|
ديوان (استعارات جسديَّة) الصادر في عام 2018 عن دار العماد للنشر والتوزيع / القاهرة
نمر سعدي
الحوار المتمدن-العدد: 6168 - 2019 / 3 / 9 - 20:34
المحور:
الادب والفن
نمر سعدي
استعارات جسديَّة
شعر
كُتبتْ قصائدُ هذا الديوان في عامي 2016 و 2017
إهداء
إلى الوحيدات
ثعلبٌ ينامُ في حدائقِ السرياليِّين I
منذُ سنينَ طويلة وأنا لا أفعلُ شيئاً، فقط أُحوِّل أغاني اليوتيوب إلى مناديل ورقيَّة رقيقة أسحبها بلطفٍ بالغٍ من لابتوبي الشخصي وأمسح بها الدموع التي تتكوَّرُ على ضفافِ قلبي. * قصيدتي امرأةٌ صامتةٌ لا تصهَلُ كأحصنةِ نزار قباني، ولا تذرعُ دهاليزَ التبغِ كالسيَّاب، وقطعاً لا تحبو على الأرضِ عاريةً كجدِّها جرير، ولا تصطحبُ عشيقها في رحلةٍ نهريَّةٍ. الشيء الوحيدُ الذي تفعلهُ عندما تأتي هو أن تمدَّ يدَها النحيلةَ مثلَ عودِ ثقابٍ، وبدهشةِ طفلٍ غجريٍّ تُشعلُ وردةَ دمي المطفأةْ. * ظلُّكِ ثلاثيُّ الأبعادِ كسرَ أصابعَ البيانو بأناقةِ عاشقٍ وأعادَ قصبَ حنيني إلى النبعِ ومزَّقَ مخطوطةَ قصائدي وبعثرَها حولَ بيتي ثمَّ جلسَ على أريكتي ينفثُ غيمَ سجائرهِ على وجهي * لأيلولَ صوتُ قطَّةٍ يتيمةٍ قرعَتْ بابَ أوَّلِ غيمةٍ ساهرةٍ ورمقتني بحنوٍّ يكفي لانصبابِ الشتاءِ في قلبي في تلكَ الليلةِ لم أكنْ وحيداً تماماً كانَ ثمَّةَ قصيدةٌ تتفتَّحُ في يدي وجهَ أقحوانةٍ تنزعُ يدُ الليلِ أوراقها بغباءٍ بالغٍ عرفتُ بالصدفةِ بعدَ ثلاث سنواتٍ أنَّ ضيفتي الطارئةَ لم تكن مجرَّدَ قطةٍ حزينةٍ كانت رمادَ جسدِ شاعرةٍ يجوبُ الأرضَ وهو يشتعلُ على هيئةِ قطَّة * كلَّ يومٍ أتفحَّصُ دمي هل ما زالَ يخفقُ في الشرايين؟ أتنشَّقُ صوتَ فيروز هل ما زالَ يحتفظُ برائحةِ وردةِ النارنج؟ أسألُ ألفَ قناةٍ عالميَّةٍ عن رحيلِ الحروبِ الأخيرة أتأكَّدُ من أنَّ التفاصيلَ الصغيرةَ ما زالت موجودةً في حياتي كأن أُفكِّر بقلبِ امرأةٍ مُغلقٍ منذُ شهرين وأنا أدخلُ في سحابةٍ مرتحلة * قالَ شاعرٌ كهلٌ لشاعرٍ شاب: لا تكن تعيساً مثلي ولا تحوِّل عمرَك لدواوين حبٍّ طويلةٍ لامرأةٍ لا تستحقُّ حرفاً منها في النهايةِ وبعدَ فواتِ الأوان لا فرقَ بينَ نظراتِ العاشقِ والأبله * مهرةٌ جامحةٌ ليسَ من عادتي أن أسجنَها في قلبي مكسَّرِ السياجِ والعرباتِ تعلَّمتُ أن أضعَ فمي على وجهها هامساً لها برفقٍ: كم أُحبُّكِ ثمَّ أفتحُ لها بوَّابةَ جسدي السماويَّة * يدُكِ التي تزورُ الأنهارَ الجافَّة كلَّ ليلةٍ هيَ نفسُها الوردةُ البيضاءُ التي كانَ يحملها إدغار ألن بو معهُ إلى النومِ وهيَ الفراشةُ التي أخذتْ معها ناياتِ الغجرِ إلى بيتها القمريِّ خوفاً عليها من عرباتِ اللصوصِ والأوغادِ ذوي الورودِ السوداءِ الاصطناعيَّةِ والمعاولِ المدبَّبة لا خوفَ على أيِّ شيءٍ بعدَكِ من يأسِ القصائدِ إذا صارتْ يدُكِ حديقتي للأبدْ * كنتُ أُخفي دموعي في أكمامي كالثعالبِ العاشقةِ وأنا أبحثُ عن تُفَّاحةِ قلقٍ ناضجٍ في مطالعِ القصائدِ الجاهليَّة وأبتسمُ في وجهٍ لا تعبيريٍّ لنادلةِ حياتي * حيادي الذي هو تاجي الشوكيُّ والمساميرُ السوداءُ الغليظةُ والصليبُ والألمُ يؤرِّقُ البشرَ الطيِّبينَ جدَّاً والمصابينَ بالحنينِ والندمِ والهستيريا.. كانوا يتنزَّلونَ من قطارٍ فضائيٍّ في طريقٍ مرصوفةٍ بآهاتٍ يهشُّونَ بها على بعضهم البعض وعلى النسوةِ الوحيدات وقصائدي الأولى وكانَ الرثاءُ المالحُ خبزي ومائي وأنا أنامُ في حدائقِ السرياليِّين * كلمَّا تعثَّرتُ بحَجَرٍ غبيٍّ يدَّعي أنهُ قمرٌ لسوءِ حظَّهِ سقطَ على الأرض وبشاعرٍ يدَّعي أن (لا نبيَّ في وطنهِ( تيَّقنتُ بأنَّ لا أقمارَ في السماءِ التي خارجَ قلبي وأنَّ الشعراءَ أنبياءٌ كذبة * حريَّتي خارجَ حياتكِ هي أفظعُ سجوني على الإطلاق هيَ هذهِ العصافيرُ المنهارةُ من الزمهريرِ والنقرِ على نوافذكِ المغلقةِ حريَّتي شاعرٌ يُغنِّي بغصَّةٍ: خفيفاً كريحِ الصَبا سأهبُّ فلا توصدي البابَ والقلبَ دوني سأرمي ورائي خريفَ الغيابِ فردِّي دمي من خرابِ الحنينِ * خذي الماءَ من صوتي واشربيهِ على مَهَلٍ فصوتي لا يبدو جافَّاً مثلَ وادٍ من الملحِ وأنتِ لا تبدينَ ريَّانةً مثلَ زيتونةٍ مضاءةٍ باخضرارها * إذا لم يخمشْ مطرُ الخريفِ قلبكَ الشبيهَ بقُبَّرةٍ فقيرةٍ فهو ليسَ بمطرٍ أبداً إذا لم يقدكَ الشِعرُ للمقاصلِ المغطَّاةِ بالحريرِ فأنتَ لستَ بشاعرٍ على الإطلاق * رسائلي المربوطةُ بخيطٍ كتَّانٍ ملوَّن والمبعثرةُ مثلَ تفاصيلكِ الصغيرةِ في ردهةِ حياتكِ الضيِّقة لن تنجحي بفكِّ طلاسمها مهما فعلتِ فهيَ غامضةٌ وسرِّيَّةٌ ومشفَّرةٌ كخطوطِ الأطبَّاء أو كلغاتِ الطيورِ التي انقرضتْ قبلَ ملايين السنين * الكمنجةُ العذراءُ المريضةُ على الدوامِ في ظهيرةِ أيلول والموشومةُ على ظهرِ شبيهةِ مدام بوفاري داويتها بشقائقِ ليلٍ سريعٍ وأهديتها لأوَّلِ ذئبٍ مؤرَّقٍ خرجَ من معلَّقةِ امرئ القيس * مثلَ جنديٍّ سنتمتاليِّ يحشو بندقيَّتهُ برسائلِ الحُبِّ أحشو نعاسي بالنهاياتِ السعيدةِ وبالرواياتِ غيرِ المكتملة مثلَ ملكٍ ينتحبُ على أنقاضِ مملكتهِ أعجنُ رذاذَ الفلوريسنت بدمي واهطلُ كالسحابةِ في غرفتي المغلقة * أنحتُ أنفاسي على هيئةِ تنهدَّاتكِ في الصباح *
مجازاتُ وردةِ الحَيرة II
السامريُّ أنا
السامريُّ أنا وأصرخُ: لا مساسَ، فكلُّ من أحببتهم خانوا يديَّ، وسمَّروا قلبي على خشبِ الصليبِ، وأفردوني في الخريفِ بلا بنفسجةٍ، وأهدوا آخرَ الدمعِ المفخَّخِ بالرصاصِ، إلى أغاني البدوِ، هل سيكونُ وقتٌ كي أعودَ من اشتعالِ الماءِ بالعشبِ المغطَّى في الضحى بنحيبِ لوركا؟ أو لأسحبَ زهرةَ الصُبَّارِ وهيَ تكادُ تغرقُ بينَ أظفارِ الجفافِ؟ وكي أُداوي قلبَ شاعرتي المصابةِ بالكآبةِ والفصامِ الشاعريِّ، وكلِّ أعراضِ القوافي؟ آهِ هل سيكونُ وقتٌ كي أُردِّدَ في الخريفِ لنسوةٍ زوَّجنَ ناياتي لقهرِ الزمهريرِ: اغمضنها بأبي - إذا أوديتُ مغتربَ الهوى - أنتنَّ أجفاني، لأسمعَ سقسقاتِ الطائرِ الدوريٍّ من حولي، وأُبصرَ ما يشعُّ على يدَيْ أنثايَ من ذهبِ القصائدِ، أو سماواتِ القطيفةِ والحمامِ؟ السامريُّ أنا وتلكَ نبوءتي الأولى، أقولُ لقُبلةٍ حجريَّةٍ في السورِ: كوني وردتي أو ماءَ صلصالي، ونارَ غوايتي البيضاءَ في وجعِ الرخامِ، السامريُّ أنا، وتلكَ أوابدي وطريقتي بتتبُّعِ الأشياءِ، أو برثائها الصوفيِّ والرعويِّ في ليلِ المنافي... *
أرقُ أكتوبر
أكتوبرُ، الأرقُ النظيفُ، النايُ، رائحةُ الحنينِ، الظلُّ منشطراً إلى جسدينِ، ليمونُ التأمُّلِ، حسرةُ العشبِ المُغطَّى بانكسارِ الضوءِ، قوسُ ظهيرةٍ في الشرفةِ الزرقاءِ، صوتُ البرتقالِ، أوائلُ التكوينِ، آخرةُ القرنفلِ والسرابِ، المهدُ والماءُ المعذَّبُ، نزوةٌ عاديَّةٌ أكتوبرُ، النعناعُ والنمشُ الخفيفُ، أظافرُ الحنَّاءِ، مسقطُ دمعتي أكتوبرُ، الزيتونُ حينَ يصبُّ مثلَ أشعَّةٍ عطريَّةٍ في لمسةٍ امرأةٍ وفي العينينِ، معنى أن تصيرَ رؤايَ أوسعَ، والعبارةُ قُبلةً عمياءَ ضيِّقةً، وصلصالاً يعيدُ تشكَّلَ الأشياءِ في امرأةٍ وعاشقها... *
لا زلتُ أخطئُ في التخاطبِ
لا زلتُ أُخطئُ في التخاطبِ بينَ مفردتينِ، بينَ قصيدةٍ بهشاشةِ الروحيِّ أو ولهِ الفراشاتِ العطاشِ بآخرِ المعنى، وبينَ صديقةٍ بصلابةِ الفولاذِ والحجَرِ الذي يمشي كمن في حلمهِ يطفو، أخطُّ قصيدةً بدمي وأُخطئُ، ثمَّ أنسى ما فعلتُ بجرَّةِ السهَرِ المؤرَّقِ أو بمرآةِ النداءِ النرجسيِّ إلى الوراءِ، تفتَّقتْ عن مقلتيَّ شقائقُ النسيانِ، قلتُ لعابراتِ القلبِ: هل يكفي لهاويةٍ من اللعناتِ خيطٌ واحدٌ ليجرَّها عني بعيداً؟ قلتُ للشجَرِ: انتظرني ريثما يغفو الرثاءُ الموسميُّ على الغصونِ، كأنهُ يبدو حقيقيَّاً أمامي حزنُ هذا الليلِ، لكن لن أُصدِّقَ غيرَ طلعِ الرملِ في ليلِ الذئابِ... *
قمرٌ من الحنَّاء
كنْ يا نهارُ سفينةً لا تبرحُ المرسى، ويا ليلُ ابتعدْ لأراكَ وحدكَ في عباءاتِ النساءِ، وضوحُكَ الأبديُّ يُغريني لأنزلَ كالفتاةِ من الغموضِ الزئبقيِّ إلى الحديقة، قُلتُ للمنفيِّ: لا تحزنْ فقلبي قُلَّبٌ، وفتحتُ شبَّاكَ القصيدةِ كي تطيرَ أيائلُ المعنى بلا يأسٍ، فكنْ لي يا نهارُ محارةً من كيمياءِ الغيبِ، كنْ حجرَ الدموعِ على الضلوعِ، وشهقةَ الغجريَّةِ السمراءِ حينَ يصبُّ في خصلاتها قمرٌ من الحنَّاءِ، ينبتُ في دمي مطرٌ، ويا ظلُّ انكسرْ فوقَ المياهِ لكيْ أُلملمكَ، انكسرْ لتهبَّ مثلَ الأقحوانةِ، وانكسرْ حتى تُذرِّيكَ الرياحُ تهبُّ من أقصى اشتهائي... *
مجاز
مجازاً تقولُ: إذا اكتظَّ رأسي بوردٍ شديدِ السوادِ سأُلقيهِ بينَ يديكَ.. مجازاً أقولُ: نسيتُ طعامَ النوارسِ في البيتِ، والماءَ في الغيمةِ الأنثويَّةِ، قمحَ السماءِ نسيتُ، وعصفورتي الذهبيَّةَ، كنتُ على عجَلٍ من حنيني، أُرمِّمُ تنهيدةً بشفاهي لأنجو بنفسيَ أو بقميصي الذي قُدَّ من قُبَلٍ والملطَّخِ بالتوتِ، كنتُ على أملٍ لم يجدْ بقعةً في القصائدِ واحدةً لمواراةِ يأسي، ومن دونِ قصدٍ تركتكِ نائمةً في القطارِ، كأنكِ سيِّدةٌ لستُ أعرفها وابتعدتُ. *
عينانِ ساحرتان
عينانِ ساحرتانِ، زيتونيَّتانِ، حزينتانِ، عميقتانِ، تحدِّقانِ بكوكبٍ يهوي إلى عدَمٍ، كنرجستينِ فوقَ بحيرةٍ زرقاءَ مغمضتينِ، طافيتينِ في قلبي، مسمَّرتينِ فوقَ الماءِ والعسَلِ المملَّحِ، قلتُ: أنتِ ملأتِ جرحي بالندى والخلِّ، حينَ نضوتِ أزهارَ الثيابِ المخمليَّةِ عنكِ، هل أغويتني بالشوكِ أو نصفِ الدموعِ على عبيرِ البرتقالةِ عندما فسَّرتِ عاطفتي برائحةِ الغمامِ؟ وهل أخذتِ الطفلَ فيَّ لآخرِ الدنيا وأوَّلِ نزوةٍ بيضاءَ كالفرَحِ المجنَّحِ؟ يا ابنةَ العشبِ الشتائيِّ الظلامُ كأنهُ أعمى يقودُ دمي إلى معناهُ، أو شبحٌ يردِّدُ لي صدى ( عينانِ ساحرتانِ، زيتونيَّتانِ، حزينتانِ، عميقتانِ، تحدِّقانِ بكوكبٍ يهوي إلى عدَمٍ).. *
نداءُ الملح
في ذلكَ الليلِ الشبيهِ بنشوةٍ مطويَّةٍ فوقَ السريرِ، وبالسواحلِ في بلادِ اللازوردِ، رأيتُ عاشقةً يمرِّرُ شاعرٌ يدَهُ على أوتارها، في حزنِ ريلكة كانَ، أو في شوقهِ الأبديِّ لامرأةٍ تخضِّبُ ظهرَها غيتارةٌ غجريَّةٌ، وينامُ فوقَ وسادها قمرانِ، كادتْ أن تهمَّ بهِ وكادَ يسلُّ منها الظبيةَ، الأفعى، الحمامةَ، والفراشةَ، والسحابةَ، لوعةَ النايِ، احتراقَ الماءِ في جسدِ الكمانِ، القطَّةَ الأحلى، ويطلقُ قلبَهُ في شكلِ قنديلِ البحارِ يطيرُ في أبدٍ، ليتبعَ عطرَها في ذلكَ الليلِ الغريبِ أو الشبيهِ بنشوةٍ مطويَّةٍ فوقَ السريرِ، كقبلةٍ منسيَّةٍ، كقصائدِ اللاندايِ، هل من خصلةٍ ورديَّةٍ، أم من نداءِ الملحِ في دمنا سينبلجُ النهار؟ *
