أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ناجح شاهين - تطويع المنطق في خدمة - عملية نهب العراق















المزيد.....

تطويع المنطق في خدمة - عملية نهب العراق


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 437 - 2003 / 3 / 27 - 04:31
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تطويع المنطق في خدمة "عملية نهب العراق"


رام الله المحتلة

يستطيع المرء دون ذكاء شديد أن يلاحظ الطابع العسكريتاري الديكتاتوري للنظام العراق منذ أبي جعفر السفاح والمأمون والمتوكل وحتى عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وصدام حسين. والحقيقة أن هذا سر ذائع الصيت ولا يحتاج إلى برهنة. وربما لا يتفوق عليه في انتشاره إلا الرغبة الأمريكية المعروفة في الحفاظ على حرية البشر وديمقراطية أنظمتهم وشعوبهم. وفي هذا المعنى تأتي "عملية تحرير العراق".  وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر قصف الشعوب التي تفتقر إلى الديمقراطية بالأسلحة النووية ذاتها. وهو ما جرى في كثير من الحالات، وما يمكن أن يجري الآن إذا برهن الجيش العراقي ليس عن قدرته على استعمال أسلحة دمار شامل ليست في حوزته حكماً، ولكن إذا شكل هذا الجيش "العميل" لصدام خطراً من أي نوع على جنود الحرية الأمريكيين الذي تزدان صدورهم بشارات الحب والسلام، وتمتلئ قلوبهم بالمحبة والبشر لكل البشر. وقد دل على ذلك الاستقبال الكرنفالي بالقبلات والأزهار الذي تلقاه اليانكيون أينما حلوا. وهو ما يذكر بدخول الثوار ألفيت كونغ إلى سايغون، أو دخول تشي جيفارا إلى هافانا. الحقيقة أن تعرض هؤلاء الجنود للخطر يبيح للجيش الأمريكي المدافع عن الحرية استعمال أسلحة انشطارية وعنقودية وكيماوية وحتى نووية إذا لزم الأمر. فالضرورات تبيح المحظورات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بنوايا مخلصة مثل نية الأمريكيين في المحافظة على الحب والوداد العالمي، وهو أمر جلل يستحق كل عطف وتقدير.

قد يحس القارئ أننا نبالغ في كل ما نقول. والحق أننا إنما ألزمنا النفس باستخدام معايير جديدة في المنطق لا عهد لأرسطو بها، وقد تم تطويرها مؤخراً على يد مجموعة من خبراء الحرب الأمريكيين لتتواءم مع احتياجات السلم العالمي، وذلك بعد أن اتضح أن المنطق القديم الأرسطي، والتعديلات التي أدخلت عليه من قبل بويل وراسل وفريجة..الخ لا قيمة له على الإطلاق. واتضح أن منطقاً صارما يتجاوز الصرامة الرياضية ذاتها قد دخل الحلبة منذ فترة وجيزة وعلا شأنه بعد الأحداث المفجعة التي لحقت بالتوأم البريء الشهير ببرجي التجارة العالمي.

سمح العراق بأن ُتفتش غرف نوم زوجة الرئيس ذاتها. وهو ما يتعارض كل التعارض مع قيم العرض والشرف العروبية المعروفة. ولكن ذلك للأسف لم يشفع له. وعند ذلك تم إدخال تعديل ثوري على المنطق وهو ضرورة أن يقوم العراق بإثبات أنه لا يملك أسلحة "ذوات" الدمار الشامل، فإذا لم يتمكن من تقديم الحجة ( التجريبية أم المنطقية؟ لا أعلم) فإنه الدليل قائم على ضلوعه في الجرم. والحقيقة أي مبتدئ في المنطق ما قبل العولمي يستطيع أن يعرف أن العراق غير قادر على تقديم مثل هذا الدليل الغريب لسبب بسيط: إن أحداً لا يستطيع إثبات وجود العدم باعتباره غير موجود والزعم بإثبات الغياب هو قلب للفكرة المنطقية التي تفترض أن المطلوب هو إقامة الحجة على الوجود من أجل الإدانة وإلا فإن بالإمكان إدانة أي فرد بأية جريمة بسبب عجزه عن إثبات أنه لم يقم بها دون أن يكلف القاضي نفسه عناء تقديم الحجة على وجود الواقعة.

