبُون على الآف تضجّ المدارس في الدنيا بربع عددهم، تفرقوا في البلدان والمدن والقرى، لكنهم يجمعهم وباء قاتل؛ وهم انعدام الصحه والتعليم، ويوم تقذف بهم الأيام والرياح في مدرسة فتجد الواحد منهم في سنّ الصف الخامس يجلس في مقعد الصف الأول، وطالب السنة الرابعة في الجامعة يعيد البكالوريا في بلد آخر حتى يتاح له الإكمال في جامعاته,وليس معلّموهم بأحسن حالًا منهم؛ فأستاذ جامعي ينزل من مناقشة طلبة الدكتوراه والماجستير إلى تدريس ألف باء، وآخر تقذف به ريح المأساة والظروف فلم يكمل سنينه لتخرج من الجامعه، وهكذا الوجع الدقيق قد يعجز كثير من الأطباء عن السبب، ويتعب المريض وهو يتنقل بين العيادات والمشافي؛ لأن الألم في رجلَيه قد يكون من التهاب اللوزتين عنده، والدوخة والصداع قد يكون لشيءٍ علقَ زمانًا في أذنه أو أنفه,
وكذا أوجاعنا؛ لا تعرف أيها أسبق، وأيها أكثر إيلامًا فهل آلام الذين في الخارج أقل من آلام الذي في داخل اليمن، وهل انتصفت البلد فعلًا ؟! ألا تعتصر نفوسنا على ما يأتينا من خلف حدود المناطق هناك من فاحشة ووباء وغلاء وتجنيس وبيع وشراء للأرض والعرض؟!هل من يمنيون غيورين أن نهتمّ لمشاكلنا فيما نسمّيها (بلاد اليمن الواحد) ثم نزعم محاربة فكرة التقسيم؟!
لماذا لا يكتب محلِّلونا الكرام والمفكرون العظام في الظلم و عن مصائب الناس تحت سيطرة الحوثي والشرعية؟! دون مهاترات السياسة المقرفة والتشفّي والمقارنات الجوفاء في نسبة العفة والضياع بين (مناطق الحوثي) و(مناطق اِلشرعيه)؟!
لماذا لا نخاطب أهلنا وأخوننا في المدن والحارات والقرى التي لاتفهم سياسة تخريب الوطن,
لماذا لم تتركوا المخربين الذي لم يهمهم الوطن
فماذا نقول لرجالٍ رمَوا نساءهم هنا وهناك وركبوا البحر إلى بلاد الضباب بحثًا عن حياة حسبوها خيرًا لهم؟!
فماذا نقول في نساءٍ خلعت عنها لباس الحياء فرمت أزواجها في شوارع أوربا ومضت كما تريد؟!
قد يألَف المرء وجعًا ينساه أحيانًا إن تواردت عليه أوجاع أخرى، لكن هذا لا ينفي أنه وجع من الأوجاع؛ فقد تسكن الأوجاع تلك فتعود لتعالجه فلا تجده قابلًا حينها للعلاج!!
يمننا واحدة موحدة حتى في آلامها، ومَن كان لا يرى ذلك فليراجع نفسه وثوريّته ووطنيّته، ومحاربة التقسيم تبدأ من أنفسنا؛ فليس الحوثي مَن يتكلم عن اليمن المفيدة اليوم فحسب، بل ولا الشرعيه كذلك، صار همّمها أن تحفظ ما تحت يدَيها أيًا يكن وكيفما كان، لتُعلن انتصارها,
إنه انتصار أجوف أعوج؛ فالانتصار الحقيقي في تحرر اليمن من الظلم كله، وليس في تقسيم البلد كالكعكة هذه لكم وهذا لي وهذا نقسمه نصفين وهذا هديه من الأصدقاء لنا!!
الانتصار الحقيقي أن نتألم لكل عضو يتألم في اليمن، لكل أمّ فقدت ابنها؛ أقعدتها الظروف في ظل الحروب العبثيه أو خرجت منها,لكل جندي لكل ضابط لكل دكتور ومعلم وكل يمني يعيش التألم الذي تعاني منه اليمن,لذلك لا لتقسيم اليمن جغرافيًا ولا اجتماعيًا ولا فكريًا ولا وطنيًا، لا تتألم لمربع تعيش اليوم فيه فحسب؛ فقد تفارقه غدًا راضيًا أو مكرهًا، ولا يذهب بك ألمك مهما يكن عن آلام الوطن؛ فالوطن كبير وكله يتألم، الرأسُ منه لسببٍ والبطنُ لسببٍ والقدمُ لسببٍ، لكنها كلها أعضاء منه ومنك,
دعك من دواء يعالج الرأس دون اليدين أو الرجلين أو البطن؛ فإنه يعالج لك عضوًا ليأخذ منك الآخر، ولا تقبل حلًّا لجزء من البلد دون الآخر، ولا تهتم لمن يقيم في شمال اليمن وتنسى من يقيم في جنواب اليمن,
نلتقي ولنتعاتب بعدها ونتخاصم ونتحاكم ونتشاجر؛ لكن عندنا ما يميز صفوفنا أكثر مما حدودٍ يحرّكها بيننا الأصدقاء حينًا والأعداء أحيانًا؛ فلا تختلط علينا الحدود وتتداخل التصنيفات!
#هاني_محمد_الميثالي (هاشتاغ)
Hani_Mohammed_Almaithealy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