قلبٌ مخرَّمٌ بالسفرجل
من كم خريفٍ شاعرٌ يبكي ويضحكُ في قصيدتهِ كسكِّيرٍ، يثرثرُ كالأراملِ، يستجنُّ كعاشقاتٍ غابَ عشَّاقٌ لهنَّ، فيشعلُ الماءَ الذي ينسابُ في المرآةِ، والليمونَ في امرأةٍ تسيِّجُ نهدَها بالوردِ أو بالعوسجِ البريِّ، لا هو حالمٌ كي يستفيقَ من الحياةِ ولا ترابيٌّ ليكملَ في التفاصيلِ الصغيرةِ دورةَ المعنى، يقولُ: سنلتقي عندَ انتهاءِ قصيدةٍ ما أو نهارٍ، شاعرٌ نزقٌ يربِّي ظلَّهُ عندَ التقاءِ النهرِ بالبركانِ، يصمتُ كلَّما قالتْ لهُ امرأةٌ يحدِّقُ في ابتسامتها المضاءةِ بالنحيبِ: السرُّ في عينيَّ، روحي فيهما طيرٌ يرفرفُ فوقَ أجملِ غابةٍ ليصبَّ فيكَ، كأنكَ الشمسُ الأخيرةُ في دمي، والعابرُ الأبديُّ في جسدي، كأنكَ شاعرٌ من كم خريفٍ يرتقُ القلبَ المخرَّمَ بالسفرجلِ والغناءِ العاطفيِّ سدىً، يقولُ: سنلتقي لو في مطالعِ أغنياتِ البدوِ كالغرباءِ، أو ننحلُّ في بعضٍ كآخرِ ذرَّتينِ من الهواءِ، وكانحلالِ ظلامِ ليلِ الشكِّ في نورِ اليقينْ. *
كطعمِ الحُبِّ في أيلول
من ذلكَ الصيفِ البعيدِ كأنني ما زلتُ أحملُ صخرتي وحدي، وتطفو القهقهاتُ على خطايَ، أشمُّ رائحةً مشبَّعةً بنارنجٍ وغامضةً، كطعمِ الحُبِّ في أيلولَ، في نُزلٍ على نيلِ العجوزةِ، كانتْ امرأةٌ ترتِّبُ ليلَها الشفهيَّ في الضوضاءِ، توقدُ مزهريتها لقلبي كيْ ينامَ، غريبةٌ هيَ، أو أنا وحدي الغريبُ، ولم تكنْ عرَّافةً لتقولَ لي الأسرارَ، أو عذراءَ شاعرةً لتوقدَ مزهريَّتها ورغبتها على مرأى النجومِ، وآخرِ النسيانِ، أو لتعيدَ ترتيبَ الرهافةِ في الصباحِ على طريقتها، وتذهبَ مثلَ برقٍ شعَّ أو ظلٍّ توارى في السرابِ. *
شمسُ الأغاني
قولي: (مساءُ الخيرِ) للشجَرِ الذي عرَّتهُ ريحُ الليلِ، للمطَرِ النهاريِّ الخفيفِ، لنزوةٍ يأتي بها نوفمبرُ القاسي / الحنونُ، لنأمةٍ فوقَ البحيرةِ أو على طرفِ الحديقةِ، لانتظارٍ كانتظارِ الشِعرِ ساعةَ لا يجيءُ، ولانكسارٍ لا يُفسَّرُ، للغناءِ الساحرِ المغناجِ، للرقصِ المدوَّرِ، للقرنفلِ في السريرِ وفي الكتابِ، لراقصاتٍ حافياتٍ فوقَ رملِ القلبِ، قولي للأصابعِ في الخضابِ، وللمساءِ، لأصدقائكِ، لي: (مساءُ الخيرِ)، صوتُكِ كانَ فاكهةَ الشتاءِ، الآسَ، خبزَ الحُبِّ، نعناعَ الجليلِ، وكانَ قلبي موجَعاً، ودمي كأوراقِ الخريفِ، ولم يكن ندمي معي وخطايَ كي أنسلَّ منكِ كآدمَ المسكينِ، كانَ الليلُ مكحلةً لعينيكِ، القصائدُ ذكرياتِ يديكِ في الفردوسِ، حنطتكِ التي تكفي شعوبَ الطيرِ يا شمسَ الأغاني. *
قصيدةٌ لا تنتهي
هذي الحياةُ قصيدةٌ لا تنتهي أو لعبةٌ، وجعٌ إضافيٌّ، ظلامٌ ناصعٌ، أبدٌ، نهارٌ مشمسٌ، قيلولةٌ ما بينَ كابوسينِ، لا أدري ولكني أحسُّ كأنَّ قلباً ثانياً في الجنبِ يوجعني، كأنَّ حبيبتي خانتْ، كأنَّ الاخوةَ الأعداءَ صاروا أصدقائي الخُلَّصَ، القوَّادُ أصبحَ سيَّدَ الدنيا، وكلُّ الحبِّ لا يقوى على مسحِ ابتساماتِ البغايا عن وجوهِ الآخرينَ، وعالمُ الأرقامِ يوجعني، كأنَّ دمي على جمرٍ يسيلُ، العاشقُ العربيُّ والعبثيُّ في عصرِ النجومِ يقولُ: يا ليلى أحبُّكِ في الحياةِ وفي المماتِ، وفي المماتِ وفي الحياةِ، وكم أحبُّكَ يا إلهي، العائدونَ من الجحيمِ يبشِّرونَ بجنَّةٍ أرضيَّةٍ، يا سيَّدَ الفردوسِ لا أرقاً أريدُ ولا مرايا كيْ يُقبِّلَ وجهَهُ نرسيسُ فيها، كلَّما مرَّت فتاةٌ قربَ أغنيةٍ، وأمعنَ في تردِّدهِ الجمالُ، وفي تشرُّدهِ دمي، فالظامئُ الأبديُّ لا يكفيهِ ماءٌ في المجرَّةِ، والنهاريُّون كانوا طيِّبينَ معي، ولم أجدْ الحمامةَ في انتظاري عندَ نافذتي، لأغسلَ دمعتي بهديلها الرقراقِ مثلَ أبي فراسٍ في بلادِ الرومِ، لم أجدْ الحفيفَ الأنثويَّ، ولا المزاميرَ الخفيفةَ في انتظاري. *
حبقٌ مُسهَّد
هيَ كلَّما كبُرَتْ يفيضُ غموضُ نظرتها إلى الأشياءِ، أو تنسى الحنينَ الأوليَّ إلى البنفسجةِ الوحيدةِ، كلَّما نهضتْ تشفُّ كأنها قمرُ الصباحِ وماءُ سرِّ الأقحوانةِ، لا تلوِّحُ للنهاراتِ التي تنأى بعيداً كالقطاراتِ الغريبةِ، أو ترمِّمُ بالقصائدِ لغوَ خسراني، ستهمسُ لي: السرابُ وراءَ قلبي كانَ، فانقشْ فوقَ خاصرتي القصائدَ والنجومَ، أُتركْ لعصفورِ الخريفِ الماءَ يقطرُ من فمِ الصنبورِ، والحبقَ المُسهَّدَ في السريرِ الليلكيِّ، وفتِّشْ امرأةً سوايَ لكي تراني. *
كم مرَّةً ستحبُّ؟
كم مرَّةً ستحبُّ، أو كم مرَّةً ستعانقُ الصُبَّارِ في أرضٍ تحبُّكَ أنتَ لا ظلَّ السحابةِ؟ قلبُكَ المنسيُّ قنديلٌ يضيءُ الدربَ في ليلِ الدموعِ، وأنتَ توقدُ للبرابرةِ الذينَ تناثروا، وتدلُّ كلبهمُ على قمَرٍ، وآخرَهم على أثرِ الربابةِ، أو على مطرِ الصدى، كم مرَّةً ستحبُّ أو كم مرَّةً ستموتُ؟ عاصفةُ القرنفلِ خلفَ ظهركَ والقطارُ الساحليُّ يفوتُ، في وقتِ الظهيرةِ كنتَ في حيفا وكانَ أمامَكَ البحرُ الخريفيُّ المغطَّى بالغيومِ وبالتنهُّدِ، وهو يرمي ثوبَهُ الأبديَّ قربَ الشمسِ، هل أطلقتَ نورسةً من الأضلاعِ، ثمَّ نسيتَ بابَ العمرِ مفتوحاً على الـتأويلِ؟ كم من مرَّةٍ سترى بخاطفِ نظرةٍ صُوَرَ الطفولةِ، وهيَ تنأى في مدى عينيكَ مثلَ البارقِ القمريِّ، أو تلويحةِ الأشجارِ فوقَ الضفَّتينِ وأنتَ ترمقها على عجَلٍ، وتوغلُ في السرابيِّ المواربِ، لم تكنْ أعمى لتذكرَ أو لتنسى، لم تكن أعمى ولكن كنتَ وحدكَ كالغريبِ، وكنتَ وحدكَ كانسحابِ يديكَ من جسَدِ الحبيبِ، وكنتَ وحدكَ... في الخريفِ يصيرُ لونُ البحرِ أجملَ، واستداراتُ النجومِ تصيرُ أجملَ، والمسافةُ بينَ ساعاتِ الظهيرةِ والمساءِ تصيرُ أجملَ، فوقَ هذا الكرملِ السحريِّ كنتَ فقدتَ أُمَّكَ، وانكسرتَ على الفراشةِ، واشتعلتْ بدمعةٍ حجريَّةٍ، كم مرَّةً ستقولُ: هاويتي القصيدةُ والحنينُ إلى السرابِ رعافُ روحي؟ *
ريشةُ عنقاء
لن أُصدَّقَ نفسي، سأحفظُ عن ظهرِ قلبٍ طريقَ الرجوعِ الطويلَ الذي نقشتهُ مؤابيَّةٌ في دمي، وٍسأمحو تفاصيلَ رغبةِ بعضِ القصائدِ بالركضِ فوقَ النجومِ، سيجتاحني شغفٌ مرضيٌّ برائحةِ الصخرِ والزعفرانِ التي نبتتْ في فمِ الاستعارةِ كالعشبِ، لا لن أُصدِّقَ نفسي، سأتركُ بعضَ الزهورِ لتأكلها الريحُ، بيتاً من الشِعرُ كي تتوضَّأَ غاويةٌ فيهِ، ماءً قليلاً لتشعلَ فيهِ الكوابيسُ حزناً بلا سببٍ، هل لأنَّ البصيرةَ دلَّتْ يديَّ على عنبٍ في مهبِّ الثعالبِ، تحملني الآنَ ريشةُ عنقاءَ حتى المصبِّ الأخير؟ *
حَدْس
بالحَدْسِ يسكنني المغنِّي العذبُ، أتبعُ نجمةً خضراءَ، ألمسُ بالأصابعِ شوكةً مائيَّةً، وأطيرُ فوقَ بحيرةٍ بالحَدْسِ، أو أعدو وراءَ الريحِ، أنتظرُ الشتاءَ، الصيفَ، رائحةَ الخريفِ، النهرَ في نيسانَ، والمطرَ الحزيرانيَّ، أنظرُ في المياهِ وفي الظهيرةِ، ثمَّ أمحو وجهَ نرسيسَ الشقيِّ، وأستقيلُ من الحقيقةِ والمجازِ إلى الأبدْ. *
أصحو وبي خدَرٌ
أصحو وبي خدَرٌ، أعودُ الى المتاهةِ لحظةً كي أطمئنَّ على صديقي أو على فرَسي العنيدةِ، للسنابلِ أن تميلَ ولي أنا سربُ الحمامِ على انكسارِ الضوءِ، لي الزيتونُ، لي لونُ القطيفةِ، لي نهارُ الصحوِ في كانونِ أوَّلَ، وابتداءُ الحُبِّ، لا أصحو ولكني أريدُ تتبَّعَ النسيانِ كالغرباءِ، أرمي وردتي للطائرِ الدوريِّ، أُغلقُ هاتفي الشخصيَّ، فالأخبارُ مزعجةٌ ويزعجني اهتزازُ الهاتفِ الخلويِّ، بي مطرٌ يسحُّ على الأهلَّةِ أو شبابيكِ الغيابِ، وبي نداءٌ في الزحامِ عليَّ: هل ما زلتَ تذكرُ كيفَ ضلَّلُ شَعرُها بكَ في المرايا والدروبِ؟ أرى الذي سأراهُ من وجعِ الحروبِ، ألوكُ صوَّانَ المسافةِ أو أمدُّ يديَّ للقمَرِ القريبِ، تمرُّ عاصفتانِ قربي، ثمَّ تهدأُ في دمي الصيفيِّ عاطفتانِ، لا يُغشى على أحدٍ سوايَ لأنَّ شخصاً ما غريباً أو تعيسَ الحظِّ ماتَ اليومَ، أو عمراً جميلاً فاتَ في هذا الزمانِ العنصريِّ الوغدِ وابنِ الكلبِ، هل سأرى الذي سأراهُ، أو يُغشى على أحدٍ سوايْ؟ *
نمشي ونرسمُ طائرينِ
نمشي ونرسمُ طائرينِ على الجدارِ، لأنَّ ظلَّاً ما خفيفاً شعَّ من حجَرٍ، لأنَّ حمامةً ناحتْ وراءَ السروةِ الخضراءِ، كنتُ أقيسُ عمري مرَّةً بالسروِ، أو بحرائقِ العنقاءِ تفتحُ لي جفوني، أو سماءَ القلبِ، لم تذهبْ سدىً يا عُمرُ، لم يذهبْ صدى الرؤيا ولا هذا النهارُ سدىً، ولكنَّ الحنينَ يئنُّ في الدمِ مثلَ صوتِ الماءِ أو صوتِ الزلازلِ كلَّما جاءَ الشتاءُ، وأصبحتْ في عُهدةِ امرأةٍ قصائدُ شاعرٍ غيري، انحنى قلبي وكانتْ صخرةَ الآثامِ لي في الأرضِ أو قمرَ البصيرةِ، زهرةَ البريَّةَ الأولى وشمسَ البيلسانْ. *
دُوار
بي دُوارٌ وبي لغةٌ لا تضيءُ الزنابقَ في أوَّلِ الليلِ، بي حبقٌ منزليٌّ يشقُّ الطريقَ إلى ما يريدُ، دُوارٌ أكيدٌ، سأمضي بهِ، وستمضينَ للغيبِ يا امرأتي كنهاياتِ بعضِ السنينِ، تأخَّرتِ عن موعدي وتغيَّرتِ مثلَ الفصولِ، ولكنني لم أعد مثلما كنتُ أيضاً أنا، ضاعَ فردوسُ روحي وقلبي تصدَّعَ في موجةٍ غيرِ مرئيَّةٍ، وتبدَّدَ في آخرِ البحرِ، عينايَ مشدودتانِ إلى نجمةٍ غيرِ مرئيَّةٍ في الظهيرةِ، والأقحوانةُ قد أكلتها الضباعُ. *
حَجَلٌ زئبقيٌّ
الوميضُ، العبارةُ، خيطُ المجازِ الذي يتدَّلى من الشرفةِ، المَطَرُ الصلبُ في الخارجِ الآنَ، عاصفةُ النايِ في القلبِ، رائحةُ الذكرياتِ، المناديلُ، طعمُ السحابِ، السُرى في الظلامِ، البروقُ، السماءُ، الرؤى، الأغنياتُ، أفكِّرُ: كيفَ تنامُ العصافيرُ تحتَ الرعودِ ونقرِ الشتاءِ؟ وفي لحظةٍ أتذكَّرُ أنَّ فتاةً من النرجسِ الحلبيِّ ومن زبَدِ البرقِ تنطفئُ الآنَ شمسُ أنوثتها، ثمَّ تنأى وتنسى نصاعةَ قمصانها فوقَ مشجبها المهاغونيِّ، كيفَ أروِّضُ هذا الغيابَ إذن؟ كيفَ أشرحُ أنَّ الشتاءَ يعيدُ توازنَ روحي التي اصطادَها الحجَلُ الزئبقيُّ الذي أطلقتهُ الرسائلُ خارجَ هذا الزمانْ؟ *
آلاءُ فاطمة
آلاءُ فاطمةَ الجميلةِ ليسَ تُحصى، ثغرها الورديُّ يهمسُ لي: افتقدتكَ أمسِ فانشطرتْ فراشاتي إلى شفتينِ، فاطمةُ الرقيقةُ مثلَ عودِ البانِ، والأشهى من الرُمَّانِ، كم سمَّيتُها عصفورتي الخضراءَ، أو يا بنتَ زهرِ الياسمينِ الحُرِّ، من شرقِ البنفسجِ، من شمالِ القلبِ، فاطمةُ الطويلةُ مثلَ أبهى نخلةٍ في الأرضِ، مثلَ الآهِ في الموَّالِ، كانتْ طفلةً حلبيَّةً بأصابعٍ تبكي على الأوتارِ أو بدمٍ من التحنانِ يغلي، صوتُها بالغيمِ أو بالزنجبيلِ يُقاسُ، فاطمةُ البهيَّةُ كالغزالةِ كيفَ لم أرها؟ ولم أسمعْ رنينَ جمالها السحريِّ في قلبي لأسبوعينِ، لكني أُصدِّقُ وعدَها الأبديَّ أو آلاءَ فتنتها، وأُغلقُ بابَ حلمي كلَّما ينسلُّ منهُ القاتلُ الفاشيُّ والمأجورُ ليلاً كيْ يُروِّعني بفاطمةَ الصغيرةِ بنتِ زهرِ الياسمينْ. *
