|
قلبي عليك أيتها الجوهرة السوداء وقلبهم من حجر!
محمد امباركي
الحوار المتمدن-العدد: 6173 - 2019 / 3 / 15 - 22:45
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بصوت مرتفع.... قلبي عليك أيتها الجوهرة السوداء وقلبهم من حجر! إن الحراك الاجتماعي بجرادة، وقبله حراك الريف واحتجاجات اجتماعية بمناطق عدة من البلاد، كلها مؤشرات ملموسة وواضحة على خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتفاقم واقع الفقر والتهميش والهشاشة الاجتماعية رغم العديد من البرامج والمبادرات التنموية والتي عجزت عن الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية وتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة العيش. إنه حراك اجتماعي بامتياز، أي حراك سلمي وحضاري بمطالب اجتماعية تنبع من قلب معاناة الساكنة وعلى رأسها إيجاد بديل اقتصادي ومراجعة غلاء فواتير الماء والكهرباء ومحاسبة المسؤولين الذين اغتنوا من هذه الأوضاع ظلما وعدوانا، فمنذ إغلاق مناجم جرادة سنة 1998 لم تحظى هذه المدينة بفرص تنموية حقيقية من شأنها صيانة كرامة أهلها البسطاء بل أصبحت مرتعا لبارونات الفساد وآبار الموت حتى أصبحنا أمام إرادة غير مفهومة لإقبار المدينة اقتصاديا واجتماعيا ومجاليا ومصادرة حقها في الوجود الاجتماعي. لكن الذي يؤسف له بشدة هو اعتبار الخيار الأمني هو الجواب الطاغي إزاء حراك اجتماعي سلمي، مع العلم أن لهذا الخيار تكلفة باهضة على مستوى تكريس مناخ عدم الثقة بين الدولة و المجتمع، بين المواطن و المؤسسات، و تعميق منسوب التشكيك في وعود المسؤولين و ضمانات الالتزام و الوفاء بها، و المؤسف أكثر هو أن هذه التكلفة الجسيمة قد تعززت باستمرار مسلسل المتابعات و الاعتقالات و المحاكمات و اتساع حجمها و تسارع وتيرتها بشكل أثار و يثير استغراب هيئة الدفاع و الوسط الحقوقي و الرأي العام الوطني و الدولي و يفاقم من معاناة أسر المعتقلين و ذويهم بين أدراج المحاكم و المؤسسة السجنية ، هذا ناهيك عن التداعيات السلبية الخطيرة للتدخلات الأمنية على مستوى خلق حالة من الذعر و التوتر و الاحتقان الاجتماعي داخل المدينة. إن استمرار حراك جرادة بطابعه السلمي و الحضاري لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر شكل فرصة حقيقية لخلق مناخ من الثقة و إنضاج شروط الحوار نحو معاجلة اجتماعية منصفة و منتجة، لكن للأسف الشديد مرة أخرى يطفو على السطح " العقل الأمني " و منطق " التأزيم و التلغيم " و " الوساطة الفوقية "، و ينطلق مسلسل المتابعات و الاعتقالات بالجملة شملت قاصرين و شباب يتطلع الى غد أفضل يتمتع فيه بحقوق المواطنة، و يتوج هذا المسار بسلسلة من المحاكمات افتقدت الى احترام شروط المحاكمة العادلة بشكل يتنافى و الدستور المغربي الذي يتم نعته ب " دستور الحقوق و الحريات " و كذلك مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان، و لم تتوقف الاعتقالات العشوائية و التعسفية حيث تم توقيف مئات الشباب و توزيع أكثر من نصف قرن من الأحكام القاسية. وهكذا يستمر المسلسل الدرامي والانتقامي للمحاكمات مفتوحا ويكابد المعتقلون أوضاع صعبة ومتردية داخل السجون جعل العديد منهم يدخل في إضرابات عن الطعام تهدد صحتهم وسلامتهم الجسدية وأمانهم الشخصي وبالتالي حقهم المقدس في الحياة. كما تم حرمان بعض المعتقلين الذين فقدوا إحدى والديهما من حضور مراسيم الدفن بجرادة بشكل يتنافى مع القانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وذلك رغم المجهودات التي بذلتها العائلات والإطارات الحقوقية في هذا الشأن وخاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئة الدفاع. كل هذا يسئ بعمق للخطاب الرسمي حول المصالحة والإنصاف والقطع مع سنوات الرصاص وجبر الضرر الفردي والجماعي...، كما يضع كل الشعارات حول دولة الحق والقانون واحترام الحريات موضع شك ومساءلة في ظل سياق وطني يشهد ردة حقوقية غير قابلة للتغطية أو الإنكار يقابلها تدهور مضطرد للأوضاع المعيشية للمواطنين والمواطنات ضحايا الإقصاء الاجتماعي والمجالي مما يرجح أن تتسع خريطة الغضب الاجتماعي وأشكال التعبير عنه في مختلف ربوع البلاد.
