|
صحيح البخاري
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6174 - 2019 / 3 / 16 - 11:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أثارت السيدة موزه غباش فكرة تستحق الرعاية و المتابعة والنظر والتحقيق ، وتبعها في ذلك إمام مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ، والحق إن فكرة إعادة النظر في كتب التاريخ والتراث ليست بالفكرة الجديدة ، إنما كَتبَ فيها غير واحد من المفكرين والعلماء والكُتاب . والأصل الأولي لهذه الفكرة ينطلق من مقولة تدعوا إلى عدم الدمج بين كتاب الله والأخبار المنسوبة لرسول الله ، أي إن الفكرة في أصلها إصلاحي هدفه تنظيم قواعد التفكير والدلالة ، لكي تنسجم وتستقيم مع الإيمان والعلم ، بعيداً عن التقديس الزائف والذي يتلحف به أتباع المذاهب ويتعاضدون ، ولقد كانت لي مساهمة متواضعة في هذا الجهد ، لإيمان مني سابق بأن تصحيح قواعد التشريع والقانون بين القرآن والسُنة ، لا تصح فيهما المساواة وكذا لايصح التأسيس من خلال الأخبار في جعل السُنة بقوة الكتاب أو رديفا له ، ومن هنا أيدنا من غير تردد ما جاء على لسان السيدة موزه غباش ، وفي نظرتها التجديدية نحو التراث ومحاولة إعادة النظر بقضايا التاريخ والماضي بروح أكثر واقعية وعلمية . وفي سبيل ذلك سنحاول تحرير محل النزاع حول - ما يسمى بصحيح البخاري - ، فالكتاب كما هو معلوم للعامة يتضمن موضوعات شتى ، وقد وردت بألسن رواة متعددين ، والغريب فيه إننا لم نشاهد أخباراً وأقوالاً للنبي بإعتباره كذلك ، وجُلَ مافيه عبارة عن روايات وأخبار منسوبة إلى رسول الله ، ولا يخفى عليكم إن هناك فرقاً في الدلالة والمعنى بين النبوة والرسالة ، ولهذا أقتضى التنبيه لذلك للأهمية من وجهة نظر معرفية خالصة ، وبنفس السياق تدعونا الأمانة العلمية للقول : - بأن ما يسمى بصحيح البخاري ، ليس على ما ينبغي ولا يجب النظر إليه كوحدة واحدة ، من جهة موضوعاته وفصوله فالكتاب فيه من الخرافة والهرطقة الكثير ، كما إن فيه من التدليس والكذب الكثير ، وفي جانب أخر نقرأ فيه أشياء يجب التوقف عندها وتدبر معانيها ، وفي الكتاب أيضاً نجد ( أدلة السُنن ) والتي هي عبارة عن قيم وأخلاق ونواميس وشمائل ، وفي هذه بالذات جاءت الإباحة والتسامح للأخذ بها لأنها تدعونا إلى الخير والعمل الصالح ، وفي الكتاب أيضاً مجموعة الحكم ( الحكمة ) والتي هي ضآلة ، أومرنا أن نأخذ بها من غير مؤثرات ولا نظر ثانوي . نعم موضوع الرد على الكتاب لا يتعلق بشخص الكاتب من حيث هو فهذا لا يهمنا بشيء ، ولكن بنوعية الأخبار التي تضمنها وتحدث عنها في مجال العلم والكون والطبيعة ، وكذا في قضايا التشريع والقانون ، لقد كان خطأً فادحاً ذاك الذي أعتمده مؤوسسي ما يسمى باصول الفقه العتيقة ، والتي أعتمدت و ساوت عن عمد في القوة والدلالة بين هذه الأخبار والقرآن المجيد ، وقد شذ البعض من فقهاء العصر الوسيط لجهة جعل هذه الأخبار حاكمة على الكتاب بل وناسخة لأحكامه ، وهذه المغالطة أدت إلى هذا البحث المفتوح عن كتب الأخبار عن أهميتها ، وعن دورها وعن صحتها وصدقها وثباتها وقوتها . فالكتاب موضع البحث هو مجموعة أخبار منسوبة إلى الرسول محمد ، وهذه النسبة من الأخبار مهما علت ينقصها الكثير لكي تتساوي مع الكتاب ، فهي من جهة التدوين وزمنه أتت لا حقاً ومن بعد وفاة النبي بمئة وخمسين من السنيين ، ومن