أهذي كمن في نومهِ يمشي
هيَ لم تكن يوماً هناكَ، وربَّما كانتْ ولم تُخبرْ بأنَّ الطائفيِّينَ الذينَ تناسلوا قصُّوا ضفيرتها التي في الريحِ ربَّتها وفي سهلِ السنابلِ طفلةً وصبيَّةً، وتعهَّدوا دمَها المُراقَ على الترابِ بزمهريرِ الليلِ، شقُّوا ثوبَها الذهبيَّ، فستانَ العروسِ، ونخَّلوا جسدَ الزنابقِ بالرصاصِ الحيِّ، أبناءُ الحرامِ تقاسموها بينهم مثلَ الذئابِ، كأنها تفَّاحةُ الشهواتِ، أو ثمرُ الخطايا الحلوُ، كانتْ طفلةً، لم تُصبحْ امرأةَ الغوايةِ بعدُ، من فمها تغارُ براعمُ الليمونِ، من أجفانها قمرُ البنفسجِ، في وصيَّتها الأخيرةِ لم تقلْ شيئاً، ولم تذرفْ دموعَ القهرِ فوقَ نصاعةِ الكلماتِ، عانقتْ الأهلةَ والصليبَ، توضَّأتْ، صلَّتْ على ماءِ البحيرةِ، أو على جمرِ الشهادةِ، أصبحتْ جان داركَ في النارِ الصديقةِ أو سميَّةَ فوقَ صحراءِ العذابِ، أو أنني أهذي كمن في نومهِ يمشي، فلم تكُ مرَّةً يوماً هناكَ ولم يكنْ أبداً أبو جهلِ اللعينْ. *
مطرٌ في دمي
(في ذكرى بدر شاكر السيَّاب)
دخانٌ من القلبِ يطلعُ، خضراءُ عنقاءُ روحي، دخانٌ من القلبِ والرأسِ يطلعُ، هاويتي امرأةٌ والرياحُ جنوبيَّةٌ، والظلالُ حياديَّةٌ كأغاني الرعاةِ، سأفتحُ عينيَّ للريحِ، هذا النخيلُ أخي، والمساءاتُ ضيِّقةٌ في اتِّساعِ الحنينِ، هو المستحيلُ الضروريُّ، والشغفُ الهامشيُّ، القصيدةُ أنثى كما قلتَ لكنها لا تطاوعني، كم سمعتُ صليلَ خطاها وكم ذُقتُ صلصالها، مطرٌ في يديها وفي قلبها، مطرٌ في أصابعها وبأخمصِ ناياتها، مطرٌ في دمي، مطرٌ في عروقِ الزجاجِ وفي شجَرِ الطيرِ، ما بينَ وجهي وغيمِ الفراشةِ يا صاحبي مطرٌ أنثويٌّ، وبينَ شفاهي ورمَّانها مطرٌ، كنتُ أمشي على نجمةٍ من صفيحِ الصبا والصبابةِ يا بدرُ، كانتْ قصائدكَ النورَ والنارَ، تفَّاحةَ الروحِ والأقحوانةَ، ليلَ الرؤى ونهارَ البصيرةِ، شرفةَ قلبي ومنفايَ، يا بدرُ مرَّ القطارُ علينا معاً، نزَّ دمعُ المحارِ الذي لا يُرى من أصابعنا، أينَ شمسُ الخريفِ التي شربتْ طلَّ جيكورَ؟ أينَ صدى سقسقاتِ العصافيرِ في جسدَيْ عاشقينِ؟ وأينَ النوافيرُ؟ أينَ النهاراتُ؟ والنسوةُ السبعُ؟ أينَ رمادُ أغانيكَ؟ خضراءُ عنقاءُ روحي، وجيكورُ خضراءُ مسَّ الأصيلُ ذرى النخلِ فيها بأجفانِ حيفا. *
سهدٌ إضافيٌّ
بي نصفُ جرحٍ ليسَ يبرأُ من ضجيجِ النثرِ، بي صمتٌ شتائيٌّ خفيفُ الابتسامةِ، مائلٌ للغيبِ، لا يقوى على حملِ الرذاذِ ولا العبارةِ، فيهِ تورقُ أغنياتُ الحُبِّ، بي وجدٌ كما ينشقُّ بحرٌ فيَّ أو تأتي الوعولُ إليَّ من ليلِ القصيدةِ، أو يواري الإخوةُ الأعداءُ سوءتهم وراءَ التينِ، بي ومضُ الكلامِ الحيِّ، في القلقِ المواربِ، في اليقينِ وفي حجابِ الظنِّ، بي معنى انصبابِ الريحِ في القصبِ الجريحِ وفي يدِ امرأةٍ تغنِّي للحياةِ سُدىً، ألم يقلِ المعريُّ: الحياةُ كأنها سُهدٌ إضافيٌّ؟ ألم تبكِ الذئابُ على الفريسةِ والجمالُ الآدميُّ على السرابْ؟ *
في اللوحةِ امرأتانِ
في الليلِ وحدي لا أُحدِّقُ في الفراغِ ولستُ أُصغي مُرهفاً لخطىً وراءَ البابِ قلبي، غيمةٌ، ديوانُ شِعرٍ، وردةٌ زرقاءُ، أغنيةٌ، سنابلُ فضَّةٍ، قمرٌ ترابيٌّ، نعاسٌ، قطَّةٌ، أرقٌ، بقايا لوحةٍ، في اللوحةِ امرأتانِ، واحدةٌ تعلِّمُ قلبَها الطيرانَ فوقَ الغيمِ، والأخرى تربِّي نجمةً في بيتها البحريِّ، أو تحتكُّ مثلَ فراشةٍ بشريَّةٍ بي، هل لتحملَ شهوةَ النسيانِ عن عينيَّ قلتُ لها : اتبعيني مثلَ ذئبٍ ضلَّ، أو كسهامِ نارٍ في الفلاةِ، فإنَّ هذا العامَ ضاعَ سُدىً ولم أغسلْ بلمعةِ شَعركِ العينينِ؟ بعدَ اليومِ لن يُوحى إلى قلبي المصابِ بغربةٍ حجريَّةِ الألوانِ، لا مطرُ الظهيرةِ هبَّ من صحراءَ قاحلةٍ، ولا حجَرُ القصيدةِ كانَ خدَّ الأرضِ أو قمرَ الغناءِ. *
أربعاءُ الرماد
لن أُرتِّبَ فوضى علاقتنا، سوفَ أتركها كالحديقةِ مهملةً وعلى حالها، لا لشيءٍ وليسَ لأنَّ الرياحَ التي طوَّحتْ بيَ روحيَّةٌ، لا لأنَّ المحبةَ نسبيَّةٌ، فظَّةٌ حينَ تبكي بنفسجةٌ في يدي، والنهارَ قصيرُ الخطى، فأنا لم أعدْ أتذكَّرُ ما حلَّ بي من عشيَّاتِ نيسانَ أو أربعاءِ الرمادِ سوى الضوءِ أو ظلِّ ليمونةٍ، يومَ شَّعتْ أصابعُ قلبي ورنَّ صدى جرسِ الأقحوانةِ في حجرِ الليلِ، كانَ الظلامُ حجاباً خفيفاً وراءَ ابتسامتنا، والغيابُ الذي يتنزَّلُ من شرفةٍ لا تُرى مطرَ الذكرياتِ الحميمَ، وكانَ سرابُ الغصونِ التي تتقصَّفُ حولَ فمي أو دمي رغبةَ امرأةٍ لستُ أذكرها، لن أرتِّبْ فوضى متاهتنا، لن أسُّدَّ شبابيكَ قلبي ولن أبتعدْ. *
شوكُ الحنين
أملٌ يقايضني بلا شيءٍ ولكني أضيءُ الليلَ بالأشواقِ في عمرِ النبوَّةِ، لا فحيحُ الطينِ يُدميني ولا شوكُ الحنينِ لأورشليمَ، أنا سوايَ، وشاعرٌ يهذي ولكن لن أقيسَ اللهفةَ العجلى بثرثرةِ النساءِ، ولا بوردِ الغيبِ، قد أمشي وفي قلبي من الناياتِ أمطارٌ، ولكني أُجيبُ غريبةً بالصمتِ حينَ تقولُ: حدِّقْ بي، بعينيَّ اللتينِ اقتصَّ حزنُ الآدميَّةِ منهما، خمساً من السنواتِ كالخمسينِ أو كالحلمِ، يا أرقي الذي لمَّعتهُ وصقلتهُ بيديَّ، يا أملاً يقايضني بلا شيءٍ، ويعطيني جناحَ فراشةٍ وقصيدةً زرقاءَ خُطَّتْ فوقَ وجهِ الماءِ أو وجعِ الزبدْ. *
ماذا تريدُ من الحياةِ؟
ماذا تريدُ من الحياةِ أو القصيدةِ؟ قالَ لي أحدٌ، أجبتُ بلستُ أدري، ربَّما ما كانَ يبغي الآخرونَ، العاملُ البلديُّ والشرطيُّ، مأمورُ الجماركِ، نادلُ البارِ الوحيدُ وبائعُ الذُرةِ الشريدُ، وربَّما لا شيءَ، لا أدري، الحياةُ متاهتي الكبرى، القصيدةُ ليلُ هاويتي، ولكني أحاولُ أن أكونَ وأن أُغنِّي، أن أُحدِّقَ في فراغِ الكأسِ أحياناً، وأن أتوسَّلَ النسيانَ، لستُ أرى طريقاً لا تقودُ إلى القصيدةِ أو إليَّ، ولا سماءً تقتفي غيري، ولاستدراجِ أيِّ قصيدةٍ ظهرتْ كأنثى البحرِ لي نايانِ في صدري، ولي حجَلٌ يراوغني ولكن ليسَ يعصيني، لأسبوعينِ أشطبُ في الظهيرةِ كلَّ ما في الصبحِ أكتبهُ، أريدُ من القصيدةِ أن تضيءَ القلبَ لا قمرَ المجازِ المدلهمَّ، جوانبَ الرؤيا الأخيرةِ لا ظلامَ الاستعارةِ، أسفلَ الينبوعِ لا مجراهُ، آخرَ صبوتي لا مشتهى ضلعي، وكاحلَ أيَّةِ امرأةٍ، أصابعَها النحيلةَ، لا هبوبَ نحيبها الأبديِّ في شجَرِ الظلامْ. *
رملٌ ناصعُ الحيرةِ
تندلعُ الوردةُ في الكتابِ، والعصفورُ في اللوحةِ، والظلُّ الذي في الماءِ، والضحكةُ في عينيكِ، هل أُقشِّرُ الظلامَ عن مَحارةِ الليلِ وعن شَعرِكِ، والليلكَ عن أصابعِ العشَّاقِ؟ أم أُدرِّبُ الخشفَ على الركضِ أو القلبَ لكي يطيرَ؟ رملٌ ناصعُ الحيرةِ في الفكرةِ، ملحٌ جارحٌ يلمعُ في العينينِ، هذا الليلُ سمَّى باسمكِ الأزرقِ كيْ يدلَّ سربَ النورسِ البحريِّ للنجمِ الذي يولدُ من ضلعكِ، كوني أوَّلَ الأشجارِ في سفرِ المزاميرِ، وكوني آخرَ النساءْ. *
صبوةٌ أولى
طوَّفتُ كابنِ زريقٍ الأرجاءَ وحدي والقصيدةُ سرُّ خسراني الجميلِ، أقولُ: واسعةٌ هيَ الأحلامُ ضيِّقةٌ حياةُ الناسِ، هل أحتاجُ كيْ أنسى التفاصيلَ الصغيرةَ في الشتاءِ الهامشيِّ قصيدةً وفماً وقلباً مثلَ ما لكِ؟ لا يهمُّ الآنَ.. أعرفُ أن قلبَكِ أو شفاهكِ من صفيحِ الصمتِ والرغباتِ، لم تكُ أيُّ شمسٍ حذوَ بابِ الليلِ، لم تكن القصيدةُ في انتظاركِ، والحديقةُ لا تزالُ كنصفِ نافذةٍ مواربةٍ، وأجراسُ النعاسِ تدقُّ، كانَ الزعفرانُ يضيءُ عاصفةَ الظلالِ كشمعةٍ مقطوفةٍ من غيمةٍ، كانَ الظلامُ كوردةٍ ليليَّةٍ موشومةٍ في كاحلِ امرأةٍ تُرقِّصُ ليلَها الكحليَّ أغنيةٌ بلا ايقاعٍ.. اقتربي لتنحسرَ العبارةُ عن فمي وأذوقَ طعمَ الصبوةِ الأولى وزهرَ البرقِ في نيسانَ، أو لأراكِ من خلَلِ السرابِ الحُلوِ في يدكِ المساميرُ الثلاثةُ والإشاراتُ الثلاثُ، قصائدُ الغزلِ التي حُذفتْ من الديوانِ كيْ تنمو على الجدرانِ، والفرَحُ الخفيُّ، روائحُ الماضي، غبارُ القبلةِ الفضيُّ أو أثرُ الحمامِ على السطوحِ وسرُّ ناركِ في المياهِ، وليسَ لي غيرُ الحنينِ إلى الوراءِ أو النحيبِ الآدميِّ على الذي ضيَّعتُ، غيرُ الزمهريرِ وبردِ آخرةِ المتاهِ، فيا إلهي يا إلهي. *
نافذةُ نوفمبر
في أواخرَ نوفمبرَ الفائتِ الشمسُ كانتْ كقرصٍ من الزعفرانِ، المساءُ كروحِ الفراشةِ، نوفمبرُ.. الكلماتُ التي لم أقلها، التي سوفَ تبقى ورائيَ، نوفمبرُ، الليلُ يسحبُ مني الصدى، آهِ نوفمبرُ، الأنبياءُ القدامى يمرُّونَ في حُلُمي مسرعينَ، أقولُ: صباحُ المحبَّةِ يا وردتي الغجريَّةَ، يا قطَّتي البشريَّةَ، أغفى المُحبُّ على البابِ والبحرُ أغفى على يدِ حوريَّةٍ، شعَّ قلبي على الليلِ، لكنني لم أفكِّرْ بشيءٍ بتاتاً، ولم أسألْ العارفينَ: لماذا يورِّثنا من نُحبُّ العذابَ وأمراضَنا العاطفيَّةَ واللغوَ في شهرِ نوفمبرَ؟ الحبقُ الساحليُّ اكتوى حينَ مسَّ فمي في الظلامِ وفي البردِ، تهذي من الحُبِّ شاعرةٌ في المنامِ، أمن أجلِ زهرةِ لوزٍ يغنِّي السعيدُ من الناسِ، من أجلِ حبَّةِ قمحٍ رأيتُ العصافيرَ ترقصُ، من أجلٍ أُغنيَّةٍ عرَّشَ الياسمينُ على صدرِ إحدى النساءِ؟ سأغلقُ نافذتي آخرَ الليلِ، لا الأنبياءُ القدامى يمرُّونَ من تحتِ قلبي ولا الشعراءُ الجُدُدْ. *
العصافيرُ رزقُ الـمُحبِّ III