إن الاعتراف الرسمي بفشل النموذج التنموي لا يمكن أن يستقيم في ظل مفارقة " عجيبة " ثلاثية الأضلاع تجمع بين الاعتراف بالفشل من جهة أولى ، و من جهة ثانية الانتصار الكلي للخيار " الأمني " في مواجهة الحراكات الشعبية و الاحتجاجات النقابية و الاجتماعية المتصاعدة و التي ليست في الواقع إلا استنكارا لذلك الفشل في ميادين التعليم، الصحة، الشغل، الحريات النقابية و الحقوق الشغيلة ، ثم من جهة ثالثة الاستمرار في مشاريع تنموية بمراحل جديدة كالشروع في المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دون إخضاع المراحل السابقة للفحص و التقييم و قياس النتائج و الأثر الاجتماعي في إطار تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة و بالتالي تستمر تلك المشاريع و البرامج كعلب سوداء محاطة بنوع من " القداسة " رغم أنها ممولة تمويلا عموميا. لهذه الأسباب وأخرى، لا يمكن النظر الى اعتماد استراتيجية " أمنية " خالصة إلا من زاوية أنها تغطية صريحة على فشل الاختيارات والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية في ضمان الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية والمجالية والضريبية.
إن القطع مع استراتيجية تجريم الاحتجاج عبر أدوات يتداخل فيها القمع و " التأزيم " و " الوساطة الفوقية " في التعاطي مع حراك اجتماعي شعبي و سلمي من أجل حياة كريمة لن يضمنها غير خلق مناخ من الانفراج السياسي و الاجتماعي بدء بإطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية الحراك و اعتماد مقاربة ديمقراطية تشاركية على صعيد بلورة بديل اقتصادي و اجتماعي منصف يحقق العدالة الاجتماعية و المجالية و يقطع مع منطق الريع و الفساد و الإفلات من العقاب، و بالتالي إعادة الاعتبار لمدينة عمالية طالما تصدت لإرادة قاسية و مصممة على قبرها " ساكنة، مجالا و ذاكرة " و مصادرة حقها في الوجود الاجتماعي من خلال سوء تدبير الشأن المحلي و تحالف قوى و لوبيات الريع و الفساد... فأي ضمير لهذه الدولة، ضمير يقسو على الكادحين و يقهر المقهورين و في نفس الوقت يعطف على " النخب الفرجوية و الريعية " بل يكافؤها باستمرار؟، لهذا أستحضر ما قاله الفقيد احمد بن جلون معلنا دعمه للحركة الطلابية لما اشتد القمع إزاء معركة مقاطعة الامتحانات الجامعية سنة 1989 حيث خط مقالا بجريدة " المسار" تحت عنوان " قلبي عليكم و قلبهم من حجر"....قلبي عليك أيتها الجوهرة السوداء و قلبهم من حجر !.. . رحم الله الفقيد أحمد بن جلون ونحن نخلد الذكرى الرابعة على رحيله.
#محمد_امباركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأزق الوساطة الفوقية...
-
سلمية الحراك وعدوانية السلطة والمقاولة. نحو قراءة سوسيولوجية
...
-
حزب العدالة والتنمية يبعث برسالة ود للباطرونا في المغرب.
-
حوار مع أحمد المتمسك، أستاذ جامعي وباحث في علم الاجتماع المق
...
-
العلمانية ضرورة ثقافية و تاريخية...
-
نساء المقاطعة في المغرب..
-
أعشق طفولتي حتى الثمالة...
-
النظارة السوداء لن تصمد أمام حراك الريف.
-
الداعشية و - البلوكاج - الثقافي
-
النساء في خدمة الرجال انتخابيا !! ... قراءة أولية في الحضور
...
-
المرأة ليست قضية فقهية...
-
ثلاث ملاحظات بصدد الوضعية السياسية في المغرب على ضوء الانتخا
...
-
العلمانية.... حاجة متجددة و حوار مستمر...
-
الانتقائية، عطب بنيوي في تنظيمات -الإسلام السياسي..-
-
العلمانية و المرجعية الكونية لحقوق الإنسان
-
حركة 20 فبراير : وجهة نظر عشريني...
-
من حقكم الدفاع عن -مرسي-.. لكن ارحموا العلمانية من سوء الفهم
...
-
الربيع المصري المفتوح...
-
دفاعا عن العلمانية :
-
تثاؤب البشر في زمن التيه..
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|