لمى يونس
الحوار المتمدن-العدد: 6167 - 2019 / 3 / 8 - 23:33
المحور:
الادب والفن
لستُ أذكرُ كم من السنواتِ مرّت عليّ
ثابتةً في مكاني
أحتمي بأغصاني من بطشِ الزّمن
فقد كُتِبَ عليّ أن أنمو على هامشِ الطبيعة
وأن أُطِلَّ على المدنيّةِ من قلبِ رصيفٍ حجريٍّ أغبر
تركتِ الصُّدفةُ فيهِ بعضَ بذورِ الحياة
كبرتُ يتيمةً محرومةً من الوطن
محرومةً من الرّفاق..
لطالما خطرَ لي أن أجتثَّ جذوري وأهربَ إلى الغابةِ القريبة
الأولادُ في المدرسةِ المجاورة يتفوّهون بكلامٍ غريب
من قال لهم إنَّ الوطن هو حيثُ تكون الجذور؟!
وإنَّ الشجرةَ تشمخُ مزهوّةً بثباتِها
وإنّ الشعبَ العظيمَ يموتُ واقفاً كالشجر؟!
تتغنّون بثباتي
وأحلمُ بحرّيّتِكم
فقد وُلِدتُ مشنوقةً بجذوري
بينما يمكنُ لأي بشريٍّ منكم
أن يضربَ جذورَه في الأرضِ التي يريد
قد أموتُ واقفةً
وما ذلكَ بالبطولةِ ولا التّجبّر
بل عجزاً عن فعلِ أيّ شيءٍ آخر
فكلُّ ما يمرُّ بي لا أملكُ لهُ ردّاً ولا تغييراً
غبارُ الطرقاتِ المزدحمة
يُلبسُني ثوباً من رملٍ أبيض
دخانُ السياراتِ الخانق
يستعمرُ خلايا أوراقي
ويتركني لغثيانٍ صيفيٍّ طويل
والريح..تهزّني ساخرةً
من وهنِ أغصاني حيناً
ومن عجزي عن اللحاقِ بها أحياناً كثيرة
من مكاني كنتُ شاهداً على شرورِ بني البشر
وتناقضاتِهم الغريبة
فقد تصدمني سيّارة طائشة
ويهرعُ النّاس لنجدةِ السّائق
قد يلتهمني حريقٌ أعمى
ويسرعونَ لإنقاذِ الجدران
قد تحتلُّ العلبُ الفارغةُ والأكياسُ ركني الصغير
دونَ أن أتمكّنَ من إبعادِها
يمرُّ الرّبيعُ على الدنيا فرِحاً متسربلاً بالضياء
وأبقى أنا أسيرةَ فصلِ المدينة
مكتفيةً بثوبٍ بسيطٍ من الأزاهير
لا ألبثُ أن أفقدَهُ إثرَ رميةٍ خاطئةٍ
لكرةٍ خرقاء من أحد الأطفالِ المتجمّعين في الساحة
أفراحي اليوميّة الصغيرةُ بالكادِ ترويني
عصافير تلقي عليَّ التحيّة
أطفالٌ ينظرون إليَّ بفضولٍ غريب عند المرورِ بي
لم أذُق طعم الحرّيةِ إلا في ماء المطر
ينهمرُ عليَّ كلَّ شتاء
ليغسلَ عنّي عناءَ عامٍ من الحياةِ في الشوارع
حاملاً إليَّ رسالة السماءِ البعيدة
كلُّنا تحتَ سقفِها أحرار!
#لمى_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