آخرَ الليلِ عندَ تقاطعِ حلمينِ فوقَ البياضِ وعندَ ارتماءِ السكارى.. تقولينَ: هل مرَّ أعمى اشتهاءاتهِ من هنا؟ وهل مدَّ قلباً لحزنِ امرأةْ؟ * هل لأنَّ دمي مشجبٌ للعصافيرِ والشِعرَ فزَّاعةٌ للغيابْ تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لخصلةِ وردٍ على حائطٍ مُهمَلٍ أو حصاةً بنهرٍ.. وأُغنيةً فاضَ عنها السرابْ؟ * موجٌ هو الخصرُ غيمٌ / مَرمَرٌ / صَدفُ كُنْ للحبيبةِ ثوباً أيُّها الشَغفُ لا ريحَ تحملُ عن روحي الغبارَ ولا جسمي بغيرِ دثارِ الوجدِ يلتحفُ * تواصيتُ حُبَّاً بقلبكِ كالعاطلينَ عن العَملِ.. الشوكةُ الحجريَّةُ والأقحوانةُ أنتِ السحابةُ والجمرةُ السَوطُ والقُبلةُ القلقُ الشاعريُّ وخفقُ الحمامِ على السطحِ نومُ الحديقةِ خلفَ السياجِ ونقرُ العصافيرِ كفَّيَّ عندَ الصباحِ.. فقولي الذي لا يُقالُ أنا الآنَ أسمعُ نبضَكِ في القلبِ أحضنُ صوتكِ بالفمِ والمقلتينِ ولكنني لا أريدُ الكلامْ * أيَّارُ تنهيدةٌ؟ أم رغبةٌ؟ سهرُ العُشَّاقِ؟ أم ما يقولُ الصُبحُ للحبَقِ؟ أيَّارُ وردتنا الأنثى قصيدتنا الأحلى التي كُتبتْ ليلاً على الحدَقِ * أجملُ الشاعراتِ هُنَّ النحيلاتُ الفوضويَّاتُ المصاباتُ بالهستيريا والكآبةِ.. بحركاتٍ عصبيَّةٍ ينزعنَّ القصائدَ الخفيَّةَ وثيابَ الليلِ عنهنَّ مرَّةً قلتُ لإحداهنَّ: أرسلي عصفورَ صوتكِ لأحبسهُ في القلبِ إلى الأبدْ فأجابتْ: وأنا.. بماذا سأهشُّ على وحدتي من دونهِ؟ أجملُ الشاعراتِ هُنَّ من يعشنَ بأعراضِ وجعٍ سريٍّ وحُبٍّ غامضٍ لا تزول * حتى لو التصقتْ وردةٌ بالترابِ أو انطفأتْ شمعةٌ في الظلامِ ستمتدُّ إحدى القصائدِ من كُحلِ زنبقةٍ في العراءِ إلى شُرفةِ القلبِ من شُعلةٍ في الدماءِ إلى قمَرِ الأرضِ من شجَرٍ ساحليٍّ إلى شهقاتِ النساءْ * زنابقٌ جسدي مُهتاجةٌ وثرىً أعمى.. يصيحُ سُدىً: مُرِّي على طُرُقي * للظهيرةِ وردٌ يسيِّجهُ الظنُّ رجلايَ رملٌ وعينايَ ريحٌ.. كأنَّ النهارَ دُوارٌ وتفَّاحةُ المشتهى صدأٌ والصديقةُ غيمٌ تناثرَ أو رغبةٌ مطفأةْ كلُّ سنبلةٍ لا تضيءُ دمي سوفَ أتركها للرمادِ كأسطورةٍ مرجأةْ * قوسانِ محنيَّانِ في أقصى القصيدةِ، أخضرانِ.. أم أنَّهُ حجرٌ سماويٌّ يضيءُ غروبَ ما في القلبِ من غُصَصٍ؟ أم الأشياءُ تخلعُ ثوبَ ماضيها وتتركُ سحرَها خلفي يئنُّ كأنهُ المطرُ النسائيُّ الغريبْ؟ قوسانِ في مرمى انتظاري يشربانِ الظلَّ من لغتي ومن تنهيدةِ الناياتِ لامرأةٍ تُعلِّقُ جرحَها ريحاً على شجري فكنْ لفمي هلالاً جائعاً يا ماءَها الفضيَّ كنْ لشمالِ قلبي وردةً بيضاءَ يا قمرَ الجنوبْ * مطرٌ حزيرانيٌّ اختصرَ المسافةَ بيننا وامتدَّ من أوركيدةٍ في الظلِّ حتى قاعِ قلبي مطرٌ خفيفٌ مثلَ نقرِ الطيرِ نافذتي وخاصرتي وغيمَ قصيدتي الأولى ومثلَ سماءِ دربي بريَّةً لخطايَ أو لرؤايَ كنتِ بلا انتهاءَ وكنتُ أركضُ فيكِ كالمذعورِ (كانَ الذئبُ يركضُ فيَّ) بالظمأ امتلأتُ وبالحصى والجوعِ علَّقتُ المزاميرَ الشريدةَ فوقَ غصنكِ واشتعالَ الماءِ فوقَ نهاركِ الأبديِّ فاتحةُ البنفسجِ والسنابلِ أنتِ خاتمةُ العبارةِ والمصَّبِ * كنتُ أستهدي بشمسِ امرأةٍ، بحزنها السريِّ بالماءِ الذي يرشحُ من ضحكتها، بعطرها الليمونِ بالفضَّةِ أو بالحبقِ الهائجِ في الكلامْ لكنني استرحتُ من جمالها الموجعِ أو من حبِّها القاسي كأنْ ضيَّعتُ قلبي بعدَها كالخاتمِ الضوئيِّ في الظلامْ * الأرَقْ قبضةٌ من رمادٍ ومصطبةٌ للغناءْ هو أن ترقصَ الزفراتُ الأخيرةُ فوقَ حبالِ الدماءْ وأن يحرسَ القلبُ نومَ الحمامِ ونارَ العبَقْ * لماذا سكنتَ المرايا؟ لماذا جرحتَ السهَرْ؟ وفي الحالتينِ استقلتَ من اللغةِ العاطفيَّةِ.. من أثرِ القُبلةِ الأنثويَّةِ فوقَ الحجَرْ * ما القصيدةُ إن لم تكنْ طريقاً عموديَّةً للفراشاتِ؟ ما الحبُّ إن لم يكنْ سبباً للخصامِ.. وريحاً ضروريَّةً للمُنادى وزنبقةً في شتاءٍ بعيدْ؟ * تقولينَ: إنَّ العصافيرَ رزقُ المُحبِّ وإنَّ الهوى أوَّلُ الهاويةْ ستولدُ في رجلٍ آخرٍ وأُبعثُ في امرأةٍ ثانيةْ * منذُ شهرينِ لم أذُقِ النومَ.. نامُ الحمامُ على السطحِ والقطُّ نامَ على درجِ البيتِ والأقحوانُ على طرفِ النافذةْ منذُ شهرينِ أو خمسةٍ منذُ عشرينَ أُغنيةً وامرأةْ لا أنامُ ولا أحلمُ.. الليلُ نامَ ونامتْ زنابقهُ المنزليَّةُ والقلبُ مثلُ عيونِ السمكْ وملءُ دمي حجرُ الزمهريرِ وملءُ الرئةْ *
اشتهاءاتُ قلبٍ فاشل IV
(في البدءِ كانَ تنهدَّ الصلصالِ في شفتيَّ( قالتْ أُمُّنا حوَّاءُ.. قالَ الساحلُ: من علَّمَ الأشواقَ آدمَ؟ من أضاءَ أنوثةَ امرأةٍ بشمسِ الليلِ كيما يشعلَ البلَّورَ خصرٌ ناحلُ؟ * سأُرهفُ سمعي للينابيعِ.. للحصى لهمسِ نباتاتِ المنازلِ كلَّما تسلَّقَ نعناعٌ على الليلِ أو نما على الفمِ من ثغرِ الحبيبةِ زنبقُ تركتُ غواياتي ورائي.. وجئتُ من أقاصي المعاني.. لي من الغيمِ شرفةٌ ومن عبقِ التفَّاحِ موجٌ وزورقُ * يُفكِّرُ مثلَ النباتاتِ يمشي على الريحِ يفتحُ عزلتهُ كالحديقةِ يحلمُ كالأجنحةْ ولكنهُ حينَ يكتبُ أو يتنفَّسُ يحبسُ أغنيةً في إناءٍ من الخلِّ والماءِ أو يقتفي أثراً لا يُرى في مهبِّ الأيائلِ يومئُ للنهرِ أن يتوقَّفَ للنايِ أن يتبعَ الغجرَ الراحلينَ كما يتبعُ الشغفُ الآدميُّ انفراطَ الأنوثةِ كالمسبحةْ * بينَ الجميلاتِ حتى الوجعْ والأقلِّ جمالاً وبينَ الهدى والضلالةِ.. بينَ الكلامِ الصباحيِّ للسيِّداتِ الأنيقاتِ والقهوةِ العربيَّةِ.. بينَ الصدى والصدودِ وبينَ إشارةِ شخصٍ غريبٍ يقولُ لقطتَّهِ في الظهيرةِ: لا تتبعيني.. وبينَ حنيني الذي صارَ أشجارَ دفلى على جذعها يرسمُ العاشقونَ وجوهَ حبيباتهم بالأظافرِ أو بالدموعِ.. وبينَ دمي والقصائدِ مكتوبةً بمياهِ الولعْ بينَ صحَّةِ قلبي وضغطِ دمي المرتفعْ وضعتكِ كي أطمئنَ كما ينبغي ثمَّ نمتُ كما أشتهي بعدما ذرَّ طلعَ حياتي غبارٌ أنيقٌ شهيُّ * الشاعرُ، النزقُ، الأثيمُ الصاخبُ، القطُّ المشاغبُ والأليفُ الذئبُ، والولدُ المدلَّلُ والأميرُ الضَّالُ... ضيَّعَ في المرايا وجهَهُ ويديهِ ضيَّعَ قلبَهُ في رغوةِ الصلصالِ أو طينِ الأنوثةِ للأبدْ * أيتها النادلةْ ضعي شارةَ القلبِ تحتَ القصيدةِ أو وردةً في الإناءْ فإني تعبتُ من الاشتهاءِ ولم تتعبي أنتِ من حبركِ العاطفيِّ ومن قمرٍ في الدماءْ * أشطرُ حلمي لنصفينِ نصفٌ لأهدابِ من تركتْ قُبلةً قبلنا في ثنايا الكتابْ ونصفٌ لرائحةِ البحرِ في نثرها المستغيثِ بشمسِ الضحى وبرنَّاتِ خلخالها كم رمتْ قلبَها في القصيدةِ وانتعلتْ قلبَ عاشقها في السرابْ أشطرُ عمري لنصفينِ نصفٌ لقافلةٍ تستريحُ أيائلها في صدى زفراتي ونصفٌ أخيرٌ لريحِ الذئابْ أشطرُ تفَّاحةً لسؤالينِ أغنيةً لسريرينِ تنويمةَ امرأةٍ للظهيرةِ أو للحمامِ لكحلِ الغيومِ وزهرِ الضبابْ * أجملُ امرأةٍ تلكَ من قلبُها ساحلٌ للنجومِ ومن يدُها مطرٌ لا ينامْ من تخبِّئُ في صدرها حقلَ قمحٍ ونهرَ أرُزٍّ بعيدٍ وسربَ غمامْ من ترى في القصيدةِ ما لا يُرى من وقوعِ المجازِ على ظلِّهِ دونَ قصدٍ وتمسكُ صوتَ الحمامْ من تعيدُ هوائي لقارورةٍ من أنينٍ وذرَّاتِ جسمي إلى برعمٍ خائفٍ في الظلامْ أجملُ امرأةٍ في النساءِ التي شعرُها يتوَّهجُ في العطرِ حتى البكاءِ.. التي خمرُها يتسلَّلُ للماءِ، أو نثرُها يتوغَّلْ مصادفةً في القصيدةِ (هذي القصيدةِ) أو يتسلَّلُ منها مصادفةً من يكونُ لها من تحبُّ ابنَها أو تعاملُهُ كابنها المشتهى والوحيدِ المدلَّلْ * تقولُ افتراضاً بعلمِ الأحاسيسِ أو بمرايا الغموضِ وليلكةٍ متعبةْ: ما الذي سوفَ تفعلهُ امرأةٌ غايةً في الجمالِ إذا خانها من تحبُّ؟ وذاقتْ كآبةَ بعدِ الولادةِ ليلاً.. نهاراً.. كما ينبغي؟ ما الذي سوفَ يفعلهُ رجلٌ غايةً في الوسامةِ والنزقِ العاطفيِّ مع امرأةٍ غايةً في الدمامةِ واليأسِ لكنها طيِّبةْ؟ ما الذي سوفَ يفعلُهُ رجلٌ طيِّبٌ زوَّجتهُ السماءُ بعاهرةٍ كي يذوقَ كما يشتهي لعنةَ التجربةْ؟ * قلبٌ فاشلٌ قد تداويهِ فراشةٌ شرسةٌ أو حجرٌ طائرٌ ولكن بشرطٍ واحدٍ أن يشطرَ حياتهُ إلى نصفين نصفٌ قافلةٌ تسيرُ ونصفٌ كلابٌ تنبحُ * أطردُ الذكرياتِ من الغرفةِ الآنَ مثلَ السكارى الرؤى عن يديَّ الخطى عن طريقيَ والليلَ عن ضوءِ نافذتي خفقَ نهرِ السنابلِ عن وردةٍ يابسةْ أطردُ البسمةَ الخلبيَّةَ عن لغتي والوضوحَ الذي لا يداوي الألمْ ولو بالكلامِ الجريحِ الذي كانَ يصرخُ من دونِ فمْ * عطرٌ كذكرى جنَّةٍ منسيَّةٍ درستْ كشهقةِ عاشقٍ يستدرجُ الأنفاسَ كالحجلِ المراهقِ كالصدى الحسيِّ أو كقصيدةٍ مطوَّيةٍ تحتَ السريرِ كلسعةِ امرأةٍ كعاطفةِ الصنوبرِ والطيورِ كظلِّ أغنيَّةٍ على قمرِ الزجاجِ.. يقولُ لي: انهضْ كي تزوَّجَ للظهيرةِ ساحلاً واتركْ على طرفِ الحديقةِ فرطَ سنبلةٍ وأوتاراً وماءً للظباءِ المستريبةِ أو حصاةً كالمحارةِ في الطريقِ اللولبيَّةِ للنداءِ الأُنثويِّ على الأهلَّةِ والسنينِ.. يقولُ لي: أُتركْ ما تشاءُ من التوجُّسِ في المرايا أو مكابدةً على طرفِ القصيدةِ والسريرْ *
قمصانُ زليخة V
أُحبُّ الشنفرى وأُحبُّ ما سأُحبُّ من غزَلٍ نهاريِّ سأحملُهُ كغيمٍ يحملُ الأمطارَ حتى آخرِ الدنيا ومن رقصِ العذارى في مخيَّلتي.. أُحبُّ الشنفرى وأُحبُّ أنكيدو وما تركَ الشتاءُ على الحدائقِ أو محطَّاتِ القطارِ أحبُّ صيفاً مثلَ رائحةِ النوارسِ، والندى البلديَّ والنثرَ الخصوصيَّ الذي وكأنهُ عشقٌ على ماءِ الرخامِ يسيلُ يجرحني قرنفلُهُ أُحبُّ قصيدتي وأُحبُّ ما سأُحبُّ.. * بدمي أتبعُ ما تتركُ أقدامُ الوعولْ في أقاصي الأرضِ.. ما يتركُ عطرُ الأقحوانْ فوقَ نهديكِ من الليلكِ والمرمرِ والماءِ الخجولْ * هل لأنَّ الليلَ عرَّاني من الذكرى أنا الآنَ وحيدٌ مثلَ ذئبٍ في أغاني الجاهليِّينَ مضاءٌ برمادِ الحبقِ المهتاجِ قلبي شعلةٌ في الريحِ، والريحُ فتيلْ؟ * كلماتٌ.. كلماتٌ.. كلماتْ فمُها عرَّابُ أزهاري محَارُ خصرها عرَّابُ ما في الجسدِ الطينيِّ من أصفى اللغاتْ كلماتٌ.. كلماتٌ.. كلماتْ شاعرٌ في امرأةٍ يحبُّها روحُهُ حلَّتْ كما حلَّ الندى في الزفراتْ عابرٌ يتركُ من أنفاسهِ وشماً لأجسادِ النساءِ العاشقاتْ * مطرٌ يجرحُ روحي صوتها أم وترٌ من فضَّةِ الغيبِ وأسرارِ الفصولْ؟ * قصِّري فستانَكِ النيليَّ مُريِّ في صدى الأنفاسِ دُلِّيني على القنديلِ والدمعةِ والكواكبِ الصغيرةِ البيضاءِ في القدِّ النحيلْ * الحمامُ الفظُّ عن أقبيتي طارَ وعن أوردتي وانهارَ ما في جسدِ المرأةِ من موجِ الهديلْ * ترجمي لي دورةَ الأقمارِ في أعلى المزاميرِ وفي الأنهارِ.. ما هذا الدوارُ المرُّ؟ ما هذا التشظِّي في سرابِ الظلِّ أو في نثرِ سونيتاتِ حُبٍّ مستحيلْ؟ * كسربٍ من النملِ يبدأُ رحلتهُ في شقوقِ الرخامِ تركتُ النوافذَ مفتوحةً لصدى النهوَندْ وانسحبتُ إلى داخلي وبدأتُ النهارَ.. كحقلٍ من القمحِ يستقبلُ العائدينَ من الصيفِ أو كالفراشةِ تشرحُ معنى اشتهاءِ الجسدْ بالتأمُّلِ أو بالكتابةِ أو بمقامِ الرصَدْ * أشكرُ الماءَ فالماءُ سيِّدُ أحلامنا الآدميَّةِ أشكرهُ في الصباحِ لأكثرَ من سببٍ غامضٍ مثلاً لكلامِ الفتاةِ التي سبحتْ بالقميصِ الشفيفِ ولم تمتحنْ وجعي حينَ قالتْ: خذِ الماءَ عن جسدي واتركِ النايَ فيهِ إلى أبدِ الآبدينَ.. وأشكرهُ لشذى البرتقالِ الذي امتدَّ من خصرِ يافا إلى قمرٍ في جبالِ الجليلِ.. وأشكرهُ لاشتعالِ الأنوثةِ فيهِ ومن حولهِ حينَ جلَّى تقاطيعَ أحلى النساءِ مبرَّأةً من حجابِ الجسدْ * لهشاشتي وجهانِ وجهٌ لاحتوائكِ لي كأُمٍ لم تلدني في الخريفِ ولمْ أُرحْ رأسي على زغبِ ابتسامتها ووجهٌ لاشتهائكِ وانعزالِ يديكِ أو شفتيكِ عن وجهي.. ولاسمكِ معنيانِ الأوَّلُ: الفرسُ العنيدةُ هجرةُ الليمونِ عن وترِ الكمانِ اللازوردُ خطيئةُ النسيانِ.. والثانيِ: رمادُ الظلِّ في لغةِ المديحِ ودمعةُ امرأةِ الزنابقِ في نهارِ الزعفرانْ * كأنَّ دمائيَ مجروحةٌ بمناقيرَ من حنطةٍ ومزاميرَ لا تُشترى تنهضُ النائماتُ الجميلاتُ.. أنفضُ عن وجههنَّ نثارَ الصبابةِ أبحثُ في جسدي عن قصائدَ غارقةٍ عن ذئابٍ مولَّهةٍ عن مساميرَ ليستْ تُرى * مرَّةً قبلَ عشرينَ عامْ قيلَ لي لا تزوِّجْ ندىً للبنفسجِ أو موجةً للحمامْ قيلَ لي في قرىً في شمالِ فلسطينَ خذْ من تُحبُّكَ لا من تُحبّْ أنتَ حلٌّ بها وبأجملِ قلبْ * على شجَرِ الرملِ ظلٌّ على ساحةِ الخيلِ والعرباتِ على حجَرٍ عاشقٍ وعلى مسجدِ الحيِّ نامتْ عليهِ طيورُ الظهيرةِ ظلٌّ ظليلٌ على قبرِ شاعرةٍ لا تموتُ على الكلماتِ التي لا تُقالُ على الشرفاتِ التي لا تُنالُ على درجٍ للكنيسةِ يفضي إلى قمَرٍ في مدارِ الحليبِ على قوسِ عينينِ جائعتينِ إلى عنبٍ جارحٍ وعلى رغبةٍ لا تجيءْ آهِ سيدتي كلُّ ليلٍ بغيرِ أصابعكِ العشرِ / عينيكِ / تفَّاحكِ المشتهى لن يُضيءْ كلُّ فلٍّ بلا شمسِ قلبكِ / كاحلكِ الساحليِّ سيُمنى بموتٍ بطيءٍ بطيءْ * النساءُ اللواتي على بابِ قلبي يقفنَ الشبيهاتُ بالريمِ أو بأغاني الرعاةِ الطويلاتُ مثلَ رواياتِ أيلولَ أو غزلِ الجاهليِّينَ والمرهقاتُ من الحدْسِ والقلَقِ الشاعريِّ الجميلاتُ حتى البكاءِ النحيلاتُ حتى الصدى قادراتٌ على أن يخنَّ ويعشقنَ في لحظةٍ واحدةْ اللواتي على بابِ قلبي يقفنَ إلى آخرِ العمرِ والقلبُ يركضُ خلفَ غزالتهِ الشاردةْ * لا أحلمُ الآنَ المسافةُ بينَ حلمي والقصيدةِ قُبلةٌ لا غيرَ أو حبقٌ خريفيٌّ / رمادٌ لا يعوَّلُ في السهادِ عليهِ.. عاطفتي سرابٌ واضحٌ أو ظلُّ عنقاءٍ ترفرفُ في الدماءِ وفي الكتابةِ.. لستُ أحلمُ سوفَ أسمعُ شاعراً يهذي ولا يبكي وآخرَ يكرعُ الويسكي ليطفئَ قلبهُ المتوهِّجَ الرؤيا وشاعرةً تمزِّقُ ما تخطُّ من المديحِ لجسمها الرعويِّ قبلَ النومِ.. أو أمشي وحيداً في الصباحِ قبالةَ البحرِ المسوَّرِ بالهواجسِ لا لكيْ أرتاضَ بل لأخطَّ ظلَّا للنوارسِ في الظهيرةِ أو لأرسمَ وردةً حمراءَ فوقَ يدي * البعدُ عنها لم يكن سبباً لهُجراني ولكنْ للحياةِ مشيئةٌ ولنا رغائبُ آهِ.. كيفَ تمسكنتْ وتمكَّنتْ من كلِّ قافيةٍ ومن قلبي..؟ اللعوبُ.. سليلةُ الناياتِ.. سيِّدةُ الخواتمِ شعَّ من قمصانها شبقٌ كأنَّ شذى زليخةَ في الثيابِ يفحُّ كالأفعى.. الوحيدةُ حينما أتممتُ فيها سرَّ ديواني وشتْ بي للجنودِ الأشقياءِ وسلَّمتني *
الحُبُّ كلبٌ من النارِ VI
في القطارِ الذي يقطعُ الليلَ قالَ غريبٌ لآخرَ: تلكَ التي في الوراءِ تحدِّقُ مثلَ المجانينَ بي وترسلُ بعض الإشاراتِ لكنني أتجاهلها وكأني أعدُّ النجومَ فأمثالُها يتحلَّقنَ حولي كأغربةٍ فوقَ سروِ السياجْ وأنا رجلٌ غامضٌ عاطفيٌّ كذئبٍ جريحٍ كثيرُ المتاعبِ ليسَ لنفسي هوىً في الزواجْ * لم يكن فاشلاً كابنِ زيدونَ في حبِّ ولَّادةٍ لم يكن جسمُهُ ساحلاً للعذارى اللواتي ضللنَ طريقَ امرئِ القيسِ.. لا جاهلاً كالفراشةِ أو ناحلاً حينَ خبأَ نبضَ حبيبتهِ في الصدى قلبُهُ لا يدُلُّ على نجمةٍ في الكلامْ ومراياهُ لا ترتوي من صراخِ الندى فالشعراءُ يعيشونَ مثلَ ذكورِ الحمامْ والشعراءُ يموتونَ حتفَ اشتهاءاتهم فإمَّا انتحاراً وإمَّا انهياراً وإمَّا انكساراً وإمَّا سُدى * كانَ الفراغُ العاطفيُّ فراشةً في القلبِ ترقصُ كالأميرةِ في الصباحِ مسلَّةً ضوئيَّةً للغيبِ كانَ وغيمةً منسيَّةً فوقَ الوسادةِ شمعةً حجريَّةً في الماءِ عاصفةَ البنفسجِ في السريرِ وكانَ سرَّ الحُبِّ أو نظرَ الغزالةِ في عيونِ الذئبْ * هل أنا رغبةٌ تتسكَّعُ في آخرِ الليلِ كالغرباءِ الوحيدينَ أم مطرٌ في المدينةِ أم شاعرٌ يتجرَّعُ حتى المناعةِ سُمَّ الحياةِ اللقيطةِ؟ أعرفُ أنكِ أفعى بسبعينَ ناباً وظفراً وأعرفُ أنَّ الذينَ يحيطون بي )مثلَ عبَّادِ شمسٍ يحيطُ بخصرٍ فتاةٍ تربِّي المزاميرَ في معزلٍ عن هواها( كلابٌ سلوقيَّةٌ تترصَّدني في الطريقِ إلى البيتِ أعرفُ أيضاً بأنكِ لن تخرجي من نحيبي ولو متِّ يوماً ولم أنتبهْ * لمن يُكتبُ الشِعرُ في هذهِ الأرضِ كالروحِ مطويَّةً في كتابْ؟ أللنسوةِ العابثاتِ وللغائبينَ؟ لأُخوةِ يوسفَ؟ للبئرِ مكتظَّةً بالحنينْ؟ لمن يجرحُ النايُ وردَ البحيرةِ مثلَ نسيمِ السرابْ؟ لمجازِ الحقيقةِ أم للفراغِ وللوجعِ العاطفيِّ؟ لمن ترقصُ النارُ في الماءِ؟ أو تتمشَّى الأيائلُ في ظلمةٍ من ذئابْ؟ وتبكي الصبايا على قمرٍ في العراءْ؟ ولماذا البيوتُ بغيرِ نساءْ كالمقابرِ أو كاليبابْ؟ لمن يُكتبُ الحُبُّ يا رجلاً طاعناً في الشقاءْ * غنائيَّتي تجرحُ البعضَ تحملُ عبءَ العباراتِ عني غنائيَّتي شركٌ للنهاراتِ أو حيرةٌ في القصيدةِ منصوبةٌ كالفخاخِ لظلٍّ نجا من حبالِ التمنِّي لا صداقةَ بينَ الرمالِ وبينَ بنفسجةِ الثلجِ بينَ القصيدةِ وامرأةٍ تأخذُ الذكرياتِ إلى الغدِ من يدها مثلَ أُمٍّ رؤومْ لا صداقةَ في الشِعرِ بيني وبيني بينَ أوجِ اكتمالِ هلالِ الأنوثةِ سرَّاً وبينَ اكتهالِ الجمالِ وبينَ الثيابِ وبينَ الغيومْ * تحبِّينَ تعذيبَ نفسكِ مع أنَّ كلَّ شبيهاتِ جنسكِ يسكنَّ فيَّ يسافرنَ.. يسكرنَ.. ينعفنَ أزهارهنَّ بكلِّ اتجَّاهٍ ويشربنَ قهوتهنَّ ويذهبنَ عندَ المساءِ ليصطدنَ عُشَّاقهنَّ ويخترنَ صيفاً بذوقِ الأميراتِ أو ينطفئنَ من الانتظارْ * لي من شبيهي مرايا / رغبةٌ / لغةٌ منها استردَّتْ نحيبَ الريحِ أضلعُهُ لا من رميمِ الخطايا.. لا من امرأةٍ شتاؤها كانَ يذروهُ ويجمعُهُ تراهُ من غيرِ أن يأتي وترشدهُ إلى الضلالِ بصوتٍ ليسَ يسمعُهُ * ذلكَ الحُبُّ كلبٌ من النارِ (قالَ بوكوفسكي بلحظةِ سُكرٍ) عصافيرُ في الرأسِ من كهرباءٍ وماءْ تدقُّ نوافذَ عينيَّ كيما تطيرَ وترجعَ من برزخِ الاشتهاءْ ذلكَ الحُبُّ لا ما تشائينَ لا ما يشاءُ لنا الآخرونَ ولا ما أشاءُ أنا أبداً ذلكَ الحُبُّ تفَّاحةٌ كلَّما لامستْ جسداً آدميَّاً بليلٍ أضاءْ * لا أفهمُ كيفَ يعادلُ نعلُ امرأةٍ قلبَ امرأةٍ أُخرى؟ كيفَ تعادلُ ضحكتُها ماءَ الوردةِ؟ ونسيمُ أنوثتها البيضاءِ فصولَ السنةِ؟ وكيفَ تُربِّي امرأةٌ ما عصفوراً سحريَّاً في جوفِ أصابعها وعلى فمها كالقبلةِ؟ وامرأةٌ أُخرى تطردهُ عن غصنِ يديها أو من شمسِ حديقتها؟ لا أفهمُ كيفَ تعيشُ امرأةٌ طولَ أنوثتها الزرقاءِ بلا قلبٍ وبلا عينينْ؟ *
استعارات جسديَّة VII
النرجسيَّةُ جرحٌ في القصيدةِ؟ أم في القلبِ؟ أم هيَ ظلُّ الذئبِ في جسدِ الأُنثى؟ أم النايُ في أضلاعها؟ وعلى أجفانها حبقٌ يبكي لأتبعَهُ؟ أم ماردٌ في كتابِ البحرِ؟ أم نزقُ الغاوينَ في كلِّ وادٍ لا تمرُّ بهِ إلَّا الفراشاتُ والغزلانُ؟ أم أثرٌ لا يُقتفى كانَ قبلَ الحُبِّ ضيَّعهُ فمُ المُحبِّ على عينيْ حبيبتهِ وجئتُ من ظلمةِ الرؤيا لأرفعهُ؟ * وكأنَّ زهرَ البرتقالِ على أظافرَ كالمحارِ كأنها جورجيَّةٌ وكأنَّ شمسَ الساحلِ السوريِّ في دمها وما من شاعرٍ يوماً رآها أو أحبَّ صفاتها أو نثرها الرعويَّ إلَّا واستقالَ من الكتابةِ والندى البلديِّ كانَ محمدُ الماغوطُ يشهدُ أنها أحلى نساءِ سلميةَ الصحراءِ والقمحُ الحزيرانيُّ / والرُمَّانُ / والعنبُ / العبيرُ / أصابعُ الزيتونِ / ليمونُ الخريفِ الطائرُ الليليُّ في غاباتِ عينيها ورائحةُ الصدى والحبرِ تشهدُ أنها أحلى نساءِ سلميةَ الفرسُ المجنَّحةُ / القصيدةُ / والصديقةُ / والحديقةُ في الجسدْ * النايُ قلبي ، والصدى المجروحُ هاويتي أقولُ: لعلَّ شخصاً آخرَ ارتجلَ الغناءَ وأوقدَ الحنَّاءَ في امرأةٍ لها خصرٌ من البلَّورِ والصدفِ المضيءِ لعلَّ ظلَّاً في الظهيرةِ هبَّ من قمصانِ رغبتها ليطردَ عن دمائي النومَ.. كانَ عبيرُ نهديها على مرمى احتراقِ العوسجِ البشريِّ.. هل لصليبها أمشي؟ وهل بأظافرٍ قزحيَّةِ الألوانِ تستهدي دمائي؟ أو أرى وجهي ليصبحَ قبضَ ريحٍ؟ تأكلُ الطيرُ الغريبةُ خبزَ أشعاري وتشربُ خمرَ أسراري وترحلُ فجأةً عني.. انطفأتُ من الحنينِ، من السرابِ ومن شموعٍ لا تضيءُ ومن قصائدَ لا تجيءُ ومن عصا الرؤيا ومن شبقِ التفتُّحِ في ورودِ الصيفِ من عصبيَّةِ الشعراءِ في الفشلِ الذريعِ وفي اجتراحِ المعجزاتِ.. إذنْ سأكتبُ ما أُريدُ لجيدِ تلكَ المرأةِ الذهبيِّ للنسيانِ.. للحُبِّ السريعِ لشاعرٍ فوقَ الصليبِ لجهلةٍ في الأربعينْ * كمن يعانقُ عنقاءً وينفضُ عن عينيهِ ذرَّ غبارٍ من حرائقها ينسى قصائدها الزرقاءَ يكسرُ صلصالَ استداراتها الأولى كعاشقها يضمُّ أوركيدةً في جسمها فيرَى ما لا يَرى في سواها من حدائقها كمن يُقبِّلُ عينيها على ظمأٍ لملحِ ليلكها أو شهدِ دافقها * هل أتركُ القمرَ المحطَّمَ في سريرِ الحُبِّ كامرأةٍ تزنِّرُ خصرَها بالزعفرانِ وبالكنايةْ؟ لا الماءُ في العُشبِ القليلِ وفي قصائدِ شاعراتِ الليلِ لا ولهُ العناقِ ولا المزاميرُ الحديثةُ لا التململُ في الظهيرةِ لا الكلامُ الفوضويُّ عن الصداقةِ لا الصداقةُ / لا الحنينُ الهامشيُّ / ولا الغوايةْ تكفي لأجمعَ من حدائقها الكثيرةِ ما اشتهى نحلي من الزهرِ المعلَّقِ في جهنمَّ.. هل رجيماً صرتُ يا امرأةً تفسِّرُ حزنها الدهريَّ بالنعناعِ فتنتها بطعمِ الشهدِ بالليمونِ سُرَّتها بشمسِ بحيرةٍ خضراءَ قهوتها برائحةِ ابتداءِ الصيفِ رغبتها بضوءٍ لا يُرى ويُمسُّ.. آهاً منكِ يا امرأةَ النهايةْ * أتبعُ أنفاسي وهي تخرجُ على هيئةِ فرسٍ تارةً وعلى هيئةِ شجرةِ ليمونٍ تارةً أُخرى أتبعها مغمضَ العينين كما يتبعُ العاشقُ خيالَ المعشوقِ والشاعرُ قصيدتهُ والبحرُ غيمةً عطشى * حكمةُ اليومِ: لو كنتِ سيَّدةً ليتامى الكلامِ إذن لتعاليتِ عن جرحكِ العاطفيِّ كما تفعلُ الملكاتُ ولو كنتِ سيَّدةً للرمالِ وللأبجديَّةِ لو كنتِ.. لو... لسمعتِ المحارَ الذي في دمي وأنينَ الرخامْ ولو كنتِ سيِّدةً للمرايا التي يستحمُّ بها مطرٌ هامشيٌّ وتطفو زنابقُ أوفيليا فوقها في الظلامْ لأحببتِ لي ولنفسكِ ما تشتهينَ لنفسكِ لو كنتِ.. لو.. لأضأتِ بعينيكِ قلبَ الرماديِّ أو لسكنتِ هديلَ الحمامْ * لي صديقٌ يفكِّرُ كيفَ يقايضُ خمسةَ آلافِ شاعرةً افتراضيَّةً بامرأةْ حقيقيَّةٍ لا تكذِّبهُ حينَ يحلمُ أو حينَ يقصصُ رؤياهُ ليلاً عليها يناولها الماءَ، يمسحُ عنها الغبارَ النظيفَ الذي لا يُرى ويُغازلها في طريقِ الغدوِّ القصيرِ يشدُّ على يدها ويقبِّلُها في السُرى لي صديقٌ جميلٌ غريبٌ عن الحيِّ يحلمُ طولَ النهارِ وينسى العصافيرَ خلفَ السياجِ وزنبقةً في كتابِ المزاميرِ أو أثراً لأصابعِ قارئةٍ في الخريفِ تحاولُ أن تمسحَ الحزنَ من دونِ جدوى ببعضِ ذرورِ الفراشاتِ أو تشعلَ الشهوةَ المطفأةْ * حلمتُ ليلةَ البارحة بالجواهري كانَ يجلسُ على كرسيٍّ هزَّاز وكنتُ أضغطُ بكلتا يديَّ على يدهِ اليمنى فيما ركبتايَ تلتصقانِ بالأرض نسيتُ ما قالهُ لي ونسيتُ قصيدتي التي أعجبتهُ قبلها بيومين حلمتُ بفيدريكو غارسيا لوركا كُنَّا نتناولُ قهوةً بالحليبِ على إحدى شرفاتِ غرناطةَ وسقيفةٌ من اللبلابِ تعرِّشُ فوقنا قالَ لي بعذوبةٍ بالغةٍ: القصيدةُ أبسطُ ممَّا تظنُّ يا صديقي القصيدةُ حمامةٌ تهدلُ على نافذةِ قلبك أو قمرُ نعناعٍ يضيءُ وحدتك النهاريَّة حلمتُ قبلَ شهرٍ بامرأة شَعرُها طويلٌ وشديدُ السوادِ تشبهُ دليلةَ شمشون دوَّختني برقصها وبرائحةِ تبغها وعندما نمتُ قصَّتْ ضفائرَ قصائدي كلَّها وغادرتني تركتْ رسالةً صغيرةً تقولُ فيها: الحُبُّ وردةٌ تتفتَّحُ في الدركِ الأسفلِ من الجحيمِ حلمتُ قبلَ عامٍ بوطنٍ مهجورٍ يدلُّني على رغباتي البعيدةِ بفراسةِ بدويٍّ عندما يضحكُ ينهمرُ الملحُ من دموعهِ البيضاء ليسقي نخلتهُ اليتيمةَ الشيءُ الوحيدُ الذي لم أحلم بهِ بعدُ هو بحرٌ بلا آخرٍ يسكبهُ اللهُ على أعصابٍ شاعرٍ وهيَ تحترقُ مثلَ جميزةٍ في الأساطير الفرعونيَّة * أُحاولُ أن أهدأَ الآنَ بعدَ انهياراتِ روحي على الرملِ بعدَ احتراقاتِ قلبي على الماءِ، بعدَ الندمْ على ما أضعتُ من الشِعرِ والفرَحِ المختلسْ بعدَ ظلِّ الصراخِ المكمَّمِ بعدَ نداءِ الغريقِ على امرأةٍ في أعالي الجمالِ أحاولُ أن أتماثلَ للحزنِ أو للألمْ بما قد يُعيدُ توازنَ روحي إليَّ ويُصلحُ ما أفسدَ الدهرُ من كهرباءِ الدماغِ وكيمياءِ قلبي.. وما في القصيدةِ من ضغطِ دمْ أُحاولُ إطفاءَ ما هو مشتعلٌ في دمائي وتهدئةَ الوردةِ الأنثويَّةِ ما بينَ نهدينِ بعدَ الهياجْ ولا أستطيعُ سبيلاً لذلكَ يا امرأةً مزَّقتْ كلَّ قمصانِ عُشَّاقها ذاتَ ليلٍ فنفسيَ أمَّارةٌ بالتنهُّدِ أو بالهوى ونفسُكِ أمَّارةٌ بالتوحُّدِ أو بالزواجْ * جسدانِ من زيتِ الشموعِ وراءَ نافذةٍ من اللبلابِ يشتعلانِ مزولتانِ.. واحدةٌ لمعنى الماءِ والأخرى لرصدِ الظلِّ في الألوانِ بوصلتانِ للفوضى ونرجستانِ للنسيانْ * من تلكما الحوراءُ سيَّدةُ القلوبِ محارتي الزرقاءُ من بضفائرٍ جَعديَّةٍ شعَّتْ على عينيَّ من بقصائدٍ سِحريَّةٍ نزلتْ من الأعلى ومن لبياضها وهجٌ غنائيٌّ.. لمشيتها الزنابقُ والوعولُ وغيمةٌ ضلَّت طريقَ البحرِ؟ كلُّ معذَّبٍ بكلامها ضلِّيلُها الأبديُّ عبدُ جمالها وسليلُ خيبتها وحارسُ وردها الليليِّ في شمسِ الرخامْ * للظهيرةِ أم لهواءِ الزنابقِ أم لأصابعِ تلكَ الفتاةِ الجليليَّةِ ارتجَّ قلبي عليَّ؟ سأمسكُ أطيافها بيديَّ سأقبضُ يوماً على ظلِّها باشتهائي وبالنزقِ العاطفيِّ.. الجليليَّةُ ابنةُ وردِ الخريفِ تُسمِّي الغصونَ بأسمائها وتربِّي الفراشةَ في صدرها ربَّما صادفتني على درجِ الحيِّ أو ربَّما غرَّرتْ بي ولم أنتبه للسنابلِ في شَعرها * أُحاولُ ألَّا أُحبَّ التي لا تُحَبُّ وأن أكتبَ الآن شيئاً خفيفاً كإلقاءِ زهرِ التحيَّةِ قبلَ المنامِ على الساهرينَ ولكنَّ كلباً شريداً إذا ما أتتْ فكرةٌ للقصيدةِ يطردُها بالنباحِ وشخصاً من السُكرِ يجأرُ في الشارعِ العامِ وامرأةً لستُ أعرفها في دمائي تئنُّ سأسهرُ حتى الصباحِ لأكتبَ من دونِ جدوى وعندَ انتهائي سأرمي القصيدةَ في سلَّةِ المهملاتِ وأذهبُ للنومِ... * في الحقيقةِ لا أقصدُ امرأةً في المجازِ مُعيَّنةً كي أهشَّ على وحدتي بانتظارِ هبوبِ ضفائرها واقترابِ أصابعها من جبيني ولكنني كالسكارى أعيشُ على أملٍ أن تمرَّ العصافيرُ من فجوةِ القلبِ ذاتَ خريفٍ كما قالَ لي نادلُ المطعمِ اليومَ.. لا أقصدُ امرأةً بل أُسمِّي جميعَ النساءِ فخاخاً من الكيدِ أتبعها إذ تغنِّي وأعني الذي لا أقولُ وأكتبُ ما لا أُريدُ من الشِعرِ كيما أُتمِّمَ نقصانَ هذا الهباءْ * لن أكتبَ شِعراً عنكِ بعدَ اليومِ كي لا أزجَّ بقلبي في مساربِ التفاصيلِ الدقيقةِ جدَّاً لما يُسمَّى بالصداقةِ المنتهيةِ الصلاحيَّةِ التي تشبهُ إلى حدٍّ بعيدٍ دروبَ النملِ الطائرِ من قالَ إنَّ القلبَ نحلةٌ ووجهكِ وردةٌ لا تنطفئُ؟ قميصُكِ كانَ غيمةً تحرسُ وجهي فيرتدُّ جميلاً صدركِ كانَ شجرةَ لوعتي ويدكِ حجري المائيَّ الملوَّنَ لا تزالُ دمائي ترنُّ كمنبِّهِ الساعةِ أو كنجمةٍ تصلُّ في باطنِ الأرضِ حتى بعدَ عامينِ من طيِّ كتابكِ * شجرةُ ليمونٍ مزهرةٌ تتزاحمُ فيها صباحاً سقسقةُ طيورِ الكركس الملوَّنةِ ينابيعُ فارغةٌ من مائها وطافحةٌ برمادِ التنهدَّاتِ غيومٌ قطنيَّةٌ تستحمُّ برذاذها شمسٌ مراهقةٌ من نسلِ شهرزاد استعاراتُ شاعرٍ صينيٍّ قديمٍ نسيَ قلبَهُ مستعراً في أحدِ أنهارِ نسائهِ الكثيراتِ براعمٌ تتفتَّحُ في بحيرةٍ أوفيليا حبقٌ مهتاجٌ في الخريفِ نهاياتُ الصيفِ المعلَّقةُ على ظلالِ القصائدِ وأسيجةِ التوتِ البريِّ ذلكَ هو جسدُ المرأةِ التي نصفَ عمري أحببتها عبثاً وحاولتُ نسيانها في النصفِ الثاني، ولكن بلا جدوى * أحتاجُ إلى صنعِ كوكتيلٍ فريدٍ من العطور الغربيَّة والشرقيَّة حتى أحصلَ على رائحةِ جسدكِ أحتاجُ إلى أن أعضَّ ساقَ غزالةٍ متوحِّشةٍ لكي أعرفَ نوعَ دمكِ الكحليِّ أحتاجُ إلى أن تفترسني وردةٌ ليليَّةٌ كي أسكنَ في جوفِ نهاركِ أنا اليتيمُ بلا بحرٍ وبلا كثبان من الطيورِ المهاجرةِ يتبعني قلبُ امرأةٍ كالأمِّ الولهى تلكَ التي يداوي جمالُها مرضَ الريحِ * أُريدُ هدوءاً لأكتبَ لا صخباً في البصيرةِ أو جمرةً في كتابِ الندى واشتياقاً لأنسى خطيئةَ غيري وماءً نظيفاً لأبصرَ شهوةَ نرسيسَ فيهِ أُريد انتباهَ الحيارى لما تتركُ الفتياتُ العذارى من العطرِ في الحرمِ الجامعيِّ وما يصنعُ الحُّب بامرأةٍ كي تخلِّصَ طائرها من يديها ووشمِ العنقْ * أصدقائي وحيدون وامرأتي ليسَ تشبهُ فروغ فرخزادَ لكنها قد تضيءُ الطريقَ إلى آخرِ النصِّ.. كوني لبريَّتي قمراً يا فتاتي ولا تتركيني وحيداً ألمُّ خطاكِ عن الأرضِ أسقي زنابقكِ المنزليَّةَ في الفجرِ أمشي على هديِ نوَّارِ صدركِ أو لمعانِ ضفائركِ المتراخي النزِقْ * أورثتني الكوابيسُ نومَ الظهيرةِ والصيفُ أورثني السُهدَ والنادلُ الأجنبيُّ البكاءَ على أيِّ شيءٍّ ولو كانَ يأسَ الفراشةِ من نزوةِ الطيرانِ.. فتاةٌ بجيدِ مهاةٍ وعينينِ سحريَّتينْ أورثتني كنايةَ أمطارها وتردُّدَ أنفاسها في الحبقْ * تشُمِّينَ شهوةَ من أصطفيهم من الناسِ لي أصدقاءً فتبتعدينَ.. تعُدِّينِ للعشرةِ الشعراءُ على حدِّ فكرتكِ النمطيَّةِ مستذئبونَ يعضُّون سيقانَ كيدِ غزالاتكِ الناعماتِ ولكن برفقٍ شديدٍ رُعاعٌ / قليلو حياءٍ / مراؤونَ / غاوونَ / أو همَلٌ فارغونَ.. ستذوينَ وحدكِ أو ستعُدِّينَ حتى انطفاءِ جمالكِ من دون جدوى فهل لفراشتكِ العصبيَّة أن تتهجَّى انهياراتِ قلبي وأن تقتفي أثري منكِ مزولةٌ من رياحِ القلقْ؟ * آهِ لو لم أكن نرجسيَّا لما كنتُ عمَّا عليهِ من الصخبِ الداخليِّ ومن شغفي بالكلامِ الخفيِّ ولو لم أكن نرجسيَّاً كما شئتُ يوما لنفسي لحطَّمتُ كلَّ وصايا النساءِ على الماءِ أو لم أصرْ شاعراً ولجمَّعتُ عطرَ الرخامِ من الدمعةِ الأُنثويَّةِ.. لو لم أكن نرجسيَّاً لما كنتُ يوماً أنا أو سوايَ التي أتقمَّصُ أوجاعَها / روحَها / حبرَ عزلتها / سرَّ وحدتها / غيمَها المعدنيَّ / انكساراتها / خوفها من هبوبِ الزنابقِ أو طيرانِ النوارسِ عن جيدها / نومَها في النهارِ / تململها في ليالي الأرقْ * تريدُ امتداداً لفيروزَ في بحرِ حيفا ونسوتها كامتدادِ الندى في أغاني الرعاةِ تريدُ امتداداً لفيروزَ أو ظلِّها في المدى لا لتشربَ من صوتها حينَ تظمأُ أو لتُفتِّحهُ مثلَ زنبقةٍ في السياجِ القديمِ وتأكلهُ مثلَ تفَّاحةٍ إذ تجوعُ وتهديهِ للطيرِ في أوَّلِ الليلِ أو لكلامِ اليدينِ المُسوَّرِ بالغمغماتِ ونارِ العبقْ بل لتكملَ عشقكَ لامرأةٍ من سلميةَ وامرأةٍ من زقاقِ المدَقْ * مكتوبٌ أن تركضَ خلفَ ظلالٍ امرأةٍ عبثاً أن تذهبَ أشعارُك فيها أدراجَ الريحِ.. ومكتوبٌ أن تلدَ التفَّاحةُ أفعى الشهوةِ أن تلدَ الظبيةُ ذئباً ترضعهُ حولينِ ومكتوبٌ مكتوبٌ مكتوبْ أن تنفخَ طولَ حياتكَ في قلبِ امرأةٍ مثقوبْ * أحتاجُ نقرةَ طائرٍ في القلبِ كي أزنَ الصدى بهواءِ أغنيتي وبالليمونِ أو حجراً صقيلاً كي أحكَّ عليهِ خصراً لازورديَّاً لاحدى العاشقاتِ وقُبلةً مائيَّةً أحتاجُ كي أزنَ احتراقاتِ الجسدْ برمادها الفضيِّ أو بأنينِ عينينِ استفقتُ على صراخهما من الحلمِ الأخيرِ.. ولا أحدْ أحتاجُ عطراً ما شتائيَّاً.. نسائيَّاً لأنسى بعضهنَّ إلى الأبدْ * ماذا سأكتبُ بعدَ صوتكِ ذلكَ الصوتِ الذي فتَّحتهُ بيديَّ مثلَ الأقحوانةِ أو شمَمتُ ثيابهُ مثلَ النسيمِ؟ كأنني قارورةٌ لهوائهِ ولمائهِ لندائهِ الكليِّ والعاري على الأشياءِ.. صوتكِ ضُمَّةُ المطرِ الحزيرانيِّ أو عبقُ الغيومْ وتعرُّقٌ لأصابعِ العُشَّاقِ مكحلةٌ جمعتُ سرابها من أبعدِ الأزهارِ عن نزقي عصا سحري / ندى ناري تردُّدُ موجةٍ في وصفِ نهدَينِ احتواءاتُ الطبيعةِ للأنوثةِ والخريفِ لسيِّداتِ الأرضِ في الشِعرِ القديم * لم أكن أعرفُ أنَّكِ جميلةٌ كلَّ هذا الجمالِ فقط اليومَ عرفتُ ذلكَ بسببِ شجرةِ حزنٍ قلَّمتُ أغصانها وبسببٍ رسالةٍ يقولُ صاحبها لي فيها: غيِّر موضوعَكَ.. رددتُ عليهِ بتحويرٍ شعريٍّ لجميل بثينة لكلِّ حديثٍ بينهنَّ عذوبةٌ وأيُّ حياةٍ غيرهنَّ أريدُ لو أنَّ صحراءَهنَّ تتبعني إلى آخرِ البحرِ فأنا وحيدٌ كديكِ الجنِّ الحمصيِّ وكلُّ امرأةٍ أراها هي (وردُ) التي تسكنُ مرآتي لا يفصلُ بيننا سوى لوحٍ من ظنونِ الماءِ * هل نحلةٌ قلبي وجسمكِ أبعدُ الأزهارِ؟ هل مطريَّةٌ روحي ونثركُ أوَّلُ الصحراءِ؟ أقطفُ عن أصابعكِ الندى المهتاجَ أرفو معصميكِ بقُبلةٍ وأُحيطُ خصركِ بالينابيعِ الصغيرةِ والبراعمِ سيِّدَ الغاوينَ كنتُ ولا أزالُ ولستُ أُشبهُ في اعترافاتي ولا بهوايَ مولانا جلالَ الدينِ وابنَ الفارضِ المجروحِ بالندمِ السماويِّ.. الغناءُ يقودني في الليلِ أو في الزمهريرِ كأنَّ حُبَّ الراقصاتِ يشيلُ عن جسدي الأغاني * لا علاقةَ للبيتِ بالنجمةِ الحالمةْ لا علاقةَ للوردِ بالمزهريَّةِ أو بنسيمِ الترابْ لا علاقةَ لامرأتي بالسرابْ لا علاقةَ للذئبِ بالظبيةِ النائمةْ لا علاقةَ للمُشتهى بالجسَدْ لا علاقةَ للماءِ بالشجرِ (السروُ يولدُ من ظلِّهِ) لا علاقةَ للقهوةِ العدنيِّةِ بامرأةٍ ضيَّعتْ قلبها بينَ وصلٍ وصَدْ لا علاقةَ لي بالعبارةِ سيَّانِ رؤيايَ ضاقتْ عليَّ أو أتسعَّتْ كلماتُ الأبدْ لا علاقةَ للطيرِ بالنافذةْ لا علاقةَ لا... * لا أقرأُ الشِعرَ القديمَ ولاالحديثَ وأكتفي بتأمُّلِ الأشياءِ من حولي أرى بينَ السطورِ قصيدةً رعويَّةً تمتدُّ حتى أبعدِ الخلجانِ من حجرٍ جليليٍّ عليهِ نقوشُ مزمورِ الحنينِ إلى الفراغِ.. عناقَ شخصينِ استقالا من هواءِ المستحيلِ مجرَّةً زرقاءَ في لغتي المضاءةِ بالرمادِ مسلَّةً ضوئيَّةً / عنقاءَ كحلاً للضفيرةِ أو لموسيقى المساءِ يقولُ صوتٌ داخليٌّ فيَّ: لا تقرأ سوى عينينِ تائهتينِ لا تقرأ سوى حزنِ الجمالِ الأُنثويِّ على الفراغِ أو انطفاءاتِ الظلالِ * السعادةُ نسبيَّةٌ كالمحبَّةِ ليست تُباعُ ولا تُشترى هي ما لا ترى فيكَ من أنجمٍ في مياهكَ تسبحُ أو في الثرى السعادةُ نسبيَّةٌ كالمسافةِ بينَ وضوحِ الهوى وسرابِ النزقْ وبينَ الحياةِ وبينَ القلقْ هي ليستْ شفاءَ الفتاةِ الجميلةِ من نورسٍ خائفٍ في العنقْ والسعادةُ ليستْ أصابعَ موشومةً بالحبقْ وليستْ زواجكَ بامرأةٍ تشتهيها وليستْ رماديَّةً كغيومِ الخريفِ وليستْ حياديَّةً كالجمالِ الطفيفِ.. السعادةُ منكَ وفيكَ وضوءٌ خفيفٌ يضيءُ النفقْ وزهرةُ لوزٍ على فمِ أحلى النساءِ تضيئكَ من داخلٍ في الظلامِ ولا تحترقْ * بحيرةِ طفلٍ يُفكِّرُ كيفَ سيهربُ من غرفةِ الدرسِ في الغدِ.. كيفَ سيفلتُ من خوفهِ وامتحانِ العلومِ..؟ أفكِّرُ.. أو يحلمُ الآنَ شخصٌ غريبٌ هنا بالنيابةِ عني بعينينِ مفتوحتينِ على ليلهِ النرجسيِّ.. وتتركُ سيِّدةٌ حلمَها في السريرِ وتخرجُ في الليلِ يتبعها ظلُّها بالنيابةِ عني.. هنا إمرأةٌ كالحديقةِ تحمي زنابقها بيديها.. هنا شتاءٌ يغمغمُ: لا.. لا فكاكَ من التبغِ بعدَ هوى الأربعينَ ولا.. لا شفاءَ من الحُبِّ.. ماذا أقولُ؟! بحيرةِ طفلٍ أُفكِّرُ.. كيفَ ستملأُ جرحي الأغاني؟ وكيفَ سأقبضُ يوماً على ما يُسمَّى هواءَ الحنينِ؟ * نعانقُ أنفسنا في الرواياتِ كالنادمينِ على خطأٍ عابرٍ ما اقترفناهُ إلَّا لننسى اعترافاتنا وهبوبَ الشمالِ على لوزنا.. لم نقل أننا معدمونَ ولم نتكحَّلْ بمرودِ أسمائنا.. نشتهي نسوةً لا يقفنَ على نأمةٍ في صباحِ الخريفِ ولا يتألَّمنَ من وجعِ الانتظارِ ولا يتأوَّهنَ في ذورةِ الانكسارِ.. نعانقُ أشباهنا في الحياةِ ونتركُ دمعَ حبيباتنا في ندى القمحِ.. أو في شقوقِ الجدارْ * التبغُ موسيقايَ.. موسيقايَ سيِّدةٌ لهذا الليلِ فاتنةٌ أُعانقها على عجلٍ وأذهبُ دونَ أن أدري إلى أينَ.. النساءُ حدائقي والتبغُ موسيقايَ ها أنذا أعودُ إليهِ منتشياً كعصفورٍ أطيرُ على سحابتهِ فليسَ التبغُ عندَ سوايَ موسيقى وليسَ سفرجلاً وضبابةً في القلبِ عندَ سوايَ موسيقايَ هذا التبغُ روحُ النايِ في قلبيِ وسرُّ هوايَ.. فاكهتي الأخيرةُ / نزوتي / صلصالُ آدمَ فيَّ من فصلِ الشتاءِ إلى الشتاءِ يعودُ * سيدلُّني وترٌ على جرحِ الكلامِ لأنَّ ما في النصِّ من مائيَّةِ الألفاظِ لا يكفي لكيْ أنسى الغيابَ.. ولا لينكسرَ السرابُ على رذاذِ الضوءِ قلتُ: لعلَّ في المعنى طباقاً لا يُفسَّرُ واكتفيتُ من التباريحِ الصغيرةِ بالإيابِ وبالقصائدِ.. قلتُ: أتبعُ ظلَّ هذا الليلِ كالصعلوكِ وامرأةَ الزنابقِ في المنامِ.. وفي معلَّقةِ الغرامِ الجاهليّْ عيناكِ نرجستانِ نائمتانِ قلبكِ آخرُ الأصدافِ لو ضيَّعتهُ.. سيدُّلني قلبي عليهِ يدُّلني قلبي عليّْ * اليومَ تسألني الجميلةُ إيزميرالدا: كيفَ أنتَ..؟ أنا؟! وحيدٌ وافتقدتكِ منذُ عامينِ.. افتقدتكِ منذُ راحَ الصيفُ.. منذُ قصائدي الأولى.. افتقدتكِ واشتعلتُ من الحنانِ أو انطفأتُ من الحنينِ إليكِ.. يا ليمونةً غجريَّةَ الأغصانِ والأزهارِ يا زيتونةً عربيَّةً تحتارُ بينَ صدى أبيها أو رهافةِ أُمِّها.. يا إيزميرالدا لا تغيبي بعدَ موتِ أبيكِ عن عينيَّ يا أحلى صبايا المغربِ العربيِّ يا ابنةَ أضلعي.. لا تذهبي مني ولا تتمنَّعي عنِّي.. أُحبُّكِ.. كم أُحبُّكِ.. هل دمائي من دمائكِ؟ هل دموعكِ من بقايا أدمعي؟ * الشاعرُ سندبادٌ ضالٌّ يستعيرُ ثيابهُ من قصائدِ شمسِ التبريزيِّ ويدخِّنُ سجائرَ الأرقْ يجهلُ الطريقَ التي تُفضي إلى الأسماءِ وحينَ يسألهُ الآخرونَ: من أنتَ؟ يجيبُ بأنهُ نسيَ اسمهُ في سريرِ امرأةْ * منذُ سنواتٍ طويلةٍ وأنا أركضُ وراءَ قصيدةٍ رعويَّةٍ لسركون بولص قصيدةٍ تشبهُ كحلَ الوردةِ السوداءِ أو غبارَ الفراشةِ الفضيَّ أقبضُ عليها كمن يقبضُ على طائرٍ ليشمَّهُ أو على صوتِ امرأةٍ آشوريَّةٍ مُشبعٍ برائحةِ زيتٍ مقدَّسٍ وحجارةٍ بطعمِ الحليبِ الجبليِّ والعسلِ البريِّ منذُ سنواتٍ والقصيدةُ تنأى عني كلَّما طاردتها كولدٍ متشرِّدٍ وشممتُ فراغها في كلتا يديَّ * ثمَّةَ فزَّاعةٌ للمعاني لا تريدُ الكلامَ ولا الانصرافَ وثمَّةَ أسئلةٌ لا إجابةَ عندي عليها.. لعلَّ الخريفَ يؤرِّقنا ولعلَّ المسافةَ ما بينَ أرواحنا وخطانا ستحملُ عنَّا قصائدنا دونَ قصدٍ وتتسِّعُ اللهفةُ البشريَّةُ حتى أرى آخري فيَّ ينحازُ للصيفِ أو يتمرأى بعينينِ من أُقحوانٍ وبُنْ كيفَ يصغي الرخامُ لأنَّةِ إحدى النساءِ إذنْ لا لأنَّ الملالَ يدبُّ بروحينِ تنفصلانِ دبيبَ الجرادِ؟ ولكن لأشياءَ أُخرى إضافيَّةٍ كهشاشةِ أُغنيةٍ عن ليالي الحصادِ وأشياءَ أُخرى ضروريَّةٍ كابتسامةٍ سيِّدةٍ في الصباحِ بلا سببٍ، وكطعمِ النعاسِ.. فلم يعُدِ الحُبُّ أرجوحةً تتدلَّى من السقفِ في غرفةِ النومِ.. لم يعُدِ الحُبُّ منفىً ولا وطناً لم يعدْ سكنَ اثنينِ في جسدٍ واحدٍ.. فهل للأنوثةِ أيضاً خريفٌ وللاشتهاءِ ذبولٌ جميلْ؟ * إلى أيِّ نوعٍ من الوردِ والجلَّنارْ ينتمي فمُكِ المتأوِّهُ؟ لا.. لن أقولَ بأنكِ مثلُ الحديقةِ مقفلةٌ ومعي.. أو بقلبي مفاتيحها كلُّها.. لن أقولَ بأني نسيتُ كتابَ القصائدِ حينَ تذكَّرتُ نثركِ فوقَ الوسادةِ كي يستريحَ من الشغفِ الآدميِّ قليلاً وكيْ لا يغارْ * ليلٌ أزرقُ وقبَّعةٌ تخرجُ منها العصافيرُ المبتهجةُ بلا شيءٍ ليلٌ أزرقُ وعباءاتُ غيومٍ لنساءٍ لم يصلنَ بعدُ من سِفرِ المزاميرِ شاعرٌ يبحثُ عن لغةٍ في الشِعرِ الجاهليِّ كيْ يصفَ خلخالَ إمرأةٍ لا يسمعُ سوى رنينهِ الخفيِّ ولا يرى سوى لمعانهِ الكثيفِ الضوءِ شاعرٌ أو عابرُ ليلٍ أزرقَ في لوحاتِ سلفادور دالي * لمنْ أُرتِّبُ ليلي؟ أيُّ أُغنيَّةٍ أختارُ وحدي؟ وتُفَّاحُ الشتاءِ لمنْ؟ لا حُبَّ في الحُبٍّ لا أرضٌ ستتَّسعُ لشهوةِ امرأةٍ من خمرةٍ وشجنْ لمنْ سأقصصُ رؤيايَ؟ الفراشةُ في جسمي من العطشِ الروحيِّ تندلعُ لمنْ أُقلِّمُ أزهارَ الضبابِ لمنْ؟ * راقصةُ الفلامنكو الجميلةُ تلكَ التي من حفيداتِ لوركا النحيلةُ كالغصنِ.. راقصةُ الفلامنكو التي لا تشيرٍ إلى قمرٍ في السماءِ ولكن لمن يتفحَّصُها من بعيدٍ بعينينِ من وهجِ الهندباءِ تضيءُ المكانَ بوشمٍ على شكلِ حوريَّةٍ تتأهَّبُ للطيرانِ ويتبعُها شجرٌ عائليٌّ إلى آخرِ الأرضِ يتبعُها مطرٌ هامشيٌّ وظلٌّ لخاصرةِ الشمسِ فالنسوةُ الغجريَّاتُ أجملُ ما في الطريقِ إلى البيتِ والأُغنياتْ * وكامرأةٍ في الخريفِ تُطيِّرُ نورسَها المتوجِّسَ من غيمةٍ أو تُرقِّصُ ظلَّ بنفسجها في الظلامِ أُدرِّبُ نثري على الطيرانِ فيسقطُ.. عشرونَ عاماً أُدرِّبُ قلبي على الطيرانِ ولا أنجحُ.. القطُّ أغفى على درجِ البيتِ والأُقحوانُ على حالهِ الكلبُ ملَّ النباحَ ونامَ على جوعهِ والنداءُ الخفيُّ على حالهِ نسوةٌ يتقاسمنَ قهوتهنَّ وخبزَ الصبابةِ.. شخصٌ يعاكسُ سيِّدةً في الهزيعِ الأخيرِ: أُذكريني لأنساكِ.. لي رغبتانِ تضيئانِ عينيكِ أو شهوةَ الليلِ أحتاجُ صوتكِ يأخذني من يدي في الزحامِ لكي لا أضلَّ طريقي الخريفيَّ أو أستضيءَ بعينَيْ سواكِ.. وأحتاجُ صوتكِ يُبعدُ عني المجازَ الرديءْ * تمشي الغجريَّةُ مشيَ الظبيةِ أو مشيَ الغيمةِ تمشي كالفرسِ العربيَّةِ حيناً وكراقصةِ البارِ المشدودةُ أحياناً أخرى يجلوها الفستانُ الضيِّقُ يكتبها سرُّ التكوينِ وتمحوها عاطفةُ الماءِ.. الغجريَّةُ نايٌ يتلظَّى شجرٌ بحريٌّ يتعرَّى من رغبتهِ مطرٌ ليسَ يبلِّلنا إلَّا في الأحلامِ الغجريَّةُ مثلُ القطَّةِ تتركُ منضدةَ الريشِ وتذهبُ لا لتعدَّ أصابعها في الريحِ الخضراءِ ولا لتغنِّي مثلَ المهزومينَ ولا لتردَّ ضفيرتها لنسيمِ الشمسِ فطيرُ أنوثتها مقهورٌ وعلى قدميها تبكي العنقاءْ الغجريَّةُ تتركُ زينتها في البيتِ وتذهبُ كي تتحوَّلَ نرجسةً تتنهَّدُ في ليلِ الصحراءْ * لا أحفظُ قصائدي عن ظهرِ قلبٍ ولا أسماءَ النسوةِ اللواتي أقمنَ وتشمَّسنَ فيها وأرخينَ شعورهنَّ على شجرةِ لبلابٍ في الشرفةِ الغربيَّةِ فأنا بالكادِ أحفظُ رقمَ هاتفي أو بريدي لكني أُحبُّ يفتشينكو لأن صهيلهُ يصلُ القلبَ من أعالي سيبيريا وهو يُلقي بشعرهِ من نوافذِ الحريَّةِ نيابةً عن كلِّ الشعراءِ المنسيِّينْ * أيُّها الفوضويُّ المملُّ كلحنٍ رتيبْ لا علاقةَ لي بأحدْ لا علاقةَ لي بصلاةِ الأحدْ لا علاقةَ لي بالمرايا ولا بوصايا الزبدْ منحتني خطايَ إلى أثرٍ لا يُرى في متاهِ الفراشةِ أو في مدارِ الحليبْ * (سأراكَ في الأمسِ القريبِ) يقول جان دمو لبعضِ الأصدقاءِ ويقتفي بالقهقهاتِ سعالَهُ وكثعلبٍ نزقٍ يخطُّ قصيدةً عن موتِ عصفورٍ ويسألُ عابراً عن ظلِّهِ الشتويِّ أو عن لغوِ حيرتهِ.. الأنيقُ.. المهملُ.. الضلِّيلُ.. والصعلوكُ يرتقُ قلبهُ بعبارةٍ أُخرى ويتركُ للرياحِ وللعصافيرِ اليتيمةِ والصدى أسمالَهُ * أنتِ لن تكتبي الشِعرَ يوماً ولا النثرَ لن يتنهدَّ بينَ يديكِ مَحارُ اشتهاءاتكِ الأنثويَّةِ لا الشجرُ الاستوائيُّ سوفَ يظلِّلُ خصركِ إن لم تُحبِّي كما ينبغي للوحيداتِ أو تجعلي جرحكِ النرجسيَّ ضفيرةَ لبلابةٍ شرفةً للأغاني القديمةِ.. لن تعرفي طعمَ جسمكِ ما لم تثوري على كلِّ عُشَّاقكِ الآخرينْ * كيفَ أُغمضُ عينيَّ عن ذكرياتِ نساءٍ ينظِّفنَ أيديهنَّ من الشوكِ والأُرجوانِ يلِّمعنَ ثلجَ أصابعنَّ بحنَّاءِ توتٍ ويحبسنَ في ماءِ أجسادهنَّ حمامَ الخريفْ؟ كيفَ أُغمضُ عينيَّ عن حبقٍ في ظهيرتهنَّ وغيمٍ خفيفْ؟ * ليسَ من عادتي أن أكونَ كثيرَ الكلامِ ولا الصمتِ لكنني كنتُ لامرأةٍ وحدها ما تريدُ وما تشتهي كنتُ نقصانها واكتمالَ دوائرها شمعها الجسديَّ وفضَّتها.. ملكاً خلعتهُ العبارةُ عن عرشِّهِ والرؤى ثبَّتتْ قلبهُ.. سائساً لخيولِ أبيها سلالاً لدمعِ يديها ظلالاً لأشباحها في الظلامِ ارتعاشاً لضحكتها.. قوسَ ماءٍ لأحزانها الأُنثويَّةِ.. وهيَ تزيِّنُ خلخالها بالأغاني وكاحلها بمراثي النساءْ ليسَ من عادتي أن أكونَ كثيرَ الهُيامِ الاباحيِّ لكنني كنتُ للمرأةِ المومياءِ وللجسدِ المومياءْ * لم نختلفْ أبداً على تفسيرِ لونِ هوائنا الجبليِّ أو طعمِ الكآبةِ كلُّ ما في الأمرِ أنَّ دوارنا البحريَّ بوصلةٌ تُشيرُ إلى السماءِ وشمسنا تفَّاحةُ المرجانِ أو شجرُ الصدَفْ كلٌّ يتمِّمُ لغوهُ الأرضيَّ في الأشياءِ أو في الأبجديَّاتِ القديمةِ أو يعلِّمُ ضدَّهُ شجوَ العصافيرِ المُصابةِ بالشغفْ لم نختلفْ أبداً ولم نبحثْ عن الولهِ المكابرِ في احتمالاتِ الأنوثةِ أو سريرِ الحُبِّ.. من أسمائنا ريحٌ تهبُّ على بنفسجةٍ تعيدُ الليلَ في تنهيدةٍ شتويَّةٍ للمنتصفْ لم نختلفْ أبداً.. ولا لنْ نختلفْ * تستحمِّينَ بالماءِ كي يتحوَّلَ ضوءاً خفيفاً فتندلقُ الذكرياتُ على ظهركِ المتوجِّسِ من نرجسٍ في يديَّ ويحترقُ الماءُ كالعطرِ أو كالبخورِ هو الماءُ سرُّ حجابكِ أو كشفُ فتنةِ بعضِ مراياكِ أوَّلُ خصركِ.. آخرُ كتفيكِ.. عبدُ اشتهاءاتكِ المدلهمَّةِ سيِّدُ أمطاركِ الاستوائيَّةِ.. الماءُ توأمُكِ.. الماءُ صارَ غريمي وصارَ نديمي اللدودْ * هي غُصَّةٌ في الروحِ ناعمةٌ.. وجارحةٌ تُغطِّي بالترابِ وبالندى جرحَ الكلامِ وأبجديَّةُ عاشقٍ سيفيقُ يوماً ما على حربٍ فلا يجدُ الحقيقةَ قربهُ تنحازُ للزيتونِ أو لأصابعِ الرؤيا ولا يجدُ الكلامَ وما يضيءُ بهِ المسافةَ بينَ هاويتينِ أو دمعَ الخيامِ ولا خطى الماشينَ فوقَ رياحِ تلِّ الزعترِ المنسيِّ.. فالموتى الحيارى فيهِ كانوا يُبصرونَ الأرضَ مثلَ فمِ الحبيبةِ في سماءِ الله من ورقِ الغمامْ هي غُصَّةٌ بيضاءُ.. فارهةٌ دماءُ الوردِ في صبرا وشاتيلا وفي جسدِ الرخامْ * كمن يتعقَّبُ ظلَّ القصيدةِ أو قمراً لا يضيءُ.. كمنْ يُبقِّعُ بالشهوةِ الليلَ أو يرتقُ النهرَ بالرائحةْ لا مرايا تقدُّ قميصي من الخلفِ.. لا قُبلةٌ مالحةْ ترتقُ الحُبَّ في جسدي بالغيابِ وبالبارحةْ فلمنْ كلُّ هذا الحنينِ؟ لمن كلُّ هذا السرابِ لمنْ؟ * أضعتُ كتاباً لبورخسَ في صغري في سقيفةِ بيتٍ قديمٍ ملوَّنةٍ بالعصافيرِ.. زرقاءَ.. خضراءَ.. صفراءَ.. مكتظَّةٍ بالفراشاتِ شفَّافةً كالنداءِ.. مكثَّفةً كالصدى وأضعتُ حصاناً من الخشبِ المهاغونيِّ في غابةٍ استوائيَّةٍ وقصائدَ مكتوبةً بمياهِ التباريحِ أو برذاذِ النسيمْ أضعتُ نساءً.. وأمكنةً.. وحدائقَ منسيَّةً.. ونجوماً خريفيَّةً.. وأغانٍ ومنذُ ثلاثينَ عاماً أُفتِّشُ عنها بلا أيِّ جدوى كطفلٍ يُفتِّشُ في غرفةِ الحلمِ عن لعبةٍ من هواءٍ، وفي حفرةٍ عن غيومْ * الوحيداتُ يحتجنَ تقليمَ لبلابهنَّ الذي امتدَّ في الليلِ خارجَ أسوارِ أجسادهنَّ كحاجتهنَّ لبُنِّ الظهيرةِ أو للغناءِ الذي يشبهُ المطرَ المتواصلَ.. يحتجنَ ثرثرةً عن أساطيرِ عشَّاقهنَّ القدامى ويحتجنَ شمساً لتلميعِ أحلامهنَّ ويأساً خفيفاً ليكتبنَ أسرارهنَّ.. الوحيداتُ يحتجنَ تقليمَ لبلابهنَّ المراوغَ قبلَ أظافرهنَّ.. وتأجيلَ معنى الفراغْ * فيا امرأةً ملوَّعةً أُسمِّي شذى ليمونها ناري ومائي نسيتكُ في فضاءِ الكحلِ حتى رأيتكِ كالغزالةِ في النداءِ حدائقكِ الكثيرةُ فيكِ ربَّتْ حرائقكِ المطيرةَ في دمائي أُسمِّي صوتكَ النعناعَ.. وحدي ألمُّ خطاكِ في ليلِ اشتهائي * عانقْ القصيدةَ على عجلٍ كمن يتأهبُّ للسفرِ قبِّلها كامرأةٍ جميلةٍ قبل تلويحةِ الوداعِ أو أُنفخ لها قبلةً في الهواءِ كما تنفخُ صباحاً لإحداهنَّ أقصدُ تلكَ التي لا تريدُ الخروجَ من قلبكَ مع أنها طردتكَ من قلبها آلافَ المرَّاتِ القصيدةُ انتظارٌ فضيٌّ على بوَّابةِ الرغبةِ لا يُجيدُ التناحرَ مع الآخرينَ فالغزلانُ لا تحسنُ القيامَ بوظائفِ الجنودِ هي فقط تحرسُ ظلالَ البريَّةِ وحدودَ النسيانِ وأشجارَ الليمونِ التي تشربُ قهوةَ الصباحِ بمعزلٍ عن كائناتٍ تغزلُ ثوباً جديداً للأرضِ القصيدةُ امرأةٌ ترقصُ على وقعٍ أنغامٍ غيرِ مسموعةٍ وفراشةٌ كلَّما سمعتْ حرباً ترغي في مكانٍ ما تتأهبُّ للطيرانِ * بملاقطِ الألمِ المكابرِ والنبيلِ رفعتُ عن شفتينِ ناعمتينِ عن خصرٍ كحقلِ التوتِ عن صدرٍ من الياقوتِ أجملَ وردةٍ بريَّةٍ حمراءْ شِعري يُذكِّرني فلا أنسى أنوثتكِ التي استعصتْ على التفسيرِ والتعريفِ والتحليلِ والإنشاءِ هل تنسى الظلالُ الضوءَ؟ هل ينسى الترابُ الماءْ؟ قلبي يعذِّبني.. لأنكِ آخرَ الدنيا.. لأنكِ أولُّ الأشياءْ * تردَّدتُ كالغُصنِ في الريحِ كالعاشقاتِ الصغيراتِ كالماءِ في النثرِ / كالظلِّ في الشِعرِ كالشجَرِ المُقتنى / كالعبيرِ المراوغِ كامرأةٍ سلَّمتْ قلبها للطيورِ.. تردَّدتُ قبلَ كتابةِ هذي القصيدةِ قبلَ اقتفائي خطاكِ وضحكتكِ الخلبيَّةِ قبلَ الذهابِ إلى النومِ قبلَ انحنائي على قصبِ الليلِ قبلَ اشتهائي لعينيكِ في قمَّةِ الارتباكْ تردَّدتُ كيما أُدرِّبَ قلبي على الصدِّ كيما أراني بمنعزلٍ عنكٍ.. كيما أراكْ * أفتحُ نافذةً للنهارِ تطلُّ على مطرٍ أوَّلٍ وعناقٍ طويلٍ لرائحةِ البُنِّ في شارعٍ ضيِّقٍ والحنينِ على بُعدِ أُغنيةٍ تتفتَّحُ حولَ حقولِ الصباحِ كما يتفتَّحُ في جسدِ امرأةٍ أربعينيَّةٍ برعمُ البرتقالِ الأنوثيِّ أو جرحُها النرجسيُّ الذي لا يُقالْ * قدمايَ رقصةُ موجةٍ وأصابعي الناياتُ والغاياتُ والأوتارُ وفمي بنفسجةُ الضبابِ وكاحلي جهةٌ لمعناها تصبُّ النارُ فكأنما أمشي ولا أمشي ولي حبقٌ يضيءُ غوايتي ومَحارُ ورمادُ عنقائي وجانداركُ التي من حبِّها تتوهجُّ الأشعارُ وخضابُ أوفيليا وماءُ جمالها تُسقى بهِ الأرواحُ والأزهارُ تركتْ لأنكيدو البحيرةَ كلَّها مفتوحةً.. أزرارُها النوَّارُ وخريفُ إلسا في النساءِ ودمعةٌ يحتاجها أراغونُ أو إيلوارُ * القصيدةُ لا تكسرُ الشوقَ لا يُكسَرُ الشوقُ إلَّا بماءٍ عنيدٍ يُساقي رمادَ ورودِ الشفاهْ ولا يُكسرُ الشوقُ إلَّا بتفَّاحتينِ اثنتينِ تشقَّانِ عريَ القميصِ الذي هفهفتهُ المياهْ القصيدةُ لا تكسرُ الشوقَ لا تنحتُ الآهَ من شهقةٍ في الأصابعِ لا تصلُ الفمَ بالفمِ والخصرَ بالخصرِ واللسعةَ الأُنثويَّةَ بالضفَّةِ المشتهاهْ القصيدةُ عُريانةُ القلبِ في زمهريرِ الحياةْ * شيءٌ خفيٌّ ما يحرِّضني لأغفرَ أو لأدخلَ في الهلامِ الدائريِّ.. أنا المدجَّجُ بالشتاءِ وبالرياحِ السبعِ.. قلتُ: لعلَّني أنسي.. ولكنْ ما الذي فعلاً أُريدُ من الحياةِ، من الكتابةِ، من ثمارِ حنينِ آدمَ للتفتُّحِ والنهوضِ من الترابِ، من النساءِ اليائساتِ من الرجالِ؟ بداخلي رجلٌ يقاسمُ ذئبةً خبزاً ويمضي دونَ أن يدري إلى أينَ.. الهشاشةُ حصَّتي وفراشتي الصفراءُ.. هل يبكي الرجالُ لأنَّ حظَّاً ما تعثَّرَ في الطريقِ؟ لأنَّ حُبَّاً ما تأخَّرَ؟ رغبتي زرقاءُ.. لا كالبحرِ.. لا كصدى الغيابِ.. ولا كصوتِ الماءِ.. لا كالريحِ حينَ تحكُّ كحلَ الساحلِ العاري.. ولا كالغيمِ.. لا كأصابعِ التمثالِ وهوَ يُشيرَ نحوي في الحديقةِ.. رغبتي زرقاءُ من شوقِ الأنوثةِ للجمالِ.. من استعاراتِ الصدودِ أو الوصالِ من احتراقاتِ الأهلَّةِ في السريرِ وفي الجسدْ * على امرأةٍ بأنوثتها لا تثقْ لا يُعوَّلُ.. حتى ولو كانَ سيَّدَ أعضائها الماءُ أو طارَ عن صدرها حجَلٌ واحترقْ *
سيرةٌ شعريَّة
نمر سعدي من بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها. بدأ بنشر بواكير أشعاره في صحيفة الإتحاد الحيفاوية منذ عام 1999. يتميز شعر نمر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة، يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة، موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة، عربية وشرقية، ومنها العامة، أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي، ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا. تنصتُ أشعارُهُ لهموم التجربة الحياتية وتزخمُ بالموسيقى الهادئة. نمر سعدي واحد من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية الفلسطينية، لما يمتاز شعره به من طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة، وهو يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية، وقصيدةَ النثر. كرَّمته مؤسَّسة الأسوار في عكا عام 2007. صدرَت له الدواوين الشعرية التالية: عذابات وضَّاح آخر / 2005 / مطبعة فينوس/ الناصرة موسيقى مرئية / 2008 / منشورات مجلة مواقف/ الناصرة كأني سواي / 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا يوتوبيا أنثى / 2010 / منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله ماء معذَّب / 2011 / منشورات مجلة مواقف / الناصرة وقتٌ لأنسنةِ الذئب / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع/ القاهرة تشبكُ شَعرها بيمامةٍ عطشى / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة وصايا العاشق / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة موسيقى مرئية / طبعة ثانية / 2015 / دار سؤال/ بيروت / لبنان رمادُ الغواية / 2017 / دار الانتشار العربي/ لبنان/ بالتعاون مع نادي الباحة الأدبي / المملكة العربية السعودية تقاسيم على مقامِ الندم / مخطوطة شعرية
تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية. نشر قصائده ومقالاته في الكثير من المواقع الأدبية والثقافية على الشبكة العنكبوتية مثل كيكا والندوة العربيَّة والحوار المتمدِّن والمثقَّف وديوان العرب وجماليا ومركز النور، وفي المجلات والصحف المحلية مثل الشرق ومواقف والإتحاد وكل العرب والأخبار وفصل المقال والحياة الجديدة بالإضافة إلى نشرهِ في مجلات وصحف العالم العربي المرموقة مثل أخبار الأدب المصرية والآداب اللبنانية والدوحة القطرية والنهضة السورية والأهرام المصرية والقدس العربي وعكاظ السعودية والخليج الاماراتية والعرب اللندنية والعربي الجديد والنهار اللبنانية وغيرها. كما أنَّ لمجلة الكلمة الالكترونية التي تصدر في لندن ويحرِّرها الناقد المصري الكبير الدكتور صبري حافظ دوراً هاماً في التعريف بتجربة نمر سعدي الشعريَّة من خلال نشرها لقصائدهِ ونصوصه النثرية ودواوينه. *****
#نمر_سعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايقاعات رعوية
-
مطرُ الغريب(قصائد عن ليلِ المعنى)
-
حنينٌ يستيقظ في الظهيرة
-
لو تأخَّرتِ قليلاً عن غوايتي
-
وردٌ على رمادِ القصيدةِ (مرايا نثرية 9)
-
استعارات جسديَّة
-
عن الشعر والأنوثة وأوَّل المطر/ مرايا نثرية(8)
-
أربع قصائد
-
قوسُ قزحٍ على جبلِ الكرمل (مرايا نثرية7)
-
أحمد حسين.. شاعر حيفا المعذَّب بجمالها
-
مرايا نثرية 6
-
مرايا نثرية 5
-
(رماد الغواية) ديوان جديد للفلسطيني نمر سعدي
-
مجازات (قصائد جديدة)
-
نقطةُ ضوء واحدةٌ من التماعات بدر
-
مرايا نثرية 4
-
فاروق شوشة.. آخرُ الرومانسيِّين
-
حلمُ نوبل للأدب.. هل يتحقَّق عربيَّاً مرَّةً أخرى؟
-
ثعلبٌ ينامُ في حدائقِ السرياليِّين
-
نمر سعدي: الشعراء فوضويون وقصائدهم رسائل شخصية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|