أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل جوهر - يوم غير منطقي














المزيد.....

يوم غير منطقي


عادل جوهر

الحوار المتمدن-العدد: 6167 - 2019 / 3 / 8 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


رغم عدم برودة الجو إلى درجة كبيرة، كان "علي" يغطي نفسه باثنين من الألحفة الثقيلة جداً. في داخله كان يدرك أن الخوف هو ما يجعله يشعر بالبرودة أكثر فأكثر. مرت الساعات من التاسعة مساءً حتى الواحدة بعد منتصف الليل وهو لا يستطيع النوم ويزداد خوفاً. فمع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من مرة بسبب الأمطار، فإنه كلما اغمض عينيه رأى غراب كبير بعيون حمراء ينظر إليه، فيقوم مفزوعاً ويردد ما استطاع من آيات القرآن الكريم.. لكن ذلك لم يجدي شيئاً معه. "علي" هو طفل وحيد على ثلاث أخوات، في الثانية عشر من العمر، تميل بشرته إلى السواد قليلاً، له عيون واسعة، وذو شعر أكرت وأذنان كبيرتان نسبياً.
لقد كان اليوم من أوله عجيباً بالنسبة لعلي.. في بداية اليوم ذهب مع أخته الكبيرة إلى "شيخ" يخافه الجميع من سكان المنطقة، وذلك لما له من سطوة على العالم الآخر (الجان). أخته لم يكن لها نصيباً كبيراً من الجمال، وهى لا تعترض على ذلك فتلك إرادة الله، ولكنها بادرت بالسؤال والمعرفة عن كل شيء يخص الجمال، حتى تستطيع أن تمتلك منه شيئاً خاصاً بها...
دخل علي وأخته إلى بيت غريب، به زوار كثيرون، وقد ارتجف بشدة من منظر بعض الصور المعلقة على الحوائط، ومنظر زوجة "الشيخ" التي كانت مصابة بالبرص في جسدها..
- السلام عليكم.. مولانا موجود؟
- طبعاً.. اتفضلي يا بنتي..
ضربات قلب علي كانت تزداد مع كل كلمة، وتعلقه بجسد أخته كان يزداد أيضاً. توقف عقله وأغمض عينيه وهما في طريقهما إلى داخل غرفة الشيخ. وبعد أن جلسا أمام الشيخ في غرفة مكونة من ثلاث كنبات وذات حوائط ملونة باللون الأبيض وعلق عليها بعض السور القرآنية، لم يغير هذا شيئاً من خوف علي، وأراد لو أنه يتمكن من الدخول في أخته كما كان في رحم أمه، وقد ازداد العرق كثيراً على جسده..
الشيخ: لا تخافي يا عبير.. سأجعله نعلاً ترتديه وليس فقط بعلاً لكِ..
تنهدت عبير وهي تقول: آآآه.. ياريت يا عم الشيخ.. وانا تحت أمرك..
الشيخ: الأمر لله وحده.. هي طلبات الأسياد وبس..
نظر علي إلى الشيخ ثم إلى أخته، وعقله يفكر ما هذا؟.. الأمر لله.. طلبات الأسياد.. نعلاً وبعلاً.. ما هذا اللغط والكفر... كان خائفاً أن يواجه الشيخ بهذا الكلام، فقبل المجيء إلى هذا المكان، كان قد استمع إلى الحوار الذي دار بين أمه وأخته حول بركات الشيخ، وكيف أن جارهم قد وجد عملاً مكتوباً بخط يده، وعندما أراد إحراق الورقة المكتوب عليها بخط "مولانا" لم تحترق، بل طارت الورقة وأحرقت جزءً من وجهه ثم عادت إلى الأرض ملفوفة كما هي.. والأخرى التي أرادت أن تكون غنية، وبعد ثلاثة أيام تقدم لها أغنى رجل في المنطقة – رغم أنها لا تمتلك نصف جمال أخته...
تذكر علي كلام والده عندما رأى ورقة من المصحف الشريف ملقاة على الأرض، وأمره أن يحرقها، فأكلتها النار.. سأل نفسه: هل تأكل النار كلاماً من عند الله، ولا تأكل كلاماً بخط يد هذا الشيخ؟!...
بدأ الشيخ في سؤال أخته عن تاريخ ميلادها واسم أمها، فأجابته.. أمسك الشيخ بين يديه ورقة مرسوم فيها شكل على هيئة نجمة، وأخذ يكتب فوقها بقلم أحمر – في الوسط توجد دائرة كان يكتب بها وهو يتمتم ببعض الكلمات السريعة. كان ينظر كل فترة إلى أركان الغرفة، ومع كل نظرة يزداد خوف علي...
أخيراً وضع الورقة من يده بعد أن طبقها سبع طبقات في طبق من الصيني، ثم صب القليل من الماء وأخذ يقلب الورقة، ثم جاء بزجاجة صغيرة ووضع الماء بها.. مد يده بالزجاجة إلى أخته قائلاً: بصي يا بنتي.. الميه دي تترش قدام باب شقته.. وان شاء الله هيجيلك زاحف...
قبلت أخته يد الشيخ قائلة بفرح شديد: ربنا يخليك يا مولانا.. كام يا مولانا؟
قال الشيخ بسرعة: ألف جنيه دلوقتي.. والباقي لما يتم المراد.. طبعاً انتي مش هتنسي...
أعطته عبير النقود، وعلي ينظر إليها بحيرة متذكراً ضربها له عندما يأخذ جنيهاً واحداً من حقيبتها..
- لا تنسي وضع الورقة تحت رأسك
- حاضر يا مولانا

استنشق علي الهواء بقوة بعد خروجهما، ناظراً إلى السماء وكأنه يعاتب الله على تركه لهذا الشيخ.. عند وصولهما إلى البيت فتحت لهما أمهما، وقالت لأخته بلهفة: إيه الأخبار؟
- حصل يا امه.. كان عارف كل شيء قبل ما احكيله أي شيء!
ابتسمت الأم راضية وتوجهت بالشكر إلى الله، ودخل علي إلى غرفته دون أن يأكل شيئاً.. وعندما أمطرت السماء لم يكن يسمع صوت قطرات المياه فوق زجاج النافذة – في الماضي كان ينتظر هذا الصوت الذي يشعره بالسعادة، أما الآن فهو يرى أسياد "مولانا" يملئون أركان غرفته......



#عادل_جوهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النمل
- الرجل والبرص
- طريق الجنون
- حياة غادرة
- حلم
- إعدام إبليس
- سحاب الآلهة
- الناتج
- منزلنا من ثلاثة أدوار
- غرغرينا
- ظلال الأجداد
- انتقام
- ثورة البحر
- مجرد كلام
- الدخيل
- ظل الروح
- مستقبل شاب
- القراميط
- ماذا عن الحمار!
- مصادفة


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل جوهر - يوم غير منطقي