متأسف للإطالة. ولكني أردت أن ألفت النظر إلى أي حد من السفاهة وصلت الأمور بصانع السياسة الأمريكي الذي يتوهم أن قوته تشفع له، وتشكل شرطاً ضروريا وكافياً لضمان الصدق المنطقي والتجريبي على السواء.

في هذا السياق المنطقي الجديد نستطيع أن نتفهم القدرة العجيبة للسيد توني بلير على قلب الأمور على رأسها إذا شئنا استخدام التعبير الشهير لماركس في حديثه عن هيغل. بالضبط يقوم بلير بقلب السبب نتيجة والنتيجة سبباً. وبصفاقة عز نظيرها، يشدد على أن معاملة العراق لأسرى الحرب الأمريكيين هي سبب كاف لشن الحرب عليه. وهكذا يتضح عبر عبقرية بلير أن الحرب الراهنة قد دشنت لمعاقبة العراق على معاملة أسرى هذه الحرب ذاتها. إنها رؤية شمولية للزمان والمكان تتجاوزهما معاً إلى وضع صوفي حلولي يصبح فيه العارف والمعروف والزمكان جميعا كلاً واحداً متصلاً لا انفساح فيه ولا ثغرات، ويغدو منطقنا العادي اليومي والأرسطي غير صالح البتة. فنحن في الحضرة القدسية لتوني بلير وصيف الإله المتوج جورج بوش وكل شيء يجوز.

وجرياً على هذا النمط المنطقي المقلوب يمكن لكل شيء أن يصبح معقولاً. ومن ذلك بالطبع انتهاك قوانين المقارنة والمعاملة بالمثل وقانون عدم التناقض كلها دون استثناء. ولنلاحظ الطريقة العجيبة التي يوظفها بوش في نقد العراق على قيامه بالحط من قيمة الأسرى الأمريكيين الذي ظهروا في شكل محترم وإنساني على شاشة تلفزيون العراق، بينما يقوم اليانكيون بعرض العراقيين مكبوبين على وجوههم ومقيدين، ربما في شكل يذكر بهتلر وشارون على السواء. لكن لا بأس فلسنا أولاد جنس بشري واحد. والحقيقة أن منطق الاختلاف الجدلي الماركسي والهيغلي هنا يشفع لبوش. فعندما يصل الحد في الإنسانية حد المشرق العربي أو الآسيوي أو الأفريقي، فإن تراكما معيناً يكون قد تحقق يسمح بالانتقال إلى مرتبة الحيوان، وعدم انطباق قوانين الإنسان عليه بعد. ومن هذا المنطلق على ما يبدو، لا يمكن لأحد أن يزعم أن العراق إنما قام بالرد على أكاذيب الأمريكيين بتحقيق انتصارات نظيفة ومنزهة عن العيوب، خاصة وأن الأنكل سام قد بالغ في عرض عضلاته، وذكر استسلام فرق وقادتها دون بينة، بل ومع التأكد العاجل من التلفيق الأمريكي الواضح.
 ولعل من أطرف الإبداعات الأنجلوسكسونية ما جاء به وزير دفاع توني بلير في معرض مؤتمر صحافي بثته محطة بي.بي.سي خامس أيام الحرب. فقد تفنن الرجل في محاولة منافسة مواطنيه برتراند راسل وجورج مور في خبراتهم وإنجازاتهم على صعيد المنطق. وهو في الواقع يكتشف على الأرجح منطقاً جديداً كل الجدة يمكن لنا أن ندعوه بالمنطق السريالي. وإليكم بعضاً من تطبيقاته الخلابة.

