أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الأول














المزيد.....

شام-الفصل الأول


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6167 - 2019 / 3 / 8 - 15:12
المحور: الادب والفن
    


كانت سلالة كاملة من الموسيقيين والمغنيين المصريين قد ماتوا خلال السنوات القليلة الماضية، والحياة الثقافية في البلاد كانت تتراجع وتصبح أكثر تفاهة بسبب استحواذ التلفزيون على إهتمام الناس، ببرامج رديئة ومسلسلات أكثر رداءة، حينما تركت تدريس مادة الفنون في ثانوية عربستان، ذات الثانوية التي حصلت فيها على البكالوريا قبل أقل من عشر سنوات.

كنت مرتاحاً، من جهة، لأنني تخلصت من رائحة ضراط وفساء وقذارة أجساد وثياب الطلاب التي كانت تملأ غرف التدريس في أشهر شتاء القامشلي القاسية، وهذا وحده كان كافياً ليبعث في الجنون، وقلقاً، في الجانب الآخر، لأنني ذاهب لأداء الخدمة العسكرية.
لم أسمع أحداً يتذكرها، ممن خدموا، بحنين، كما نفعل عادة حينما نتذكر الأحداث التي مرت في حياتنا.

كانت درجات الحرارة في ذاك الصباح الحلبي مُرعبة، حينما سلّمت أوراقي، مع مئات من شبان في عمري، وبعضهم من زملاء كلية الفنون، في ثكنة هنانو القريبة من قلعة حلب العتيدة.
استسلمت كخروف وديع إلى الحلاق الذي أزال شعر رأسي بالكامل، طأطأت رأسي حينما دفع الحلاق برأسي من الخلف بحركة غير ودّية. اكتفيت بالنظر إلى الخصلات التي كانت تتساقط حولي كندف ثلج أسود.
بعد هذه المجزرة حصلت على بدلتي الكاكية، وأعازوا لي الإلتحاق بمدرسة المشاة في المسلمية بعد أسبوعين.
انضممت إلى الزملاء وصرنا نسخر من أشكالنا وضحكنا كثيراً، ثم اتفقنا على تناول وجبة من الكباب الحلبي ذائع الصيت، مع ذاك البصل المثخن بالسمّاق.
وقُبيل أن يحلّ المساء كنّا داخل باص في الطريق إلى دمشق.
طبعاً تحضّرت للتعليقات التي سأتلقاها من العائلة والأصدقاء في دمشق بشأن شعري الذي أزيل وصرت أشبه دجاجة مغليّة.

نهضت في اليوم التالي في وقت متأخر، فاغتسلت وذهبت إلى زيارة مها في القصاع. كان يوماً صيفياً على نحو تقليدي، رائحة الياسمين تنتشر في كل مكان، والشارع الذي تسكنه تظلّله أشجار الصفصاف والسرو التي تمنخلت فيها أشعة الشمس لتتلّطخ الأرصفة ببقع متوهجة من النور وليصبح المشهد وكأنه إحدى لوحات رسام إنطباعي.
قهقهت مها حينما رأتني، إلا أنها سرعان ما بدّلت تعابير وجهها كي لا تؤلمني أكثر وانصرفت لتحضير القهوة.

لم أذهب، في الحقيقة، لزيارة عادية لمها، بل كنت، لسبب ما، متيقناً أن سميّة ستظهر عندها على نحو مفاجئ أيضاً.
لقد مضى على آخر لقاء لنا أكثر من سنة، لم أسمع عنها شيئاً، وكذلك مها. مازلت مرتبطاً معها بشكل ما.
المتطّيرون سيقولون إنها روحانيات، أما أنا فلا أعرف أي تفسير لهذا الأمر. أمر ما يدفعني، نعم، يدفعني ببساطة إلى أن أقوم به، ولا أعرف أكثر من هذا.
كنّا نشرب القهوة حينما وقفت سميّة على باب الصالون المشرع على الشارع، تفصله حديقة نحيفة. فغرت مها فاها وهرعت إلى احتضانها. جلست على الأريكة ونظرت إلي بابتسامة وقالت: «تسريحة جميلة». فابتسمت أيضاً. ولم نتبادل أية جملة في الدقائق الخمس التالية. مها كانت تمطرها بالأسئلة وسميّة ترّد عليها، وأنا كنت غائباً في قوقعة ولم أكن أسمع سوى صدى لحوارهما، وكأن الحوار يجري في غواصة.

كنت قد أنهيت فنجاني الثاني، وأطفأت سيكارتي، حينما وقفت موجهاً كلامي إلى مها «دايمة». «يجب أن أذهب الآن»، دون أن أدع لها مجالاً لتوقفني أو حتى تردّ علي.

هذه كانت آخر مرة ألتقي سميّة.

(الفصل الأول من رواية «شام»)



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأطهّر المنطقة أولاً
- فصل جديد من رواية «كوبنهاون»
- الطيران مع «آنا»
- مرّة اخرى، القامشلي
- هنريك، ملك الدانمارك
- اوصماني برو
- معمارية متحف لوڤر أبو ظبي
- فصل من رواية «كوبنهاون»
- البازلّاء
- البعوض وحشرات اخرى
- العناكب
- مجرّد خطوة اخرى نحو وضع حد للحياة
- في ثقافة التفويل
- أكثر من نصف جسمك ليس بشراً
- الألزاس، ذهاباً وإياباً بالسيّارة (الجزء ٢ من ٢)
- الألزاس، ذهاباً وإياباً بالسيّارة (الجزء ١ من ٢)
- رسالة إلى جورجيت
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا (الجزء الأخير)
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا (الجزء الثاني)
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الأول