أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - ابنة البقَّال














المزيد.....


ابنة البقَّال


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6171 - 2019 / 3 / 13 - 18:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شاهدتُ مؤخراً فيلم "المرأة الحديدية" الذي مثَّلت فيه النجمة الأمريكية ميريل ستريب شخصية رئيسة وزراء بريطانية مارجريت تاتشر, وذكَّرني هذا الفيلم عن ابنة البقَّال بقصة طريفة وردت في كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للشيخ كمال الدين الدميري تقول:
أرق الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ذات ليلة فاستدعى سميراً يحدثه فكان فيما حدثه به أن قال : يا أمير المؤمنين كان بمدينة الموصل بومة وبالبصرة بومة فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها فقالت بومة البصرة لا أفعل إلا أن تجعلي لي مهرها مائة ضيعة خراب فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام حكم والينا سنة واحدة أخرى فعلت لك ذلك.
كان السمير فدائياً حقيقياً, لأن الراوي يقول: إن الخليفة عاد إلى رشده وجلس للمظالم وأنصف الناس بعضهم من بعض وتفقد أمور ولاة البلاد قبل خراب البصرة والموصل.
على أن ابنة البقَّال حين انتصرت في أيار عام 1979على حزب العمال عقدت العزم على "خراب البصرة" وخلق مجتمع بريطاني يحكمه الأغنياء, حيث يزداد الأغنياء غناً و الفقراء فقراً. وقد استرشدت بأفكار عالم الاقتصاد النمساوي فريدريش فون هايك صاحب كتاب الطريق إلى العبودية, و الذي كان من أهم المفكرين الاقتصاديين الذين أعُجبتْ بمقترحاتهم. وتلخَّصت أفكاره الأساسية في إلغاء الدعم المالي عن المؤسسات الحكومية وتقليص مدفوعات الرعاية الاجتماعية للعمال وخفض معدلات الفائدة والعمل على خفض معدل التضخم على حساب الشعب وتحرير السوق من سلطة الدولة. وحينما اعترض احد نواب مجلس العموم البريطاني على برامج الإصلاح المتطرفة التي تسير عليها حكومتها أخرجت ابنة البقَّال من حقيبة يدها مؤلف هايك دستور الحرية وقالت: إن هذا هو ما نؤمن به.
نظرت إلى رئيس نقابة عمال المناجم على أنه العدو الأول. وكان آرثر سكارغيل زعيماً شيوعياً عمالياً يقود أكثر النقابات العمالية البريطانية عدداً وقوة. فرضت تاتشر على البلاد نمطاً رأسمالياً متوحشاً فتك بالعمال والفقراء. ولم يسبق لأي دولة صناعية أن شهدت مثيلاً له من قبل. وقد شاهد العلامة البغدادي هادي العلوي في لندن الشرطة البريطانية –في تلك الأيام-تسحب المضربين من أنوفهم. وهي طريقة تستعمل للسيطرة على البعير أو الثور الهائج.
أقدمت في السادس من آذار عام 1984 على إعلان الحرب المفتوحة على نقابة عمال المناجم. أعلنت الحكومة في البداية عن إغلاق عشرين منجماً من المناجم الحكومية. و أعلن رئيس نقابة عمال المناجم الإضراب المفتوح عن العمل. اندلع نزاع لم تشهد بريطانيا مثيلاً له طوال تاريخها الحديث. استخدم المضربون عن العمل كل ما توفر لهم من إمكانيات متواضعة بين أيديهم, لكن تاتشر كانت تبيِّت لخطب جلل, فقد اتهم العديد من السياسيين المحافظين قادة النقابات العمالية بأنهم يريدون تحويل بريطانيا إلى دولة وضيعة , بائسة, على غرار دول المعسكر الاشتراكي.
كانت حكومتها قد أعدة العدة ولبست قناع الحرب. فقد خزّنت احتياطياً كبيراً من الفحم الحجري لكسر طوق الإضراب المتوقع اندلاعه بعد إعلان تصفية بعض المناجم ومضت قدماً في سد حاجة البلاد إلى الطاقة من خلال البترول والطاقة النووية. وبعد إضراب عن العمل دام أكثر من خمسين أسبوعاً, توقفت النقابات العمالية عن الإضراب وأعلنت الاستسلام.
حوصر العمال وضاقت بهم الأرض, حتى لم يعد لهم غير موضع أقدامهم, تراكمت عليهم الديون, وفقدوا القدرة على الاستمرار في الحياة. وكان موقف الحكومة يختلف عن موقف التنظيمات النقابية. ومع حلول أعياد الميلاد ورأس السنة دفعت الحكومة لكل عامل لا يشارك بالإضراب مكافأة مالية وحررت هؤلاء العمال من دفع الضرائب لعدة أشهر. وبهذه التسهيلات حطمت الحكومة التي تقودها ابنة البقَّال إرادة المضربين عن العمل.
كُسرت شوكة النقابات العمالية البريطانية التي كان عددها يزيد عن الخمسمائة نقابة بفظاظة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً . خسرت نقابة عمال الفحم أكثر أعضائها. وفي اعتقادي كان للفشل الذي أصاب إضراب عمال مناجم الفحم نتائج تجاوز تأثيرها حدود بريطانيا. فقد ساهم بتقويض سلطان النقابات العمالية العالمية أيضاً. و أوضحت ابنة البقَّال أن بالإمكان الوقوف بوجه سلطة النقابات. إن الهجوم الشرس الذي شنته حكومتها على دولة الرعاية الاجتماعية وسَّع فرص الأغنياء في امتلاك الثروة و زاد التباين بين من يملك ومن لا يملك.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرفة سبينوزا على السطح
- يوميات آدم وحواء
- الشيوعية أنجيلا ديفيس...الطريق طويل من أجل الحرية
- خطبة امرأة فدائية
- المُسْتَطْرَفُ في حِكْاياتِ النّساءِ
- العدلُ أساسُ المُلكْ2/2
- العدلُ أساسُ المُلكْ 1/2
- في ذكرى رحيل القاص السوري تاج الدين الموسى
- أوائل الأمثال المُدوَّنة
- الحاج مراد ...رواية تولستوي المنسيَّة
- ثعالب مصر ونواطيرها
- الزمكان... في نص الروائي السوداني الطيب صالح
- هل ذيل السعادة أملس؟
- هل يسكر الحيوان؟
- أيها المُعرضون عن الكلام
- الرَّقصُ في حقول البرتقال
- بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان
- كتبٌ تعيشُ ولا تموت
- جنوسة الوعي...حواء النمط المبدئي للجنس البشري
- تعلَّم الحريَّة في سبعة أيام


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - ابنة البقَّال