هناك مجموعات إرهابية تابعة للجيش العراقي أو لصدام مباشرة وتقوم بتهديد حياة الجنود الأمريكيين والإنجليز الذي يعملون في أرض العراق بغرض تحريره من الاستعمار العراقي وضمه إلى استقلاله الأنجلوأمريكي. وأيضاً اتهم " هون " التلفزيون العراقي بممارسة سلوك إرهابي عندما عرض صور المحاربين اليانكيين أسرى أو قتلى وقد لاحظ أن من يقاتل الجيش الغازي هم مجموعات مجرمة لها ارتباطات بالعصابة الحاكمة في بغداد، بينما معظم الناس والجيش يرغبون في الاستسلام. وهذا في الحقيقة مؤشر غريب على الشرف نكتشفه عبر منطق السيد هون. ويضاف إليه بالطبع أن مقتل الأطفال والمدنيين العراقيين عامة هو أمر خير في جوهره لأنه يجيء ضريبة بسيطة في سياق الخير العميم الذي ينويه الأنجلوسكسون بحق البلاد والعباد. واضح أن بإمكاننا الاسترسال إلى ما لانهاية. والحق أن فضيلة هون تتمثل في قدرته ليس فقط على قلب قواعد المنطق والتفكير. ولكنه يتمتع أيضاً  بقدرة رائعة في مضمار اكتشاف مفاهيم وما صدقات لا سابق لها في لغة أو واقع. وهو ما يغني عن أي دليل في معرض امتداح قدرات الرجل على الإبداع والابتداع التي تصل حد الخلق من عدم.

يختفي في ثنايا ما يختلط فيه الحابل بالنابل معادلة صغيرة فحواها أن قتلاهم من البشر وقتلانا أشباه قردة عليا
ـ وربما سفلى. وفي هذا الاتجاه عبرت أم أمريكية عن جوهر التعبئة الأيديولوجية الرأسمالية في زمنها الوحشي الراهن بقولها: " لقد أصبحت ضد هذه الحرب بعد أن وقع ابني في الأسر" وأما قبل ذلك، نعني أمام الوحشية والبربرية التي تلحق بالعراقيين أو غيهم من الآسيويين والأفارقة فليست الحرب أمراً مزعجاً للضمير الغربي الغائب غياباً تاماً عن قيم الإنسانية والغارق حتى أذنيه في عبادة السلعة والاستهلاك وقيم الربح الرأسمالية العتيدة.

لا نستغرب بعد ذلك أن يتوهم السيد هون أننا حيوانات لا تهتم بمثل وقيم الإنسان وأننا جاهزون للاستسلام له دون قتال. فهكذا يرانا الرجل بجهازه المفهومي العنصري -الاستعماري.

يرى مهاتير محمد  في الموضوع رأياً آخر. وقد أوضح الرجل أن العمليات الهمجية التي تجري في العراق ضد أهله وأرضه ودون شرعية من أي نوع  ـ ولا حتى الشرعية الهزيلة لمجلس الأمن العتيد ـ  تدفع إلى الاعتقاد بأن العالم غدا دون ضوابط أخلاقية أو قانونية. وأن الرجل الأبيض يحكمه قانون الغابة، وفي أحسن الأحوال ـ وهذا القول من عندنا لا من الزعيم الماليزي ـ قانون داروين الموسوم بالانتخاب وبقاء الأقوى. أضاف محمد إن الهجوم على العراق عمل جبان واستعماري. وبين أنه ما كان ليتم لولا ضلوع أمة العرب في مؤامرة تتصدرها دول الخليج التي تتلقى الأوامر من واشنطون بوصفها مستعمرات. هذا منطق مختلف يحتم علينا جميعا: كائنات إنسانية عاقلة وأخلاقية، أن نصطف ونضع يداً بيد للمحاربة صفاً واحداً من أجل إنقاذ البشرية من الوحش الرأسمالي الأمريكي. والمعركة اليوم لتحقيق هذا الهدف لها عنوان واضح واحد ومحدد اسمه العراق.
*************

كنعان



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يوقف هتلر الجديد؟
- الميلودراما العراقية الفلسطينية
- السيرك العربي وخروف العيد العراقي
- حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية
- العراق وأوروبا وخروج العرب من التاريخ
- السيف والنار في فتح السودان
- حول تأسيس المجتمع مدني
- المجتمع المدني والديمقراطية
- حول الكل الاجتماعي
- المجتمع المدني بين النظرية والممارسة - نموذج: فلسطين
- إما عالم نظيف أو عالم مسلح
- يدقون طبول الحرب، فنرفع رايات الإقليمية
- هل ينقلب سحر الأنكل سام عليه؟
- حرية الفكر والتعبير
- ليس العرب أمة، إنهم مشروع أمة- 2
- ليس العرب أمة، إنهم مشروع أمة -1
- رحلة العذاب عبر الجسور
- عيد بلا فارس ولا جواد
- فنتازيا الدولة السيادية منزوعة السلاح
- إنه زمن عالمية المقاومة


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ناجح شاهين - تطويع المنطق في خدمة - عملية نهب العراق