جهة صُناع الخبر ورواته الذين كانوا يتحركون وفقاً لرغبات وأهواء بعيدة عن طبيعة النص ، ولهذا جاءت مادة الخبر مشوهة وعقيمة وغير ذات جدوى . لقد كان الخليفة عمر بن الخطاب محقاً حينما منع تدوين أخبار النبي وأحاديثه ، والسبب معلوم حتى لا يكون لها أثرا وقوة كتلك الموجودة لدى أهل الديانات الأخرى ، مما فسح المجال لغلبة الخبر على النص السماوي ، ومن هنا نصوب الرأي الذي أعتمده الإمام أبي حنيفة في عدم الإعتماد على هذه الأخبار في إنتاج وإستنباط فقهه ، مقتصراً في ذلك على سبعة عشر منها قد صحت لديه ، والظن الغالب إن مفهوم الصحة هنا تعني الموافقة لكتاب الله ولذلك أعتمدها أبي حنيفة الإمام . نعم تصحيح الموقف العلمي يتطلب نوعا من المواجهة وعدم التخفي أو الإختباء خلف مقولات فات أوآنها ، فكتب الأخبار عموماً في مجال الأحكام والتشريع لا تعدو أن تكون مجرد أدوات للأستئناس ليس إلاَّ ، ومن يظن غير ذلك فهو واهم ، وعلينا إعادة التركيز على تحليل نصوص الكتاب المجيد طمعاً في زيادة المعلومة والتعرف على ما يجب وما لا يجب ، فثمة تداخل وعدم ضبط أدى من حيث لا نشعر لسيادة النزعة الإكراهية والعنفية حين نحينا كتاب الله جانباً ، وأعتمدنا من غير هدي مضطرين على كتب الأخبار ، لتؤوسس لنا حياتنا ومستقبلنا ، وتلك مخاطرة كبيرة لا نجد جدوى من السكوت عنها أو التنبيه إليها ، ولعل الخطوة التي بدأت هناك في أبوظبي قادرة على وضع الأمور في نصابها ، لكي يستقيم الشيء بعد مضي كل هذه السنيين ، التي أربكت فينا الجهد والمثابرة والفكر ، وجعلتنا مشوشين تحوطنا أفكار قد عفا عليها الزمن . إن إعادة قراءة الموروث لاتعني الإنفصال بقدر ما تعني لنا جميعاً ، وضع الأشياء في موضعها والنظر بعين الرعاية للمستقبل لكي نكون شركاء في صنعه وبنائه .. راغب الركابي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة الحكم الصادر على قتلة الشهيد حسن شحاته
-
الزواج المدني
-
رسالة مفتوحة إلى الأخ الرئيس برهم صالح رئيس الجمهورية
-
داعش تعود من جديد
-
أمُنيات 2019
-
الدولة الفاسدة
-
تظاهرات في فرنسا
-
لإحتفال الدولي بنهاية الحرب العالمية الأولى
-
العلاقة بين الفكر والسلطة
-
القوي الأمين
-
القانون المخروم
-
زمن التوافه
-
مقابر المسلمين
-
الحكومة العتيدة
-
رسالة مفتوحة منا للأخ السيد مقتدى الصدر
-
أوهام الإنتخابات
-
دفاعاً عن الدكتور خالد منتصر
-
الإستفتاء في كردستان
-
جدل في تونس حول حقوق المرأة
-
ما بعد الموصل
المزيد.....
-
شاهد التسلسل الزمني للحظات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ف
...
-
لماذا يتعجل الشرع الزمن نحو الرئاسة؟
-
الادعاء الألماني يوجّه اتهامات ضد مشتبهين بالانتماء إلى داعش
...
-
ما أهمية إعلان الجيش السوداني تحرير الخرطوم بحري؟
-
شهيد بنابلس ومقتل جندي إسرائيلي وإصابة 5 بجنين
-
السعودية تهنئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا
-
شاهد ما كشفته صور حطام طائرة ركاب ومروحية في نهر شبه متجمد ب
...
-
حماس تعلن مقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف ونائبه مروان ع
...
-
ترامب: -لا ناجين- من حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية ف
...
-
أبو عبيدة يُعلن مقتل محمد الضيف وعدد من القيادات العسكرية لـ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|